لأن الإكسسوارات في الأزمات تتأثر وتؤثر .. صرعة حقائب اليد تحتضر

لا يسعنا إلا ان ننوه بسارة بالين، نائبة المرشح الجمهوري الاميركي، جون ماكين، ونقول لها «برافو» على شجاعتها لظهورها بحقيبة مصنوعة من القماش شبيهة بتلك التي توزع مجانا مع المجلات الشهرية البراقة. أي من دون حقيبة يد غالية من جلد التمساح أو الثعبان أو حتى الجلد الطبيعي التي باتت تطل علينا كلما أطلت علينا نجمة او سياسية أو سيدة مجتمع. فهل يا ترى سنرى بداية موضة جديدة ؟.


وحتى إذا كانت هذه اللفتة مقصودة من قِبل سارة بالين، حتى تتجنب أي انتقادات او تعليقات تنهال على حقيبة يد بعد ان تشبعت الصحف بالتعليقات على أحذيتها ونظاراتها، فإنها، بلا شك، لفتة تتماشى مع الزمن، وتعكس الحالة التي آل إليها الاقتصاد العالمي عموما، والأميركي خصوصا.

فلا وقت للترف والاستعراض، وحان الوقت لردة فعل تقشفية على الكماليات. وليس هناك أكثر من حقيبة اليد التي تجسد حالة الجنون الاستهلاكي، لكي تقوم بهذه المهمة.

تجدر الإشارة إلى أن التقشف، في عالم الأناقة، يأخذ عدة أشكال، فهو ليس بالضرورة حرمان النفس من حاجة ماسة وضرورية، بل قد يكون مجرد تدوير الموضة وتقنين عملية الشراء.

فقبل سارة، كانت هناك لفتات للعديد من الأنيقات نذكر منهن على سبيل المثال، رئيسة تحرير مجلة «فوغ»، أنا وينتور، التي ظهرت في عروض موسمي الخريف والشتاء الماضية بفستان واحد وفي ثلاث مناسبات خلال شهر واحد، وهو أمر غير مسبوق، إلى حد أنه كان بمثابة ثورة على تقاليد الموضة.

تلتها بعد ذلك الأميرة البريطانية آن، التي حضرت حفل زفاف في فستان كانت قد لبسته في مناسبة مشابهة في الثمانينات.

ومهما كانت الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى تدوير الموضة، فإن توقيت سارة بالين جاء «على الموضة» تماما.

ففي عرض «شانيل»، وهي الدار الفرنسية المعروفة بتصميماتها الكلاسيكية التي تصبو كل امرأة للحصول عليها، لأن كل قطعة منها سرعان ما تتحول إلى استثمار بعيد المدى، رأينا حقائب يد اقرب إلى الغرابة منها إلى الأناقة. 

حقائب من الجلد، لكن مستوحاة من أكياس الورق المقوى التي تحصل عليها الزبونة عندما تشتري أيا من إنتاجات الدار، حتى تكاد لا تفرق بين الخامتين من بعيد، وكأن المصمم كارل لاغرفيلد، الذي نعرف أن يده دائما على دقات الموضة ونبضها، كان يتوقع ان الحالة الاقتصادية ستتطلب تدخلات من نوع جديد، ويعرف في قرارة نفسه أن المرأة الآن ستقبل على الكلاسيكي وتتجنب الصرعات بقدر الإمكان.

وإذا كان لا بد من صرعات، فلم لا تكتف بحمل كيس الورق المقوى، على الأقل في الأوقات التي تكون فيها الشمس مشرقة ؟.

حقيبة اليد، بلا شك، ظلت لأكثر من عقد من الزمن، الدجاجة التي تبيض ذهبا لبيوت الأزياء العالمية وشركات الجلود المعروفة، وأصبحت عنوان الترف والتميز، بل يمكن القول إنها شكلت ثقافة اجتماعية واقتصادية مستقلة بذاتها وفي نظرتنا إليها.

فقد تعدت وظيفتها الأساسية لتصبح مثل البروزاك، تحسن المزاج وترفع الثقة بالنفس وتعكس مكانة خاصة.

وكلما زاد سعرها، زاد سحرها والجري وراءها، حتى من قِبل فتيات صغيرات في السن لا تسمح لهن إمكاناتهن بذلك، وكأنه من دونها لا تكتمل الأناقة.

