«كنزو - ولوي فيتون - وإيلي صعب» واليوم الأخير من أسبوع باريس للموضة

الملاحظ أن عروض اليوم الأخير تشير إلى أن عالم الموضة لم يعد يقتصر على الأزياء وحدها، بل أصبح لزاما عليه أن يمتع كل حواسنا ويرفه عنا، وهذا ما نجح فيه مارك جايكوبس في هذه التشكيلة المتنوعة.
الملاحظ أن عروض اليوم الأخير تشير إلى أن عالم الموضة لم يعد يقتصر على الأزياء وحدها، بل أصبح لزاما عليه أن يمتع كل حواسنا ويرفه عنا، وهذا ما نجح فيه مارك جايكوبس في هذه التشكيلة المتنوعة.

تتعمد عواصم الموضة دائما أن تترك باقة من الكبار إلى آخر يوم حتى تضمن بقاء وسائل الإعلام ومتابعتهم لعروضها، ولم تخرج باريس عن هذه السياسة، حيث كان برنامج يوم الأربعاء الماضي حافلا من الصباح إلى المساء.


فالصباح تسيد فيه أنطونيو ماراس بتشكيلته الخاصة لدر «كنزو»، وفي الظهيرة كانت النجومية لكل من دار «لوي فيتون» وإيلي صعب، والمساء لدار «هيرميس» وجون جاليانو.

كانت الخلفية التي بناها أنطونيو ماراس في «متحف طوكيو»، مكان عرضه، عبارة عن دائر ضخمة باللون الذهبي تمثل الشمس التي تطلق أشعتها عبر خيوط طويلة امتدت على طول منصة العرض من الجوانب.

بعد إلقاء نظرة سريعة على ما تضمنه الكتيب الذي وضع على المقاعد، لقتل الوقت، تبين أن المصمم سيأخذنا في رحلة إلى شمال أفريقيا بصحرائها الحارة وأجوائها الدافئة.

لم نستغرب، لأن المعروف عن أنطونيو ماراس عشقه للسفر والترحال لاستلهام أفكاره، خصوصا إلى أجواء أفريقيا، التي يعود لها منذ عدة مواسم، باستثناء الموسم الماضي الذي رحل فيه إلى روسيا وبرودتها.

هذه المرة، أيقظ الكثير من الفضول وقليلا من الثقة، لأنه من السهل أن يستنفد المصمم فكرته بعد أن يكررها موسما بعد موسم لتكون النتيجة تشكيلة باهتة.

ما إن بدأ العرض حتى أكد لنا مدى خطأ هذه الفكرة، لأنه فعلا بدا أكثر تمكنا من أدواته ووضوحا في فكرته عن ذي قبل. التشكيلة منذ البداية أعلنت أنها لامرأة شابة وأنيقة، وفي الوقت ذاته تحب السفر والمغامرة، بقطعها المنفصلة السهلة، التي شملت فساتين قصيرة و«شورتات» وقمصانا وبنطلونات، بعضها واسعة على شكل سروال «الحريم»، وبعضها له إيحاءات عسكرية بالنظر إلى نقوشاتها.

كما كانت هناك جاكيتات سافاري بأحزمة مجدولة على شكل حبال وحقائب ضخمة تليق بالسفر.

لكن سرعان ما تغيرت الموسيقى إلى إيقاعات عربية مغربية، إيذانا بتغير روح التشكيلة، ويا له من تغير، فقد أرسل مجموعة من الفساتين الطويلة والقصيرة بنقوشات «الزليج» المغربي (الفسيفساء) بألوان الأزرق والأبيض والبني، زادت من سخونة العرض بشكل لذيذ جعلنا نتوق إلى رحلة مغربية صحراوية.

