تغيرات معدل نبض القلب .. وتقييم الحالة الصحية

قدم مجموعة من الباحثين الأستراليين أحد التطبيقات العملية للاستفادة من دراسة «تغيرات معدل نبضات القلب» (Heart Rate Variability) لدى الإنسان، وذلك أثناء إجرائهم دراستهم حول تأثيرات الاهتزازات التي يتعرض لها سائق السيارة، ومدى تسبب ذلك بالنعاس له.


ووفق ما تم نشره ضمن عدد 6 يوليو (تموز) من مجلة «إرغونوميكس» (Ergonomics)، كان عنوان الدراسة «تأثير الاهتزازات الفيزيائية على تقلبات معدل نبضات القلب كمقياس للنعاس».

وفيها قام الباحثون من جامعة «ملبورن» في أستراليا بمتابعة التغيرات التي تنشأ في معدل نبضات القلب كوسيلة لتقييم مدى درجة الوعي الدماغي، وعدم البدء بالنعاس، لدى سائق السيارة، حينما يتعرض للاهتزازات الخفيفة فيها.

النبض والنعاس
من خلال النظر إلى تقلبات معدل نبضات القلب للمشمولين في الدراسة، تمكن الباحثون من الحصول على مقياس موضوعي لكيفية شعورهم بالنعاس. وباستخدام مقياس «كارولينسكا للنوم» (Karolinska Sleepiness Scale)، لاحظ الباحثون أنه في غضون 15 دقيقة من بدء اختبار الاهتزاز، بدأت تظهر علامات النعاس على المشمولين في الدراسة، وفي غضون 30 دقيقة، أصبح النعاس كبيراً، ما كان يتطلب منهم جهداً كبيراً للحفاظ على المستوى الطبيعي لليقظة والوعي.

وقال الباحثون في ملخص الدراسة: «قمنا بالتحقق من تأثيرات اهتزاز الجسم بتردد منخفض على تقلب وتغير معدل نبضات القلب، وهو مقياس لنشاط الجهاز العصبي اللاإرادي (Autonomic Nervous System) الذي يميز بين الإجهاد والنعاس. وفي غضون ما بين 15 إلى 30 دقيقة من التعرض للاهتزاز، تمت ملاحظة زيادة نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي نتيجة إجهاد محاولات الحفاظ على مستوى اليقظة ومقاومة النعاس. وكانت ثمة تغيرات في 3 من عناصر تقييم تغير معدل نبضات القلب».

اختلاف زمن النبضة
قياس «تغيرات معدل نبضات القلب» هو ببساطة مقياس للاختلاف والتباين الزمني بين كل نبضة وأخرى يُصدرها القلب. وفي الحالات الطبيعية، يتم التحكم في هذا الاختلاف عن طريق الجهاز العصبي اللاإرادي. والجهاز العصبي اللاإرادي هو جزء بدائي من أجزاء الجهاز العصبي في الجسم. وبغض النظر عن رغبتنا أو إرادتنا، يعمل هذا الجزء من الجهاز العصبي على أداء عدد من الوظائف في الجسم. ومن بين العديد من الوظائف التي يقوم بها في الجسم، فإن الجهاز العصبي اللاإرادي ينظم معدل ضربات القلب، ومقدار ضغط الدم، ومعدل التنفس، بالإضافة لعدد من الأنشطة في عمل الجهاز الهضمي.

وينقسم الجهاز العصبي اللاإرادي إلى مكونين كبيرين، هما: الجهاز العصبي الودّي (Sympathetic Nervous System) والجهاز العصبي نظير الودّي (Parasympathetic Nervous System). ويرسل الدماغ، وتحديداً منطقة المهاد الدماغية، إشارات عصبية - عبر الجهاز العصبي اللاإرادي - إلى أجزاء مختلفة من الجسم، إما لتحفيز تفاعلها ونشاطها، أو تلطيف وتخفيف تفاعلها ونشاطها. ولذا يتفاعل الجهاز العصبي اللاإرادي مع حالات قلة النوم والأرق، كما يتفاعل مع الفرح أو الحزن أو التعب البدني، أو تناول وجبة طعام لذيذة أو غيرها من الأحداث والمتغيرات التي يتعرض لها الجسم في الحياة اليومية.

