كريستيان لاكروا مبدع فرنسي ..عملية إنقاذه تشغل بال الحكومة الفرنسية

الفرنسيون يعتبرون «كريستيان لاكروا» معلمة ثقافية ويطالبون بتدخل حكومي
الفرنسيون يعتبرون «كريستيان لاكروا» معلمة ثقافية ويطالبون بتدخل حكومي

«يكون أو لا يكون» هذا هو السؤال الذي يدور حاليا في أوساط الموضة حول مصير دار «كريستيان لاكروا».


مصير من المفترض أن يتحدد قريبا، أي في نهاية شهر سبتمبر الذي حددته الشركة المالكة «فاليك» قبل أن تتخذ الإجراءات اللازمة لإغلاقها.

لحسن الحظ انه، بعد أشهر من التشاؤم، بدأت تباشير تفاؤل تظهر على السطح بعد أن تقدمت شركات مهمة بعروض لشرائها في الأسبوع الماضي، وإن كانت عروضا، كما هي العادة في هذه الحالات، رمزية على أساس أن النقاشات ستتواصل وكذلك المزايدات.

لكن المهم انه بعد أشهر طويلة من التكهنات والمخاوف، هناك عروض من الأساس، حيث إن الدار لم تحقق أي ربح منذ 22 عاما، أي منذ ولادتها.

وما يزيد من حرارة التفاؤل أنه من المتقدمين لشرائها مجموعة «بوريليتي» الإيطالية المالكة لكل من محلات «لاريناسونت» و«برانتون»، ويبدو أنها هي التي تقدمت بعرض جدي ومدروس، وبالتالي هي المرشحة لتسلم مقاليد الدار إلى حد الآن، إلى جانب شركة «برنارد كريف كونسالتينج» التي أصبحت شبه متخصصة في شراء وإنقاذ المؤسسات الآيلة للإفلاس أو تعاني من مشاكل مالية.

ويقال إن عرضها جاء بإيعاز وتشجيع حكومي، فالفرنسيون، كما نعرف، فخورون بأي شيء يتعلق بالموضة، ويعتبرون أنفسهم مصدرها ومصدريها للعالم، كما أنهم ينظرون إلى بعض بيوت الأزياء والمصممين، وعلى رأسهم لاكروا، على أنهم مؤسسات وجزء من الثقافة الفرنسية، وبالتالي يحتاجون إلى حماية ودعم حكومي.

وفي هذا الصدد، يقال إن المصمم التقى منذ بضعة أسابيع، بوزير الثقافة الفرنسي، فريدريك ميتران، ورغم انه لم يتم الكشف عما دار بينهما من حديث إلا انه من السهل التكهن بأنه كان حول البحث عن سبل إنقاذ سريعة تحفظ ماء الوجه وتحافظ على حقوق المصمم.

فمن الواضح أن فريدريك ميتران متعاطف مع الوضع، وأعلن عن هذا الإحساس بصراحة في بداية شهر يوليو عندما قال انه مستعد للقيام بأي خطوة من شأنها التوصل إلى حل يحفظ اسم «كريستيان لاكروا» ولا يحوله إلى مجرد سلعة رخيصة.

وذهب إلى أبعد من ذلك بتصريحه بأن إغلاق الدار سيعتبر «كارثة ثقافية»، ويبدو أن لوي بيتييه، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «برنار كريف كونسالتينج» يوافقه الرأي، حيث قال لرويترز بأن «الهوت كوتير جزء من الثقافة الفرنسية، ونحن نعتقد أن كريستيان لاكروا أهم مصمم معاصر».

كما تدخل وزير الصناعة الفرنسي، كريستيان إستروزي، وقابل المصمم في الأسبوع الماضي لنفس الهدف: البحث عن خطة إنقاذ.

وتجدر الإشارة إلى أن «برنار كريف كونسالتينج» من المؤسسات التي ترفع شعار «مصائب قوم عند قوم فوائد» حيث استفادت من الأزمة لتلعب دور المنقذ لشركات تمر بظروف مالية صعبة، مثل شركة أجزاء السيارات «هولييز» ومجموعة الأقمشة «دي.إم.سي» وشركة «مورغان» للأزياء.

وسواء كانت نيتها مثالية أو تجارية، فإن المهم حاليا هو إنقاذ دار أزياء يحظى صاحبها بالكثير من الاحترام لفنيته ومبادئه «القاتلة» في وقت أصبح فيه التجاري هو المحرك الأساسي لكل شيء.

لاكروا أسس داره في عام 1989 بدعم من مجموعة «إلفي.أم.آش» الفرنسية، وتميز أسلوبه بالفن الباروكي والتطريزات الغنية والألوان الصارخة والمتضاربة بجرأة لا يقدر عليها سوى فنان متمكن من أدواته وألوانه، تأثره بمسقط رأسه، بجنوب فرنسا كان واضحا في هذه الألوان والنقوشات.

من الوهلة الأولى عشقته مقتنيات أزياء الهوت كوتير، لا سيما من الأميركيات، فكل قطعة تجود بها مخيلته ومقصه تعد من التحف الرائعة، لكن مشكلته الأزلية هي انه لم يحقق الأرباح التي كانت المجموعة تمني نفسها بها على المستوى التجاري، خصوصا أنه لم يكن من السهل تسويق خطه للملابس الجاهزة، كذلك لم ينجح في طرح عطور وإكسسوارات «تكسر» الدنيا وتحقق المعادلة بين الفني والتجاري.

