في جنازة حاشدة .. مصر تودع يوسف شاهين

شارك أكثر من 1500 شخص بينهم عشرات من ممثلي السينما المصرية في جنازة المخرج يوسف شاهين المخرج الأشهر في تاريخ السينما المصرية والعربية، والذي وافته المنية أول من أمس بمستشفي المعادي الدولي للقوات المسلحة عن عمر يناهز 82 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، وذلك في كاتدرائية القيامة للروم الكاثوليك في حي الظاهر في القاهرة ظهر الاثنين 28-7-2008.


ونعى الرئيس المصري محمد حسني مبارك رحيل يوسف شاهين، معربا عن خالص تعازيه لأسرته ومحبيه، مشيرا إلى «أن إسهامه المتميز في صناعة السينما المصرية سيبقى في ذاكرة الوطن وقلوب المصريين، كما سيبقى إبداعه متواصلا من خلال من تعلموا على يديه من شباب مخرجي مصر وفنانيها».

ليس أدل على قيمة "يوسف شاهين" من البيان الذي صدر عن قصر الإليزيه في باريس، ونعى فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي شاهين بقوله "إن الفن السابع خسر برحيله واحدا من أشهر خدامه، كان مرتبطا بوطنه الأم، وفي نفس الوقت منفتحا على العالم"، مضيفا أن "شاهين قد سعى من خلال السينما إلى دحض الرقابة والتعصب والأصولية".

ومن جهتها وصفته وكالة الأنباء الفرنسية بأنه المخرج صاحب المدرسة السينمائية الأهم في العالم العربي، وأنه قدم أعمالا ملتزمة سياسيا واجتماعيا، اتخذت من مصر خلفية عامة لها.

بينما عنون التلفزيون المصري وفاة شاهين، قائلا "الوداع يا يوسف شاهين"، بعد أن أعلن في وقت سابق وفاة أشهر المخرجين المصريين، وبدأ يبث مشاهد من أفلامه.

وفاة أشهر المخرجين المصريين يوسف شاهينوتلقت الأوساط الفنية خبر موت شاهين بالصدمة، ففي تظاهرة فنية بمدينة مسينا بجزيرة صقلية الإيطالية وقف الحاضرون في قاعة العروض الصغيرة أمس دقيقة حدادا على روح المخرج الكبير، وحيا الجمهور العربي والإيطالي ابن الإسكندرية الذي أحدث فيلمه «هي فوضي» صدى إيجابيا في مهرجان البندقية العام الماضي.

وانطلقت مراسم جنازة شاهين في الواحدة من ظهر أمس بالصلاة عليه وإقامة قداس الجنازة بكاتدرائية «القيامة» للروم الكاثوليك بحي الفجالة بالقاهرة وغصت الكنيسة بالحضور الى جانب عشرات وقفوا في الممرات ومئات في باحتها الخارجية بانتظار انتهاء الصلاة الجنائزية على روح الراحل.

وكان جثمان شاهين وصل الى الكنيسة في تابوت لف بالعلم المصري وشارك في حمله ابن شقيقته غابي خوري وتلميذه خالد يوسف وبدأت مراسم الجنازة على الفور فانطلقت اصوات الجوقة ترتل باللغتين العربية واليونانية، وبمجرد دخول الجثمان قاعة الكنيسة ملفوفا بعلم مصر، ومحمولا على أعناق تلاميذ الفقيد وعلى رأسهم المخرج خالد يوسف، انخرط الجميع في البكاء.

وفي وقت الصلاة احتشد المئات خارج مبنى الكنيسة لإلقاء النظرة الأخيرة على الفقيد. عزت العلايلي، ومحمود ياسين وزوجته الفنانة المعتزلة شهيرة، حسين فهمي، فاروق الفيشاوي، ونادية لطفي، يسرا، نجوى إبراهيم، وخالد النبوي، وهشام صالح سليم، خالد يوسف، خالد صالح، هاني سلامة، وممدوح الليثي نقيب السينمائيين، وأشرف زكي نقيب الممثلين وزوجته الفنانة روجينا

ووقف الحضور طوال الجنازة وسط حشد غير مسبوق لوسائل الاعلام ما اضطر المطران جورجيوس بكر ان يطلب اكثر من مرة مغادرة مصوري شبكات التلفزيون المقاعد التي اعتلوها بأقدامهم.

وحضر القداس حشد من الفنانين والفنانات من مختلف الاجيال من بينهم:الفنانات نادية لطفي كوليت زوجة الراحل يوسف شاهين وسط المشيعينولبلبة ويسرا وليلى علوي وإلهام شاهين وشهيرة وجميل راتب وحسين فهمي ومحمود ياسين ومحمود عبد العزيز ومحمود حميدة وخالد صالح وهاني سلامة وهشام عبد الحميد واحمد فؤاد سليم واخرين، كما شارك من المخرجين صديق شاهين المخرج توفيق صالح ويسري نصر الله وخيري بشارة الى جانب مدراء التصوير طارق تلمساني ومحسن احمد.

