المصمم جون ستيفانيديس "البيوت تصمم للأشخاص وليس لإشباع رغبة فنية "

بدأ العد التنازلي للمعرض العالمي للديكور والتصميم الهندسي «ديكوريكس» الذي ستحتضنه العاصمة لندن ابتداء من يوم 21 أغسطس (آب) إلى 24 من نفس الشهر. وبدأت معه الاستعدادات الاخيرة والترقب. كل من ستفتح معه موضوع «ديكوريكس» من المتخصصين في مجال الهندسة والديكور سيؤكد لك انتظاره له بفارغ الصبر، والسبب ليس فقط لأنه واحد من أكبر المعارض العالمية، بل لأن المصمم المخضرم، جون ستيفانيديس ساهم في تصميم جزءٍ كبيرٍ من مدخله.


من لا يعرف ستيفانيديس، فإن حماس هؤلاء غير مفهوم، والضجة كلها مجرد زوبعة في فنجان لا تستحق ان تخطف الأضواء من معرض له شأن، ويشهد سنويا مساهمة كبار مهندسي الديكور والمصممين، لكن يبقى للعارفين رأي مختلف. فهذا الرجل يمثل للمهتمين بعالم الديكور ما مثله الراحل إيف سان لوران لعشاق الازياء.

فهو مبدع يتمتع بقدرة عجيبة على تطعيم قطعة بسيطة بلمسة راقية ومترفة، وساحر عندما يتعلق الأمر بمزج توابل من ثقافات مختلفة، وإن بقيت ماركته المسجلة هي تلك الخلطة العجيبة بين البسيط والمعقد التي تنتج عنها أجواء عملية، مهما كانت درجة ترفها وفخامتها، وسواء كانت فندقا في سويسرا أو شاليها في الولايات المتحدة أو في جزر الكاريبي أو شققا تحاكي القصور في بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، اليونان، تركيا أو غيرها من دول العالم. الألوان و التحف والمقتنيات

المقربون منه، يرددون ان قوته تكمن في نظرته الثاقبة للتفاصيل وتفرد اسلوبه، الذي يستمد روحه احيانا من الضوء أو الاقمشة التي يصممها ويشرف على رسمها بنفسه، أو الألوان أو التحف والمقتنيات التي تهمس له بشيء لا يسمعه غيره، وعندما يستعملها تتحول الغرفة إلى استراحة، وكل ركن فيها إلى واحد بشخصية ونكهة خاصة. ولا شك ان هذه الميزة تعود إلى تشبعه بثقافات مختلفة بحكم جذوره ونشأته

ولد المهندس المعماري والمصمم جون ستيفانيديس، 69 عاما، بمصر، في مدينة الاسكندرية من أبويين يونانيين، ومن هنا تأتي التأثيرات العربية والشرقية، التي يعترف بها بقوله إن متحف القاهرة ومسجد ابن طولون وأهرامات الجيزة، والمدارس العربية القديمة بمعمارها المميز، فضلا عن البيوت العتيقة التي تستحضر ثلاثية نجيب محفوظ، وأشجار النخيل بخضرتها المتوهجة التي تتناقض بروعة مع اللون الاصفر، لون الرمال والصحراء، كل هذه وغيرها من التأثيرات كان لها تأثير كبير نفسه وأسلوبه، لهذا نراها تتكرر في أعماله بشكل أو بآخر. وعندما بلغ من العمر 17 سنة غادر الاسكندرية وشد الرحال إلى بريطانيا لدراسة السياسة والفلسفة والاقتصاد بجامعة أكسفورد.

لكنه ما إن تخرج حتى وجد نفسه يبتعد عن مواضيع دراسته وتخصصه، وعمل في مجال الإعلانات لمدة عام، قبل ان يحصل على وظيفة لم يستطع رفضها، خصوصا انها كانت في ميلانو بإيطاليا، حيث عاش خمس سنوات. وكانت لهذه السنوات الخمس أهمية كبيرة في حياته، لأنه فيها درب عينيه، كما يقول على النظر والتمعن وليس فقط رؤية الأشياء.

