أعراض التهابات الكبد ومسبباتها الفيروسية

ينتقل فيروس بي عبر الدم ومستخلصاته، وعبر الاتصال الجنسي من خلال وجود الفيروس في السائل المنوي وفي إفرازات المهبل الطبيعية.
ينتقل فيروس بي عبر الدم ومستخلصاته، وعبر الاتصال الجنسي من خلال وجود الفيروس في السائل المنوي وفي إفرازات المهبل الطبيعية.

لئن كان البعض يعتقد أن مرض السكري مهم فقط بسبب شيوع الإصابات به في العالم، فإن الإحصائيات العالمية تشير إلى أن الإصابات بأحد أنواع التهابات الكبد الفيروسية، وهو نوع بي B تحديداً دون غيره، شائعة أكثر، لتتجاوز في "العدد" ما هو معلوم حول الإصابات بالسكري.


ذلك أن عدد من لديهم إصابة بفيروس التهاب الكبد من نوع بي B يبلغ أكثر من 300 مليون شخص على المستوى العالمي.

 ناهيك عن العدد الفعلي للمُصابين بكل الأنواع السبعة من هذه الفيروسات المتخصصة بمهاجمة الكبد.

تتشعب جوانب الحديث عن التهابات الكبد الفيروسية، وتُعتبر أحد أهم المواضيع الطبية الساخنة، نظراً لما تقدم من شيوع الإصابات بها، ونظراً أيضاً لتنوع مضاعفاتها وعمق تأثيرات ذلك على المستوى الصحي الشخصي والعام، ونظراً لتتابع صدور الدراسات الطبية التي تحاول أن تفك وتحل شيئاً من الغموض الذي يكتنف معرفتنا بهذه الفيروسات وسلوكياتها داخل وخارج الجسم.

وهو الغموض الذي يتسبب بتعذر وجود علاج يشفي بالكامل لكل المصابين بها وبتعذر توفر أنواع من اللقاح للوقاية من جميعها، وليس بعضها، ما يُبرر استمرار انتشار الإصابات بها واستمرار حصول تداعيات ذلك.

فيروسات وكبد
والكبد، كأحد الأعضاء الكبيرة والحيوية في جسم الإنسان، عُرضة لأن تجري في أرجائه تفاعلات مراحل عمليات التهابية متفاوتة الشدة.

وتحصل هذه الالتهابات نتيجة لتعرض الكبد لواحد، أو أكثر، من عوامل عدة. مثل أنواع من الأدوية أو الكحول أو المواد الكيميائية أو السموم أو أنواع من الميكروبات أو اضطرابات مناعة الجسم أو غيره.

ومن بين الميكروبات، تُوجد مجموعة من الفيروسات ذات القدرة، العامة أو المميزة، على مهاجمة الكبد واستباحة "أراضيه".

لكن بالرغم من هاتين الحقيقتين العامتين حول وجود مسببات متعددة لالتهابات الكبد وقدرة مجموعة واسعة من الفيروسات على مهاجمة الكبد، إلا أن ثمة حالات مرضية معينة، تُصنف بشكل مستقل بذاتها، ودون غيرها، تحصل فيها التهابات داخل الكبد نتيجة لدخول واحد، أو مجموعة، من فيروسات معينة، يجمعها قاسم مشترك وهو مهاجمة الكبد بالدرجة الأولى، ويُطلق عليها فيروسات "التهاب الكبد الفيروسي".

بمعنى أن مجموعة الفيروسات هذه، والمكونة من سبعة فيروسات حتى اليوم، ليست هي الوحيدة التي تهاجم الكبد، لكنها الوحيدة في استهدافها دوماً مهاجمة الكبد متى ما تم لها الدخول إلى الجسم من المنافذ المُسهلة لها الوصول إلى الكبد.