وبالتالي يتمكن الجسم من التعامل المريح مع المثيرات في الحياة اليومية. ولكن حينما يتعرض الجسم لاضطرابات، كعدم النوم أو الإجهاد البدني، أو عدم تناول أطعمة صحية يحتاجها الجسم، أو عدم ممارسة الجهد البدني الرياضي لتحريك وتنشيط الجسم، فإن ثمة خللاً سيعتري عمل الجهاز العصبي اللاإرادي.

تقلبات معدل النبضات
أحد وسائل تقييم هذا الخلل في عمل الجهاز العصبي اللاإرادي، هو قياس التقلبات والتغيرات في معدل نبضات القلب. وهي وسيلة فحص ممكنة الإجراء، وغير تدخلية (Noninvasive)، وتعطي نتائج مفيدة.

وفي حالات التوتر والإجهاد النفسي مثلاً يصبح الاختلاف منخفضاً في المدة الزمنية بين نبضات القلب. أما إذا كان الشخص في حالة استرخاء أفضل، فإن الاختلاف بين نبضات القلب يكون مرتفعاً. وبعبارة أخرى، كلما كانت الحالة الصحية للجهاز العصبي اللاإرادي أفضل، كلما تفاعل الجسم بشكل أفضل مع المتغيرات في الحياة اليومية.

وعلى مدى العقود القليلة الماضية، أظهرت الأبحاث والدراسات الطبية وجود علاقة بين انخفاض معدل الاختلاف فيما بين ضربات القلب (low HRV) وبين تفاقم الإصابة بالاكتئاب أو القلق.

كما لاحظت عدة دراسات طبية أخرى أن انخفاض معدل الاختلاف فيما بين ضربات القلب يرتبط بزيادة خطر الوفاة وارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وبالمقابل، أظهرت نتائج العديد من الدراسات الطبية أن الأشخاص الذين لديهم ارتفاع في معدل الاختلاف فيما بين ضربات القلب (High HRV) لديهم لياقة قلبية أكبر، كما أن لديهم مرونة أفضل في عمل الأوعية الدموية، وهو ما يفيد في كل من حالات الاسترخاء وحالات التوتر البدني.

النبض والصحة
تحت عنوان «تقلب معدل نبضات القلب: طريقة جديدة لتقييم الرفاهية الصحية»، يقول الأطباء من جامعة «هارفارد» في تعليقهم على هذه الوسيلة للفحص ما ملخصه إنها تقدم أيضاً تعليقات حول نمط حياتك الصحية، وتساعد في تحفيز أولئك الذين يفكرون في اتخاذ خطوات نحو حياة أكثر صحية.

ومن الرائع أن ترى كيف تتغير تقلبات معدل نبضات القلب عندما تقوم بعمليات النشاط الذهني، أو استرخاء التأمل، أو النوم، أو ممارسة النشاط البدني في حياتك. ويضيفون أنه، بالنسبة لأولئك الذين يحبون الأرقام، يمكن أن تكون هذه طريقة لطيفة لتتبع كيف يتفاعل جهازك العصبي مع عواطفك وأفكارك ومشاعرك، ووسيلة أيضاً لتحفيز إجراء تغيرات صحية في نمط عيش الحياة اليومية عبر الاهتمام بتقليل التوتر وممارسة الرياضة البدنية، والحرص على تناول الأطعمة الصحية والتوقف عن التدخين وغيرها من السلوكيات الصحية.

والوسيلة الأفضل لقياس الاختلاف أو التباين في معدل نبضات القلب هو الحصول على شريط طويل لرسم تخطيط كهرباء القلب (Long Strip ECG)، أي تقريباً لمدة خمس دقائق. وهو ما يُمكن إجراؤه في العيادة الطبية. وخلال السنوات الماضية، ومن خلال عدد من الأجهزة المحمولة، تم تطوير تطبيقات لرصد معدل نبضات القلب، التي تعطي بالتالي نتائج مقاربة نسبياً وليست دقيقة كتلك التي تُجرى في العيادات الطبية.