وكان حضور احزاب المعارضة في مصر لافتا مع رئيس حزب الوفد محمود اباظة وامينه العام منير فخري عبد النور والامين العام لحزب التجمع اليساري حسين عبد الرازق ورئيسة تحرير اسبوعية "الاهالي" الناطقة باسم الحزب فريدة النقاش ورئيس حزب الكرامة عضو مجلس الشعب حامدين صباحي.

وحضر مندوبا عن الرئيس المصري حسني مبارك الوزير مفيد شهاب الى جانب الوزير ماجد جورج وحضر كذلك محافظ القاهرة عبد العظيم وزير ومدير امن القاهرة اسماعيل الشاعر، ومن السفراء الاجانب، حضر السفير الفرنسي فيليب كوست والسفير اللبناني عبد اللطيف مملوك.

تتلمذ على يدي يوسف شاهين عديد من المخرجين، مثل يسري نصر الله، والراحل رضوان الكاشف وعلي بدرخان وخالد الحجر وخالد يوسف ومجدي أحمد علي وعماد البهات، وغيرهم كثير.

ويعتبر المخرج داود عبد السيد، الذي عمل مع شاهين مساعد مخرج في فيلم "الأرض"، أن "أهمية شاهين تنبع من أنه شكل مدرسة حقيقية مباشرة، وله تلامذته الذين تعلموا منه"، مضيفا أنه "شكل أهم مدرسة إنتاجية، إذ خرج أهم المنتجين في السينما المصرية".

وتقول المخرجة أسماء البكري: "نحن تلامذته، لقد أحببناه لأننا كنا نشعر دائما بالاتفاق مع مواقفه في الفن والسياسة" .

وأضافت – طبقا لرويترز-: "لقد أدى دورا هائلا في مسيرة السينما المصرية، وأسهم في نقلها إلى العالمية".

أما النقاد فيتفقون على أن السينما المصرية فقدت أسطورة من أساطيرها، إذ صرح الناقد أحمد أمين بأن السينما في مصر فقدت بموت شاهين "تلك اللمسة الخاصة التي كان يتميز بها، وكذلك فقدت إسهاماتها البارزة في السينما العالمية".

أما الناقد طارق الشناوي فيرى أن شاهين وضع المقياس الذي سيسعى السينمائيون من بعده الى الوصول إليه، والتشبه به.

وقال: "على مدى ستين عاما وأكثر، ظل الاسم الأشهر في السينما المصرية، وكان يعشق السينما إلى درجة أنه عاش عمره بالكامل من أجلها، لقد كانت السينما بالنسبة له مثل الهواء الذي يتنفسه".

ومن جهتها تصفه الفنانة يسرا، التي شاركت في بطولة عديد من أفلامه السينمائية، بأنه "أسطورة السينما العربية"، فيما قال عنه الفنان نور الشريف، إنه "أحد أهم المخرجين في تاريخ السينما العالمية، وليس فقط في العالم العربي".

تحدثت الفنانة لبلبة بصعوبة قائلة «لم استطع رؤيته في المستشفى، كنت أقف خارج غرفة العمليات منتظرة خروجه ولكنه هذه المرة لم يفعل.

وقالت لبلبة أن آخر مرة شاهدت فيها شاهين كان أثناء احتفاله بعيد ميلاده الماضي، حيث أصر وقتها أن يصوره بكاميرات الفيديو في سابقة لم يفعلها من قبل.. «ربما كان يشعر أنه آخر احتفال بعيد ميلاده في حياته».

بينما تحدث الفنان محمود حميدة عن لوعته لفراق أستاذه المبدع يوسف شاهين وعن تعاونه معه في 4 أفلام منها «إسكندرية نيويورك» و«المصير» و«المهاجر»، ووصفه بأنه إنسان رائع ومتواضع وليس ديكتاتوراً كما يطلق عليه البعض.

وعبرت الفنانة إلهام شاهين عن حزنها لفقدان مصر والعالم العربي مبدعا بحجم يوسف شاهين، كما حرصت على وداعه الفنانة نادية لطفي التي قالت عنه «لقد صنع مني فنانة مختلفة في فيلم الناصر صلاح الدين..سنفتقده كثيرا».

الفنانة نادية لطفي والفنانة الهام شاهينوكان شاهين قد نقل الى مستشفى في فرنسا حيث بقي شهرا كاملا اثر اصابته بنزيف في الدماغ في مصر دخل على اثره في غيبوبة منذ 16 يونيو/حزيران.

وفور نقل تابوت شاهين صاحب فيلم "الارض" الى السيارة التي ستحمل جثمانه الى مقابر العائلة في الاسكندرية، حيث مسقط رأسه، ومحور حدوته المصرية التي جسدها عبر أربعة أفلام شهيرة من أفلامه، ليوارى جثمانه في ترابها بمقابر العائلة، انطلقت عشرات الايدي تصفق وتهتف باسم شاهين ومصر "مع السلامة يا صوت الشعب يا شاهين".

ولحقت الجموع بالتابوت الى خارج الكنيسة حيث اوقفها رجال الامن افساحا في المجال للسيارة التي تقل الجثمان والسيارات المرافقة لمغادرة المنطقة.

