شركات العطور تتجه إلى عطور السعادة من أجل التميز وتفادي الخسارة

بعض شركات ومصممين العطزر يوفق والبعض الآخر يفشل ليعاود الكرة مرة ومرات قبل ان يحصل على الوصفة التي تثلج صدره من الناحية التجارية
بعض شركات ومصممين العطزر يوفق والبعض الآخر يفشل ليعاود الكرة مرة ومرات قبل ان يحصل على الوصفة التي تثلج صدره من الناحية التجارية

الكاتب الفرنسي مارسيل بروست قال ان العطر افضل مستودع لذكريات الماضي، وتؤكد الأبحاث أن رشة عطر تشجع على افراز مواد كيميائية في المخ في ظرف اربع ثوان، تجتاحك بعدها حالة من الانشراح والسعادة.


أما في لغة الأنوف، أو الخبراء في اختيار الخلاصات ومزجها فإن«العطر ليس مكونات وخلاصات فحسب، بل هو حالة ذهنية وتجربة شخصية لا تتوقعها.

ابتكاره لا يتم حسب متطلبات المجتمع، بل يجب ان يكون تعبيرا عن وجهة نظر مختلفة».

هذا ما قاله خبير العطور الشهير سيرج لوتان، ويقصد به التميز الذي يحرك الحواس والعقل ويكسر المألوف.

وهذا بالتحديد ما تحاول العديد من شركات التجميل والعطور ان تحصل عليه في قارورة مبتكرة تجذب العين اولا وتسحر الحواس بمجرد فتحها وانبعاث شذاها.

البعض من هذه الشركات والمصممين يوفق والبعض الآخر يفشل ليعاود الكرة مرة ومرات قبل ان يحصل على الوصفة التي تثلج صدره من الناحية التجارية.

وقليلة هي العطور التي تصبح أيقونية مثل عطر «شانيل نمبر 5» الذي تباع منه قنينة كل 30 ثانية حسبما تقول الأسطورة، ولا يزال الدجاجة التي تبيض ذهبا لدار «شانيل» حتى بعد مرور اكثر من 80 سنة على ابتكاره. لكن المحاولات لا تزال مستمرة، ولم توقفها أحوال السوق غير المضمونة حاليا.

الغريب في الأمر أن الخبراء يقولون انه حتى مع تزايد عدم ثقة المستهلك وعزوفه عن التسوق، إلا ان العطور تعيش عصرها الذهبي هذا العام.

أولا لأن الأزمات هي المحك الذي يشحذ الابداع، وثانيا لأن العطر هو اسهل طريقة لتحسين المزاج ورفع المعنويات، عدا ان مناسبات الأعياد ورأس السنة وغيرها تحرك هذا السوق بشكل كبير هذه الايام، مما يفسر هذا الكم الهائل من العطور التي تزكم انوفنا بمجرد دخول أي محل.

في السابق كان أحمر الشفاه هو المنقذ لبيوت الازياء وشركات التجميل، لانه المتنفس الذي تتجه إليه المرأة في أوقات الأزمات المالية والاجتماعية والنفسية لتحسين مزاجها والهروب من الواقع، والآن تشير ارقام المبيعات ان العطور سحبت السجاد منه وسبقته بأشواط، ربما لأنها تخاطب الرجل ايضا مما يوسع خريطة الزبائن.

لكن ليس كل العطور تعرف نفس الإقبال، فحسب ما نشرته منظمة تضم مجموعة من الباحثين في أحوال السوق «إن.بي.دي جروب» فإن العطور التي يفوق ثمنها الـ100 دولار هي التي ارتفعت بنسبة 7% في الولايات المتحدة الاميركية بالخصوص، مثل منتجات شركة «كريد» الباريسية التي احتفلت مؤخرا بعامها الـ250، والتي تؤكد ان مبيعاتها تضاعفت في العقد الاخير من العام، إلى حد أنها تشجعت على التوسع في السوق الاميركية مؤخرا بافتتاح محل تبلغ مساحته 400 قدم مربع في «ماديسون افينيو».