والنتيجة أنها استغلت الفرصة عندما أتيحت لها للتخلص منها في عام 2005 عندما عرضت مجموعة لمجموعة «فاليك» الأميركية، شراءها.

لاكروا لم يستوعب الدرس وظل متمردا يريد أن يفرض رؤيته الفنية بغض النظر عن الأوضاع الاقتصادية الحالية، وكانت الضربة القاسية أن سوقه الأول كان أول المتضررين من الأزمة العالمية، أي الولايات المتحدة.

ففي العام الماضي، مثلا، لم يكتف بعدم تحقيق أي أرباح تذكر فحسب، بل تسبب في خسارة حوالي 14 مليون دولار، وفي بداية هذا العام تقلصت الطلبات على خطه للأزياء الجاهزة بحوالي 35%.

والكابوس الذي يعاني منه لاكروا حاليا، أنه إذا لم يتقدم أي منقذ، فإنه من حق مجموعة «فاليك» مسح خطه للهوت كوتير من خريطة الموضة، واستعمال اسمه على منتجات تجارية لا دخل له بها على الإطلاق.

ولحد الآن فإن اقتراحات الإنقاذ التي تقدم بها المهتمون، ومنهم برنارد كريف كونسالتينج مثيرة للفضول، ولم تسفر عن شيء، كونها لا تزال مجرد سعر رمزي، وخطة إنقاذ طويلة المدى تتمثل في حقن الدار، بما فيها خطها الخاص بالهوت كوتير، بحوالي 21 مليون دولار على مدى الثلاث سنوات القادمة.

من مجموعته لخريف وشتاء 2010 للهوت كوتيرلكن من بين التغييرات التي سيضطر لاكروا للخضوع لها لإنقاذ اسمه، رغم قسوتها عليه، تقليص العاملين في الدار من 125 موظفا إلى النصف تقريبا، بالإضافة إلى طرح خط للأزياء الجاهزة يخاطب المقتدرين عوض الاكتفاء بخط راق مواز لخطه الخاص بـ«الهوت كوتير»، على أن يكبح جموحه الإبداعي بطرح تشكيلات كلاسيكية.

بعبارة أخرى، ليست مقترنة بوقت محدد ولا مرتبطة بموسم معين، حتى تشعر المرأة بأنها تحصل على قطعة يمكن أن تستعملها وتستفيد منها للأبد، مع العلم أن التسويق أيضا سيكون في مراكز محددة ومدروسة.

ويبدو أن المؤسسة تفهم جيدا بأن «الهوت كوتير» هو الآلة التي يتم من خلالها الترويج لاسم أي دار أو ماركة، وبالتالي لا يُنتظر منه تحقيق الأرباح، لهذا فهي تفكر في خلق منتجات أخرى ناجحة تجاريا، من شأنها أن تسند الجانب الإبداعي، فتكون هناك معادلة بينه وبين التجاري وفي الوقت ذاته ترضي رغبة المصمم في أن ينفس عن خياله ورؤيته، وترضي حاجة الشركة المالكة لتحقيق الربح.

فعلى ما يبدو، وحسبما تتداوله الأوساط ، فان مصاريف الدار كانت قد وصلت في الآونة الأخيرة حدا صاروخيا، تحتاج معه إلى تدابير حاسمة وقرارات صارمة للتخفيف من حجم الخسارة، ومن هنا فإن إبتداع خط أزياء رفيع يخاطب النخبة ويتوفر في الأسواق ويخاطب الواقع، فكرة منطقية، وإن كانت تحتاج أيضا إلى إكسسوارات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن لاكروا كان من الأوائل الذين دشنوا موضة القلادات والأساور الضخمة منذ عدة مواسم، لكنه للأسف لم يخفف من دراميتها حتى يخاطب شرائح اكبر من السوق.

ويذكر له أيضا انه مبتكر الأشكال المنفوخة، التنورة «البوف» أو الأكمام المستديرة، وهو الأسلوب الذي احتضنه النيويوركي مارك جايكوبس مؤخرا في تشكيلته للخريف والشتاء القادمين لدار «لوي فيتون»، سواء من ناحيتي الألوان أو الأحجام.

أما ما يحز في النفس أكثر فهو، انه في الوقت الذي كان فيه باقي المصممين يحتفلون بالألوان الملتهبة خلال أسبوع باريس للهوت كوتير الأخير، ارتأى لاكروا، وهو أكثر من عشق الألوان وصخبها، أن يقدم تشكيلة مثيرة في سوادها ، كما لو أنه من خلالها يعلن عن حزنه وينعي حظه العاثر في زمن لم يعد الإبداع يغني من جوع.

وربما كان الجوع أهون الحلول على نفسه، لأن فكرة أن يتحول اسم والديه وأجداده، حسبما صرح به في إحدى المناسبات، إلى سلعة رخيصة لبيع منتجات لا دخل له بها، فهذه هي الضربة الموجعة.

نهاية هذه الإثارة لن تنكشف إلا في شهر سبتمبر، حيث أخذ العاملون الـ125 فيها عطلتهم السنوية ولن يعرفوا ما إذا كانت وظائفهم لا تزال قائمة أم لا إلا بعد عودتهم.

أوساط الموضة تتمنى أن يصبح الأمل حقيقة، وأن يجد كريستيان لاكروا من يفهمه، ومن تم يقدم له طوق النجاة.