وإلا فإن مجموعات واسعة من الفيروسات تمتلك قدرة مهاجمة الكبد، لكن ذلك يحصل منها ضمن مهاجمتها أعضاء أخرى في الجسم، وبالتالي تتسبب بالتهاب في الكبد بصحبة تسببها بمجموعات أخرى من الالتهابات التي تطال أجزاء الجسم الأخرى أيضاً.

وفهم هذه النقطة العلمية ذا أهمية عالية، ليس للأطباء وحدهم، بل لعموم الناس، ومنهم المرضى وأقاربهم على وجه الخصوص.

ولأسباب علمية، تم استخدام الأحرف الأبجدية لتسمية مجموعة فيروسات "التهاب الكبد الفيروسي".

وأصبحت تشمل، حتى اليوم، فيروس إيه A، وبي B، وسي C، ودي D، وإي E، وأف F، وجي G.

وتشير إدارة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية، إلى أن معرفة العلماء بأنواع الفيروسات تتوسع، وخاصة في جانب الأنواع المتسببة بـ "التهاب الكبد الفيروسي".

وأنها تتوقع أن يزيد عدد أفراد هذه الفيروسات، وتطول بالتالي قائمة الأحرف الأبجدية المستخدمة في تسميتها. ولكن تبقى فيروسات إيه A، وبي B، وسي C، هي الأشهر والأهم والأكثر انتشاراً.

حالة التهابية
حينما يُقال "التهاب"، فإن المعني بذلك ظهور علامات على نشاط جهاز مناعة الجسم في مواجهة ما يراه ذلك الجهاز كـ "عدو" يجب القضاء عليه والتخلص منه.

وتأخذ عمليات الالتهاب أحد مسلكين رئيسين، إما الالتهاب الحاد أو الالتهاب المزمن. وبينهما درجات متفاوتة لا مجال للاستطراد بذكرها فيما يختص تحديداً بما يجري الكبد والفيروسات المتسببة بالتهابات فيه.

 والفارق بين ما هو حاد ومزمن بالنسبة لما نحن فيه، مرتبط بمدة عمليات الالتهاب. وحينما تتجاوز مدة تلك العمليات من حين بدايتها في الكبد، ستة أشهر، تُصبح الحالة مزمنة.

وبصفة عامة، تشمل أعراض وعلامات الالتهاب الحاد، التي قد تظهر كلها أو بعضاً منها، كل من التورم والاحمرار والحرارة والألم.

ولأن الالتهاب عملية قد تُصيب في الجسم أي عضو، أو جزء منه، فإن أعراض وعلامات حصوله تختلف على حسب موقع المنطقة المتأثرة وتركيبها ووظيفتها.

ومثلاً التهاب في الجلد قد يُؤدي إلى احمرار يكون بادياً للعيان، وحرارة عند اللمس، مع تورم مؤلم بذاته أو عند لمسه أو الضغط عليه.

بينما التهاب في مفصل ما، قد يُؤدي إلى تلك العلامات الأربعة، إضافة إلى صعوبة، أو عدم القدرة على، تحريك المفصل كلياً أو بعضاً من مدى حركاته. وكذا مع الألم فيه.

وتختلف القصة في الكبد، ليس فقط لأنه عضو داخلي، بل لأن تراكيبه مختلفة عن أعضاء أخرى، ولأن ثمة عوامل تُؤثر على نوعية تفاعل جهاز مناعة الجسم فيما يُصيب الكبد.

تفاعل متفاوت
وفي الالتهاب الحاد للكبد، تهرع مكونات جهاز مناعة الجسم، من خلايا دم بيضاء ومركبات كيميائية، بهيئة إما كثيفة أو ضعيفة، وبصفة إما مستعجلة أو بطيئة.

وربما لا تحضر البتة ولا تعير لوجود الفيروسات في الكبد أي اهتمام. وما يتحكم بهذه النوعية من التفاعل، بالدرجة الأولى، هو مدى قوة جهاز مناعة الجسم ومدى دقة ملاحظته لوجود تلك الفيروسات في الكبد.

