النوم المبكر والمتأخر .. يلعبان دوراً إيجابياً أو سلبياً في مزاج النساء

وجدت دراسة أميركية نمساوية حديثة أن الأشخاص الذين ينامون مبكراً ويستيقظون مبكراً هم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب، وذلك بالمقارنة مع منْ ينامون في وقت متأخر من الليل ويستيقظون في وقت متأخر من الصباح.


وتعتبر هذه الدراسة هي الأكبر حتى اليوم بالنظر إلى عدد المشمولين فيها وطول مدة متابعتهم، وأيضاً الأكثر تفصيلاً حتى اليوم في استكشاف العلاقة بين النمط الزمني Chronotype للنوم، أو ما يُعرف بـ «تفضيل النوم - اليقظة» Sleep - Wake Preference، واحتمالات الإصابة بأحد أنواع اضطرابات المزاج Mood Disorders وهو الاكتئاب Depression.

النوم والمزاج
وتأتي نتائج الدراسة الحديثة إضافة علمية جديدة لنتائج عدد من الدراسات الطبية السابقة، التي تم إجراؤها خلال العقد الماضي، والتي أفادت بشكل متكرر بأن ثمة تأثيرات صحية إيجابية للنوم المبكر والاستيقاظ المبكر، وأن هناك ارتفاعاً في احتمالات حصول أنواع مختلفة من التأثيرات الصحية السلبية لسلوكيات التأخر في النوم بالليل والاستيقاظ المتأخر في الصباح.

ووفق ما سيتم نشره ضمن عدد أغسطس المقبل من مجلة أبحاث الطب النفسي Journal of Psychiatric Research، قامت مجموعة باحثين أميركيين، من جامعتي كولورادو وهارفارد، وباحثين نمساويين من جامعة ميديال في فيينا، بفحص النمط الزمني للنوم لدى أكثر من 32 ألف امرأة، وكان متوسط أعمارهن 55 سنة، ولم يكنّ مصابات بالاكتئاب عند بدء دراسة المتابعة التي استمرت 4 سنوات.

وتم تصنيفهن إلى 3 مجموعات وفق نوعية النمط الزمني للنوم لديهن، وكانت نسبتهن هي 37 في المائة في مجموعة نمط النوم المبكر، و53 في المائة في مجموعة نمط النوم المتوسط، و10 في المائة في مجموعة نمط النوم المتأخر. كما تم تقييم مدى إصابتهن بالاكتئاب خلال فترة المتابعة، مع الأخذ بعين الاعتبار تأثيرات العوامل البيئية، مثل التعرض للضوء وجداول العمل الوظيفي، على النمط الزمني للنوم.

وأيضاً تم الأخذ بعين الاعتبار تأثير عدد من العوامل المرتبطة باحتمالات الإصابة بالاكتئاب، مثل مدة النوم اليومي، ووزن الجسم، ومستوى النشاط البدني، ومدى الإصابة بأحد الأمراض المزمنة، ووقت العمل الوظيفي في الليل أو في النهار.

و«النمط الزمني للنوم» هو مصطلح علمي لوصف وقت الخلود إلى النوم والاستيقاظ منه، وتشير المصادر العلمية إلى أنه جزء من «النمط الزمني» للجسم، والمرتبط بالساعة البيولوجية للجسم، والذي تتحكم فيه كل من الجينات والعوامل البيئية.

النوم المبكر
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن ثمة علاقة متوسطة القوة بين نوعية نمط النوم المتأخر واحتمالات الإصابة بالاكتئاب فيما بين النساء المتوسطات في العمر والكبار في السن. كما لاحظوا أن المبكرات في النوم والاستيقاظ كن أقل عُرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة تصل إلى 27 في المائة مقارنة بغيرهن.

وأن لدى المتأخرات في النوم والاستيقاظ كانت نسبة احتمالات الإصابة بالاكتئاب هي 6 في المائة، وهي نسبة متوسطة القوة وليست لها دلالة إحصائية تربط بشكل مباشر بين الأمرين، ولكن العلاقة أوضح بين فائدة النوم المبكر والاستيقاظ المبكر وانخفاض احتمالات الإصابة بالاكتئاب.

ولذا قال الباحثون: «كون الإنسان ينام مبكراً ويستيقظ مبكراً هو أمر مفيد وله تأثير على الشعور بالسعادة، وعلى المرأة محاولة الحصول على قسط كافٍ من النوم وممارسة الرياضة وقضاء بعض الوقت في الخارج للحصول على أكبر قدر ممكن من الضوء في النهار وتعتيم الأضواء في الليل».

وهو ما علّقت عليه الدكتورة سيلين فيتر، الباحثة الرئيسية في الدراسة ومديرة مختبرات النوم والساعة البيولوجية بجامعة كولورادو CASEL، بقولها: «نتائجنا تظهر أن ثمة صلة متوسطة بين نوعية النمط الزمني للنوم والإصابة بالاكتئاب، وهو ما يُمكن أن يكون نتيجة للتداخل فيما بين المسارات الجينية ذات الصلة بالنمط الزمني للنوم والحالة المزاجية».

