صدام بين علماء الدين حول "مشروع الطلاق الشفوى"

اختلفت وجهة نظر علماء دين بمصر حول دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى إصدار قانون ينظم "الطلاق الشفوي"، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أهمية إصدار القانون للحد من حالات الطلاق بين الأزواج، ووقف فوضى الفتاوى التي تصدر عقب تكرار حالات الطلاق لأكثر من 3 مرات، يرى آخرون أن إقامة مشروع لا يجيز الطلاق إلا بوثيقة أمر غير شرعي.


حيث اعتبر الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، مسألة التوثيق لعقود الزواج والطلاق مسألة حادثة فى العصر الحديث، أقر العلماء بمشروعيتها، لكن أن تُلغى الألفاظ الصريحة لعدم وجود الكتابة الموثقة لدى جهات الدولة فهذا قول باطل لم يقله أحد من علماء المسلمين.
اشتراط الإشهاد على الطلاق بدعه.

اشتراط الإشهاد على الطلاق بدعة
وشدد نائب رئيس الدعوة السلفية، على أن الرجل إذا طلّق زوجته باللفظ الصريح فقد وقع الطلاق، مشيرا إلى أن اتساع دائرة الطلاق مشكلةٌ اجتماعية، لا تحلها القوانين "المخالِفة للشريعة" بتحجير الطلاق إلا أمام القاضى، أو أن يطلِّق القاضى، أو أمام المُوثِّق الذى يُبلغ المحكمة بذلك رسميًّا، بحسب تعبيره.

وذكر برهامى، أن "القول باشتراط الإشهاد على الطلاق هو قول أهل البدع من الرافضة، لا يقول به أحد من أهل السُنّة من الأئمة الأربعة وغيرهم، إلا ما يُعد شذوذًا لا يُعتد به".

دستوريًا، تختص هيئة كبار العلماء بالبت فى المسائل الدينية والقوانين والقضايا الاجتماعية ذات الطابع الخلافى التى تواجه العالم والمجتمع المصرى على أساس شرعى.

وقال الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، إن الطلاق الشفوي يقع إذا قيل بنصة دون تحريف لأحد الحروف، مضيفًا :" لو قال لها أنت طالق يقع ، أما إذا حرف في لفظ الطلاق زي ما يقول لزوجته إنتي تالك أو طالئ، يُسأل فيها عن قصده فإن كان قصده الطلاق يقع أيضا. 

وأضاف جمعة، أن الطلاق الشفوي لا يقع إذا لم يكون القصد منه الطلاق، كأن رجل يقول لزوجته " تصدقي الست جارتنا جوزها قالها أنت طالق"، فهذا لا يقصد أن يقول لزوجته أنت طالق ولكنه يحكي قصة حدثت.

الفرق بين وقوع الطلاق وإثباته:
وأوضح المفتي السابق، خلال لقائه ببرنامج "والله أعلم"، أن هناك فرقًا بين وقوع الطلاق وإثبات الطلاق، فالوقوع يقع بقول هذا اللفظ، ويشترط فيها القصد وليس النية، فالنية لا تعتبر، كأن يقول زوج لزوجته أثناء روايته لقصة: "تصدقي جارنا إمبارح قال لزوجته: "أنتي طالق" فهنا لا يقصد أن يقول لزوجته، وإنما يروي لها قصة جاره وبالتالي لا يقع".

توثيق الطلاق لا يحل المشكلة:
وكشف "جمعة" عن أن اشتراط وقوع الطلاق بالذهاب إلى المأذون موجود بالقانون منذ عام 31، ولم يحل المشكلة حيث نصت المادة الخامسة بضرورة توثيق الطلاق عند المأذون خلال 30 يومًا من التطليق وإلا يحبسه القاضي.

الطلاق الشفوي بريء من انفصال الأزواج:
واستطرد: أن نسبة الطلاق لم ترتفع في مصر؛ بسبب الطلاق الشفوي وإنما ارتفعت عند المأذون حيث إنها كانت 13% حسب إحصائية وزارة العدل، وأصبحت الآن 40%، لافتًا إلى أن القول بإن الطلاق الشفوي لا يقع "عبث"، وعدم دراسة المشكلة على وجهها الحقيقي. 

ولفت المفتي السابق، إلى أنه لو افترضنا جدلًا أن الطلاق الشفوي لا يقع كما يقول البعض، فهذا لن يساعد على خفض نسبة الطلاق؛ لأن الذي طلق فهو طلق أمام المأذون أصلًا، لافتًا إلى أن الطلاق الشفوي يجب دراسته ويكون لدينا إحصاءات وبيانات.

