ولد أم بنت.. الحقائق والأوهام في تحديد جنس المولود

الرغبة في التحكم في اختيار جنس المولود كانت ولا تزال إحدى الأمنيات لدى كثير من الناس، ولكلٍ أسبابه المختلفة، ومن وقت لآخر تطرح آراء متباينة لهذا الأمر، منها المؤيدة ومنها المعارضة، جريدة الشرق الاوسط  طرحت هذا االموضوع للنقاش، ونقوم بنقل ملخص النتائج. 


اشارت دراسة بريطانية نشرت حديثا الى ان نوعية الغذاء تساهم في تحديد جنس المولود ذكرا كان أم انثى.

ولإبداء الرأي في هذه القضية لا يكفي النظر إلى النواحي الأخلاقية أو الشرعية لعملية اختيار جنس المولود فقط، بل إلى المفهوم الأعمق لهذا الأمر، وهو ما يمكن ان يتيحه ما حدث وسيحدث من تطور طبي وتقني في اختيار صفات أخرى في الجنين، غير الجنس، وذلك قبل زراعته في الرحم.

إدعاء ام حقيقة
يؤكد الدكتور خالد علي المدني، استشاري التغذية العلاجية ونائب رئيس الجمعية السعودية للغذاء والتغذية، على اختلاف الاحتياجات الغذائية بين الإناث والذكور وذلك من المغذيات المختلفة، أي الفيتامينات والمعادن والبروتينات والدهون والكربوهيدرات وكذلك الماء.

ويشير د.المدني الى أن احتياجات المرأة من تلك المغذيات، عادة، أقل من الرجل لعدة عوامل، أهمها: اختلاف تركيب مكونات جسم الرجل عن المرأة، حيث تزيد نسبة الدهون في المرأة فتصل حوالي 27% في حين تصل عادة في الرجل 15% .

وتزيد نسبة الانسجة العضلية في الرجل عن المرأة، كما تصل نسبة السوائل في الرجل البالغ 57% في حين تصل في الأنثى البالغة 47% من حجم الجسم.

كما أن حجم المرأة عادة ما يكون أصغر من حجم الرجل، ويقل معدل الطاقة اللازمة للتمثيل الأساسي للمرأة عن الرجل، وهي الطاقة اللازمة للمحافظة على أداء الجسم لبعض العمليات الحيوية الضرورية مثل ضربات القلب، والتنفس، والمحافظة على درجة حرارة الجسم وغيرها، وهذه الطاقة تمثل ما بين 60 إلى 70% من الطاقة الحرارية التي يستهلكها الإنسان.

ويقول د. المدني إن الأبحاث تؤكد وجود اختلاف في نسبة حدوث بعض الأمراض أو المشكلات التغذوية المرتبطة بتناول الأطعمة والتي لها علاقة بالناحية العصبية مثل فقدان الشهية العصابي (القهم العصابي)، والنهام العصابي حيث يصيب الاناث بنسبة أعلى من الذكور. وهناك أمراض أو مشكلات تغذوية تظهر بنسبة أعلى في المرأة عن الرجل.

وقد يرجع ذلك إلى التغييرات الوظائفية (الفسيولوجية) التي تحدث للمرأة خلال مراحل الحياة، فنجد مثلاً زيادة نسبة الإصابة بأنيميا عوز الحديد نتيجة حدوث الدورة الشهرية وكذلك الحمل، وزيادة نسبة الاصابة بهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث عند المرأة نتيجة عدم توفر هرمون الاستروجين في هذه المرحلة العمرية. وقد يؤدي الافراط أو العوز لبعض الفيتامينات والمعادن للمرأة الحامل إلى ظهور تشوهات خلقية للجنين.

الاطعمة والجنين
يؤكد د.المدني أن الأبحاث والدراسات المبنية على الأسس العلمية لتدعيم هذه الادعاءات غير كافية للتعميم بوجود أطعمة معينة لتحديد جنس الجنين.

وحول الدراسة المشتركة، بين جامعتي اكسيتر واكسفورد البريطانيتين، والتي نشرَت في مجلّةَ الجمعية الملكيةِ للإجراءاتِ الاجتماعية ـ البريطانية the journal Proceedings of the Royal Society: والتي قدمت أول الأدلة على أن نوع المولود مرتبط بالنظام الغذائي للام وأن تناول قدر أكبر من السعرات الحرارية مرتبط بولادة الذكور.

أوضح د. خالد المدني أن هذه الدراسة تتعارض مع بعض أساسيات التغذية، حيث تفيد الباحثة البريطانية أن النساء اللاتي لا يتناولن وجبة الإفطار، يتناولن وجبات قليلة السعرات، في حين أن الحقيقة العلمية تفيد أن الأفراد الذين لا يتناولون وجبة الإفطار، يميلون إلى زيادة المتناول من الدهون خلال اليوم مما يزيد نسبة الكوليسترول في الدم، والإصابة بالسمنة. كما أن عدم تناول وجبة الإفطار يؤدي إلى ظهور أعراض الجوع في فترة الضحى.

