هل يوجد علاقة بين تناول الكافيين .. واضطرابات إيقاع نبض القلب؟

قد تكون هناك أخبار جيدة لمحبي القهوة والشاي والشوكولاته، مفادها أن «تناول الكافيين Caffeine قد لا يسبب اضطرابات خطيرة في انتظام إيقاع نبض القلب Cardiac Rhythm»، حسبما وجدت دراسة طبية جديدة للباحثين من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو تم نشرها ضمن عدد يناير (كانون الثاني) من مجلة رابطة القلب الأميركية. 


وعلق الدكتور جريجوري ماركوس، الباحث الرئيسي في الدراسة ومدير الأبحاث السريرية في قسم طب القلب في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، قائلاً: «يجب إعادة النظر في النصائح الإكلينيكية ضد الاستمرار في تناول المنتجات المحتوية على الكافيين بغية منع حصول اضطرابات نبض القلب، لأننا بذلك وبلا داع نثبط استهلاك منتجات كالشوكولاته والقهوة والشاي التي بالفعل لها فوائد صحية للقلب».

الكافيين والقلب
شملت الدراسة نحو 1400 شخص من الأصحاء، تمت متابعتهم لمدة سنة لتقييم تناولهم للقهوة والشاي والشوكولاته، وكانوا يضعون جهازًا محمولاً لرصد نبض القلب طوال الوقت.

وتبين للباحثين أن منْ استهلكوا كمية أكبر من الكافيين لم تظهر لديهم دقات إضافية في نبض القلب.

وقال الباحثون: «وكانت هذه أول عينة مجتمعية Community - Based للنظر في تأثير الكافيين على ظهور النبض الإضافي المفاجئ، والدراسات السابقة نظرت في ناس المعروف أن لديهم اضطرابات في إيقاع نبض القلب».

وقال معدو الدراسة إن النتائج تتحدى التفكير الطبي الحالي السائد بين كثير من الأطباء ولدى غالبية الناس حول احتمالات تأثر إيقاع نبض القلب بتناول المشروبات المحتوية على الكافيين، ومع ذلك كما قال الباحثون، لا يزال الإفراط في تناول الكافيين يتطلب إجراء بحوث إضافية.

ومعلوم أن «انقباضات القلب المبكرة» Premature Cardiac Contractions هي أحد أنواع اضطرابات إيقاع نبض القلب، ويرتبط حصولها بارتفاع احتمالات حصول الوفيات والأمراض القلبية، ورغم ربط المتخصصين الطبيين تناول الكافيين بحصول كل من «إنقباضات الأذين المبكرة» Premature Atrial Contractions (PACS) و«إنقباضات البطين المبكرة» Premature Ventricular Contractions (PVCs) إلاّ أنه وفق ما ذكره الباحثون في مقدمة دراستهم لا تتوفر إحصائيات وبيانات تدعم وجود تلك العلاقة فيما بين الكافيين وتلك الاضطرابات في إيقاع نبض القلب لدى عموم الناس. 

ولأن منتجات عدة تحتوي على الكافيين ثبت أن لها فوائد صحية للقلب وللأوعية الدموية فإن من الضرر إصدار توصيات بعدم تناول تلك المنتجات خوفًا من احتمال التسبب باضطرابات إيقاع النبض القلبي. 

وقال الباحثون في محصلة نتائج دراستهم: «في أكبر دراسة لتقييم تأثيرات الأنماط الغذائية وتحديد حصول نبض قلبي مفاجئ أو ما يُعرف بانتباذ القلب Cardiac Ectopy باستخدام مراقبة الهولتر Holter Monitoring لرصد كل نبض القلب على مدار 24 ساعة، لم نعثر على أي علاقة بين الاستهلاك المزمن للمنتجات التي تحتوي على الكافيين وحصول انتباذ القلب».

وقال الباحثون في مناقشات الدراسة إن «القهوة قد تكون من بين المشروبات الأكثر استهلاكا في الولايات المتحدة والقهوة هي المصدر الرئيسي لتناول الكافيين بين عموم البالغين، والتأثير البيولوجي للقهوة قد يكون كبيرًا ولا يقتصر على تأثيرات مادة الكافيين فقط من بين المحتويات الأخرى للقهوة. 

ووفق نتائج الكثير من الدراسات الطبية الحديثة ثمة علاقة إيجابية بين تناول القهوة بانتظام وانخفاض خطورة الإصابة بعدد من الأمراض المزمنة مثل مرض السكري وعدد آخر من عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية مثل السمنة والاكتئاب، وهناك دراسات طبية واسعة رصدت في نتائجها أن منْ يشربون القهوة بشكل معتاد ومستمر لديهم معدلات أقل للإصابةبأمراض شرايين القلب وأمراض الشرايين في بقية الجسم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشوكولاته والشاي والمركبات الأخرى المحتوية على مادة الكافيين يفترض أن يكون لها آثار إيجابية على أمراض القلب بسبب ارتفاع كمية مواد الفلافونويدات ذات الخصائص المضادة للأكسدة إضافة إلى دورها في زيادة إفراز مادة نيتريك أوكسايد ذات القدرة على توسع الأوعية الدموية وتسهيل مرور الدم لتروية الأعضاء المختلفة في الجسم.

