الإسهال .. أعراضة وتشخيصه وطرق الوقاية منه

أحد الاضطرابات المزعجة في الجهاز الهضمي تتعدد مسبباته الميكروبية وغير الميكروبية
أحد الاضطرابات المزعجة في الجهاز الهضمي تتعدد مسبباته الميكروبية وغير الميكروبية

مما تقوله الإحصائيات الطبية المقارنة في المجتمعات المختلفة أن معدلات الإصابة بالإسهال تتفاوت بين سكان الدول، وخلال العام الواحد، وفي نفس المنطقة الجغرافية، كما تتفاوت هذه المعدلات ايضا حسب فصول السنة. وفي الولايات المتحدة يُصاب الشخص البالغ بالإسهال الحاد، حوالي 4 مرات في السنة.


أما في مناطق أخرى من العالم، والتي تنتشر فيها الأمراض المنتقلة عبر الأطعمة والمياه الملوثة فإن معدلات نوبات الإسهال تتضاعف. والأهم أن احتمالات إصابة الزائرين لها، من السياح وغيرهم، بالإسهال تفوق احتمالات إصابة المقيمين فيها من سكانها.

ولئن كان الإسهال مشكلة صحية عالمية، إلا أنه في نهاية الأمر أحد أعراض بعض الأمراض، وليس مرضاً مستقلاً بذاته. ولذا فهو أحد الاضطرابات المزعجة في الجهاز الهضمي التي تتعدد مسبباته الميكروبية وغير الميكروبية. كما أنه قد يتسبب بتأثيرات صحية بالغة، خاصة لدى الأطفال، إذْ يُعتبر أحد أهم أسباب الوفيات بينهم.

تعريفات وأعراض
وبالرغم من اعتقاد البعض أن الإسهال لا يحتاج إلى تعريف، إلا أن للأطباء مصطلحات مهمة حول الإسهال، ومن المفيد الإحاطة بها علماً. وأهمها أن حالة الإسهال هي إخراج فضلات لينة أو سائلة، وهو مما يُعتبر من غير الطبيعي حصوله. وحال الإصابة به، قد يضطر الإنسان إلى الذهاب إلى دورة المياه لإخراج فضلاته لأكثر من ثلاث مرات يومياً، وقد يزيد عدد المرات تلك إلى أكثر من هذا. أي أنها حالة يكثر فيها إخراج الفضلات، وتزداد كميتها عن المعدل الطبيعي.

ومعلوم أن الكمية الطبيعية للفضلات اليومية للشخص البالغ هي حوالي 200 غرام، وبهيئة متماسكة القوام. و “الإسهال الحاد”، هو ما يستمر لمدة يوم أو يومين، ثم يزول دونما تلقي أي معالجة. بينما “الإسهال المستمر”، هو ما يظل لمدة تزيد عن يومين، وقد يكون ناجماً عن أمر مهم، كما قد يتسبب بحالة من جفاف الجسم.

وحالة الجفاف يُقصد بها فقد الجسم لكميات مؤثرة من السوائل، ما يُعيق انضباط وكفاءة عمل أعضاء الجسم. وتبدو أهميته، وتأثر الجسم به، لدى الأطفال ولدى كبار السن. وهي حالة تتطلب المعالجة لتعويض الجسم عن كميات المياه التي فقدها.

أما “الإسهال المزمن”، فهو ما يستمر لمدة تتجاوز 4 أسابيع. وهناك نوع رابع من الإسهال، وهو “الإسهال المزمن المتكرر”، أي الذي يستمر فترة طويلة نسبياً، ثم يزول، وبعدها يعود مرة أخرى، لتتكرر الشكوى.

وتشمل الأعراض المصاحبة للإسهال، أي تكرار إخراج فضلات لينة وسائلة، حصول آلام أو تقلصات في البطن، أو ارتفاع في حرارة الجسم، أو خروج دم مع البراز، أو انتفاخ البطن، إضافة إلى الغثيان أو القيء.

الأمعاء والطعام
الإسهال والطعام الذي نتناوله يبقى في الأمعاء عادة في هيئة سائلة خلال غالب مراحل الهضم، لأنه يظل يختلط بالعصارات الهضمية التي تفرزها بالتتابع كل من الغدد اللعابية والمعدة والبنكرياس والمرارة والأمعاء الدقيقة. وما أن تصل الفضلات إلى الأمعاء الغليظة حتى تبدأ مرحلة امتصاص كميات السوائل المُضافة تلك، كما تبدأ أيضاً معادلة وضبط مكونات الأملاح والمعادن في كتلة الفضلات.

