عروض أزياء الأطفال .. الخبراء يرونها وسيلة تربوية مهمة

عروض الأزياء عالم ساحر للكبار والصغار، وفي السنوات الأخيرة فرضت أزياء الأطفال نفسها على منصات العرض بصورة قوية، فأصبحنا نشاهد أطفالا تتراوح أعمارهم ما بين 3 إلى 12 عاما، يتلقون تدريبات على أيدي كبار المتخصصين في هذا المجال، ويختالون بتصميمات وقعتها أنامل كبار المصممين العالميين والعرب.


تقول سهى رضوان، مدير عام إحدى الشركات المتخصصة بإقامة عرض أزياء سنوي للأطفال يحمل اسم «ديفليه بايبي»، إن اشتراك الأطفال يأتي من منظور تربوي وترفيهي في المقام الأول، من منطلق أن التعليم لا ينفصل عن الترفيه وتنمية المواهب والمهارات، وتتابع: «نحرص دوما على إقامة معرض للأم والطفل يقدم كل ما يحتاجانه في كافة المجالات، سواء كان ثقافة، ترفيها أو تعليما، وشجعنا ذلك على إضافة عروض أزياء أطفال لاكتشاف المواهب الكامنة بداخلهم منذ الصغر وكيفية الاستفادة منها وتنميتها، فضلا عن مساعدة الآباء على التعرف إلى كل ما هو جديد في خطوط الموضة من جهة، وعلى اكتشاف مواهب أولادهم مبكرا، من جهة ثانية.

ومن خلال ملاحظاتي، فإن السعادة التي تعلو وجوه الآباء وهم يتابعون حركات الأبناء على المسرح، غير مصدقين ما يرونه من مواهب تتجلى في تقليدهم لحركات مشاهير، فيبدون كمن تلقوا تدريبات طويلة بالنظر لعفويتهم ورغبتهم في الإجادة، رغم ان فترة التدريب لم تتجاوز الأسبوع».

وتضيف سهى أن من «أهم شروط عروض الأطفال ألا يقل سن الطفل عن سنتين ولا يزيد على اثنتي عشرة، ويجب توافر بعض الجرأة في شخصيته.

ويتم التدريب على أيدي متخصصين، يعرفون كيف يتعاملون معهم ببساطة تتناسب مع سنهم، ونذكر من اهم هؤلاء المدربين مصممي الأزياء سوشا ومحمد داغر».

وتشير سهى إلى أن عروض الأزياء تؤثر في شخصية الأطفال، من ناحية أنها تمنحهم الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة الجمهور والعدسات، كما توفر فرصا لهم للحصول على عروض عمل في مجال الدعايات بفضل التغطية الإعلامية على القنوات المحلية والفضائية.

وتعلق يمنى طلعت، مدير العلاقات العامة في «ديفليه بايبي»، بأن: «هدفنا الأول هو إسعاد الطفل ومشاركة الآباء.

فليس لنا أي هدف سوى تنمية مهارة الطفل وتعليمه، وبعد انتهاء عروض الأزياء، ننظم مسابقة لاختيار أفضل طفل، وفقا لمعايير لا تعتمد على الجمال بقدر ما تعتمد على القبول واللباقة والموهبة والحضور المميز، فحتى في هذه السن عليه ان يتعلم بأن الجمال الخارجي لا يكتمل سوى بالجمال الداخلي ومعلوماته العامة على حسب عمره، ونحاول جهدنا ان نحارب التدخلات والوساطات، وأكبر مثال على هذا ان ابنة أختي كانت إحدى المشتركات ولم تفز بأية مرتبة رغم أنها جميلة وتدخل القلب، فالفكرة كانت ان تستمتع بالمناسبة وأن تتعلم من التجربة بأن تتعرف على موهبتها في سن مبكرة، وأهم ما اكتسبته هو كيف تختار ما يناسبها من الملابس وكيف تنسق ألوانها، وقد بدأت تعرف هذه الفعاليات إقبال نجمات يحرصن على إشراك أطفالهن أو أحفادهن في هذه الفعالية مثل رجاء الجداوي وميمي جمال وآثار الحكيم».

