بولجاري يحتفل بالذكرى 125 لمؤسسته في قصر المعارض بروما

الصائغ بولجاري بين الذهب والأحجار الكريمة جواهر مبتكرة نفيسة
الصائغ بولجاري بين الذهب والأحجار الكريمة جواهر مبتكرة نفيسة

حين يذهب الناس في روما إلى مخبز أو بقالية غالية الثمن يتندرون على الأسعار الملتهبة بقولهم: «إنها من إنتاج بولغاري»، والإشارة هنا إلى الصائغ الشهير منذ عام 1884 الذي كان يبتكر الجواهر النادرة المرصعة بالأحجار النفيسة وأغماد السيوف للسلاطين العثمانيين من مقره في اليونان ويبيعها بأسعار خيالية قد يصعب تخيلها في ذلك الزمان.


 افتتح بولغاري في قصر المعارض بوسط العاصمة الإيطالية معرضا خياليا لمنتجاته الثمينة بحضور الشخصيات المعروفة وعلى رأسهم الممثل الفرنسي آلان ديلون الذي استغرب سعر أحد العقود النسائية الرائعة من الألماس والزمرد والياقوت المحدد بعشرين مليون يورو (27 مليون دولار).

وكان العشاء في نفس الليلة في حصن سان أنجلو التاريخي قرب الفاتيكان، وبرزت فيه الشخصيات المعروفة في عالم الثراء والفن والموضة وعلى رأسهم الممثلة جينا لولو بريجيدا، ومن دور الأزياء الرفيعة سيلفيا فندي ومرغريتا ميسوني وسانتو فيرساتشه.

يروي المعرض قصة دار بولغاري وأشهر منتجاتها الكلاسيكية من الحلي والساعات والإكسسوار في سرد تاريخي يبدأ منذ تأسيسها ثم توسعها لتشمل المنتجات الفاخرة كالنظارات والعطور وأخيرا الفنادق والمنتجعات.

شهرة بولغاري تنافس صيت المشاهير الذين رضخوا لإغراء منتجاته وجمالها رغم أسعارها الباهظة.

 ففي الستينات قام الممثل ريتشارد بيرتون بشراء دبوس زيني (بروش) من الزمرد لحبيبته الممثلة اليزابيث تايلور دخل في سجل التاريخ وجلب للدكان الأنيق في أفخم شوارع روما عددا من الزبائن ذوي الشهرة العالمية ومنهم الممثلة الأميركية البارعة أودري هيبورن وزميلتها الإيطالية صوفيا لورين التي اكتشفت بريق جواهر بولغاري وألوانها الصافية في حقبة «الحياة الحلوة» (دولتشي فيتا)، وتبعهم في السنوات الأخيرة أندي ماكدوول وشارون ستون وكاثرين زيتا جونز ونيكول كيدمان، بالإضافة إلى عارضات الأزياء كلوديا شيفر وليندا إيفانجاليستا وراقصة الباليه أليسندرا فيري.

يُبرِز المعرض كيف تطورت دار بولغاري باستعمال التصاميم الحديثة والمواد النادرة بسخاء وذوق رفيع، فهناك «مجموعة الفضة» من مبتكرات المؤسس في القرن التاسع عشر، ثم «مجموعة ألماس» من عشرينات وثلاثينات القرن الفائت على طراز «آرت ديكو»، تتبعها مبتكرات الأربعينات التي تُظهِر تأثير التصاميم الفرنسية للحلي، أما شخصية بولغاري فقد تميزت منذ الستينات وتأثرت بالفن الشعبي في السبعينات ثم أصبحت أكثر جرأة وإبداعا في الثمانينات والتسعينات، وفي آخر الجولة نرى جواهر القرن الجديد ومنها القلادة المترفة التي تقدر بعشرين مليون يورو، لكن بعض الحضور كان يهمس حول انخفاض أسهم الدار بنسبة 6 في المائة بعد الخسارة المعلنة في الربع الأول من هذا العام التي وصلت حسب الأرقام الدقيقة إلى 29 مليون يورو (39 مليون دولار). فمبيعات الجواهر انخفضت بنسبة 22 في المائة والساعات 37 في المائة والإكسسوار 44 في المائة.

