لماذا يصاب الأطفال بحساسية الطعام أكثر من البالغين؟

عند الحديث عن حساسية الطعام (food allergies) من المنطقي أن تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة مثل: لماذا يصاب الأطفال على وجه التحديد بحساسية الطعام أكثر من البالغين؟ وما هي تلك الحساسية؟ وما أعراضها وخطورتها؟ وهل يمكن علاجها أم أنها سوف تلازم الطفل مدى الحياة؟ 


وهذه الأسئلة كانت موضوع الدراسة الحديثة التي نشرت في شهر يناير (كانون الثاني) من العام الجاري والتي حاول فيها الباحثون الإجابة عن هذه الأسئلة بشكل قد يساهم في علاج الحساسية في المستقبل القريب، خصوصا أن عدد الأشخاص الذين يعانون من حساسية الطعام في بلد مثل الولايات المتحدة يبلغ 15 مليون نسمة ومنهم كثير من الأطفال.

حساسية الطعام
على الرغم من أن حساسية الطعام في الأغلب مرض بسيط ولا يسبب أكثر من مجرد طفح جلدي، فإنه في بعض الأحيان يمكن أن تحدث مشكلات صحية غاية في الخطورة يمكن أن تودي بالحياة. وتكمن مشكلة حساسية الطعام في أن هناك بعض الأنواع المعينة من الطعام يتم تعامل الجسم معها على أنها جسم غريب وضار، وبالتالي يبدأ جهاز المناعة في الدفاع عن الجسم من خلال عدد من التفاعلات المعينة (الحساسية)، والتي قد تسبب احمرار العين وبعض الدموع وطفحا جلديا أو تورما في الجلد وغيرها.

وكشفت الدراسة التي قام بها باحثون من مركز لايولا للحساسية والمناعة (La Jolla Institute for Allergy and Immunology) بولاية سان ديياغو الأميركية عن الكيفية التي تنشأ بها الحساسية في الأشخاص العاديين الذين لا يعانون من أنواع أخرى من الحساسية، خصوصا أن الأطفال وهم الفئة الأكثر عرضة لحساسية الطعام لا يتعرضون لأطعمة جديدة بنفس القدر الذي يتعرض له البالغون. 

واعتمدت الدراسة على فرضية أن الطعام الطبيعي اليومي يمكن أن يخلص الجسم من الحساسية عن طريق استثارة خلايا معينة في الأمعاء تمنع التفاعل المناعي، ولكن كان على الباحثين معرفة إذا كانت هذه الفرضية صحيحة أم لا، خصوصا أن معظم الأطفال يتخلصون من الحساسية عند البلوغ.

وأجريت التجربة على فئران التجارب لمعرفة إذا كان الجسم قادرا على تمييز الجسم الغريب (الأنتيغين antigen) على أنه صديق أو عدو، وقاموا بإطعام الفأر ببروتين البيض، وهو طعام لم يكن الفأر قد تناوله من قبل. ولاحظ العلماء أن هناك خلايا جديدة يتم إنتاجها في الأمعاء Treg cell قادرة على تثبيط التفاعل المناعي للمادة الجديدة التي تدخل الجسم، ولم يكن من المعروف إذا كان هذا المنوال سوف يسري على بقية الثدييات حينما يتم إدخال أطعمة جديدة أم لا.

وقام الباحثون بتربية فئران دون احتوائها على أي ميكروبات حتى المفيدة منها (germ free)، وقاموا بتغذيتها بالأحماض الأمينية فقط (amino acids)، وهي الوحدة الأساسية المكونة للبروتين الموجود في الطعام، ولكنها ليست البروتين نفسه بديلا عن الطعام الطبيعي الذي يحتوي على البروتين. 

ونظرا لأن الأحماض الأمينية ليست كبيرة الحجم مثل البروتين بالشكل الذي يمكن الجهاز المناعي في الجسم من التعرف عليها، أصبح الجهاز المناعي على دراية مناعية ضعيفة، أو بمعنى آخر لم يتمكن الجهاز المناعي التعرف على الأنتيغنات الجديدة لأن الجزيئات التي تعرض لها مسبقا لم يتم التعرف عليها بشكل كاف «immunologically naïve»، وفي نفس الوقت كانت هناك مجموعة أخرى من الفئران تمت تربيتها أيضًا دون ميكروبات ولكن على عكس المجموعة الأولى تمت تغذيتها بالطعام العادي.

تفسير الحساسية
وقام الباحثون بعد ذلك بفحص خلايا المجموعتين، وكانت النتيجة أن الفئران التي تمت تغذيتها بالأحماض الأمينية لم تنجح في تكوين الخلايا الجديدة في الأمعاء المقاومة للتفاعل المناعي بينما في الفئران الأخرى نمت هذه الخلايا وتكاثرت بشكل كبير، وهذا الأمر يشير إلى أنه كلما احتوى الطعام على البروتين كان ذلك محفزا لإطلاق عدد أكبر من الخلية المثبطة للتفاعل المناعي، وأن هذه الخلايا الموجودة بالفعل داخل الجسم كفيلة بمنع الحساسية دون علاج خارجي، وأن الطعام والبكتيريا المفيدة الموجودة في الأمعاء هي المتسببة في إنتاج هذه الخلايا (Treg cell). 

وكان واضحا أن الفئران التي كانت خالية من الجراثيم كان اعتمادها الوحيد لتكوين الخلايا على الطعام فقط لعدم وجود البكتيريا المفيدة التي تنتج عدة أنواع من هذه الخلايا، ولذلك كانت هذه الفئران أكثر عرضة للإصابة بالحساسية، وذلك ببساطة لعدم تنوع الخلايا المدافعة عن الجسم، والذي يفيد في التعامل مع أنواع مختلفة من الطعام.

وهذه الدراسة تفسر لماذا يصاب الأطفال أكثر من البالغين بحساسية الطعام نظرا لأنهم في الأغلب يفتقدون التعدد في أنواع الطعام المختلفة التي يتناولها البالغون مما يجعل الجهاز المناعي لديهم أقل خبرة في التعامل مع الأطعمة الجديدة، وذلك خلافا لاعتقاد عامة الآباء، إذ إن كثرة التعرض لأنواع مختلفة من الطعام تجعل الجهاز المناعي يتعامل معها على أنها آمنة وغير مضرة أو أنها أجسام غريبة. 

ويعكف الفريق الطبي حاليا على دراسة أنواع معينة من الطعام لمعرفة لماذا تكون هي بالتحديد أكثر من غيرها سببا للحساسية مثل الفول السوداني والبيض والشوكولاته وغيرها.