دراسة مثيرة للجدل : عادة لعق الأصابع عند الأطفال .. تقيهم من الحساسية

زيادة التعرض للميكروبات تقود إلى انحسارها
زيادة التعرض للميكروبات تقود إلى انحسارها

تعتبر عادة لعق الأصابع غريزية، وفعل طبيعي من الرضيع، إذ إن اللعق يكون الطريقة التي يرضع بها الطفل، وتقريبا مارسها كل الرضع في العالم. وفى الأغلب، يكون إصبع اليد الأكبر (الإبهام) Thumb Sucking هو أكثر إصبع يلعق.


وتبدأ هذه العادة بعد الولادة بأسابيع قليلة، وتتوقف كلما تقدم الطفل في العمر، ولكن لدى بعض الأطفال تستمر لفترات طويلة يمكن أن تلازم الطفل حتى بداية دخوله المدرسة. وفى أحيان أخرى، يمكن أن تستمر حتى بداية المراهقة.

وهناك عدة أسباب لهذه العادة، إلى جانب أنها طبيعية، مثل الجوع. إلا أنها، في بعض الأحيان، خاصة لدى الأطفال الأكبر من عمر 5 سنوات، تكون نوعا من أنواع التعبير عن القلق والتوتر، أو الخوف، أو الخجل، أو الملل، أو غيرها. وفى هذه الحالة، تحتاج إلى إجراء تقييم نفسي، والتعامل معها بشكل طبي، وعلاجها.

زيادة التعرض للميكروبات
وبطبيعة الحال، فإن كثيرا من الدراسات تناولت هذه العادة، وفوائدها وأضرارها. وآخر هذه الدراسات التي قام بها علماء من جامعة أوتاغو University of Otago in Dunedin، بنيوزيلندا، سوف يتم نشرها في مجلة «طب الأطفال» journal Pediatrics ، في عدد شهر أغسطس (آب) عام 2016.

وأشارت هذه الدراسة إلى أنه على الرغم من أن عادة لعق الإصبع، أو قضم الأظافر، في الأغلب لا يتم تشجيعها من قبل الآباء، بل ويتم نصح الأطفال بضرورة التوقف عن ممارستها، فإن هذه الممارسات من الممكن أن تحمي الطفل من الإصابة بالحساسية. وأوضح الفريق القائم بالدراسة أن هذه العادات، على الرغم من أنها بالفعل تعرض الطفل لمزيد من الميكروبات، فإن هذا التعرض يكون بمثابة الوقاية من التعرض لهذه الميكروبات لاحقا.

وبالتالي، فإن ذلك يزيد من مناعة الطفل، مثلما هو الحال عند تناول لقاح معين، إذ إن تعامل الجهاز المناعي باستمرار مع الميكروبات يجعله أقل عرضة للحساسية (التي تتمثل في حدوث تفاعل مناعي يظهر على الجسم في أعراض معينة، مثل إحمرار الجلد، أو الحكة، أو السعال).

وقد استخدم الباحثون بيانات دراسة طولية قامت بها الجامعة من قبل، حيث تتبعت 1073 من المشاركين من وقت الولادة حتى بلوغهم عمر الأربعين. وتم سؤال الآباء عن لعق إصبع الإبهام في عمر الخامسة والسابعة والتاسعة والحادية عشر.

وتم أيضا عمل اختبار للحساسية عن طريق الجلد في عمر الثالثة عشر وعمر الثانية والثلاثين (يكون الاختبار موجبا إذا كان الجسم قد تعرض من قبل على الأقل إلى واحد من مسببات الحساسية).

وتعنى إيجابية الاختبار أن الجسم يكون أكثر عرضة لحدوث حساسية نتيجة لمسبب معين، مثل ذرات الأتربة، أو الفطريات، أو الذرات الموجودة على أجسام الحيوانات (مثل القطط والكلاب).

انحسار الحساسية
وكانت نتيجة الاختبار عند عمر 13 سنة أن النسبة الإيجابية للأطفال الذين لعقوا إصبعهم، أو قضموا أظافر اليدين، كانت 38 في المائة، لمسبب واحد على الأقل، بينما بلغت تلك النسبة 49 في المائة، بالنسبة للأطفال الذين لم يمارسوا تلك العادة. وبالنسبة للأطفال الذين مارسوا العادتين معا، بلغت النسبة 31 في المائة فقط، وهو الأمر الذي يعنى توفر فرص كبيرة لحمايتهم من الحساسية.

والأمر المثير أن نفس النسب ظلت ثابتة حتى في عمر 32 عاما، بعد وضع عدة اعتبارات في الحسبان، مثل اختلاف الذكور عن الإناث، وأيضًا التاريخ المرضى للحساسية بالنسبة للآباء، وأيضًا امتلاك بعض الحيوانات الأليفة (مثل القط والكلاب) في الطفولة من عدمه، وأيضًا إذا كان أحد الآباء أو كلاهما مدخنا، وأيضًا الرضاعة إذا كانت طبيعية أم لا، وأيضًا البيئة السكنية التي عاش فيها الأفراد إذا كانت في المدينة أو في الريف، وأيضًا مستوى النظافة داخل كل منزل، والأحياء المحيطة بالمسكن، وغيرها من الأمور التي يمكن أن تؤثر على نتيجة البحث.

وتعتبر هذه النتائج مصداقا لنظرية فرضية النظافة hygiene hypothesis، بمعنى أن البيئة النظيفة تماما لا تساعد على الوقاية من الميكروبات. وكلما تعرض الطفل إلى الميكروبات (بنسبة بسيطة)، فإن تلك الميكروبات تكون مثل التطعيم الواقي بالنسبة له، وتمنحه حماية من الحساسية تحديدا.

وعلى الرغم من الفائدة التي ذكرتها الدراسة، فإن الجدل حول هذه العادة ما يزال محتدما، فالفريق المدافع (الأقل عددا) يرى أن لعق الإصبع (حتى ما قبل إجراء هذه الدراسة)، حتى وإن كان عادة غير محبذة، فإنها تقوم بتخفيف الضغط النفسي عن الطفل، كما أنها لدى بعض الأطفال يمكن أن تكون وسيلة للتسلية لا تسبب ضررا مثل الضر الناجم عن اللعب بأشياء حادة، أو ممارسة ألعاب عنيفة، فضلا عن فائدتها التي أشارت إليها الدراسة.

وعلى الجانب الآخر، يرى معظم العلماء أن لعق الإصبع يجب أن يتوقف، خصوصا بعد دخول المدرسة، إذ إنه من الممكن أن يسبب مشكلات في الأسنان، كما يمكن أن يكون مؤشرا على الاضطراب النفسي.

وفى النهاية، يبقى وجه القصور في الدراسة أنها اعتمدت على بيئة نظيفة إلى حد كبير، خصوصا أن نيوزيلندا تعتبر من الدول المتقدمة. ويحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات، وتحديدا في بلدان العالم الثالث، حيث لا تتوفر فرضية النظافة بشكل كاف، وفى هذه الحالة يمكن أن تؤدي عادة اللعق هذه إلى الإصابة بالأمراض.