مساحات المنازل الأميركية تتغير بمرور الوقت

انكماش مساحة المنازل مجرد رد فعل لفترة وجيزة للتراجع الاقتصادي الراهن
انكماش مساحة المنازل مجرد رد فعل لفترة وجيزة للتراجع الاقتصادي الراهن

بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتنامي الوعي بقضايا البيئة وتضاؤل عدد أفراد الأسر
تتضمن منطقة تريسيز الواقعة هنا صفوفا من المنازل التي تبلغ مساحتها 2.000 قدم مربع أو ما يزيد، ومزودة بأحواض سباحة وأسطح غرانيتية وعدة طوابق من الآجر.


 إلا أنه مع انكماش الاقتصاد، تقلصت أيضاً مساحات المنازل. وسيتجلى هذا التحول قريباً في بناء عدد من المنازل الجديدة بمساحة 1700 قدم مربع على قطع أرض أصغر، وسيجري بيعها بالتجزئة بسعر يقل بما يزيد على 100.000 دولار عن المنازل السابقة.

وجرت العادة أن تتضاءل مساحات المنازل الجديدة بصورة طفيفة في فترات الركود. والملاحظ أن المنازل الأميركية ازدادت مساحتها منذ عام 1973، لكن هذا الوضع تبدل العام الماضي، عندما تقلص الحجم النموذجي للمنازل فجأة بنسبة 11 في المائة، وذلك في معدل يبدو أسرع من أي وقت مضى منذ السبعينات.

 في هذا الصدد، علق واين إيد، الذي يعمل بشركة «دفلبمنت غروب»، وهي شركة الإنشاءات المعنية بتريسيز، بالقول: «لقد بدأ الناس يدركون أنهم ليسوا بحاجة إلى سيارة لكزس، وأن بمقدورهم الاستعاضة عنها بكامري».

وتوصل مسح أجراه «الاتحاد الوطني لبناة المنازل» بين أعضائه مؤخراً إلى أن 90 في المائة منهم يبنون منازل أصغر حجماً.

ويعزو المعنيون بمجال التنمية العقارية هذا التحول إلى عدة عوامل: تنامي الوعي بقضايا الطاقة وتضاؤل أعداد أفراد الأسر، لكن من الواضح أن الدافع الأكبر تردي الأوضاع الاقتصادية.

والملاحظ أن قرابة نصف جميع المنازل المتوافرة منازل تمت مصادرتها ويجري بيعها بالتجزئة بخصم كبير. ويحاول المعنيون ببناء المنازل، الذين يعانون من نزيف مالي حالياً، المنافسة من خلال بناء منازل أصغر وأقل تكلفة.

في هذا السياق، أوضح إريك لاندري، المحلل لدى شركة «مورننغ ستار» المعني بمتابعة حركة الإنشاءات، «أن الكثير من تحركات بنائي المنازل باتجاه المنازل الأصغر ترجع إلى عدم وجود خيار آخر أمامهم.

بالنسبة للمعنيين ببناء المنازل، تشبه الأوضاع الحالية فترة الكساد الكبير. إنهم يسعون لضمان البقاء، وبالتالي يفعلون كل ما عليهم فعله».

ويتساءل المشككون في صحة هذا القول حول ما إذا كان انكماش مساحة المنازل مجرد رد فعل لفترة وجيزة للتراجع الاقتصادي الراهن، بل ويرون أن أحجام المنازل بدأت في العودة تدريجياً إلى ما كانت عليه خلال الربع الأول من هذا العام.

 ومع ذلك، لا تزال مساحات المنازل بعيدة عن المستوى الذي سبق وأن بلغته في ذروتها، وقد جاء الانكماش على نحو بالغ ومفاجئ لدرجة دفعت بعض المحللين للتساؤل حول ما إذا كانت الأمة الأميركية قد وصلت لنقطة تحول جوهري من المتعذر التراجع عنه.

من جهته، قال ستيفين ميلمان، الخبير الاقتصادي المعني بقطاع الإنشاءات: «على امتداد فترة طويلة، ساد الاعتقاد بأنه كلما زادت مساحة المنزل كان ذلك أفضل. وربما سيشكل هذا تحولاً كبيراً في الاتجاه».

حتى مع تراجع متوسط أعداد الأسرة الأميركية، ارتفع متوسط حجم المنازل مكتملة البناء إلى ما يزيد على 2.500 قدم مربع عام 2007، من 1.660 قدما مربعا عام 1973. ووصل حجم المنازل النموذجية تحت البناء المخصصة لأسرة واحدة لذروته عند مستوى 2.629 قدما مربعا خلال النصف الثاني من العام الماضي، طبقاً لمكتب الإحصاء الرسمي.

بحلول الربع الرابع من العام، تراجعت المساحة إلى 2.343 قدما مربعا. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، ارتفعت المساحة إلى 2.419، حسبما كشفت بيانات صدرت الأسبوع الماضي.

ومن العسير تقدير حجم الانخفاض مقارنة بفترات الانكماش السابقة نظراً لعدم توافر بيانات حول المنازل تحت الإنشاء في حقبة السبعينات. إلا أنه عند مقارنة الأرقام المتوافرة بالفئات الأخرى من البيانات، مثل مساحة المنازل المباعة بالقدم المربع، يتضح أن الانخفاض الراهن هو الأكبر منذ عام 1978.

ويتزامن انكماش مساحات المنازل الأميركية مع تشديد شروط الإقراض، ما قلص حجم الأموال المتوافرة أمام العدد الضئيل المتبقي من مشتري المنازل. وعليه، سارع المعنيون بمجال الإنشاءات إلى تقليص حجم منتجاتهم أيضاً.

