متحديا الوضع الاقتصادي .. انطلاق أسبوع نيويورك لربيع وصيف 2009

انطلقت أول أمس (الجمعة) في نيويورك دورة اسابيع الموضة لربيع وصيف 2009 للأزياء الجاهزة، لتكون البداية فيها قبل ان تنتقل في نهاية الاسبوع المقبل إلى عاصمة الضباب تليها ميلانو وأخيرا وليس آخرا باريس.


قبل اسابيع من انطلاق الفعالية نشرت الكثير من التكهنات المتشائمة التي تفيد بأن الأجواء هذه السنة لن تكون كغيرها، خصوصا في نيويورك، بسبب الأزمة الاقتصادية التي شهدت شرارتها الاولى في الولايات المتحدة قبل ان تنتقل عدواها إلى باقي دول أوروبا.

وقد نشرت صحيفة «وومنز وير ديلي» اليومية نبذة قصيرة عن وضع قطاع الموضة، مشيرة إلى انه في اغسطس (آب) سجلت مبيعات المتاجر الكبرى مثل «ساكس» و«مايسيز» تراجعا ملحوظا، حيث حققت الاولى في النصف الثاني من آغسطس 669 مليون دولار مقابل 694 مليونا خلال الفترة ذاتها من العام 2007 اي بتراجع نسبته 3.6% والتوقعات لبقية العام لا تدعو للاطمئنان.

لكن إذا كان قطاع الموضة العام بدأ يتأثر، فإن الأمر يختلف فيما يخص المنتجات المترفة وقطاع السلع الفاخرة التي تزيد اسعارها يوما بعد يوما من دون ان يخف الإقبال عليها أو يتراجع، وأكبر دليل على هذا ان دار المجوهرات الأميركية «تيفاني» تضاعفت ارباحها مسجلة 80 مليون دولار هذه السنة، مقارنة بـ 40.5 مليون دولار في 2007، أيضا وفق ما نشرته «وومنز وير ديلي» التي شددت على ان المبيعات في آسيا ولا سيما في الصين ارتفعت بشكل ملحوظ.

ويرى جون مينكاريللي استاذ التسويق والادارة في معهد الموضة «فاشن اينستيتوت اوف تكنولوجي» في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن «اسبوع الموضة هذا الموسم قد يكون الاصعب منذ فترة طويلة».

واشار إلى أنه مع ارتفاع اسعار الوقود والتضخم والصعوبة في تسديد القروض العقارية والبطالة التي تهدد قطاعات كبيرة من الاقتصاد، فإن آخر شيء يمكن لبعض العائلات التفكير فيه حاليا هو اقتناء أزياء بأسعار عالية.

هذا عدا ان شريحة كبيرة في قطاع الموضة نفسها باتت تنادي بمحاربة التبذير وإعادة التدوير، تارة بطريقة مباشرة وتارة بطريقة غير مباشرة، وما علينا إلا ان نتذكر عرابة صناعة الموضة الأميركية، ورئيسة تحرير مجلة «فوغ» أنا وينتور، وهي تظهر في فستان واحد في ثلاث مناسبات مختلفة خلال شهر واحد مؤخرا، مع العلم انه لا الإمكانيات تنقصها ولا استعداد من يهديها آخر الإبداعات حتى قبل ان تطل علينا من على منصات العروض او من مجلتها.

الأميرة البريطانية، آن، ايضا التقطت لها صورة منذ بضعة اشهر في فستان كانت قد لبسته في الثمانينات، إلى جانب شهيرات أخريات لم يعدن يتحرجن من ظهورهن بنفس الزي في مناسبات مختلفة، أو تدوير المستعمل منها، كما فعلت النجمة ميشا بارتون بتشجيعها موقعا لتبادل الأزياء، او خبيرة الأزياء العالمية رايتشل زو بتنظيم سوق خيري تتبرع فيه سيدات المجتمع والنجمات بأزيائهن واكسسواراتهن المستعملة لصالح أعمال خيرية.

