المشمش .. فوائد عديدة وجدل تاريخي

يتشائم منها الجنود الأميركيون ويتفاءل بها الجيش البريطاني
يتشائم منها الجنود الأميركيون ويتفاءل بها الجيش البريطاني

يعتقد الخبراء ان اصول المشمش تعود الى غرب الصين وآسيا الوسطى وربما كوريا واليابان ايضا، وقد بدأت الزراعة المنظمة والمكثفة للمشمش في الهند 3000 سنة قبل الميلاد. الا ان التركيز يبقى على ارمينيا، كمصدر لانتشار الفاكهة المحببة قديما الى جميع انحاء دول العالم، حيث ورثنا تسميته الحديثة من الرومان. المعلومات الموثقة تقول بأن الأسكندر الأكبر وعبر طريق الحرير هو الذي جلب الفاكهة الصغيرة الى اليونان وبلاد الاغريق. وان الجنرال الروماني لوكولوس هو الذي ورد من ارمينيا الى اوروبا اشجاره واشجار الكرز الابيض، ومنذ ذلك الحين ولد جدل حول اصوله ولذا يعتقد البعض انه من جبال الهملايا او دول القوقاز وغيرها. كما عرفت ايران قديما المشمش واهتمت بزراعته، إذ كان يشكل مصدرا من مصادر الدخل، خصوصا تجارة المجفف منه.


ولا تزال ايران التي تطلق عليه اسم «زردالو» (Zard-l) حتى الآن من اكثر البلدان المنتجة له، إذ يستخدم في الكثير من انواع الطعام والطبخ والحلوى والمربى وغيرها من انواع المجفف. كما عرفت مصر القديمة المشمش ولا يزال المصريون يستخدمونه لانتاج شرائح وشراب قمر الدين الشعبي والمحبب. وكثيرا ما يستخدمه الناس في الدول الإسلامية خلال شهر رمضان المبارك لفوائده الصحية.

ولا يزال المصريون بسبب موسمه القصير يستخدمون تعبير «في المشمش» للدلالة على استحالة حصول أمر ما. وتقول الموسوعة الحرة إن المشمش يزرع على نطاق واسع في بلاد الشام تحديدا سورية وتركيا والمناطق الجنوبية المرتفعة من المملكة العربية السعودية. وتصدر تركيا حاليا 85% من الإنتاج العالمي للمشمش المجفف. وبعكس الخوخ يتحمل المشمش درجات حرارة منخفضة جدا تصل إلى 30 درجة مئوية تحت الصفر. تصلح زراعة المشمش في الجو البارد ومناخ المتوسط إلا أن أفضل بيئة له هي البيئة الجافة.

وبشكل عام، تفضل اشجار المشمش البيئة الجافة اي الحارة في الصيف والباردة في الشتاء كما هو الحال في سهل البقاع في لبنان وبالتحديد مدينة بعلبك التي تشتهر به وبأنواعه الطيبة اكثر من غيرها من مناطق لبنان وفلسطين. وقد نشر الانجليز المشمش في المستعمرات وما يعرف الآن بالعالم الجديد في اميركا واستراليا (يزرع كثيرا في تزمينيا وفكتوريا وجنوب ويلز) ونيوزيلاندا وكندا، الا ان معظم اصول الانواع التي وصلت الى اميركا تعود الى أصول اسبانية، اتت عبر العرب في الاندلس. وتكثر زراعته حاليا في كل من ولاية كاليفورنيا وولاية اوتاوا وواشنطن. وحول اصل التسمية، تقول معظم الموسوعات الحديثة بأنه يعود الى الاسم النباتي او اللاتيني والعلمي المعتمد Prunus Armeniaca الذي يعني «خوخة ارمينيا» واحيانا «تفاحة ارمينيا».

ويقال إن اسم «ارمينيكا» وحده يعني المشمش. وعرف المشمش لاحقا وفي القرن السابع عشر باسم «ابريكوك» (Apricock). وترتبط التسمية (Praecocia) (احد انواع المشمش) المستخدمة علميا، باسم «ابريكوت» (Apricot)، حسب ما يؤكد «قاموس التراث الاميركي» وقد اعتمد لاحقا بالعربية البرقوق (Al-barqq). الا ان الاسم الانجليزي الاخير والمعتمد حاليا «Apricot» فقد تدرج من اسم «ابريكوك» «Abrecock» المتدرج من الاسمين الفرنسي (Abricot) والاسباني (Abercoc) الذي اعتمد ايام الاندلس بـ «البرقوق» (Albaricoque).

