هل عمليات الزائدة الدودية للأطفال غير ضرورية؟

لعقود طويلة، كان الاشتباه في حدوث التهاب في الزائدة الدودية كافيًا جدًا لدخول غرفة العمليات وإجراء استئصال لها كحل وحيد لعلاجها.


ولكن على ما يبدو، فإن كثيرًا من هذه العمليات قد يمكن تجنبها تمامًا، وهو ما كشفت عنه دراسة حديثة نشرت أخيرًا في دورية «لانست» لأمراض الجهاز الهضمي والكبد (The Lancet Gastroenterology and Hepatology)، حيث كشفت عن أن كثيرًا من عمليات الزائدة الدودية التي يتم إجراؤها للأطفال قد تكون غير ضرورية.

وبطبيعة الحال، ليس معنى ذلك أنه في حالة تشخيص التهاب الزائدة فإن إجراء العملية غير ضروري، حيث تجب إزالتها فور التأكد من وجود الالتهاب.

ولكن المعنى المقصود بوضوح أنه في كثير جدًا من الأحيان تتم إزالة الزائدة دون أن تكون ملتهبة، نظرًا لتشابه التشخيص مع أعراض التهاب القولون أو آلام البطن القوية، فضلاً عن أن الالتهاب حتى في حالة حدوثه يمكن ألا يتكرر مرة أخرى، وبالتالي لا يمثل خطورة على الجسم.

عمليات غير ضرورية
المثير أن نسبة العمليات غير الضرورية حسب الدراسة تبلغ 75 في المائة من مجموع العمليات التي يتم إجراؤها، وهو الأمر الذي يعني أن ربع الأطفال فقط هم من يحتاجون إلى الدخول إلى غرفة العمليات في أكثر العمليات شيوعًا التي تُجرى للأطفال.

 ومن المعروف أن تشخيص الزائدة لا يكون دقيقًا بنسبة 100 في المائة، إذ إن التشخيص في الأغلب يعتمد على الحالة الإكلينيكية أكثر من بقية الفحوصات، سواء إجراء أشعة تلفزيونية على البطن أو عمل عد كامل لكريات الدم، الذي قد يظهر ارتفاعًا قليلاً في كريات الدم البيضاء نتيجة للالتهاب.

وفى كثير من الأحيان يمكن أن يسبب التهاب الأمعاء آلامًا تشبه آلام الزائدة الدودية، وهو ما يجعل الطبيب يتخذ قرار العملية، إذ إن البديل، وهو عدم إجرائها في حالة وجود الالتهاب قد يؤدي إلى انفجار الزائدة الدودية في البطن وحدوث ما يطلق عليه حالة تسمم الدم (septicemia) يمكن أن تكون شديدة العواقب. ونظرًا لشدة قلق الآباء من الزائدة، فإنهم بمجرد شكوى الطفل من آلام في الجانب الأيمن أسفل البطن يتم التعامل معها على أنها حالة طوارئ، وبالتالي فإن فرص إجرائها تكون أكثر من العمليات الأخرى.

ولاحظ الباحثون في مستشفيات جامعة ساوثهمبتون (Southampton›s university hospitals) في المملكة المتحدة أن نسبة 12 في المائة فقط من الأطفال الذين تم إجراء استئصال الزائدة الدودية لهم هم من يحتاجونها بالفعل، وأن العملية يجب أن تكون خطوة ثانية في العلاج بعد إعطاء المضادات الحيوية كعلاج أولي للالتهاب. وفي الأغلب يكون معظم المرضى الذين يتم إجراء الجراحة لهم من الأطفال والمراهقين.

ومن غير المعروف على وجه التحديد وظيفة الزائدة الدودية، ومن ثم فإن استئصالها لا يمثل خطورة كبيرة على الجسم، ولكن بطبيعة الحال فإن هناك كثيرًا من المخاطر المتعلقة بإجراء أي عملية، مثل مخاطر التخدير أو الإصابة بعدوى معينة من المستشفى أو حدوث التصاقات في الأمعاء في مرحلة ما بعد إجراء الجراحة، ولذلك يكون الأصل في الأمور هو محاولة تجنب الإجراء الجراحي كلما أمكن.

 علاج دوائي
وأوضحت الدراسة أن طفلاً من كل 10 أطفال يعاني من آلام في البطن في مكان الزائدة الدودية في الناحية اليمنى أسفل البطن، الذي يجب حتى في التشخيص الأولي على أنه زائدة دودية أن يتم التعامل معه بالعلاج الطبي في البداية.

وفى حالة معاودة الألم يتم اللجوء إلى الجراحة. وأشارت الدراسة إلى أن أطباء الأطفال في الأغلب يفضلون العلاج الطبي عن الجراحي في أول الأمر، إلا أنه في حالة لجوء الآباء إلى الجراحين، فإنهم في الأغلب يفضلون إجراء الجراحة، واتضح أن حالات تكرار الالتهاب لا تتعدى 20 في المائة فقط، بما يشير إلى أن الجراحة كإجراء أولي أمر تجب إعادة النظر فيه والتعامل بالعلاج الطبي في البداية بدلاً من العرف السائد قديمًا بوجوب الإجراء الجراحي حتى في مجرد الشك في الالتهاب، وهو الأمر الذي كان يطلق عليه احتمالية التهاب الزائدة الدودية (query appendicitis).

وقد قام الباحثون بدراسة بيانات 102 من الأطفال تتراوح أعمارهم بين الثالثة والخامسة عشرة من 17 مركزًا من المملكة المتحدة ومركز واحد من السويد، وأيضًا مركز واحد من نيوزيلندا، في الفترة من 2011 وحتى عام 2014، وهؤلاء الأطفال كانوا جميعًا قد مروا بآلام الزائدة الدودية، وتم عمل الاستئصال بالفعل لـ50 طفلاً، بينما خضع بقية الـ52 طفلاً الآخرين للملاحظة فقط دون التدخل الجراحي. ومن هؤلاء كانت هناك نسبة بلغت 6 في المائة تعرضت لمضاعفات خطيرة بعد الإجراء الجراحي.

 والجدير بالذكر أن هذه النسبة كانت 3 في المائة فقط في دراسة سابقة. وأضافت الدراسة أن 75 في المائة من الأطفال الذين تجنبوا الإجراء الجراحي لم يعاودهم الألم مرة أخرى ولم يحتاجوا للجراحة على الإطلاق، وقد قام الباحثون بتثبيت العوامل التي يمكن أن تحكم النتائج بمعنى الجنس والعمر لكل طفل.

وفى النهاية، حذرت الدراسة من أنه على الرغم من أن المضاعفات الناجمة عن العملية قليلة نسبيًا، فإنها يمكن أن تكون بالغة الخطورة، فضلاً عن أن البدء بالعلاج الطبي يجنب الطفل الإقامة لفترات طويلة في المستشفى للتحضير للعملية، ثم البقاء بعد العملية وأيضًا يوفر النفقات المادية لتكاليف العملية. وفى حالة تكرار الإصابة بآلام مرة أخرى يمكن دائمًا عمل العملية.