ويضيف د. المدني أن عامل الصدفة واضح من الناحية الاختصاصية، لا سيما أن النسبة تكون أقرب إلى 50%، سواء كان ولدا أو بنتا.

مع ملاحظة أن الساعة التي لا تعمل، تكون مضبوطة في اليوم مرتين وذلك نتيجة الصدفة فقط، فما بال الإنسان في موضوع احتمال حدوث ولادة ولد أو بنت تكون أقرب إلى 50%.

فحص العيوب الجينية
يعرض الاستاذ الدكتور حسن نصرت، استاذ أمراض النساء والولادة رئيس وحدة طب الأجنة ورئيس وحدة الأخلاقيات الطبية والحيوية بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز، وقبل مناقشة قضية اختيار جنس المولود، بعض جوانب هذه التقنية بصورة مختصرة، فيوضح أن امكانية تحديد جنس الجنين قبل زراعته في الرحم هي إحدى النتائج الأولية التي ظهرت نتيجة التقدم التقني في كل من علم الجينات وعلم الأجنة، ومع استمرار التقدم تعدى الأمر معرفة جنس الجنين ليشمل أيضاً امكانية دراسة التركيب الجيني (الوراثي) للجنين والتعرف على ما يحمله من صفات وراثية سليمة مثل لون البشرة، الطول، الذكاء.. الخ، أو صفات مرضية أو حتى مدى قابلية الإصابة بالأمراض المستقبلية مثل داء السكري، تصلب الشرايين، الأمراض السرطانية أو حتى السمنة.. وغيرها.

وكلما اكتشف العلماء المزيد من تفاصيل الخريطة الجينية (الوراثية) للانسان كلما أمكن التعرف على تركيب ومواقع جينات وراثية أكثر.

ويشير أ.د. نصرت الى أن معرفة الصفات الوراثية للجنين قبل زراعته في الرحم تعطي أملاً كبيراً وجديداً لأسر كثيرة كانت تعاني من أمراض وراثية لا توجد وسيلة لتشخيصها قبل الولادة إلا بعد مرور عدة أشهر من الحمل وبالتالي لا يكون هناك حل إلا اسقاط هذا الجنين مع ما يصاحب مثل هذا القرار من محاذير طبية وشرعية. والأمل انه في المستقبل لن يتوقف الأمر فقط على التشخيص بل يتطور إلى علاج الجينات المعيبة.

تشخيص دقيق
ويشرح أ.د. نصرت عملية التشخيص الجيني للجنين قبل زراعته في الرحم، بأنها عملية تحتاج إلى درجة عالية من الخبرة والدقة، وأنها عملية مكلفة تقنياً، ومادياً، وصحياً.

فمن الناحية التقنية، فهي تتم من خلال تقنية الاوعية المختبرية (اطفال الأنابيب) بما يعنيه ذلك من متطلبات تقنية، ثم يجئ التحليل الجيني للخلايا الذي يتطلب مستوى أعلى من الخبرة والأجهزة التقنية التي لا تتوفر إلا في نسبة ضئيلة من مراكز أطفال الأنابيب، وهذا لا شك ينعكس على التكاليف المادية حيث تتضاعف تكاليف عملية أطفال الأنابيب المرتفعة أصلا.

أما من الناحية الصحية، فإن على الأم ان تتعرض للعلاجات وكل الاجراءات المتبعة في عملية أطفال الأنابيب ومما تتضمنه من محاذير صحية ونفسية على المديين القريب والبعيد وبالذات إذا أخذ في الاعتبار ان نسبة نجاح الحمل عن طريق تقنية اطفال الأنابيب لا تزيد في حدود المتوسط عن 25 في المائة مما يستلزم عادة إعادتها مرة بعد أخرى.

هل يجوز من الناحية الاخلاقية والشرعية الموافقة على اختيار الجنين قبل زراعته في الرحم لمجرد تلبية رغبة أو هوى لدى الزوج أو الزوجة؟ وهل يجوز ان تهدر الصحة والأموال من أجل ذلك؟ وهل هذا يتفق ومقاصد الشرع من حفظ للنفس والنسل والمال؟

يجيب أ.د. حسن نصرت: بأنه لو فرض أن أجاز أحدهم ذلك، فهل من العدل ان يحرم من تحقيق هذه الرغبة غير القادر ماديا، وتكون فقط حكرا للقادرين على تحمل تكاليفها؟ ويتساءل: ماذا نفعل بالأجنة الاناث؟ وهل يجوز التخلص منها لمجرد انها اناث؟

الجنين يتحدد بكروموسومات الأب: الدراسة البريطانية مشكوك فيها.. وبياناتها تفتقد إلى الثقة

علق الدكتور صداح أنور عشقي، نائب مدير الخدمات السريرية ومدير قسم التغذية العلاجية الطبية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، على الدراسة البريطانية الأخيرة بأنها ركّزتْ على 740 إمرأة من المملكة المتحدة حملن للمرة الأولى، وتم الاطلاع على سجلاتِ عاداتِ أكلهن قبل الحمل وأثناء المراحلِ المبكّرةِ للحملِ.