ومع هذا فإن اهل الارجنتين وتشيلي في اميركا اللاتينية يطلقون عليه اسم «دمشق» (Damasco) الذي يعني ان المستعمرين الاسبان في القرون الماضية كانوا يرجعونه الى اصوله من دمشق في سورية. بأية حال فإن اهل ارمينيا يسمونه حاليا بـ «تزيران» ويسميه اهل الصين بـ «خينغ». اما في الهند فيطلق عليه اسم «زردالو» (Zardalu) وفي الاوردو بـ «خوباني» (Khbn).

ويربط اسم المشمش في الصين تراثيا، بالطب والتعليم، إذ تعني تسميته في الصيني بـ «حلقة التعليم»، إذ يقول الفيلسوف الصيني شوانغ تزو في القرن الرابع قبل الميلاد ان كنفوشيوس كان يتحدث الى اتباعه وصحبه في حديقة من شجر المشمش. وجاء المشمش في عالم الموسيقى عبر غنائية «ذو ويزرد اوف اوز» (The Wizard of Oz). ويقال إن الجنود الاميركيين يعتبرون المشمش فأل شر ويرفضون لفظ اسمه او مسه او اكله في دباباتهم. لكن الانجليز يعاكسون التيار ويعتبرون الحلم بالمشمش فأل خير ودليل وفرة. ولا يزال الاتراك يستخدمون تعبير «الشيء الوحيد الافضل من هذا هو المشمش في دمشق» التي تعني انه «لا يوجد افضل من هذا» مثل طعم مشمش دمشق اللذيذ.

في التراث العربي القديم، جاء على لسان ابن منظور في لسان العرب بأن «المِشْمِش والمَشْمَش شجر يطول حتى يقارب الجوز سبط العود والورق ومخ ثمره إما مر ويعرف بالكلابي أو حلو ويعرف باللوزي الواحدة مشمشة وبعضهم يسمي الأجاص مشمشا».

وتم التركيز في الكثير من الاهتمامات العربية القديمة والحديثة على فوائد المشمش، فيقول ابن سينا عنه بأنه يسكن العطش، «وإذا أكل يجب أن يؤخذ مع اليانسون والمصطكي، وعلى الصعيد الصحي والطبي، درج الناس في القرن السادس على استخدام المشمش لاحتوائه على كمية كبيرة من مادة الـ Laetrile، لمعالجة الاورام السرطانية. ولطالما استخدمت بذور المشمش وزيوت هذه البذور في انجلترا وبعض الدول الاوروبية في القرن السابع عشر للغاية نفسها ولمعالجة تقرح المعدة او «القرحة»، رغم ان الدراسات الاميركية في الثمانينات اشارت الى عدم صحة هذا الافتراض علميا.

وفي اوروبا بشكل عام ارتبط اسم المشمش بإثارة الشهوة واستخدمه شكسبير في هذا الإطار في احدى مسرحياته. مهما يكن فمن المعروف ان عدة حبات قليلة من المشمش المجفف كافية لتليين المعدة والتخلص من الامساك. ويحتوي المشمش اكثر من غيره من النباتات على انواع كثيرة من الـ «كورتينويدز» (Carotenoids) المضاد للاكسدة والذي يحمي بالتالي من امراض القلب، ويخفف الدهن في الجسم ويحمي من السرطان.

وفي الطب الصيني القديم كان ولا يزال المشمش يستخدم، للتخلص من العطش وتنشيط سوائل الجسم وتنظيفه من الخلاصات السيئة. ويعتقد ايضا ان المشمش يساعد الجهاز التنفسي ويخلص من الكحة، ويقاوم فقر الدم ويفتح الشهية على الاكل. ومن حسنات المشمش ولاحتوائه على فيتامين «إيه» يحمي ويغذي شبكية العين. ويقال شعبيا، إن المشمش ينظم النوم وينشط اثناء حالات الجهد البدني والذهني، ويقوي العظم والانسجة بشكل عام ويجدد الخلايا. كما تنصح الحوامل بتناوله للوقاية من سوء التغذية.