«الزردة» .. حلوي تعلمها السعوديون من العراقيين

«الزردة» .. حلوى نزلت من عليائها حيث كانت مقتصرة على الطبقة الأرستقراطية
«الزردة» .. حلوى نزلت من عليائها حيث كانت مقتصرة على الطبقة الأرستقراطية

الزردة» أكلة شعبية عربية كانت تقتصر في السابق على الطبقة الارستقراطية وتختلف طريقة إعدادها وطهيها من دولة لأخرى، فالأحسائيون (شرق السعودية) الذين يجيدون تحضيرها تعلموها من العراقيين أثناء أسفارهم ثم أضافوا إليها بعض المكسرات التي تتناسب مع مذاقها الحلو. وتعتبر الزردة من أصناف الحلويات التي يدخل التمر والأرز الأحسائي في مكوناتها، لكن هذه الوجبة التي كانت تشكل علامة فارقة لمطبخ الأثرياء في الأحساء، هي اليوم في طريقها للاندثار والنسيان، فالكثير من جيل الشباب من الجنسين لم يسمع بها ومن سمع بها لا يتقن طريقة إعدادها.


نسبة قليلة من النساء المسنات يتقن صنع الزردة. فالسيدة أم حسين (65 عاما) هي واحدة من النساء القليلات اللاتي بقيت «الزردة» ضمن قائمة أصناف الأطعمة في مطابخهن.وتقول أم حسين لـ«الشرق الأوسط» إن كلمة «زردة» في اللهجة الأحسائية تعني المخلوطة أو المضروبة، مضيفة أن الضرب يعني تحويل حبات الأرز المتفرقة إلى كتلة متماسكة من خلال هرسها باستخدام أداة خشبية تسمى «المضرابة».

وتعود أم حسين بذاكرتها إلى الوراء قبل ستين عاما لتتذكر المرة الأولى التي تعرفت فيها على حلوى «الزردة» حين كانت ضمن مجموعة من الأطفال تطوف شوارع الأحساء في عيد «القرقيعان» الشهير في دول الخليج العربي الذي يتم الاحتفال به في منتصف شهر رمضان، حيث «تعرفت على الزردة حينما كنا أطفالا نطرق بأهازيجنا الأبواب، فُتح باب واحد من بيوت الأثرياء وقدموها لنا».

وتضيف «حين كبرت سألت النساء الكبيرات عن مكوناتها وطريقة عملها وأصبحت من أفضل النساء اللاتي يصنعنها، وقد قمت بتطويرها بإضافة المكسرات وجوز الهند لتزيينها مما حسن من طعمها وشكلها، واليوم لا أعرف في عائلتنا ولا قريتنا من يجيد صنعها سواي، حاولت المحافظة عليها وأن أدرب بناتي على طريقة صنعها ولكنني فشلت».

وتقول أم حسين «إن الزردة كانت ولا تزال طبقا مكلفا ، فالأرز الأحسائي الذي يدخل في مكوناتها غالي الثمن، ولم يكن الأرز الأحسائي يدخل البيوت إلا لإطعام المرأة النفساء لتقويتها بعد ولادتها نظرا لقيمته الغذائية العالية».

وتؤكد أم حسين على القيمة الغذائية العالية لحلوى «الزردة» مذكرة بفوائد الأرز الأحسائي والدبس (عصارة التمر)، فالأرز الأحسائي الأحمر معروف بأنه غني بالمعادن والألياف والفيتامينات وقلة سعراته الحرارية، وتشير بفخر إلى أن «زردة» الأحساء لها مثيل في العراق لكنها لا تقاس بها من حيث الفائدة، فالعراقيون يضيفون السكر بدلا عن الدبس ويستبدلون بالأرز الأحسائي أرزا أبيض عاديا ما يجعلها أقل تماسكا، ويستخدمون الأصباغ بدلا من الزعفران. وتشير إلى أن طريقة العراقيين كانت منتشرة أيضا في الأحساء لأنها تقلل من تكلفة «الزردة».

وأوضحت أن عملية الضرب هي أحد أسباب عزوف النساء عن صنع الزردة إذ تتطلب هذه العملية جهدا كبيرا إضافة إلى عدم معرفتهن الطريقة الخاصة التي تتم بها. وأشارت إلى أن أهم أسباب العزوف عن «الزردة» هو طول الوقت الذي يستغرقه صنعها إذ يصل إلى ست ساعات، ويبقى العامل الاقتصادي من أهم الأسباب فسعر الكيلو الواحد للأرز الأحسائي يصل اليوم إلى ثلاثين ريالا.

ويدخل في صنع الزردة الماء والدبس والنخج (عدس الحمص) والأرز الأحسائي الأحمر والزعفران وماء الورد والهيل وجوز الهند والمكسرات للتزيين. وتصب «الزردة» بعد ضربها في قالب كبير وتسوى باستخدام السمن ثم تزين بجوز الهند والمكسرات وتبرد في الثلاجة ثم تقطع وتصبح جاهزة للتقديم.

وتقول أم حسين إنها تصنع حلوى «الزردة» لتستنشق منها رائحة الماضي حيث كانت هذه الحلوى توزع في مناسبة القرقيعان، أما اليوم فقد تعودت أم حسين أن تصنعها حين يجتمع أولادها وأحفادها حولها في الأعياد والأفراح وفي شهر رمضان الكريم.