ومع ذلك ورغم كل الأحاديث عن الأزمة والتقشف والتدوير وعدم التبذير وما شابه، إلا ان أسبوع نيويورك يدر الملايين من الدولارات على المدينة وصناعة الموضة، ومن المتوقع ان يحصد هذا العام 391 مليون دولار، إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم المشاركة فيه وحجم الزائرين الذين يقدر عددهم بـ 70.000 زائر كلهم من خارج نيويورك، ما بين مهتمين وخبراء ومشترين ومحررين ونجوم طبعا، بعضهم لا يعترف بوجود أزمة من الأساس لأنه بمنأى عنها، وبعضهم يتحداها ويعتبرها سحابة صيف عابرة لا يجب ان تقف في طريق الأناقة والجمال.

وحتى إذا سلموا ان الوضع قاتم بالفعل، فهم مقتنعون بأن الإبداع يولد أحيانا من رحم الأزمات؟ هذا على الأقل ما أكده المصمم الكوبي الأصل، نارسيسو رودريغيز، في لقاء مع وكالة «أسوشيتد برس».

فتشكيلته كما قال ستكون مفعمة بالفرح ومضادة للتوتر النفسي الناتج عن أصداء الأزمة الاقتصادية والحروب «فعندما يكون الوضع الاقتصادي صعبا، وأمور كثيرة تدعو للأسى تجري في أنحاء متعددة من العالم، فإن الواحد منا يحتاج إلى إبداع نوع معين من الجمال.. جمال بسيط وجديد حتى بالنسبة لي، لأني كنت ابحث عن أشكال ناعمة».

ومما لا شك فيه أنه سيتحفنا بعدد من الفساتين الرومانسية التي اشتهر بها وتتميز بتحديدها الخصر والمفتوحة عند الصدر بطريقة محسوبة ومعقولة، «فساتين تشعر فيها المرأة بأنوثتها وبالثقة بالنفس».

وهذا بحد ذاته يبشر بأن الأسبوع سيحفل بكل ما تشتهيه النفس، هذا عدا عن ان أسبوع نيويورك بالذات لم يكن يوما عن الموضة والأزياء فقط، فهو بالنسبة للمتابعين والنجوم بمثابة سيرك ممتع يلتقي فيه الترفيه مع الأناقة.

الترفيه في كم الحفلات التي تنظم على الهامش، وتحضرها نجمات من حجم مادونا وسارة جيسيكا باركر وأنا وينتور، وسياسيات من حجم لورا بوش وميشيل أوباما وغيرهما.

أما الأناقة فحدّث بلا حرج، وإن كانت في بعض الأحيان للـ«بريستيج» وفرض سطوة التفاحة الكبيرة في مجال يعرف الجميع انه من أكثر القطاعات التجارية الناجحة. ولأن نيويورك هي عاصمة الأفلام والأحلام، فإن العرض يجب ان يستمر سواء كانت هناك أزمة اقتصادية أم لا، لا سيما أن الولايات المتحدة الأميركية، عموما، لا تزال أكبر سوق للموضة في العالم.

فهناك أمل كبير أنه رغم ميل المستهلك إلى التقشف، إلا انه قد يضعف وينهار عندما يرى نفسه أمام إبداعات يسيل لها اللعاب.

لذلك ليس ببعيد ان يفاجئنا بعض المصممين بتشكيلات تستهدف اختراق أسوار التقشف وفكرة التدبير بعمليتها أولا وأخيرا.

صحيح ان نيويورك لم تمل يوما إلى الفانتازيا أو الجنون، إلا انه كانت لها محاولات غريبة في السنوات الماضية، عندما أرسل أحدهم عارضات لا يغطيهن شيء سوى طحالب البحر، وآخر أزياء مزينة بأدوات المطبخ مثل الملاعق والشوك وغيرها، وطبعا لا ننسى مارك جايكوبس الذي قدم تشكيلة تركت الجميع يفكر فيما إذا كان الوقت قد داهمه قبل ان ينتهي من حياكتها، لأنها كانت نصف منفذة.

