بدأ فعاليات أسبوع الموضة الراقية بباريس لخريف وشتاء 2010

كريستيان لاكروا يبحث عن منقذ و«ديور» وستيفان رولان يرسمان المستقبل بالآمال المترفة والصورة من عرض «كريستيان ديور»
كريستيان لاكروا يبحث عن منقذ و«ديور» وستيفان رولان يرسمان المستقبل بالآمال المترفة والصورة من عرض «كريستيان ديور»

انطلق أسبوع الموضة الراقية (الهوت كوتير) في باريس يوم أمس في أجواء يغلب عليها أسى ممزوج بالأمل.


 فهذا أولا وأخيرا أسبوع لبيع الأحلام وزرع الأمل في النفوس بغض النظر إن كان يبيع أم لا. سبب الأسى طبعا هو إعلان دار «كريستيان لاكروا» إفلاسها منذ أشهر، الذي كان له وقع كبير على نفوس عشاق الموضة عموما وعشاق أسلوبه خصوصا، عدا أنه من الوجوه المهمة في أسبوع الموضة الراقية لما يمنحه من تنوع وفانتازيا فنية عالية.

فهو من القلائل الذين برعوا في الهوت كوتير، وجسدوا مفهومها أحسن تجسيد، وإن على حساب الجانب التجاري، فمنذ التحاقه بركب الموضة الراقية في عام 1987 أكد أنه من مدرسة الراحل إيف سان لوران، رغم أن لكل منهما أسلوبه الخاص تماما، بيد أنهما يلتقيان في عشق الهوت كوتير والإخلاص لروحها، من منطلق إيمانهما بأن هذا المجال فن قائم بذاته لا يقبل المساومة والترخيص، وأنه عندما يخضع لمعايير السوق بالاعتماد على العطور والإكسسوارات للبقاء والاستمرار، يفقد كينونته.

إيف سان لوران عبر عن تمرده بالتقاعد معلنا عن خيبة أمله في التغيرات التي طرأت على ثقافة الموضة، وكيف تحول الفن إلى تجارة، لاكروا، من جهة أخرى، يختلف سيكولوجيا عن لوران، فهو يتمتع ببنية قوية وحالة نفسية أكثر توازنا، وبالتالي فهو رافض للوضع ورافض أن يخنع أو يستسلم، ولا يزال يعطينا الأمل بأنه سيستمر، حتى بعد أن أصبح إفلاسه حقيقة تحتاج إلى معجزة لعكسها.

فحسب أحد تصريحاته، سيعرض في أسبوع الموضة الراقية المرتقب في شهر يوليو (تموز)، والفضل يعود إلى أصدقائه ومحبيه، كما قال، الذين سيتضامنون معه ويساعدونه لتحقيق هذا الأمر، بشراء الأقمشة، ودفع رواتب الأنامل الناعمة التي تنفذ تصميماته، مع العلم أن بعضهم تبرع بالعمل من دون راتب تعاطفا معه، وإلى أن يحين شهر يوليو، فإنه سيقدم اليوم ما قد تكون آخر تشكيلة له، في عرض مصغر بالمقارنة مع السنوات الماضية، فعوض 900 ضيف، وهو العدد الذي كان يحضر عروضه السابقة، لم تسلم الدعوات إلا إلى 280 ضيفا، نظرا لضيق المكان، بالإضافة إلى أن عدد العارضات تقلص إلى النصف تقريبا.

لاكروا، فنان بمعنى الكلمة وليس أدل على ذلك قدرته على اللعب بالألوان والنقوشات، التي يتعمد أن تكون صاخبة وفي قمة التناقض، ومع ذلك تبدو دائما في قمة التناغم والجمال.

قدرته هذه يحسدها عليه أي فنان، ويعشقها أي ذواق للهوت كوتير، لكن بقدر ما كانت هذه الفنية نعمة عليه كانت أيضا نقمة عليه، نعمة لأنه كان ولا يزال يحصد في كل مرة يعرض فيها، إعجاب النقاد والفنانين وهاويات اقتناء الفساتين الأشبه بالتحف من الأميركيات بالذات، ونقمة لأن التجاري، بمعنى ما يحتاجه السوق، لا يحتاج أن يكون بالضرورة فنيا في كل الأوقات خصوصا إذا لم يكن هناك ما يسنده، كالتركيز على حقائب اليد والأحذية والعطور، وهنا تكمن مشكلته.

 فإكسسواراته لم تحقق الرواج المطلوب، وباستثناء الذواقة، فإن تصميماته للأزياء صعبة التسويق.

وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المصمم لمشاكل مالية، وإن كانت هذه أخطرها وأسوأها نتيجة الأزمة المالية العالمية، وتضرر السوق الأميركي على وجه الخصوص، لكنه في كل المرات يرجح الفني على التجاري ولا يقبل أن يحني رأسه لمتطلبات السوق وإن اعتبر البعض تشبثه بمبادئه انتحارا.

الأزمة المالية العالمية لم تمس لاكروا وحده، بل ظهرت تأثيراتها، بنسبة أقل لحسن الحظ، على العديد من المصممين وحتى كبريات بيوت الأزياء، التي اختار بعضها العرض في أماكن مصغرة، أو في محلاتها الخاصة.

نذكر منها على سبيل المثال دار «كريستيان ديور» التي عودتنا على الإخراج الفانتازي في أماكن رائعة، مثل قصر فرساي، لا يضاهي هندسيتها وفنيتها سوى إبداعات مصممها جون غاليانو، الذي يستغل هذا الأسبوع دائما للتنفيس عن خياله الخصب، فيحول شطحاته إلى تحف من أقمشة تبدو وكأنها لوحات فنية أكثر منها فساتين سهرة، حتى لأفخم المناسبات.