 إضافة إلى عوامل تتعلق بخصائص الفيروس وقدرته على التحور وتغيير ملامحه الذاتية، لجعل الأمر أشد غموضاً على جهاز مناعة الجسم، و"اتقاء شر" أفراده.

ومن المهم إدراك هذا الجانب، ذلك أن منْ جهاز مناعته ضعيف قد لا تظهر عليه علامات التهاب الكبد، مثل الطفل الرضيع الذي تمر بدايات إصابته بصمت أو بصوت خافت من إبداء علامات مثل تورم حجم الكبد وارتفاع أنزيماته واختلال وظائفه وظهر الصفار على كل من الجلد والملتحمة البيضاء للعين.

في حين أن إصابة البالغ بنفس الفيروس، وتفاعل جهاز مناعته القوي، يُؤدي إلى ظهور تلك العلامات والأعراض.

وربما حصول تفاعل التهاب كبدي شديد، يُؤدي في المحصلة إما إلى وفاة المُصاب أو نحاج جهاز مناعته في تخليص الجسم من تلك الفيروسات.

تسميات أبجدية لسلسلة من فيروسات التهاب الكبد

فيروس إيه A
عند إصابة الجسم بفيروس التهاب الكبد من نوع إيه A فإن حالة من الالتهاب الحادة تنشأ في كبد المُصاب، ولا تتحول البتة الحالة إلى التهاب مزمن مستوطن للكبد.

 أي إما أن الجسم يتمكن، عبر تفاعل جهاز مناعته، من التغلب على فيروس إيه ويُخلص الكبد منه. وإما أن حالة حادة شديدة من الالتهاب الكبدي تحصل بدرجة قد تُودي بحياة المُصاب.

والسبيل لدخول هذا الفيروس إلى الجسم هو عبر الفم. وذلك من خلال تناول أطعمة أو مشروبات أو مياه ملوثة بفيروسات خرجت مع براز شخص مُصاب بها.

وعليه، فإن الإصابات تنتشر بسهولة بين أفراد المنزل الواحد، عبر إما اللعاب، كالتقبيل، أو البراز، كعدم غسل اليدين جيداً بعد الفراغ من قضاء الحاجة.

وكذلك فيما بين مرتادي المطاعم أو بين أطفال المدارس، حينما ينعدم الاهتمام بالنظافة.

وبالرغم من انتشار العدوى بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع إيهA في مناطق واسعة من الدول النامية أو الفقيرة، إلا أن السلطات الصحية في الدول الأكثر تقدماً في العالم لا تزال ترصد بمئات الألوف من الإصابات به سنوياً.

وعلى سبيل المثال تتجاوز الإصابات بنوع إيه A في الولايات المتحدة 150 ألف حالة سنوياً، من بين التعداد الفعلي لكافة حالات التهاب الكبد الفيروسي بجميع أنواعه، والبالغ 600 ألف حالة سنوياً.

فيروس بي B
وتشير إحصائيات الولايات المتحدة، للمقارنة مع إصابات بقية أنواع التهابات الكبد الفيروسية، إلى أن حوالي 300 ألف حالة جديدة بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع بي B يتم رصد الإصابة بها في كل عام.

وهو ما يعني أن هذا النوع من الفيروسات، عميقة الضرر بصحة الإنسان، لا تزال مرتفعة وتطال شريحة لا يُستهان بها من الناس.

وفي حين كان الاعتقاد الأولي لدى الأوساط الطبية أن عدوى فيروس بي لا تتم إلا من خلال نقل الدم أو المستخلصات الأخرى من الدم، إلا أنه سرعان ما تبين أن الأمر لا يقتصر على تلك الطرق.

وما هو معلوم اليوم أن فيروس بي ينتقل عبر الدم ومستخلصاته، وعبر الاتصال الجنسي من خلال وجود الفيروس في السائل المنوي وفي إفرازات المهبل الطبيعية.

