«النوجا».. حلوى إدريسية علمها اليهود للفاسيين

هناك عدة طرق يبتدعها التجار لجذب الزبائن لشراء الحلوى
هناك عدة طرق يبتدعها التجار لجذب الزبائن لشراء الحلوى

عند زيارتك لمدينة فاس لن تضيع الكثير من الوقت في التفكير فيما ستشتريه لنفسك، أو تحمله معك كهدايا، أو تذكارات، فهي مدينة تزخر بالعديد من المنتجات التقليدية بشتى أنواعها سواء المصنوعة من الجلد، كالأحذية المغربية مثل «الشربيل» و«البلجة»، أو الأواني المعدنية المطلية بالفضة أو النحاس، مثل الصواني وأباريق الشاي والفوانيس، ومنتجات أخرى عديدة.


أما إذا فكرت في شراء ما يؤكل فستجد لائحة طويلة أمامك من سمن بلدي، و«خليع» و«بريوات»، و«شباكية» إلا أنك لن تجد «أحلى» من حلوى مولاي إدريس، وهذه الحلوى التي تحمل اسم مؤسس المدينة مولاي إدريس الثاني، ليست سوى «النوجا»، وأطلق السكان عليها هذا الاسم لأن الدكاكين الصغيرة التي تباع فيها موجودة بحي الملاحين بالقرب من ضريح نجل إدريس الأول مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب، الذي يزوره المئات من الناس يوميا.

في حي الملاحين المتميز بأزقته الضيقة الكثيرة تجد العشرات من الدكاكين الصغيرة التي تبيع هذه الحلوى تثير انتباهك بسهولة لأنها معروضة بطريقة مغربية ولافتة بألوانها، بل أكثر من ذلك ابتدع التجار طريقة ذكية لجذب الزبائن، فإذا ما توقف أحدهم عند باب الدكان ولو من باب الفضول، يمد له البائع قطعة من الحلوى في صحن بلاستيكي صغير لتذوقها، ويحثه على تناولها حتى وإن لم تكن لديه الرغبة في شرائها، وبالتأكيد قد ينتابه الخجل لتناول الحلوى مجانا، فيطلب المزيد ويشتريها، لأنه قد لا يستطيع مقاومة طعمها اللذيذ.

«حلي باش تولي»
أي «تذوق الحلوى لتعود»، هو الشعار الذي وضعه الحاج حماد، على بطاقات الزيارة الخاصة به، والتي تحمل رقم هاتفه النقال وعنوان الدكان المتخصص في صنع «الحلوى الإدريسية الفاسية» كما سماها، والذي ورثه عن والده، الذي كان يعمل في نفس «الصنعة» قبل أربعين سنة.

يقول حماد إن الفاسيين تعلموا طريقة تحضير الحلوى على يد العائلات اليهودية التي كانت تقطن بمدنية فاس، وبالتالي تعد المدينة الموطن الأصلي للنوجا، ومنها انتقلت إلى المدن المغربية الأخرى، إلا أن الحلوى الفاسية تبقى الأجود والأكثر إتقانا، بنظره، حتى أنه لا يوجد هذا العدد الكبير من الدكاكين إلا في مدينة فاس.

طريقة تحضير النوجا على الطريقة التقليدية الفاسية تبدو سهلة، يقول حماد إنها تحضر عن طريق تضريب بياض البيض سواء باليد أو بآلة كهربائية حتى يصبح كالثلج، وإن كان يفضل الطريقة اليدوية لأن البيض يصبح أكثر هشاشة، ثم يصب عليه عسل السكر بالتدريج مع التحريك المستمر إلى أن يصبح الخليط متماسكا، فيضاف إليه ماء الزهر، والمسكة الحرة، لإعطائه النكهة، ثم يضاف إليه الفواكه اليابسة حسب الرغبة مثل اللوز، أو الفستق أو البندق، أو الكاوكاو أو الفول السوداني المحمر والمقشر، ويصب الخليط في قوالب مستطيلة، ثم يترك لساعات حتى يتجمد، ثم يقطع إلى مربعات صغيرة أو متوسطة.

وإلى جانب النوجا يبيع حماد حلوى العسل المشهورة، المتميزة بقرمشتها اللذيذة، وتحضر بنفس الطريقة إلا أنها تستغني عن البيض، إذ يمزج عسل السكر بالمطيبات الطبيعية، مثل ماء الزهر، ويضاف إليه الفول السوداني أو اللوز المقشر والمحمر، أو السمسم، وتترك حتى تتجمد.

لا تترك حلوى النوجا بلونها الأبيض الطبيعي فقط، بل تلون بألوان صناعية أخرى مثل الأصفر والوردي والبرتقالي، والأخضر الفاتح، وهذه الألوان تجعلها مغرية أكثر للعين.

يقول حماد إن زوار المدينة مغاربة وأجانب يشترون الحلوى الإدريسية الفاسية، كما تقدم في حفلات الزفاف التي تقام في المدينة، وغيرها من المناسبات، إذ تعطى للمدعوين موضوعة في علب ورقية صغيرة، ومنها ما يقدم في صحون لتناولها بالملاعق،كتحلية بعد الأكل.

 ولتسهيل عملية بيع الحلوى التي تحتاج إلى جهد لكسر قوالبها، وضع الباعة قطعا مختلفة منها في علب بلاستكية جاهزة لأخذها حسب الوزن المرغوب، وهي طريقة عملية شجعت الناس على شرائها.

ويقول حماد إنه رغم انتشار هذا العدد كبير من الدكاكين التي تبيع الحلوى الإدريسية، تفضل بعض العائلات الفاسية تحضيرها في البيت شأنها شأن الحلويات المغربية التقليدية.

والملاحظ أيضا أن القاسم المشترك بين معظم أصحاب هذه الدكاكين، هو أنهم لا يكتفون ببيع هذه الحلوى، بل يضعون إلى جانبها منتوجات أخرى، غير بعيدة عن عالم النكهات، وهي قارورات مياه الزهر، والورد، والزعتر، يقولون إنها مقطرة على الطريقة التقليدية من دون إضافة أي مواد صناعية.