وحركة الأمعاء لدفع الطعام عبر أجزاء القناة الهضمية، من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة ومن ثم إلى الأمعاء الغليظة، تتم ضمن سرعة ووتيرة منضبطة.

وهذه الأمور الثلاث، امتصاص السوائل ومحتوى الفضلات من المعادن والأملاح وحركة القناة الهضمية، من الضروري وضعها في الذهن حال مراجعة بعض أسباب الإسهال، وحال إدراك مضاعفات حصوله، وحال أيضاً فهم كيفية المعالجة له. والآليات هي التهابات بطانة الأمعاء، وزيادة افراز بطانة الأمعاء للسوائل، ووجود مواد في الطعام تُعيق عملية امتصاص القولون للسوائل.

وتختلط الأمور في بعض أنواع الإسهال، لتشمل عدة آليات، ومن أمثلة ذلك حالات الإسهال لدى مرضى القولون العصبي، وحالات الإسهال التي تُصيب من آن لأخر منْ لهم عملية استئصال المرارة، وحالات الإسهال التي تُصيب مرضى السكري وغيره من الأمراض المزمنة.

تشخيص وفحوصات
حينما يُصيب أحدنا الإسهال بدرجة تتطلب مراجعة الطبيب، فإن أسئلة الطبيب ستتوجه نحو معرفة سبب الإسهال، ونحو التأكد من مدى المعاناة من حالة الجفاف. ولذا سيسأل الطبيب عن نوعية الأطعمة التي تناولتها مؤخراً، ومصدر إعدادها، ومحتوياتها. كما سيستفسر عن الأدوية التي تتناولها، وخاصة المضادات الحيوية.

وسيشمل الفحص، التأكد من مقدار النبض وضغط الدم، إضافة إلى فحص الجلد والعينين، وذلك لتقييم مستوى جفاف الجسم. كما أن الفحص السريري الإكلينيكي للبطن والمستقيم، وإجراء تحاليل للبراز وللدم، أو إجراء منظار للقولون أو أنواع من أشعة البطن، كلها يكون اللجوء الطبي إليها على حسب الحالة الصحية للمريض ونوعية الإسهال لديه.

ومن الذكاء في بعض الحالات اعتماد الطبيب على إجراء اختبار الصوم. وهو كما تقول المؤسسة الأميركية لأمراض الجهاز الهضمي والكلى والسكري مهم في تشخيص حالات الإسهال الناجمة عن تناول مواد غذائية أو دوائية تتسبب بإعاقة امتصاص القولون للسوائل.

معالجة ووقاية
أغلب حالات الإسهال تزول خلال بضعة أيام، دونما تلقي أي معالجة دوائية. وحينما تُراجع الطبيب للشكوى من الإسهال، فإنه سيُؤكد على أهمية الإكثار من شرب السوائل وتناول الأملاح، لتعويض ما فقده الجسم منها.

وهذه الأملاح تشمل الصوديوم والبوتاسيوم، المهمين في ضبط عمل القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي. وفي حالات ظهور الإسهال كأحد الآثار الجانبية لبعض الأدوية، كالمضادات الحيوية أو غيرها، فإن الطبيب سيطلب منك التوقف عن تناولها.

وحينما تتسبب الميكروبات بالإسهال، فإن تناول أحد المضادات الحيوية، قد لا يكون هو الحل الأمثل، وخاصة في حال الفيروسات التي لا تتأثر بالمضادات الحيوية. وإذا ما يتم عزل أحد الميكروبات البكتيرية أو الطفيلية، فإن المعالجة تكون بالدواء المناسب للقضاء عليها. وثمة أدوية مسكنة للإسهال، قد يستفيد البعض منها لتخفيف تكرار الحاجة للذهاب إلى دورة المياه.

كما أن الصوم بحد ذاته قد يكون مفيداً، وخاصة في الحالات التي تتسبب الأطعمة أو الأدوية بالإسهال فيها. ومن الضروري للوقاية من حالات الإسهال، الاهتمام بتناول أطعمة ومشروبات نظيفة، خاصة أثناء السفر. وتحديداً عدم شرب الماء من الحنفية أو استخدامه في تفريش وتنظيف الفم والأسنان.

والحرص على عدم تناول الأيس كريم المُعد محلياً باستخدام ماء الحنفية. وتجنب تناول الخضار والفواكه الطازجة، حتى لو كانت مغسولة، دون تقشيرها. وتجنب تناول السلطات المقطعة في المطاعم. وعليك عدم تناول اللحوم أو المأكولات البحرية غير الناضجة بالطهي. وكذلك تجنب تناول الحليب أو مشتقات الألبان غير المبسترة.