قبل أن نصحو من هذا الحلم انفجرت الدائرة الذهبية التي تصدرت الخلفية لتتناثر منها قطع ذهبية بشكل قوي وكأنها عاصفة رملية، وفي اللحظة نفسها كسر المصمم كل تابوهات الموضة بأن أرسل مجموعة من العارضات السمراوات لففن رؤوسهن بإيشاربات على شكل عمامات وفساتين وقطع منفصلة متنوعة بدرجات ألوان غنية من الأزرق والأخضر الفيروزي إلى البرتقالي والوردي، في صف واحد وكأنهن محاربات من أجل حقهن في الأناقة.

إذا لم ترُق هذه المجموعة أحدا، وهو الأمر الصعب جدا، فإنها على الأقل ستسكت العارضة السمراء، ناعومي كامبل، التي لا تتوقف عن التذمر من عالم الموضة والمصممين لتجاهلهم العارضات السمراوات، فعرض أنطونيو ماراس لدار «كنزو» كان فعلا عرسا مغاربيا يحتفل بالجمال الأسود كما بالثقافة المغربية شمالها وصحرائها.

في آخر العرض شرح أنطونيو ماراس أن التسلسل الذي اتبعه في تقديم تشكيلته كان مقصودا ومدروسا، فالمرأة تلبس في البداية قطعا تتميز بأسلوب عسكري وهي متوجهة إلى مكان لا تعرفه ويمثل مغامرة بالنسبة لها، وبعد أن تفهم الثقافة وتتشبع بها تبدأ في المزج بين القطع ومعانقة الثقافة، من خلال النقوشات والتصميمات.

السفر إلى أفريقيا كان أيضا الفكرة التي لعب عليها المصمم النيويوركي الشاب، مارك جايكوبس، في التشكيلة التي قدمها لدار «لوي فيتون» في «كور كاري» بساحة اللوفر.

وللمرة الثانية على التوالي خالف «إيتيكيت» الموضة وبدأ عرضه في الوقت المحدد بالدقيقة والثانية ليترك الكثير من الحضور يتحسسون طريقهم في الظلام إلى مقاعدهم، أو متسمرين في الوراء لعدم قدرتهم على الوصول إليها.

وهنا أيضا كانت الرحلة أفريقية، على شكل مغامرة تقوم بها شابة عصرية يفضحها شعر أفريقي ضخم، وكأنه مظلة شمسية من شعر، يجعل جسمها النحيل والفارع يبدو صغيرا بالمقارنة.

تضمنت التشكيلة الكثير من التنورات و«الشورتات» القصيرة والجاكيتات المحددة على الجسم ذات الجيوب الكبيرة التي نسقها مع بنطلونات ضيقة وكأنها جوارب سميكة.

مارك جايكوبس أكد مرة أخرى أن قوته تكمن في التنسيق، فقد كان هناك الكثير من الطبقات المتعددة في الإطلالة الواحدة، الأمر الذي أصابنا بالحيرة في البداية، لكنه سرعان ما تكشف على فكرة بسيط وسلسة وهي أن القطع المتعددة هي الطريق السهل والسريع لأناقة سفر، قد يتغير فيها الطقس سريعا من جهة، فنحتاج إلى التخفيف من القطع لكن من دون أن نخفف من الأناقة، إلى جانب تركيزه على ضرورة حقائب ظهر تنافس الشعر الأفريقي المنفوش في ضخامتها.

مما لا شك فيه أن هذه التشكيلة لا تتمتع بالأناقة المبهرة التي عهدناها من الدار، وآخرها كان في موسم الخريف والشتاء الماضي، لكن مارك جايكوبس ذكي ويعرف ما يمكن أن يسوق وما تريده الفتاة العصرية، وهذا ما قدمه لها: أزياء عملية وبسيطة، وفي الوقت ذاته تحمل بصمات دار «لوي فيتون» التي تنجح دائما في أن تكتسح السوق وتؤجج حلم الشراء حتى في عز الأزمة الاقتصادية.