من جهته، يقول حسام فيض الله، احد المتخصصين في إقامة عروض أزياء وكتالوجات للموضة منذ عام 1998: «إن عروض الأطفال في البداية، كانت عبارة عن فقرة صغيرة ضمن عروض الكبار، لكن في السنوات الأخيرة فرضت نفسها على الساحة، فأصبحت تقام منفردة مرة صيفا ومرة شتاء».

ويضيف ان ما اكتشفه هو أن هؤلاء الصغار أصبحوا يفرضون رأيهم على آبائهم عند الشراء، حتى لو تطلب الأمر البكاء حتى يحصلوا على ما يريدون.

وهذا بالضبط ما أدركه المصممون وشجعهم على المشاركة في عرض «ديجبت للأطفال».

اختيار الاطفال في هذه الفعالية يخضع لشروط مختلفة، كونها تستهدف الترويج التجاري ودفع عجلة الشراء، حيث يشترط في الطفلة أو الطفل أن يكون على قدر من الجمال وتناسق القوام فضلا عن الجرأة.

 لهذا فإن حسام يستعين ايضا بأطفال محترفين، بمعنى أنهم يعملون معه منذ سنين، وفي بعض الأحيان تساعد عارضة محترفة على تدريب الملتحقين الجدد.

وفي الوقت الذي يقبل الآباء مشاركة أطفالهم من دون أجر، هناك منهم من يشترط مقابلا ماديا.

الفنانة رجاء الجداوي، التي كانت في شبابها عارضة محترفة، تقول: «أسعد باصطحاب حفيدتي وابنتي لمشاهدة عروض أزياء الأطفال.

وكانت ابنتي تشترك وهي طفلة في عروض مماثلة لكنها توقفت عنها في سن النضج، لأنها لا تحب عالم النجومية والأضواء، فاحترمت رغبتها واليوم احضر مع حفيدتي.

 فأنا اعتقد أنها تنمي فكر وثقافة الطفل وتجعله يشعر أن له كيانا وعالما خاصا، ولن أنسى أن حصولي على وشاح سمراء القاهرة مصادفة في عرض أزياء وأنا في سن صغيرة، وبعدها المركز الأول في مسابقة «القطن المصري» كان بمثابة انطلاقة لي في دنيا الأزياء والتمثيل».

وتحكي الممثلة والمذيعة دينا عبد الله، عن تجربتها المبكرة في اقتحام عالم الكبار وهي طفلة لا يتعدى عمرها الثلاثة أعوام، بأنها كانت تجربة غنية تعلمت منها الكثير، بدءا من مفهوم الالتزام وتحمل المسؤولية إلى الثقة بالنفس.

لهذا تشجع دينا الآباء على الانتباه إلى موهبة أطفالهم منذ سن مبكرة في أي مجال فني، حتى ينجحوا في تنميتها من دون أن تتعارض مع دراستهم وتعلمهم الفرق بين العمل الجاد والمبتذل، وحتى لا يكون الطفل عرضة للانبهار بدنيا الأضواء عندما يكبر.

ويعلق مصمم الأزياء محمد داغر، بقوله إن عروض الأطفال تلقى اليوم اهتماما من جميع المصممين على مستوى العالم «فنجد العديد منهم ينظمون عروضا ضخمة مما جعلنا ننظر إلى هذا الجانب من الموضة بشكل مختلف.

في عرضي الأخير استعنت بأطفال كعنصر مكمل في فقرة الزفاف، وعندما حضرت التدريب معهم ذهلت من التزامهم العالي وعفويتهم وقدرتهم على حفظ الخطوات المطلوبة منهم، لهذا أتمنى ان تهتم المدارس بعروض الأزياء وتدخلها، إن أمكن كجزء من أنشطتها الأخرى».