لماذا كل هذه الهيصة؟
وصرح بأن 3300 سؤال عن الطلاق وردت إلى دار الإفتاء منها 3 حالات كانت طلاقًا فقط، والتي وقعت لعدم توافر الشروط الشرعية، متسائلًا: "لماذا كل هذه الهيصة على الطلاق الشفوي"، مؤكدًا أنه في حالة خروج فتوى بعدم وقوع الطلاق الشفوي سنكون أضحوكة الشرق والغرب، وسنجد عوام الناس في الصباح نجد الرجل يقول لزوجته "اعملي طبق فول وإذا تأخرت يقول لها انتي طالق، وإذا سألته انت طلقتني سيرد الزوج قائلا: "بهزر معاكي". 

فتنة في المجتمع:
وأكمل: "وقد تستغل زوجة تكره زوجها هذه الكلمة بأنها طلقة، وقد تكون ثالثة فتمنع نفسها منه، وتذهب للمحكمة وتصبح فتنة في المجتمع، لا قبل لنا عليها وتصبح "مصيبة سودة" وتربية للناس على المشاكل وستقع مصر في مستنقع من المشاكل".

التوثيق شرط لوقوع الطلاق:
من جانبه، رأى الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الزواج الذي تم توثيقه عبر المحكمة لابد أن يكون الطلاق منه أيضًا عبر المحكمة، منبهًا على أن الطلاق الشفوي لا يقع إلا إذا كان الزواج موثقًا في محكمة أو أمام مأذون، كمن يقول لزوجته أنتِ طالق لا يقع إلا أن يكون ذلك أمام مأذون

وأضاف "الهلالي" خلال لقائه ببرنامج "كل يوم" في تعليقه على فتوى الدكتور علي جمعة، المفتي السابق، الذي قال فيها: "إلغاء الطلاق الشفوي عبث، والفتوى بعدم وقوعه يجعلنا أضحوكة الشرق والغرب"، أن كلام الدكتور علي جمعة صحيح ولكن مع الزواج الذي لم يوثق في المحكمة أما الذي يوثق فلا بد أن يكون عند مأذون.

واستدل أستاذ الفقه، على ضرورة توثيق الطلاق الشفوي، بقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ" (سورة الطلاق الآية: 1)، مُتسائلًا: "هل تحتسب مدة العدة الـ3 أشهر من وقت التلفظ بالطلاق، أم بعد إصدار المحكمة حكمها بالانفصال؟"، موضحًا أن العدة تبدأ بعد إصدار القاضي الحكم، فإذن: "الطلاق الشفوي لا يقع إلا بالتوثيق". 

وأشار إلى أنه لا عدة على المطلقة قبل الدخول بها، مصداقًا لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا" (سورة الأحزاب الآية 49)، مُتسائلاً: "هل تتزوج المطلقة في هذه المسألة بعد تلفظ الزوج بالطلاق، ويحق لها الزوج من آخر، أم لا بد من صدور حكم المحكمة؟"، موضحًا أنه لا بد من حكم القاضي هو الذي يفك العلاقة الرسمية بين الزوجين لكي تستطيع المرأة الزواج من غيره.

"هنضحك على بعض":
وهاجم أستاذ الفقه المقارن، المعارضين على فتواه بعدم وقع الطلاق الشفوي إلا موثقًا عند مأذون، قائلًا: "هنضحك على بعض ولا إيه الشعب لازم يفوق ويرد على الذين يريدون تغييبه، فعلى الشعب أن يعرف الأحكام التي تناسب ويرمى الأخرى".

تغييب وعي المصريين:
وألمح إلى أن هناك مسئولين عن تغييب وعي المصريين في حكم الطلاق الشفوي قبل عام 1931، مشيرًا إلى أن الزواج والطلاق كانا شفوين، ولكن بعد هذا التاريخ شهدت مصر حضارة التوثيق، وصدر مرسوم يقر بتوثيق الزواج والطلاق.

وتابع: "الفقهاء حينها اعترضوا على توثيق الزواج واعتبروه اعتراضًا للدين، مشيرًا إلى أن كل الأمور المالية والأحوال الشخصية تشترط التوثيق عدا الطلاق يعيش فيه المصريون على الماضي وهو الطلاق الشفهي".

واختتم: "الدولة المصرية حاولت طمأنة المصريين الذين وثقوا في الزواج بعد عام 1931، بتقديم خدمات كثيرة لهم وضمان حقوقهم ما جعل المصريين يشعرون أن التوثيق، ضمان لهم علي عكس من كان يتزوج شفهيًا".

حقوق الزوجة تضيع 
وقال الدكتور عمرو حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، إنه لا ينكر أن الطلاق الشفوى واقع، ولكن يستحب توثيقه كما قالت هيئة كبار العلماء.