وكانت مظاهر الحزن بادية على العديد من النجوم الذين حضروا الجنازة وعملوا مع شاهين في افلامه خصوصا الفنانة يسرا التي رفضت الحديث مع الصحافيين ومحمود حميدة الذي انتحى جانبا بعيدا في الكنيسة.

وكانت قوات الامن احاطت بالكنيسة لتنظيم المرور والجنازة في ساعة مبكرة من صباح اليوم في حين حضر الصحافيون قبل الجنازة بساعات.

وابدى بعض الحاضرين استغرابه ازاء قلة الاشخاص المشاركين نظرا لحجم الشهرة التي يتمتع بها الراحل.

أصداء دولية تجاه الرحيل
في فرنسا، قال عنه ساركوزي إن موهبة شاهين قد سمحت له من خلال صيغ متعددة للتعبير الفني إخراج كل أنواع الأفلام.. أفلام السيرة الذاتية والأفلام التاريخية أو الكوميديا الموسيقية.

فيما اعتبر وزير خارجيته برنار كوشنير وفاة شاهين "خسارة فادحة لمصر، والسينما العالمية".

وقال "كان شاهين المعروف بالتزامه ضد الظلم واللا تسامح، يحظى بتقدير كبير من قبل جمهور السينما والمحترفين في أوروبا"، مشيرا إلى أنه كان يقيم علاقة وثيقة مع فرنسا.

من جهتهما، حيا الحزب الاشتراكي الفرنسي والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ذكرى شاهين، وقال بيان للحزب: "اليوم، يغيب سيد السينما المصرية، وأحد النجوم الأكثر بريقا في السينما العالمية".

أما جاك شيراك، فقال "كان يوسف شاهين مقاتلا، لا يكلّ ضد التطرف والعنف، ومدافعا شرسا عن التسامح والاحترام".

كان شاهين تُوفي عصر يوم الأحد 27 يوليو/ تموز عن عمر يناهز 82 عاما، بعد 6 أسابيع أمضاها في غيبوبة.

وكان شاهين -الذي يشتهر بسلسلة أفلامه المرتبطة بمدينة الإسكندرية المصرية- قد أُصيب بنزيف في المخ في يونيو/ حزيران الماضي، وأمضى أسابيع عدة بمستشفى في باريس قبل عودته إلى القاهرة قبل 10 أيام.

قصة حياة
وُلد يوسف جبريل شاهين عام 1926 في الاسكندرية، من عائلة لبنانية من مدينة زحلة في شرق لبنان انتقلت للعيش في مصر اواخر القرن التاسع عشر.

وحصل على الابتدائية من مدارس الفرير، ثم انتقل إلى مدرسة فيكتوريا، وحصل منها على شهادة الثانوية العامة، ثم سافر إلى الولايات المتحدة ؛ حيث درس فنون المسرح والسينما في معهد "باسادينا بلايهاوس" لمدة عامين، وأعطاه رائد التصوير "ألفيس أورفانيللي" الفرصة الأولى لدخول عالم السينما؛ حيث أخرج شاهين فيلمه الأول "بابا أمين" عام 1949، وعمره 23 سنة.

قدم شاهين للسينما المصرية كل أنواع الأفلام، فقدم سيرته الذاتية في أفلام‏ "إسكندرية ليه"‏، و"إسكندرية كمان وكمان"،‏ و"حدوتة مصرية"، و"إسكندرية نيويورك"،‏ كما قدم أفلاما تاريخية هي "الناصر صلاح الدين"‏، و"وداعا بونابرت‏"، و"المهاجر"‏، و"المصير".

كما قدم المخرج الراحل عددا كبيرا من علامات السينما المصرية، منها: "باب الحديد"،الفنانة يسرا والفنان محمود عبد العزيز يتابعان مراسم الجنازة و"صراع في الوادي"، وكانت له رؤية سياسية واضحة في أفلام "الأرض‏"، و"العصفور"‏، و"الاختيار"‏، و"عودة الابن الضال‏"، و"جميلة بوحريد".

أما آخر أفلام شاهين فهو فيلم (هي فوضى)، الذي عُرض في دور السينما في وقت سابق من العام الحالي؛ إلا أن تلميذه المخرج السينمائي خالد يوسف أكمل إخراج الفيلم نظرا لمرض شاهين.

وخلال مسيرة حافلة امتدت لقرابة ستين عاما، استطاع شاهين أن يفرض ثقله الفني والإبداعي بشكل لا لبس فيه، فلا يمكن لأحد محليا أو عالميا أن يتطرق للسينما العربية، من دون أن تكون تجربة شاهين في مقدمتها.

وظهر ذلك بشكل واضح، عندما قام النقاد السينمائيون المصريون باختيار عشرة من أفلامه من بين أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وذلك بمناسبة مرور مائة عام على انطلاقتها.

وفاز المخرج وكاتب السيناريو والمنتج شاهين بجائزة الذكرى الخمسين لتأسيس مهرجان كان للسينما على مجمل اعماله العام 1997.

ومن اشهر افلامه "المصير" (1987) و"الارض" (1969) فضلا عن "اسكندرية ليه؟" الجزء الاول من سلسلة افلام حول سيرته الذاتية.