وتلتقط عارضة الأزياء السابقة خبيرة التجميل أمينة شلباية، طرف الحديث لافتة إلى أن هناك بعض المدارس الخاصة التي أضافت إلى نشاطاتها الرياضية طريقة المشي على المسرح، لفوائدها الصحية والجمالية، حتى إذا لم تكن الفتاة ستصبح عارضة في كبرها.

فهناك فتيات يرغبن في امتهانها أو الاستمرار فيها كهواية، لكن طولهن يقف عند حدود 150 سم فقط، وفي هذا المجال لا تفلح أي واسطة سوى المقومات الجسدية.

وتضيف شلباية أنها أخرجت أكثر من عرض أزياء للأطفال وكانت تستمتع بالعمل معهم جدا، حيث تشعر أنها تعمل في جو مليء بالمرح والمفاجآت الطريفة.

فالطفل قد يستجيب لكل ما يطلب منه من حركات وينفذها ببراعة، لكن قد يختلف الأمر تماما بمجرد أن يلمح أحد والديه يجلس في القاعة.

وتتذكر أمينة حادثة طريفة قفز فيها الطفل من على المسرح إلى أحضان أمه بمجرد ان وقعت عليها عيناه، ناسيا كل شيء.

وتنتقد أمينة اعتراض بعض أولياء الأمور على اشتراك أولادهم في هذه العروض ونظرتهم إليها على أنها مضيعة للوقت، لأن الطفل يتعامل معها أساسا كلعبة وليس كحرفة، وهذا بحد ذاته لا يسبب له أي نوع من الضغوط.

وبين اشتراك الطفل في عروض الأزياء بهدف تربوي وترفيهي أو بهدف دفع عجلة الشراء، يشجع اختصاصي الطب النفسي، ناجي جميل، دخول الطفل هذا المجال نظرا للخبرة التي يمكن ان يكتسبها منه، لكنه يحذر في الوقت نفسه من أنه يمكن استغلاله وهو غير مدرك للخطر، لأن تكوينه السيكولوجي لم يكتمل بعد.

ويشدد جميل على أنه يجب التعامل مع الطفل بحرص لكي نحافظ على انضباط سيكولوجيته ونموه الذهني والعاطفي، فلا يتعامل معه المحيطون به، مثلا، على أنه اكبر من عمره، أو أنه دخل عالم الكبار، سواء في المسؤوليات الملقاة على عاتقه، أو في الاهتمام به ومراعاة أن يكون المقابل المادي الذي يتلقاه بحجم احتياجاته.

فليس من المعقول أن تعامل البنت ذات السنوات العشر مثل فتاة في العشرين حتى نحافظ على النمو النفسي لها.

ويضيف أن «دخول الطفل عالم الأضواء في سن مبكرة سلاح ذو حدين، وقد وضع رائد أدب وثقافة الطفل «بابا شارو»، عدة قواعد حتى لا نحرم الطفل من براءته عند دخوله عالم الكبار، فكان يرفض أن يأخذ الطفل أي أجر نظير اشتراكه في أي عمل تلفزيوني أو إذاعي، لكن مجرد مقابل رمزي، عبارة عن مصروف جيب.

كما كان يتعامل معهم بكل بساطة، واشترط أن يكون هناك مَن يرافقهم في الحضور والانصراف حتى يشعر الطفل طوال الوقت أنه ما زال تحت جناح والديه، لذلك خرج من تحت يد «بابا شارو» العديد من الشخصيات البارزة التي تدين له بالكثير».

ويخلص خبير الطب النفسي إلى أنه أصبح من المستفز اليوم أن نسمع حوارا مع طفلة لم تتعد العشر سنوات على احدى القنوات ونرى حركاتها وردودها وكأنها ضعف عمرها.

في المقابل، قد يخاف الأهل على أولادهم فيمنعونهم من المشاركة بهدف حمايتهم وهذا خطأ، لأن الموهبة إذا وظفت بشكل جيد تكون نعمة على صاحبها، وإذا حرم منها كانت نقمة وعقبة في مشوار حياته، وعروض الأزياء ومواجهة الجمهور بثقة هواية جميلة، تصقل موهبته، على شرط المحافظة على قيمهم الأخلاقية والتربوية.