هذه المرة قررت الدار أن تقدم عرضين في محلها الواقع بـ«30 أفوني مونتين» حتى تستوعب كل الحضور، على أن يتم العرض بطريقة تشبه تلك التي كانت بيوت الأزياء تقدمها في بداية ومنتصف القرن الماضي.

 بعبارة أخرى، أكثر حميمية حتى يتمكن الحضور من رؤيتها عن قرب، وتعطي الإيحاء لكل واحد منهم بأنها موجهة له وتخاطبه شخصيا، أو على الأقل، يمكنه أن يعيش للحظات تجربة المشتريات الثريات في عهد المؤسس كريستيان ديور، فهنا قدم هذا الأخير تشكيلته الأيقونية والثورية «دي نيو لوك» في عام 1947، وهذا بحد ذاته سيكون مثيرا وكأن روحه ستكون حاضرة أيضا.

دار «شانيل» قامت بنفس التجربة في الموسم الماضي، أي في موقعها بشارع غامبون، وأثارت بدورها الكثير من التكهنات حول الأسباب، التي أرجعها العديد منا إلى اكتوائها بالأزمة المالية، لكنها نفت الأمر وأكدت حينها أن السبب كان عدم توفر «لوغران باريه» الذي تعودت العرض فيه منذ افتتاحه بعد ترميمه، نظرا لحجزه من قبل جهات أخرى.

ما يعزز قولها إنها هذا الأسبوع ستعود إليه، مع تغيير بسيط في التوقيت، فبعد أن عودت أوساط الموضة أن يكون عرضها دائما في الصباح، العاشرة أو الحادية عشرة، فإنها اختارت هذه المرة تقديمه في التاسعة مساء لأسباب إخراجية، حسبما يقال، بمعنى أنها تحتاج إلى إضاءة مختلفة وديكور خاص.

افتتح الأسبوع بعرض لألكسيس مابيل، تلاه عرض ستيفان رولان، الذي يعرف خطه للهوت كوتير، رواجا كبيرا في العالم عموما وفي العالم العربي خصوصا، فقد شوهدت كل من الملكة رانيا العبد الله والشيخة موزة المسند، زوجة أمير قطر، في فساتين رائعة من إبداعه.

تشكيلته لخريف وشتاء 2010، تغوص في عالم النحات ريتشارد سيرا من حيث انحناءاتها وتعرجاتها التي تتبع الجسم وحركته، كما يمكن أن نرى فيها تأثير المصمم المعماري كريم رشيد، أما من حيث الألوان فهي تلعب على الحرارة والانتعاش، حيث تتباين بين الرمادي والبيج مع إشعاعات ذهبية تستوحي ألوان الصحراء ومرسومة باليد، والازدواجية نفسها ادخلها في اختيار الأقمشة، بحيث نرى السميك والشفاف في القطعة الواحدة ليخلق بذلك أشكالا هندسية صارمة في جزء ما وانسيابية في جزء آخر، سواء في فساتين سهرة طويلة تلعب على إخفاء الظهر تارة وكشفه تارة أخرى أو في التنورات ذات الذيل الطويل، بينما جاء بعضها بإيحاءات الجلباب العربي الساحر.

كانت هناك أيضا الكثير من جاكيتات التوكسيدو المحددة الأكتاف والضيقة عند الصدر، لأن امرأة ستيفان للموسم القادم، كما يراها ويريدها، عصرية ورومانسية والأهم من هذا كله، فهي تعيش في عز وترف.

بعد عرض ستيفان رولان، كان النصف الثاني من اليوم الأول من نصيب دار «ديور» بلا منازع، العنوان هو 30 أفوني مونتين الشهير، بواجهته وديكوراته الرمادية، لون الدار المفضل، وكالعادة لم يخيب جون غاليانو الآمال، رغم ما يقال بأن المكان كان تعبيرا عن حالة الحذر التي تعيشها الدار الفرنسية العريقة، وسواء كان الأمر صحيحا أم لا، فإن المؤكد انه استحضر أيام زمان، أيام كانت الموضة الراقية تعرض في صالونات وأماكن حميمة لنخبة من الزبونات يعشقن التميز ولديهن الوقت كله للاستمتاع بكل خطوة يمر بها تنفيذ فستان.

لكن الأجمل في كل هذا ما قدمته الدار للموسم القادم: أزياء مفعمة بترف معقول، من خلال أزياء مضمونة وواضحة المعالم، وبسيطة المفردات لا تحتاج إلى من يفك شفراته ليفهم أسرارها وما تخفيه بين ثناياها من تفاصيل ودقة وجمال، ومن الواضح من خلال التصميمات الأنثوية المضمونة التسويق، أن غاليانو يسلك طريقا جديدا، حيث غاب الجموح والجنون وحضر العقل، والنتيجة رائعة في صالح المرأة، وبلا شك في صالح الدار الفرنسية التي يمكن أن تعطي العديد من المصممين درسا مفاده أن الفني والتجاري يمكن أن يلتقيان.

- سيعرض اليوم الثلاثاء، كل من دار «جيفنشي» و«ارماني» و«شانيل»، وطبعا «كريستيان لاكروا»، بينما سيعرض غدا الأربعاء كل من جون بول غوتييه، «فالنتينو» وإيلي صعب، ومن المصممين المشاركين لأول مرة في الأسبوع اللبناني ربيع كيروز، الذي افتتح مؤخرا محلا خاصا به في باريس، إلى جانب الثنائي الفرنسي الكسندر مورغادو وماثيو بيرو بماركتهما «ألكسندر ماثيو».