كما أن انتقال الفيروس ممكن إلى الأشخاص السليمين منه حال الاشتراك في استخدام إبر ملوثة لأخذ الأدوية أو المُخدرات في الوريد أو لنقش وشم الـ"تاتو" تحت الجلد أو لتركيب الحلقات المعدنية على الجلد، وفي استخدام أمواس حلاقة أو فُرش الأسنان أو غيرها من أدوات العناية الشخصية حين تلوثها بإفرازات من المُصابين، وفي أجهزة غسيل الكلى، وفيما بين الأم الحامل المُصابة بالفيروس وبين جنينها، أو بالخطاء في المستشفيات حينما لا يحتاط العاملون فيها عند تعاملهم مع ما فيه دم ملوث بالفيروس، وغيرها.

ويتسبب دخول الفيروس من نوع بيB إلى جسم الإنسان، في نشوء حالة من التهاب أنسجة الكبد.

وتتفاوت شدة الالتهاب ومدى الضرر الذي قد يلحق بالكبد في مرحلة التهاب الأولي الحاد. وغالبية المُصابين، وخاصة صغار السن منهم، لا يُفلحون في التنبه إلى وجود الفيروس في الكبد، ما قد يُؤدي إلى عدم حصول تفاعل التهابي في الكبد، بل استيطان الفيروسات تلك خلايا الكبد دونما مواجهة ، ولو رمزية.

والسيء في هذا أن أحداً لن يتنبه إلى دخولها وعبثها بالكبد. وبعد هذا التفاعل الأولي، يُصاب حوالي 10% من المرضى بحالة مزمنة، أكثر من 6 أشهر، يتواصل فيها نشاط التفاعل الالتهابي داخل الكبد.

والإشكالية لا تقتصر على ما تقدم فقط، بل إن وجود حالة مزمنة من التهاب الكبد هذا يتسبب، عبر سنوات، بظهور حالات تليف وتشمع الكبد، وفشل الكبد في مراحل تالية تبعاً لذلك. كما ترتفع احتمالات ظهور الإصابات بسرطان الكبد.

والقصة هذه، تتطلب اهتماماً جاداً بإتباع وسائل الوقاية، والتي من أهمها الحرص على منع حصول الانتقال بالسبل المتقدمة الذكر، وأيضاً تلقي لقاح فيروسB ، الفاعل جداً في منع الإصابات به.

فيروس سي C
قبل أن تتضح للعلماء معالم فيروس سي C لالتهاب الكبد، ويُصبح معروفاً بهذا الاسم، كان يُطلق عليه نوع "لا إيهA ولا بيB "! وتنتقل هذه النوعية من الفيروسات بنفس الطرق التي ينتقل بها فيروس بي B . إلا أن انتقال فيروس سي C عبر الاتصال الجنسي نادر، بالمقارنة مع نوع بيB .

وما يُميز الإصابة بهذا الفيروس، مقارنة مع نوع بيB وغيره، أن احتمالات نشوء حالة مزمنة من التهاب الكبد الفيروسي عالية جداً. ذلك أن حوالي 70% ممن يدخل أجسامهم هذا الفيروس، تتحول العملية الالتهابية إلى حالة مزمنة. ويغدون ذا قابلية لنقل العدوى إلى غيرهم من السليمين.

كما ترتفع لديهم احتمالات ظهور حالات تليف وتشمع الكبد، وبالتالي فشل الكبد، وكذا حالات سرطان الكبد.

ولا يُوجد حتى اليوم لقاح لمنع الإصابة بفيروس سيC.

وقد قدم موقع الجمال تحقيق تفصيلي عن أمراض الكبد ،لمزيد من المعلومات أضغط علي الرابط التالي

http://www.algamal.net/Articles/Details.aspx?TID=4&ZID=20&AID=3471