فروقات زمنية مهمة بين نبضات القلب
الطبيعي أن يتراوح معدل نبض القلب ما بين 60 إلى 100 نبضة في الدقيقة. وعندما ينبض القلب 60 نبضة في الدقيقة على سبيل المثال، فإن هذا لا يعني أن القلب ينبض نبضة واحدة في كل ثانية، كما هي الحال في حركة عقرب الثواني بالساعة، بل ثمة اختلافات وتباين في المدة الزمنية التي تفصل فيما بين كل نبضة عن الأخرى.

ومثلاً، قد يكون الفارق بين النبضة الأولى والثانية 0.80 ثانية، وبين النبضة الثانية والثالثة 1.20 ثانية، وهكذا بين بقية النبضات الستين التي ينبضها القلب في تلك الدقيقة الواحدة.

وهذه الفروقات الزمنية، وإن كانت ضئيلة، وبغض النظر عن معدل النبض الطبيعي للقلب في الدقيقة، إلاّ أن لها أهمية صحية، وتعكس مدى تغيرات كثيرة في عمل الجهاز العصبي والقلب والأوعية الدموية وعوامل صحية أخرى.

وبإجراءات الحصول على شريط طويل لرسم تخطيط كهرباء القلب، أي تقريباً لمدة خمس دقائق، يمكن تحليل تلك الفروقات ومعرفة هل ثمة انخفاض أو ارتفاع في معدل الاختلاف فيما بين نبضات القلب.

ولفهم سبب هذه الاختلافات الطبيعية والصحية فيما بين نبضات القلب، يجدر فهم العلاقة فيما بين الجهاز العصبي والقلب، خصوصاً الجهاز العصبي اللاإرادي المكون من: الجهاز العصبي الودّي والجهاز العصبي نظير الودّي. وبالعموم، فإن جزء الجهاز العصبي نظير الودّي يعمل على الاسترخاء في الجسم وينظم خفض معدل نبض القلب، وجزء الجهاز العصبي الودّي يعمل على رفع التوتر في الجسم وينظم رفع معدل نبض القلب.

وبالتالي عند خفض معدل نبض القلب تكون ثمة فسحة زمنية فيما بين نبضات القلب المتعاقبة، ولكن عند ارتفاع معدل نبض القلب تقل تلك الفسحة الزمنية للاختلاف فيما بين نبضات القلب المتعاقبة. ولذا حينما يرتفع معدل الاختلاف فيما بين ضربات القلب، فإن ذلك يعكس نشاط الجهاز العصبي نظير الودّي. وعندما ينخفض معدل الاختلاف فيما بين ضربات القلب، فإن ذلك يعكس نشاط الجهاز العصبي الودّي.

وهذا يُمكن تنميته في الجسم، وأحد وسائل ذلك ممارسة الرياضة البدنية اليومية. وللتوضيح، عندما يبدأ المرء بممارسة التمارين الرياضية من نوع «إيروبيك» الهوائية، فإن أحد النتائج السريعة هو زيادة كمية الدم التي يضخها القلب في النبضة الواحدة (Stroke Volume)، وبالتالي فإن القلب سيتمكن من تروية الجسم بالدم بشكل كاف مع حفظ معدل ضغط الدم، وذلك عبر خفض معدل نبض القلب في الدقيقة الواحدة. ومن ثم، يرتفع معدل الاختلاف في المدة الزمنية ما بين نبضات القلب.

وعلى المدى البعيد، تسهم ممارسة الرياضة البدنية بشكل يومي في تقوية عضلة القلب، ما يعطي مزيداً من الراحة للقلب في نبض عدد أقل من النبضات في الدقيقة الواحدة، وبالتالي رفع معدل الاختلاف في المدة الزمنية ما بين نبضات القلب. والترجمة العملية لهذا هو أن القلب والشرايين تعمل بكفاءة وراحة، وهي إحدى غايات ممارسة التمارين الرياضية اليومية.