وهنا أيضا بدأ يمارس تصميم البيوت بشكل محترف، حيث كانت البداية ببيوت الأصدقاء والمقربين، قبل ان يلجأ إليه آخرون. إلا انه في لندن عرف بدايته الحقيقية حيث فتح أول مكتب له في منطقة تشيلسي عام 1967، في وقت كانت فيه العاصمة البريطانية تعيش عرسها الثقافي وتحولاتها الاجتماعية الكثيرة التي جعلتها مرتعا للعديد من الفنانين والمفكرين.

طبعا لم يكن ليبقى في مكتبه الأول، حيث كان لا بد من التوسع والتجديد، ومكتبه الحالي يقع في منطقة «فكتوريا» وسط لندن. زيارة إلى هذا المكتب قد تعطيك فكرة بسيطة عن أعماله، حيث توجد في قاعة الانتظار شاشة «بلازما» كبيرة تستعرض أعماله المختلفة في كل أنحاء العالم، لكنها حتما تجعلك تشعر بأنك دخلت خلية نحل. فالمكان يتكون من مجموعة مكاتب تضم عدة افراد منشغلين عما يجري حولهم، إما متسمرون أمام أجهزة الكومبيوتر أو يخططون شيئا فوق مكاتبهم.

يقول ان فريقه اليوم يشمل ما لا يقل عن عشرين شخصا، ما بين مهندسين معماريين ومصممي ديكور ومساعدين يقومون بدراسة وافية لكل مشروع جديد، فضلا عن قسم خاص بتصميم الاقمشة التي تحمل توقيعه وغيرهم. ويشير إلى انه كان لا بد من توسيع فريقه مع الوقت، فهو لا يستسهل عمله من جهة، ويدرك تماما ان مسؤولياته تجاه زبائنه، سواء كانوا من اصحاب فنادق الخمسة نجوم او القصور أو الشقق، تزيد يوما عن يوما وبالتالي تحتاج إلى متابعة ودراسة.

وما يحسب لهذا الرجل الستيني، أن احترامه لمسؤولياته تجاه زبائنه ظل كما كان عليه منذ بدايته منذ حوالي ثلاثة عقود، فلا الشهرة ولا حجم الإقبال على لمساته ذهبت برأسه، وحافظ على مبدأ لم يحد عنه يوما، وشكل مع الوقت صفة من صفاته التي يرتاح لها كل من يتعامل معه، وهو ان البيوت تصمم للأشخاص وليس لإشباع رغبة فنية. يشرح: «إذا بنيت بيتا في اليونان فأنت طبعا ستتعامل معه بطريقة تختلف عن تلك التي تتعامل معها لبناء وتصميم بيت في إيطاليا أو في الولايات المتحدة أو في الكويت.

فأنت دائما تعمل ضمن أطر محددة وهي الهندسة العامة، الميزانية، المساحة وحجم الأسرة والأهم أسلوب حياتها. عني شخصيا، ارتاح اكثر عندما اصمم بيوتا بطرازات مختلفة وفي أماكن وأجواء مختلفة، تكون بسيطة ومعقدة في الوقت ذاته. لكن في الأخير، فإنك مهما أبدعت وصرفت وتفننت فإن الجو العام للبيت يخلقه سكانه الذين يعيشون به».

بمعنى آخر، فإنه قد يعطي لنفسه الحق في أن يطلق العنان لخياله، لكن دائما ضمن ما يحدده الزبون ومتطلباته، لأن هذا الأخير هو صاحب البيت وهو الذي سيعيش فيه، عدا ان العلاقة بينه وبين الزبون يجب ان تكون مبنية على اسس صحيحة حتى تكون النتيجة مرضية للطرفين. وهو ما يعلق عليه بقوله إنها قد تكون «متعبة ومزعجة تجعل فترة العمل وكأنها مرحلة طلاق، أو رائعة ومتناغمة وكأنها قصة حب».