الملاحظ حاليا ان هذه الثقافة اهتزت، والحمى على حقيبة يد موسمية ستنتهي بالنسبة للأغلبية، وحتى الشريحة التي لم يمسها الركود، فإنها حتما ستتحرج من شراء عدد كبير منها، عدا أنها لم تعد بحاجة إلى التسابق على تغييرها، لأن الميدان خلا من المنافسة، التي كانت من الأسباب التي تؤجج حمى الشراء.

بالتأكيد سارة بالين، لن تكون من يبدأ موضة الحقائب القطنية الرخيصة، لأننا نذكر حقيبة كانت المصممة أنيا هيندمارش، قد طرحتها في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، لأسباب مختلفة تماما، وليس تحسبا للأزمة أو توقعا لها.

كان ذلك عندما صممت حقيبة من القطن كتبت عليها «انا لست حقيبة من البلاستيك» تحولت إلى ايقونة رغم ان سعرها لم يتعد الخمسة جنيهات استرلينية. حينها اصطف حوالي 80.000 شخص على أبواب متاجر السوبرماركت «ساينسبوري» للحصول على هذه الحقيبة التي نافست اغلى الحقائب في شعبيتها وأناقتها، إذا أخذنا بعين الاعتبار ان العارضتين كايت موس وكيرا نايتلي حملتاها.

وما لبثت ان انتقلت إلى موقع «إي.باي»، حيث تم بيعها بسعر اكبر بكثير مما تستحقه، مما يؤكد حالة الجنون التي وصلت إليها علاقة المرأة بالحقيبة.

أنيا هيندمارش اليوم من المصممين الذين ينعون ظاهرة الحقيبة «الصرعة» بقولها: «اعتقد ان الحمى كان مبالغا فيها، وغير أخلاقية، لأن أي حقيبة غالية الثمن تطرح في موسم، كانت تتحول إلى موضة قديمة في الموسم التالي»، وأضافت: «هناك شبه صدمة .. عندما تسمع بإفلاس البنوك تشعر وكأنك تسمع خبر ان والديك انفصلا عن بعضها.

هناك حالة من عدم التصديق، لأن كل الأساسات تهتز من تحت أقدامك.

لقد عايشت أزمتين اقتصاديتين كبيرتين خلال عملي، لكني اعتقد ان هذه ستكون اكبر بكثير، وفي هذا الوقت العصيب عليك (كمصمم)، ان تقدم أحسن ما لديك وان تكون افضل من غيرك حتى تبقى.

موضة المنتجات المترفة ستتقلص، وحتى هؤلاء الذين لن يخسروا ثرواتهم، سيجدون انه من غير الذوق صرف مبالغ كبيرة».

وهذا يؤكد ان الغلبة ستكون للكلاسيكيات، وانه لا يصح إلا الصحيح، وهذا ما ستؤكده لنا الأيام المقبلة.

ورغم ان الحديث عن موت الحقيبة «النجمة» أو «الصرعة» التي كانت تلهث وراءها الأنيقات قد يبدو متزامنا مع الركود الاقتصادي، إلا ان نقطة التحول كما سنقرأها في المستقبل ستكون هي استعادة المستهلك لبعض من توازنه العقلي، وتوصله إلى نتيجة أن الاستثمار الحقيقي في التصميمات التي لا تخضع للصرعات والموضة المؤقتة.

أما توقعات بيوت الأزياء، فتشير إلى ان المرأة التي كانت تشتري أربع حقائب في السنة، ستفضل شراء واحدة فقط، وفي بعض الحالات ستعود إلى قديمها بسبب قلة الحيلة.

لكن عما إذا كانت ستستغني عن شراء حقيبة يد متميزة تماما كلما سنحت لها الفرصة، فهذا أمر شبه مستحيل، نظرا لمفعول السحر الذي تحدثه في نفسها وعلى مزاجها، خصوصا في الأوقات الصعبة.

وما علينا إلا أن نذكر المفعول الذي كان يحدثه احمر الشفاه وجوارب النايلون إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية. فالإكسسوارات لا تتأثر في أوقات الأزمات فقط، بل تؤثر أيضا.