وأضاف حمروش، أن حقوق الزوجة تضيع بسبب الطلاق الشفوى، موضحا أن الزوج يطلق زوجته شفويا ويماطل للامتناع عن إعطائها حقوقها، وأن هناك مئات القضايا أمام المحاكم لإثبات الطلاق.

ولفت أمين سر لجنة الشئون الدينية، إلى أنه يعد مشروع القانون الخاص بتنظيم الطلاق ، وسيتم استطلاع رأى هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء فى مشروع القانون، مضيفا: نحتاج إلى اجتهادات فكرية معاصرة، مشيرا إلى تزايد اطفال الشوارع بسبب ارتفاع الطلاق.

تجرؤ على حرمة الله وحدوده
بينما رأى مستشار وزير الأوقاف المصري صبري عبادة أن ما تدعو إليه القوى السياسية بإقامة مشروع لا يجيز الطلاق إلا بوثيقة هو "تجرؤ على حرمة الله وحدوده"، لأن الطلاق هو ملك الرجل وحمى الإسلام الطلاق بسياج بأن يكون في كامل قواه العقلية أو أن يكون هناك سبب لإنهاء العلاقة أو باستحالة العشرة.

وأوضح عبادة، أن الفقهاء أقروا أن العلاقة بين الرجل والمرأة في الزواج مشافهه بالإيجاب والقبول وإشهار الشهود على ذلك، وأيضا نفس الأمر بالنسبة للطلاق، وعليه تنقضي العلاقة بين الرجل والمرأة بلفظ، حيث لم يكن في السابق أوراق رسمية تؤكد ذلك، وهو ما حدده القرآن الكريم.

وأضاف: "إذا أقر القانون الطلاق الإيجابي أمام موثق، ولم يعترف بالطلاق الشفهي فقد خالف ما عليه القرآن والسنة وإجماع الأئمة، بأن يستمر الزواج على غير ما أحل الله، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد بينهم الطلاق، وذلك لحماية الزواج بيت الرجل والمرأة وقدسية العلاقة".

القانون تحت الدراسة
فيما أكد الدكتور محى الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أن قانون تنظيم الطلاق الشفوي ما زال محل دراسة منذ عدة أشهر من جانب المعنيين بالأزهر، مشيرا إلى أن إصدار القانون يعالج أعراض ارتفاع نسب الطلاق وليس السبب الرئيسي، إذ تتعدد الأسباب سواء من غياب منظومة القيم في المجتمع واختلال معايير الزواج، كما أن للإعلام والمناهج التعليمية والتربوية دور كبير في معالجة الأمر.

وأضاف أن الأزهر الشريف يدرس القانون منذ عدة أشهر وسيتم الانتهاء منه قريبا، ويبقى الشق التشريعي خاصة وأن المسألة جدلية وحساسة للغاية.

القوانين ستحد من الطلاق
أما الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ترى أن ظاهرة الطلاق انتشرت في الحضر بمعدلات غير طبيعية بعد أن كانت قاصرة على البيئات البسيطة، وأرجعت ذلك إلى هجرة السكان من الريف إلى الحضر.

وأضافت أن سن تشريعات وقوانين بشأن الطلاق الشفوي قد يحد من هذه الظاهرة تدريجياً، وتجعل الرجل يراجع نفسه، كما ستؤمن المرأة من إنكار الزوج للطلاق أمام المحاكم. 

وتابعت أن ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع المصري لا ترجع فقط لأسباب اقتصادية ولكن لظروف اجتماعية أيضاً سواء لغياب الأم وتغيير المحتوى الإعلامي ونزول المرأة للعمل والشعور بالندية مع الرجل.

الطلاق الشفوي سيخلق مشكلات
وقال عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا، أن الطلاق الشفوي يقع أما قانونا لا يقع لافتا إلى أن قانون الطلاق الشفوي سيخلق مشكلات لا حصر لها منها أن يطلق الرجل زوجته عدة مرات ولا يقوم بتوثيق الطلاق.

وأضاف أن "توثيق الزواج ظهر حديثا في مصر عام 1931 عندما استذئب بعض الرجال وانعدمت القيم والأخلاق بأن شرعت الدولة بضرورة توثيق الزواج للحفاظ على الزوجة وأولادها". وتابع أن دعوة الرئيس لتوثيق الطلاق تحدث عن 40% نسبة الطلاق وهي نسبة موثقة أما غير الموثق لا يعلمه إلا الله، داعيا لمعالجة أسباب الطلاق بدلا من البحث عن الطلاق الشفهي أو الموثق.