أما اجمل التجارب التي يستمتع بها الطرفان، حسب قوله، فهي عندما يكون الزبون مبتدئا ويريد ان يتعلم، لأنه يساعد على تحفيز المصمم ويدفعه إلى دخول فضاءات جديدة لم يدخلها من قبل باقتراحاته ومداخلاته الفضولية، بينما تبقى أسهلها تلك التي يكون فيها صاحب البيت واثقا مما يريده، وواضحا في شرح رغباته واحتياجاته. يقول: «أذكر هنا ناشراً ألمانياً كان واضحا ودقيقا فيما يخص مساحة غرفة الجلوس التي يريدها، وأكد ان هذا اهم شرط لديه، فيما منحني مطلق الحرية في كل الأمور الأخرى، بما في ذلك اختيار البقعة التي أبني عليها البيت المطل على البحر، والنباتات التي أزرعها من حوله، وهذا ما أكد لي ان الزبون العارف والواضح مريح أكثر من غيره.

ويقاس مدى نجاح هذه العلاقة، حسب رأي ستيفانيديس، بأن يشعر الزبون في آخر التجربة أنه هو الذي صمم بيته بنفسه، أو على الأقل كانت له يد في العملية، ولو من بعيد.

لكن رغم اقتناعه بأن الأذواق لا تقيم أو تنتقد، من منطلق أن لكل منا ذوقه الخاص، إلا ان هذا لا يعني تقبله لما يردده البعض من أن «الذوق والألوان لا تناقش». فهذا القول بالنسبة له غير صحيح، لأن التصميم الداخلي هو عملية كيميائية قبل ان يكون عملية تجميل وحسب، أي أنه يتطلب خبرة وفنية، لكن الذكاء يكمن في النتيجة، التي يجب في النهاية ان تعبق بروح صاحب البيت وليس بروح المصمم «فأجمل البيوت هي التي تحترم اسلوب صاحبها وتطلعاته، وتأخذ بالاعتبار اقتراحاته وأفكاره. وربما هذا ما يجعل للبيوت الانجليزية القديمة سحرها الذي لا يقاوم، فهي تجمع الماضي وعراقته مع شخصية ساكنها».

القاعدة الاساسية التي ينطلق منها ستيفانيديس عندما يبدأ بتصميم أي مكان، هو ما يمكن ان يشاهد من النافذة. فالمظهر الخارجي يؤثر على أسلوب التصميم والديكور الداخلي. فمن طراز المعمار المحيط بالبيت، أو من حركة الشارع أو من المظهر العام المحيط بها، إذا كان حديقة عامة، مثلا، يمكن استلهام الداخل.

ولا داعي للقول إن هذا يتطلب أحيانا التخلص تماما من أي ديكور قديم وإعادة ابتكاره من جديد. وتبدأ العملية بتقييم حجم المساحة والإضاءة، إذ أن لكل موقع جغرافي خصوصيته وضوءه حسب فصول السنة، فمثلا مصر، اسكوتلندا، انجلترا، هولندا وإيطاليا، كلها لها خصوصية ودرجة ضوء معينة تمت ترجمتها في لوحات فنية عديدة لأنها مناسبة. وفي اليونان ايضا، لا يمكن تجاهل الضوء، فهو قوي إلى درجة أنه يقتحم حياتك، لكن عندما يتعلق الامر بالإضاءة الداخلية، فيستحسن ترويض الإضاءة والتخفيف منها لتضفي على الجو العام الجمال، على شرط ألا تكون خافتة أو متوهجة بدرجة تؤذي العين، وأن تكون كافية للقراءة.

ويشير ستيفانيديس هنا إلى ان الإضاءة والألوان سيف ذو حدين، إذ يمكن أن يتناغما بروعة أو يتنافرا بشكل كبير، إذ «لكل لون قوته وتأثيره النفسي. فالطريقة التي تتناقض فيها الألوان، أو تتزاوج، تتناغم مع بعضها أو تتنافر، مثل الحياة نفسها. كل الألوان جائزة، فهناك درجات لا نهاية لها». لكن تبقى لكل درجات الأزرق مكانة خاصة في نفس ستيفانيديس، وبالتالي يوظفها بشكل كبير في العديد من الأماكن والأقمشة. المهم بالنسبة له ان الألوان محايدة لا تضفي بالضرورة جوا ساكنا وهادئا على المكان، فقد يكون لألوان جريئة ومتوهجة نفس التأثير. والسر ان اللون يحتاج إلى توابل ومكونات اخرى أهمها التناغم والتنسيق.