وجد الباحثون في تلك الدراسة أن 56 % مِنْ النِساءِ اللاتي تناولن سعرات حرارية أعلى حول وقت الحمل رزقن ذكورا، مقَارنَة مع فقط 45 % من النِساءِ اللاتي تناولن كميةِ أقل.

كان متوسط كمية السُعرات الحراريةِ للفئة الأولى من النِساءِ 2413 سعرة حرارية في اليوم، مقَارنَة بـ 2283 سُعرة حرارية في اليوم للنِساءِ اللواتي كَانَ عِنْدَهُنّ بناتُ. النِساء اللواتي كَانَ عِنْدَهُنّ أبناء كَنّ على الأرجح قد أَكلنَ كمية أعلى ومدى أوسع مِنْ المواد المغذّيةِ، متضمنة البوتاسيومِ والكالسيومِ وفيتاميناتِ سي، إي، وبي 12.

ويشير د.عشقي إلى أنّ هذه الدراسة قامت على 740 إمرأة، وقسّمن الى مجموعتَين، وأن البيانات استندت إلى إفادة المشاركات أنفسهن في الدراسة عن كميةِ الغذاءِ التي تناولنها، مما جعلها عديمة الثقةَ.

وأن إحصائيات الدراسةَ لَها هامش خطأ 4 %، لذا فإن كامل الدراسةِ مشكوك فيها لأنها قريبة من الخطأ.

إن اختبار العلاقة بين نتيجة مُعطاة محددة في أية دراسة، وتؤثر عليها العديد مِنْ العواملِ المختلفةِ، يكون فيها احتمال ظهور أحد الاختباراتِ أكبر بقليل من هامشِ الخطأ عاليا. ومع ذلك، إذا لم تكن العلاقة ذات أهمية احصائية، فلا يتم الأخذ بها في التقرير.

إن جنس الجنين يُحدد جينياً بواسطة الحيوان المنوي من الأب الذي يحمل الكروموسوم X أو Y. وتبعا لنتائج هذه الدراسة، فإن النِساءَ زائدات الوزن سوف يُنجبنَ أطفالا ذكورا أكثرَ بشكل غير متكافئ، وهو أمر لَيسَ حقيقيا.

وحيث أن مرض السكرِي يتميز بوجود مستويات أعلى مِنْ الغلوكوزِ، فهَلْ الأمهات المصابات بمرض السكّرِي، ولا يحظين بالسيطرةِ الجيدة على المرضِ، تكون فرصتهن أكبر لولادة أطفال ذكور؟

الخلاصة:
إن الدِراسات التي تَتعلّقُ بتأثيرِ الغذاء على نوع جنسِ الجنين لَمْ تتبنّاها أيّة جمعية صحيةِ في العالم لعدم توفر البيانات الكافية لاثباتها كسبب مؤثر فعال.

وعليه، فيَجِبُ على الناس أَنْ يُركّزوا على العادات الغذائية الصحيةِ وأن يُمارسوا التمارين البدنية فهما المعنيان بنوعيةِ الحياةِ. الخريطة الجينية.. امكانات كبيرة في اختيار الجنين >وماذا بعد اكتمال اكتشاف الخريطة الجينية للانسان؟

يجيب أ.د. نصرت: بأن ذلك سيمكننا من التعرف على الجينات الحاملة لصفات اخرى غير صفة الجنس، وقد يجيء من يطلب استخدام تقنية الفحص الجيني للجنين قبل الزراعة لاختيار مواصفات خاصة لابنائه مثل لون العين أو طول القامة او درجة الذكاء.. الخ، مدعيا ان هذا قد لا يختلف كثيرا عن حقه في اختيار الجنين طالما انه سيدفع الثمن.

وقد يتعقد الأمر أكثر اذا تبين اثناء الفحص الجيني ان الجنين لديه قابلية او احتمال للاصابة بامراض وراثية في المستقبل البعيد مثل داء السكري أو تصلب الشرايين او ارتفاع ضغط الدم او حتى داء السمنة. فما العمل هل تتم زراعته في الرحم أم التخلص منه لصالح جنين آخر «سليم».

لا شك أنَّ، لاكتشاف الخريطة الجينية للانسان ولتقنية الفحص الجيني للجنين قبل زراعته في الرحم، ايجابياتٍ كثيرة؛ وأنَّ هناك أيضا محاذير وسلبيات يمكن ان تحدث نتيجة سوء استخدام هذه التقنية.

لذا لا بد من وضع حدود لاستخدام التقنيات الحديثة وعدم فتح المجال لأمور لا تحمد عقباها، وقد لا تتماشى مع مقاصد الشرع المعروفة.

فاستخدام هذه التقنية، قد يكون فقط البداية، وحتى لو توقف الأمر عند اختيار جنس الجنين فهو أيضا اهدار للمال وتعريض النفس للخطر بلا مبرر شرعي. ونشير الى المجمع الفقهي في دورته الأخيرة، حسم قضية اختيار جنس المولود بالرفض إلا بالوسائل الطبيعية.