وبديهي، عدم تناول تلك الأطعمة أو المشروبات التي يُقدمها الباعة المتجولون. واحرص على شرب المياه المعدنية المحكمة الإغلاق، ولا تقبل شرب الماء منها، ما لم تفتح غطاء عبوتها بنفسك<

نصائح .. لـ"المغامرين" متى تراجع الطبيب عند الشكوى من الإسهال؟
يُشير الباحثون من المؤسسة القومية لأمراض الجهاز الهضمي والكلى والسكري ومن مايو كلينك بضرورة مراجعة الطبيب حال الإصابة بالإسهال، حينما:

> يستمر الإسهال لمدة تزيد عن 3 أيام.

> يتكرر الإسهال في اليوم الواحد لدرجة حصول من الجفاف في الجسم.

> لا يُفلح الإكثار من شرب السوائل في تخفيف حدة أعراض الجفاف.

> يُصاحب الإسهال ألم شديد في البطن أو المستقيم.

> يختلط براز الإسهال بالدم أو بلون أسود.

> ترتفع حرارة الجسم بما يفوق درجة 38 درجة مئوية.

ثلاث آليات لحصول الإسهال
ثمة ثلاث آليات رئيسية لحصول الإصابة بالإسهال، وهي:

> التهابات بطانة الأمعاء: ما يُؤدي إلى زيادة سرعة حركتها وتدنى مستوى عملها على امتصاص العناصر الغذائية من الطعام. ولذا فإن حصول عدوى ميكروبية، قادمة مع تناول أطعمة ملوثة بها، قد يُؤدي إلى التهابات في بطانة الأمعاء، الدقيقة أو الغليظة، مثل الفيروسات أو البكتيريا أو الطفيليات. ومن الاستطراد الممل استعراض قائمة العشرات من أسباب الإسهال الميكروبية وأسمائها العلمية.

كما تُؤدي الإصابة بأمراض غير ميكروبية، مثل مرض كرون والتهابات القولون التقرحية ومرض سيليك، إلى حصول التهابات في بطانة الأمعاء الدقيقة أو الغليظة.

> زيادة إفرازات الأمعاء: ومعلوم أن طبقة بطانة الأمعاء قادرة على إفراز كميات كبيرة من السوائل للاختلاط بالطعام. وقد يحصل خلل في عمل البطانة تلك، وزيادة إفرازها للسوائل، نتيجة للإصابة بميكروبات، لا تخترق أنسجة بطانة الأمعاء ولا تتسبب بالقروح والالتهابات فيها، بل تلتصق بخلايا تلك البطانة وتحثها جاهدة على إفراز المزيد من السوائل. وأوضح الأمثلة على هذه الآلية للإسهال هي الإصابة ببكتيريا الكوليرا.

> إعاقة امتصاص القولون للسوائل: ان تسبب وجود مواد في الطعام في إعاقة عملية امتصاص القولون للسوائل، يعتمد على ما يُعرف علمياً بالضغط الأزموزي، وهو الذي يتحكم بمدى انتقال السوائل من وسط إلى وسط أخر عبر خاصية الاختراق.

ولأن كميات السوائل في الفضلات الموجودة في القولون يجب امتصاصها بواسطة خلايا بطانة القولون، فإن وجود مواد ذات ضغط أزموزي عال قد يتسبب بمنع عملية الامتصاص تلك ما ينجم عنه الإسهال.

والمواد تلك مثل سكر اللكتوز lactose الموجود في الحليب، ولذا يتسبب للبعض تناول الحليب بالإسهال، نظراً لعدم هضم الأمعاء الدقيقة لذلك النوع من السكر، ووصوله بالتالي للقولون. ومثل مواد سوربيتول Sorbitol ومانيتول mannitol ، في المُحليات الصناعية المُضافة إلى أنواع من العلك أو الحلويات.

ولتناول بعض الأدوية تأثيرات جانبية في التسبب بالإسهال. ومثلاً تناول شراب “مالوكس” للمعدة، والمحتوي على المغنسيوم، يتسبب بارتفاع الضغط الأزموزي وإعاقة امتصاص السوائل في القولون. بينما تتسبب بعض المضادات الحيوية بالإسهال عبر إما قضائها على البكتيريا الصديقة الطبيعية في القولون أو عبر تسببها بالتهابات بكتيرية في بطانة القولونز