«كريد» تبيع عطورها بأسعار تتباين بين 122 إلى 605 دولارات، بعضها بعدد محدود وقعه الخبير أوليفييه كريد بنفسه.

بالطبع ما شجع على هذه الخطة التوسعية، وفي هذا الوقت بالذات اقبال الناس، اللاشعوري، على تحسين مزاجهم من خلال عطور متميزة، من جهة، وانخفاض اسعار الإيجارات إلى 50% في بعض المناطق من جهة ثانية.

فريدريك مال ايضا افتتح اول محل له في الولايات المتحدة، وإن أنكر ان يكون انخفاض اسعار الإيجار هو ما شجعه على هذه الخطوة «فجزء من نجاح شركتي اني دائما أسبح ضد التيار» حسبما أكد.

من جهتها، شهدت شركة «ديبتيك» الفرنسية المعروفة بعطورها الخاصة جدا وشموعها العطرة، ارتفاعا بنسبة 20% هذا العام.

لذلك ليس غريبا أن يعم التفاؤل مجال هذه الصناعة خصوصا مع اقتراب مناسبات رأس العام، حيث تزيد حركة البيع والشراء لتقديمها كهدايا للنفس وللغير، لا سيما وأنه عندما يتعلق الأمر بالعطور، فإننا نشتري ما يدغدغ حواسنا بغض النظر عما إذا كانت هناك ازمة أم لا.

بل ربما تكون الأزمة قد خدمت البعض، لأنها أفرزت تغيرا في ثقافة المستهلك الشرائية، بمعنى انها علمته ان يختار عطورا متميزة، من منطلق جودة خلاصاتها وليس من منطلق رخص أسعارها. نفس الشيء كان قد حصل في جانب الأزياء من حيث الإقبال على الاساسيات والكلاسيكيات اكثر من الصرعات.

وربما هذا ما يفسر تراجع مبيعات العطور العادية، واستدعى استنفارا قويا من قبل معظم المصممين وبيوت الازياء والشركات المصنعة للعطور، لطرح المتميز والمترف فقط، حتى يحافظوا على زبائنهم ولا يلحقوا بأنفسهم وسمعتهم أي خسارة.

فالزبائن، حسب قول خبير العطور، فريديريك مال «ليسوا ساذجين» فهم يفضلون صرف 100 دولار على أن يصرفوا نصف المبلغ لقاء الحصول على عطر عادي جدا يتبدد شذاه مع اول نسمة ريح، او في أسوأ الحالات يخلف رائحة غير مستحبة تصيب صاحبها بالدوخة وكل من يشمها بالنفور.

المصممة لوليتا لامبيكا، من الناس الذين استفادوا من الدرس أو استوعبوه بسرعة، وإن كانت تتبع خطا خاصا، تحرص فيه على طرح المميز في كل موسم، حتى قبل حدوث الأزمة. المرأة التي تتوجه لها في الغالب انثوية ورومانسية مما يجعل الإقبال عليها ثابتا، وليس ادل على هذا من عطرها «سي لوليتا» الذي تقول عنه انه جريء وواثق كما يدل اسمه القصير:«سي» وخلاصاته النابضة بالورود والأزهار والفلفل والكهرمان.

المميز في هذا العطر أنه يجمع خبرة انف بارع في الشم وفي مزج الخلاصات المترفة والزيوت المتنوعة، بموهبة مصممة تفهم في الاقمشة والخطوط الرومانسية وما تريده المرأة عموما، لتأتي النتيجة معطرة باللون الأحمر الداكن والأزهار البرية والباتشولي وحبات الفلفل ونكهات الحامض المنعشة الناجمة عن المندرين، إلى جانب المشمش والكهرمان وحبوب التونكا الحلوة.

وحتى إذا لم يستهوك العطر، فإن شكل القارورة المنحوت على غرار جسم بانحناءات سخية مغطاة بوشاح من الموسلين ويعززها إطار ذهبي، سيجعلك تغيرين رأيك وتتوقين لاقتنائها، ولو لتزيين طاولتك.