هذا الموسم، بلا شك، سيكون هناك حرص أكبر على الأناقة الواقعية. ويمكن ان نتوقع من الثنائي بروانزا شوللر، كما العادة، أزياء بسيطة وعصرية، ومن إسحاق مزراحي، تصميمات فنية مستوحاة من ثقافة «البوب»، ومن فرانسيسكو كوستا، مصمم دار «كالفن كلاين» أزياء تجمع بين الـ«سبور» والكلاسيك، ومن المخضرمين رالف لوران وأوسكار دي لارونتا ازياء كلاسيكية مفعمة بروح الزمن الجميل.

ومن مصممين يشاركون في الأسبوع لأول مرة، مثل الاسترالي مايكل اينجل، الذي قدم أول عرض في هذه الاحتفالية، محاولات لفرض موهبتهم عالميا من خلال تشكيلة مستوحاة من الشمس والبحر، فقد نكون قد ودعنا الصيف وأزياءه في الواقع، إلا ان المنصات ستبيع لنا حلم الصيف القادم وتجعلنا نعيش لحظات سعيدة ودافئة.

هذه السنة سيشارك في الأسبوع أكثر من 80 مصمما نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، كالفن كلاين، دايان فون فورستنبورغ، مارك جايكوبس، كارولينا هيريرا، اوسكار دي لا رونتا.

وتجدر الإشارة إلى ان هذا الأخير هو المصمم المفضل لسيدات البيت الأبيض، مثل لورا بوش، أو المتطلعات لدخوله، مثل سيندي ماكين زوجة المرشح الجمهوري، إلى جانب مصممين شباب مثل تاكون بانيشغول (34) عاما، وهو نيويوركي من اصل تايلاندي، ارتبط اسمه مؤخرا باسم ميشال اوباما بعد ظهورها في بعض تصميماته.

كما ستشارك المصممة باتريشيا فيلد، المسؤولة عن أزياء فريق السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس اند ذي سيتي» بتشكيلة خاصة بها، فيما ستقدم فكتوريا بيكهام، عضو فريق «سبايس غيرلز» سابقا، عرضا مصغرا لأول تشكيلة ازياء خاصة بها، وفي قاعة خاصة خارج خيمة براينت بارك أمام عدد قليل من المشترين ووسائل الإعلام.

وهذا ما اشعل فتيل الإشاعات بأن ماركتها «دي.في.بي» تعاني من تراجع المبيعات. فعرض في قاعة صغيرة وأمام حفنة منتقاة، له معنى واضح وهو أن الميزانية ليست كبيرة لتنظيم عرض كبير.

طبعا هي تنفي هذه الإشاعات وتؤكد ان مبيعاتها معافاة. وسواء كان هذا صحيحا أم لا، فإن المؤكد هو ان تشكيلتها كما قيل تضم كورسيهات وقطعا مفصلة بشكل هندسي يعكس أسلوبها الخاص.

في أول أيام الأسبوع، قدم المصمم ماكس ازريا تشكيلته الخاصة بماركة «بي.سي.بي.جي» وأهم ما تميزت به الحرير والشيفون والموسلين على شكل فساتين طويلة منسابة وألوان طبيعية لا تترك أدنى شك بأنها تخاطب الصيف وأجواءه، إلى جانب بنطلونات رشيقة وأخرى قصيرة نسقها مع قمصان واسعة وطويلة مستوحاة من تصميمات الفساتين، فيما قدم المصمم بيري إليس تشكيلة رجالية ايضا خاصة بالمنتجعات وأيام الراحة للرجل الذي يتوخى الأناقة في كل الأوقات والمواسم.

اما ماركة «راغ أند بون» فقد تكون قد استوحت تشكيلتها للربيع والصيف المقبلين، من الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بروحها الشابة والمنطلقة، إلا ان مصمميها ماركوس واينرايت وديفيد نيفيل أشارا الى انهما ركزا على الطبقات العاملة في هاتين الحقبتين، وبالذات الطبقات التي كانت تحاول ان تنفض عنها اي إيحاء يشير أو يربطها بطبقة معينة.

وهو أمر يعكس واقع اليوم بشكل كبير حيث اصبحت هناك فجوة كبيرة بين المنتجات المترفة والمنتجات الأخرى، مثل الأزياء الجاهزة.