وأضاف الباحثون أن العلاقة «متوسطة الشدة» التي تمت ملاحظتها بين عنصري المقارنة بالبحث، تختلف عن نتائج بعض الدراسات السابقة التي أعطت نتائج تفيد بأن التأخر في النوم قد يرفع بشكل أكبر من احتمالات الإصابة بالاكتئاب.

وعلل الباحثون حصول تلك النتائج في تلك الدراسات السابقة بأنه نتيجة لأمرين فيها؛ الأول أنها لم تأخذ بعين الاعتبار تأثير عدد من العوامل التي من المعلوم أن بينها وبين الاكتئاب صلة، والثاني أن تلك الدراسات قيمت تأثيرات نوعية النمط الزمني للنوم في وقت واحد وليس عبر المتابعة الزمنية لفترة طويلة.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن المتأخرات في النوم والاستيقاظ كن أقل احتمالاً للزواج ولديهن أنماط متقلبة في النوم وأكثر عُرضة للتدخين.

وأضافوا أن ثمة حاجة لإجراء مزيد من الدراسات حول هذا الأمر لسببين؛ الأول تأكيد هذه النتائج التي تمت ملاحظتها، والثاني لفحص دور العوامل البيئية في الحياة اليومية والعوامل الجينية لتوفير مزيد من الفهم لدورهم في العلاقة بين النمط الزمني للنوم واحتمالات المعاناة من الاكتئاب.

علاقة النوم المتأخر بالاضطرابات الصحية
 أشارت عدة دراسات طبية سابقة إلى التأثيرات الصحية المحتملة لأنواع وقت النوم والاستيقاظ. وعلى سبيل المثال، وضمن عدد 1 أبريل (نيسان) 2015 لمجلة علم الغدد الصماء الإكلينيكي والأيض Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism، نشر الباحثون من كوريا نتائج متابعتهم العلاقة بين وقت النوم والاستيقاظ واحتمالات الإصابة بمرض السكري.

ولاحظ الباحثون أن المتأخرين في وقت الخلود إلى النوم والمتأخرين في الاستيقاظ منه، هم أعلى عُرضة للإصابة بمرض السكري وأعلى عُرضة لحصول اضطرابات لديهم في وقت ونوعية ومكونات تناول وجبات الطعام اليومي.

ولاحظت نتائج دراسة أخرى نشرت عام 2013 في مجلة رعاية السكري Diabetic Care، أن مرضى السكري الذين ينامون متأخرين ويستيقظون متأخرين، يُواجهون صعوبات أكبر في ضبط نسبة السكر في الدم، مقارنة بمرضى السكري الذين ينامون مبكراً ويستيقظون مبكراً. هذا على الرغم من أن مدة ساعات النوم كانت متعادلة بين مجموعتي مرضى السكري.

وضمن نتائج دراسة نشرت عام 2013 بالمجلة الدولية لعلم البيولوجيا الزمني Chronobiology International، وجد الباحثون أن المتأخرين في النوم والاستيقاظ هم أعلى عُرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم مقارنة بمنْ ينامون مبكراً ويستيقظون مبكراً.

ولاحظ الباحثون تلك العلاقة في نتائج دراستهم على الرغم من أن المتأخرين في النوم والاستيقاظ كانوا ينامون عدد ساعات النوم نفسها للمبكرين في الخلود إلى النوم والاستيقاظ منه.

وهو ما علق عليه الدكتور أندروا فارغا، الأستاذ المشارك في الطب الباطني وأمراض الرئة والعناية المركزة في كلية طب ماونت سيناي بنيويورك، بقول ما ملخصه: «هذه النوعية من السلوكيات في النوم مرتبطة بقلة ممارسة الرياضة البدنية وتناول وجبات طعام غير صحية، ما يرفع من احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم».

كما لاحظت نتائج دراسة طبية أخرى نشرت عام 2014 ضمن مجلة النوم Journal Sleep، الصادرة عن الأكاديمية الأميركية لطب النوم AASM، أن المتأخرين في النوم هم أكثر عُرضة لطول مدة الجلوس اليومي ويُواجهون صعوبات في إيجاد الوقت لممارسة الرياضة البدنية بشكل يومي، هذا على الرغم من ملاحظة الباحثين أنهم كانوا نشطين بدنياً في النهار، ولكن كانوا يميلون إلى الجلوس فترة أطول في وقت الليل.

ويُضيف الدكتور فارغا أن المرء إذا ذهب للنوم متأخراً فإنه يكون مستيقظاً فترة أطول في الليل، ما يرفع من احتمال كثرة الأكل الليلي، وهو بالتالي يزيد من الأعباء على الجسم في كيفية التعامل مع الوجبات المتأخرة للطعام الليلي وإتمام حصول العمليات الكيميائية الحيوية اللازمة لها.

ويوضح بعض الخبراء الطبيين أن الأكل بعد حلول الظلام يعطل فترة الصوم الطبيعية للجسم في ساعات الليل، ما يُؤثر في قدرات الجسم على ضبط تكوين الشحوم وتقليل تراكمها في الجسم. وكانت دراسة نشرت عام 2011 في مجلة السمنة Obesity، قد لاحظت أن منْ ينامون مبكراً يتناولون كمية أقل من كالوري السعرات الحرارية، وتحديداً نحو 250 كالوري، مقارنة بمنْ يتأخرون في النوم.