لم تفسد هذه الإحصائيات بهجة الاحتفال بالمعرض، فقد حملت أخبار الأسبوع الماضي أن عطر بولغاري المسمى «الياسمين الأسود» (جاسمان نوار بالفرنسية) نال جائزة أحسن عطر نسائي في ألمانيا خلال العام المنصرم.

مؤسس بولغاري هو (باليونانية) سوتيريوس بولغاريس المولود عام 1857 في قرية صغيرة بشمال غربي اليونان قرب الحدود الألبانية، حيث أنجب والداه 11 طفلا لكنه بقي الوحيد على قيد الحياة.

 وكان أبوه جرجس صائغا للفضة ينتج إبزيم الأحزمة الثمينة مستخدما تصاميم عريقة من أيام الإمبراطورية البيزنطية دفعت أمراء وكبار أغنياء الدولة العثمانية إلى اقتنائها، لكن المشكلات السياسية والثورات في البلقان أجبرت سوتيريوس على الانتقال إلى جزيرة كورفو اليونانية، ومن بعدها هاجر إلى نابولي في إيطاليا ثم استقر في روما.

وفي عام 1905 انتقل إلى حانوته الأنيق في شارع كوندوتي الذي ما زال مقصد السياح والأثرياء حتى اليوم، أما مقر الإدارة على ضفاف نهر التيبر فقد كاد يتعرض للسرقة في العام الماضي لولا يقظة رجال الأمن الذين أوقعوا عصابة خطيرة من اللصوص في قبضتهم قبل أن يباشروا تنفيذ خطتهم الجهنمية التي تصلح للأفلام البوليسية.

قال المدير التنفيذي لدار بولغاري فرانشسكو تراباني، وهو حفيد المؤسس: «رغم المصاعب المؤقتة بسبب الأزمة المالية العالمية، ما زلت أنوي أن تتبوأ مجموعة بولغاري التي تشمل الجواهر والساعات والإكسسوار والفنادق المركز الأول بين الشركات الباذخة في عالم الفخامة والمنتجات المتميزة»، والمنافسان الرئيسيان لطموحه هما دار «كارتييه» الفرنسية ودار «تيفاني» الأميركية، وفي الماضي كان بيتر فابرجيه صائغ قيصر روسيا يتميز على جده في التصاميم البيزنطية، لكن اسمه بقي الآن من مخلفات التاريخ.

درس تراباني في جامعة نابولي ثم اختص في إدارة الأعمال من جامعة نيويورك وتسلم عمله الحالي منذ 25 عاما، ويملك مع أعمامه الاثنين باولو ونيكولا أكثر من نصف أسهم بولغاري، وتفوق قيمة الدار حاليا 5 مليارات دولار، ولا ينافسها في عالم الأزياء والإكسسوار والفنادق الباهظة سوى «جورجيو أرماني» في إيطاليا و«شانيل» في فرنسا، أما «بوشيرون» الفرنسي فقد أصبح ملكا لدار «غوتشي» الإيطالية، لكن تراباني الذي سافر بعد افتتاح المعرض إلى مدينة فياريجيو الساحلية ليتفقد يخته الخاص البالغ طوله 42 مترا القابع في حوض السفن هناك وليتابع من متنه سباق سيارات «فورمولا واحد» في مونتي كارلو، يضيف قائلا: «أعمامي فخورون بما قمت به في إدارة مجموعة شركات (بولغاري)، ويرفضون أن يشتريهم أحد من المنافسين أو المستثمرين حتى لو دفعوا أكثر من 30 في المائة من قيمة الدار».

 أناقة العرض في هذا المعرض الفريد ليست مستغربة لأن منظّمته هي أماندا تريوزي التي تعمل أمينة محفوظات متحف بولغاري التاريخي منذ عام 1997، وهي التي ألّفت الكتاب أو البيان المصور للمعرض وفيه 320 صورة ملونة لمبتكرات بولغاري التي تعكس رغبة تراباني في أن يصبح «أمير الصُّيّاغ».

تخرج من قصر المعارض بين الحراسة المشددة وتعليقات إعجاب الزوار وأنت تفكر في أمجاد الإغريق والرومان والبيزنطيين وآل عثمان وكيف عاشوا في جو الترف والثروة والجمال وكانوا ممن يصنفون الآن من القلة الموسرة عظيمة الشأن.