وهذا ما سنراه عندما ستصل هذه الأزياء إلى الأسواق، بالذات الأحذية التي جاءت على شكل قباقيب مشبعة بروح أفريقية يفضحها الريش الذي يزينها من الأمام، والذي وصفته إحدى المحررات بأنه يشبه الشوارب.

قد تكون الملاحظة مجرد مزحة، لكنها تشير إلى أن عالم الموضة لم يعد يقتصر على الأزياء وحدها، بل أصبح لزاما عليه أن يمتع كل حواسنا ويرفه عنا، وهذا ما نجح فيه مارك جايكوبس في هذه التشكيلة المتنوعة.

مباشرة بعد عرض «لوي فيتون» وليس ببعيد عنه، في حدائق التويلريز، كان موعدنا مع إيلي صعب، الذي حملنا في رحلة مختلفة تماما عما قدمه سابقوه.

طبعا تقيد إيلي بـ«إيتيكيت» الموضة العالمية وبدأ عرضه متأخرا بنحو نصف ساعة، مما أعطانا الكثير من الوقت للتكهن بما سيتحفنا به هذه المرة.

فالأرضية كانت سوداء، على أساس أنها رمال سوداء في صحراء، لكنها بدت وكأنها قطعة جرانيت تتخللها ذرات ماسية صغيرة تجعلها تبرق بين الفينة والأخرى أكثر مما بدت رمالا صحراوية.

وهذا له ما يبرره، إذ إن إيلي صعب إلى الآن هو مصمم المرأة المرفهة، التي تسافر لكن إلى وجهات أكثر ترفا، ومغامراتها لا تتضمن النوم في العراء أو المساومة في الأسواق الشعبية، وهذا ما يحترمه ويخلص له دائما.

بدأ العرض بفساتين قصيرة باللون الأسود تحددها أكتاف قوية، تلاها تايور باللون البيج بتنورة قصيرة ومبتكرة.

بعد ذلك توالت فساتين تتباين أطوالها بين القصير والطويل بألوان البيج والأحمر والأزرق، وأخرى بنقوشات خفيفة، للأسف ليست أفضل ما قدمه، ربما لأن قماشها ونوعية نقوشاتها كانا يحتاجان إلى تصميمات مختلفة، بتفاصيل أكثر لتبرز ألوانها ونقوشاتها أكثر.

بيد أن أجمل ما في هذه التشكيلة هي فساتين الدرابيه، التي أكد فيها إيلي أنه فعلا مايسترو لا يعلى عليها، فقد أنستنا للحظات رحلتنا المغربية عند «كنزو» ورحلتنا الأفريقية العصري في «لوي فيتون»، وحملتنا دون أن نشعر إلى أجواء أثينا وطروادة في عهد هيلينا وباريس.

فساتين أغلبها بكتف واحدة، تتراقص فيها الأقمشة مع كل خطوة رغم أن المكان كان يفتقر إلى أي نسمة هواء، وكنت تسمع بعض الحاضرات يهددن بأنهن سيُصَبن بالإغماء.

والحقيقة أن الموسيقى كانت عالية، ولم نفهم إن كان سبب هذا التهديد هو درجات الحرارة المرتفعة جدا بداخل الخيمة أم وقوعهن في حب الأزياء.

إلى جانب الفساتين المنسابة كانت هناك أخرى محددة تعانق الجسم، زينها بسحابات من الظهر أو حول الجيوب.

التطريزات الغنية اقتصرت على قطع معدودة وأجزاء محسوبة، إما عند الصدر وحول الظهر أو في جاكيت نسقه مع تنورة قصيرة، مما أكسب هذه التطريزات حيوية عصرية.

وبينما ستجد المغنية نيلي فيرتادو التي كانت في العرض الكثير من الفساتين التي ستزيدها تألقا في الكثير من المناسبات الكبيرة، فإن الراقصة ديتا فون تيس التي أصبحت وجها مألوفا في عروضه، ستجد بغيتها في الفساتين المحددة على الجسم، التي تمنحه شكل قطعة منحوتة تتحرك.