قبل الأزمة الحالية، بنت شركة «ميريتيدج هومز كورب». منازل بمساحات وصلت إلى 4.500 قدم مربع. وبدءاً من الربع الثاني من العام الماضي، توقفت الشركة عن بناء أي منازل تزيد مساحتها عن 2.800 قدم مربع، حسبما أكد مسؤول إدارة العمليات ستيف ديفيز.

وأضاف: «قلصنا أحجام المنازل إلى ما كانت عليه في أواخر التسعينات». يذكر أن الشركة تتولى بناء منازل في أريزونا ومنطقة إنلاند إمباير بكاليفورنيا. ومثلما الحال مع شركات الإنشاءات والبناء الأخرى، تسعى «ميريتيدج» لخفض مساحة المنازل من دون التضحية بعدد غرف النوم.

وعليه، تدمج النماذج الأصغر من المنازل التي تبنيها الشركة بين غرفتي الطعام والمعيشة، وتحد مساحة المدخل وتعتمد على عدد من التكنيكات الأخرى المرتبطة بالتصميم من أجل الحد من المساحة.

وأعرب ديفيز عن اعتقاده بأن فترة بناء المنازل التي تصل مساحتها إلى 5.000 قدم مربع ربما تكون قد ولت، لكنه لن يشعر بالدهشة إذا ما عاود المشترين الحنين إلى المنازل الأكبر مجدداً.

 من جهتها، طرحت شركة «كيه بي هوم»، التي تتخذ من ويستوود غرب لوس انجليس مقراً لها، منازل أصغر في جنوب كاليفورنيا وعددا من الأسواق الأخرى. أطلق على المنازل الجديدة اسم «أوبين سيريز»، ويعزو إليها المحللون الزيادة التي شهدتها الطلبات المقدمة إلى الشركة لشراء منازل والبالغة 26 في المائة.

من جهته، قال الرئيس التنفيذي للشركة، جيفري مزغير: «يجب أن تتغير المنازل بتغير الوقت»، وذلك خلال حديث له مع المستثمرين في مارس (آذار).

في يوما، وهي إحدى مدن ولاية أريزونا التي تحقق نمواً سريعاً وتعرضت لضربة عنيفة على نحو خاص بمجال العقارات، لاحظ المعنيون بالتنمية العقارية أن العقارات الأرخص فقط هي التي تشهد رواجاً في حركة البيع. يذكر أن «دفلبمنت غروب»، التي وضعت خططا لتشييد منازل على مساحة 2.500 قدم مربع بمنطقة تريسيز، قلصت فيما بعد المساحة إلى حوالي 2.000 قدم مربع.

والآن، تخطط الشركة لبناء منازل بمساحة 1.700 قدم مربع. وبالمثل، تراجعت الأسعار هي الأخرى، إلى ما يقل قليلاً عن 200.000 دولار، بعد أن كانت في مدى يتراوح بين 287.000 و350.000 دولار. كما شرعت الشركة في بناء أحياء تتسم بمنازل أصغر حجماً وأقل سعراً ـ تصل مساحتها إلى 1.100 قدم مربع. في هذا الصدد، أوضح بوبي كوبر، مدير شؤون المبيعات، أن: «الأسر وأنماط الحياة تتبدل.

عام 2005، لم يكن من الممكن بناء منزل كبير بما يكفي. والآن، بدأنا في العودة إلى المبادئ الأساسية». يذكر أن الشركة باعت 9 من إجمالي 13 منزلا صغيرا بمنطقة أرابي كروسينغ بولاية كاليفورنيا، وهو مشروع افتتحته في فبراير (شباط).

 من ناحيتها، قامت جياني كيلوغ، 45 عاماً، التي تتولى شراء منازل لحساب الجيش الأميركي، بشراء منزل مؤلف من ثلاث غرف نوم بمساحة 1.400 قدم مربع هنا.

 انفصلت كيلوغ مؤخراً عن زوجها، وانتقلت من منزل بمساحة 2.200 قدم مربع إلى منزلها الحالي البالغة مساحته 1.600 قدم مربع.

وقد خاطرت بعض شركات الإنشاءات ببناء منازل أصغر. على سبيل المثال، طرحت شركة «إس. سي» في كولومبيا نموذجاً أطلقت عليه «بنغالو»، وهو منزل تبلغ مساحته 884 قدما مربعا ومؤلفا من ثلاث غرف للنوم بسعر 89.000 دولار.

وأوضحت مورين سويندال، نائبة رئيس الشركة، أن: «بعض المشترين يشعرون بإثارة بالغة حيال تمكنهم من شراء منزل يكفي لأسرة واحدة.

ربما لا يكون المنزل على نفس مستوى ضخامة بعض الشقق التي جاءوا منها، لكن تبقى النقطة المهمة أن تلك المساحة يتملكونها». علاوة على ذلك، هناك أفراد أمثال غريغ جونسون، من ولاية أيوا، ممن ينتمون إلى حركة تطالب ببناء منازل أصغر.

وبات يجري تصميم مزيد من المنازل كي تتناسب مع الأشخاص ذوي الاهتمامات البيئية من أمثال جونسون، الذي تبلغ مساحة منزله 140 قدماً مربعاً.

وقال جونسون: «تساعد التكنولوجيا في تقليص حياتنا. لدي الآن أكبر مجموعة موسيقية عن أي وقت مضى، لكن كلها رقمية».

إلا أنه بطبيعة الحال يعترف جونسون وأقرانه من أصحاب الأفكار المثالية أنه كلما زاد حجم المنزل كان ذلك أفضل. في الواقع، ينوي جونسون الانتقال إلى منزل بمساحة 400 قدم مربع هذا الخريف عندما تنتقل خطيبته للإقامة معه.