الزي المغربي .. يسترجع مجده في متحف البطحاء بفاس

كان عرض الأزياء الذي أقيم بمتحف البطحاء بفاس بمثابة سفر عبر الأزمنة، من خلال استعراض متحف بلغازي لتشكيلة من اللباس المغربي يرجع تاريخها إلى الفترة بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين من مختلف مناطق المغرب.


يقول عبد الاله بلغازي حفيد سلالة بلغازي التي عرفت باهتمامها بتجميع التراث المغربي منذ القرن الثامن عشر «تضم تشكيلة الأزياء التي تم عرضها بمناسبة الاحتفاء باثني عشر قرنا من تاريخ المملكة قفاطين نادرة مشكلة من أثواب بعضها انقرض تماما، مثل قفطان «الملس» الذي كان أصلا للرجل قبل ان تأخذه المرأة. فالرجل آنذاك كان يلبسه عنوانا لفروسيته وانتمائه لأعيان القوم. وأهم خاصية لقفطان «الملس» أنه مصنوع من أقمشة فخمة يغلب عليها القماش المقصب «البروكار» الذي تتداخل فيه خيوط الحرير بخيوط الذهب».

ويتابع بلغازي: «كان يوظف لهذه الغاية ذهب من عيار 21 في القرن الثامن عشر، وأحيانا يعوض بالفضة الذهبية، وظل الأمر على هذا الحال إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. أما الآن فيستعمل ما يسمى بالخيط المذهب الذي نطلق عليه «الصقلي».

متحف البطحاء كان ايضا مسرحا لاستعراض الملابس البربرية التي تعتمد على تقنية النسج، سواء على مستوى الزي الأساسي أو «الحايك» الذي تتدثر به المرأة كقطعة إضافية، بينما تطرز «العصابة» (للرأس) والحزام بالحرير. وتجدر الإشارة إلى أن التطريز بالحرير كان خاصية قديمة امتاز بها البرابرة، وكان اليهود المغاربة وبتأثير من الثقافة التركية هم الذين استجلبوا تطريز النطع بالذهب، السائد حاليا. كان ذلك في القرن الثامن عشر.

ويشير بلغازي الى أنه لا يمكن تجاهل حلية أساسية مصاحبة للأزياء القديمة تسمى بالخلالة وهي تشبه إلى حد كبير المشبك، وتأخذ تسميات مختلفة حسب المناطق. في منطقة تيزنيت، جنوب المغرب، مثلا، تدعى كاوكا وتتخذ شكل مثلث، وفي مدينة الخنيفرة يطلق عليها العنبرية، لأنها تأتي على شكل دائرة محشوة بالعنبر، وفي مكناس تتكون من الذهب الخالص ترصعها أحجار كريمة كالزمرد والمرجان.

في ختام هذه الفعالية، تم عرض تشكيلة خاصة بأزياء العرسان في القرن التاسع عشر، حيث كانت العروس ترتدي «اللبسة الكبيرة» وهو الزي الذي تنتقل به يوم العرس من بيت أبيها إلى بيت زوجها، ويتكون من ثلاث قطع: القفطان، البدعية وتنورة مطرزة، وتجمع القطع الثلاث «مضمة الفكرون» وهي الحزام الذي كان الرجل يحمله كرمز للوجاهة الاجتماعية، ويتفنن في زخرفته ونقشه، إلى أن اهتدى إلى ربطه بقفل يشبه السلحفاة لذلك أطلق عليه اسم «الفكرون» وهو السلحفاة باللهجة المغربية.

ويذكر أن انتقال الحزام من الرجل للمرأة جاء بالتدريج، حيث كانت المرأة في البداية تتباهى وتتفاخر به كعنوان على فروسية الزوج، فكانت الواحدة منهن تستعيره من زوجها حينما ترغب في حضور بعض المناسبات كدليل على وجاهته وشجاعته، لكن سرعان ما بدأت تستعمله كإكسسوار خاص بها. فيما يخص العريس، فقد كان يلبس ما يعرف بـ «فرجية» ويطلق عليها في مدينة سلا «كسوة» تتكون من سروال وصديري، وهو زي يشبه إلى حد كبير لباس البحارة.

ولأن الزي اليهودي المغربي مكون أساسي من هوية تاريخ الأزياء بالمغرب، فقد كان له حضور قوي بمتحف البطحاء عبر تشكيلة المغربي ألبير واكنين، الذي قدم مجموعة خاصة بالعروس تمثل مدينتي فاس وجدة.

يقول ألبير : «حاولت أن أزاوج بين القصات الحديثة والتقنيات القديمة، حيث اعتمدت طرز «النطع» بالخيوط الذهبية على قماش المخمل في فستان العروس. اما بخصوص الفستان اليهودي القديم فاحتفظت أيضا بالجانب العتيق، مع حرصي على تحديثه حتى أحقق استمراريته في عصرنا الحالي، وما زال الكثير من اليهوديات المغربيات يلبسنه في حفل الزفاف».

اما المصممة فضيلة برادة فتمكنت من استحضار الكثير من مفردات القفطان التي اندثرت والتي كانت تنسج من قبل الصانع التقليدي وتوظيفها في قفاطين ذات قصات حديثة تعتمد هي الأخرى الحرفية القديمة، التي تحاول فاس وغيرها من المدن الحفاظ عليها كتراث. فضيلة أكدت هذه الرغبة بقولها: «غيرتي على اللباس المغربي التقليدي كبيرة حتى لا يندثر وحتى تبقى أصالته».

من ارشيف متحف بلغازي وقفطان مغربي تقليدي من القرن الثامن عشر وحلي من الذهب الخالص مرصع بالأحجار الكريمة من القرون القديمة