للرجال ايضا نصيب من هذه الطفرة العطرية، فدار دانهيل طرحت بدورها «دانهيل 51.3 N » الذي يصفه ويل أندروز، أخصائي تركيب العطور في الدار بأنه «يجمع بين المتناقضات».

المكون الرئيسي فيه عبارة عن أريج غير مألوف نسبيا، هو أريج الراوند سريع التطاير، الذي يمنح انتعاشا قويا ونفاذا.

ولزيادة هذا الإحساس، جعل اندروز وفريقه المكونات الأساسية من رائحة القرنفل والفلفل الأسود الفواحة ليزيد من قوته.

ثم تمت معادلة هذه القوة بإضافة أريج أزهار اللافندر وأوراق الأرز التي تضفي الطابع الرجالي للعطر وتمهد للمكونات القاعدية المألوفة من عبير أشجار خشب الصندل وشذى زهرة الونيلية.

كما هو معتاد في عطور دانهيل عموما، فإنه يعبق بأجود الخلاصات، ولم تتم الاستعانة بالروائح المركبة صناعيا، فضلا عن استخلاص زيوت زهرة القرنفل والفلفل الأسود بأسلوب جديد، نتج عنه زيت نقي بدرجة رائعة. ويؤكد أندروز على أنه ليس مجرد عطر يتطاير وينفصل عنك، بل يتفاعل مع صاحبه فيبدو وكأنه نابع منه.

ومن الشرق، تطل علينا دار «امواج» العمانية، بمجموعة من العطور المستلهمة من أساطير وقصص طريق الحرير لكل من الجنسين.

واحتفالا بمرور خمس وعشرين عاماً على تأسيسها، اطلقت مجموعة «إيبك» التي تقول الدار إنها تستقي جيناتها وخلاصاتها من عمق ثقافة الشرق لكن بأسلوب عصري غربي يقرب بين القلوب والحضارات.

كريستوفر تشونغ مديرها الفني أكد انه استوحاه من الأوبرا «توراندوت» لبوتشيني، حيث تصور حكاية امرأة فاتنة تجوب ربوع طريق الحرير الشاقة بحثاً عن المقطوعة المفقودة، وأثمرت هذه الرحلة القاسية عن باقة مما كان يتاجر به العرب وغيرهم في طريق الحرير كالذهب واللؤلؤ وأوراق الشاي الصيني والتوابل الحارة واللبان، والعود العربي الأصيل.

يتميز عطر «إيبك» للمرأة بنغمات من الكمون، وإكليل الغار، والقرفة التي تتخلل باقة ندية من الورد الدمشقي والجرمانيوم والياسمين المغطاة بأوراق الشاي في نغماته الوسطى. أما في قلبها فتتمازج نفحات من العنبر الحلو والفانيليا واللبان والسوسن المتوازنة مع عبير مفعم بالباتشول والعود لتستقر في نغماته الأساسية المثيرة.

أما«إبيك» للرجل، فهو عطر خشبي شرقي، يتألق بنغمات عليا من عبير التوت والهيل، والزعفران، وجوزة الطيب، ويتوسطه المر والجرانيوم اللذان يثيران عبق أريج الزهر المنتشرة في بلاط ملكي، ليهدأ بمزيج من العود، والباتشول والخروع المطرى بنفحات الجلد في نغماته الأساسية والمنسجم بطبقات من اللبان.

المسك أيضا من الخلاصات التي ارتبطت بالعرب وطريق الحرير، لكن المصمم الذي استفاد منه أكثر هذه المرة، هو نارسيسو رودريجيز، في عطره «نارسيسو رودريجيز فور هور» أي للمرأة.

فقد استوحاه من مسك مصري اهدته إليه سيدة لا يمكن ان ينساها حسب ما يقول، وشجعته على التعاون مع كل من كريستين ناغيل وفرانسيس كوركديجيان، ليتحول على أيديهما إلى عطر كلاسيكي بفضل نغماته التي تمزج أريج الورود والأزهار مع خلاصات العنبر والأخشاب الثمينة.