كما أن هناك دراسات أظهرت في نتائجها التأثيرات الإيجابية لتناول الشوكولاته الداكنة في توسيع الأوعية الدموية وخفض ارتفاع ضغط الدم. واستطرد الباحثون في عرض مزيد من تلك الفوائد الصحية وخاصة على القلب للمنتجات المحتوية على الكافيين.

اضطرابات النبض
واضطراب إيقاع نبض القلب يشمل أنواعًا متعددة من الاختلافات التي تطرأ على أنظمة ومسارات وانتشار وانتقال الإشارة الكهربائية التي تسري في عضلة القلب، والتي بناء على سريان كهربائها يحصل الانقباض في حجرات القلب المختلفة لضخ الدم المتجمع في كل منها. 

والطبيعي أن تصدر الإشارة الكهربائية من عقدة في الأذين الأيمن ثم تسري أولاً في كافة أرجاء الأذين الأيمن والأيسر ويتهيأ آنذاك الأذينان للانقباض، ثم بعد وقت قصير جدًا تبدأ تلك الإشارة في الانتقال والسريان خلال أرجاء عضلة البطين الأيمن والأيسر، ولذا ينقبض الأذينان أولاً ثم ينقبض البطينان، أي يصدر النبض الذي يحمل كمية من الدم الذي تم ضخه، وهو ما يشعر به المرء عند الضغط برفق على أحد الشرايين كالذي في باطن المعصم. والطبيعي هو حصول إيقاع منتظم ومتوافق ومتكرر لإيقاع نبض القلب.

وحينما يختل هذا النظم الدقيق لسريان الإشارة الكهربائية تحصل أنواع شتى من اضطرابات إيقاع نبض القلب التي يعني حصولها اختلال الترتيب الطبيعي لضخ الدم من الأذينين إلى البطينين ومن بعد ذلك من البطينين إلى بقية أرجاء الجسم، وهو ما قد يعني احتمالات تسبب ذلك بأضرار على تروية القلب بالدم أو تروية الدماغ أو تروية بقية أعضاء الجسم، وما قد يعني أيضًا التسبب باضطرابات كهربائية عالية الخطورة ومهددة لسلامة حياة الإنسان ومهددة لسلامة عمل القلب. 

وصحيح أن معظم حالات اضطراب إيقاع نبض القلب هي بالأصل غير ضارة، ولكن ثمة أنواع منها قد تكون خطيرة أو حتى قد تهدد حياة المصاب. وعندما تكون دقات القلب بطيئة جدًا أو سريعة جدا أو غير نظامية، فقد لا يكون بمقدور القلب أن يضخ ما يكفي من الدم إلى الجسم، وبالتالي يؤدي إلى نقص التروية الدموية لهذه الأعضاء، وهذا بدوره يلحق الضرر بالدماغ وبالقلب وغيرهما من الأعضاء الحيوية.

وتخطيط رسم القلب هو الوسيلة البسيطة لرسم سريان الشارة الكهربائية داخل حجرات القلب في كل نبضة قلبية، وبحسب شكل رسم تخطيط القلب للنبضة الواحدة ولتتابع مجموعة من النبضات خلال فترة زمنية معينة يتمكن الأطباء من تشخيص نوعية الاضطراب الحاصل في إيقاع نبض القلب.

ولذا فإن هذه الاختلافات في إيقاع نبض القلب التي يتم رصدها في تخطيط رسم القلب، يمكن أن تظهر لها أعراض كتسارع أو تباطؤ في دقات القلب، ويمكن أن تظهر لها أعراض في عدم الانتظام الطبيعي في دقات القلب، أو ما يشعر المريض به كخفقان. 

والخفقان بالأصل هو إحساس المرء بنبض القلب، الذي ينبض طوال الوقت دون أن نشعر به عادة. وتختلف اضطرابات النظم فيما بينها بأهميتها وخطورتها على حياة المريض، فمنها ما يعتبر مظهرًا من مظاهر التنوع الذي ليس له قيمة أو دلالة مرضية، ومنها ما يشكل خطرًا على حياة المريض، أو مرضًا لا بد من علاجه.

ومن بين قائمة متنوعة للاضطرابات في إيقاع نبض القلب هناك «انقباضات البطين المبكرة» و«انقباضات الأذين المبكرة» الشائعان نسبيًا، وهما كانا محل الدراسة في بحث الأطباء من جامعة كاليفورنيا محل العرض.

تأثيرات الكافيين
وتشير إدارة الغذاء والدواء الأميركية إلى أن الكافيين هو مادة مرة موجود في القهوة والشاي والمشروبات الكولا الغازية والشوكولاته إضافة إلى بعض الأدوية، وله الكثير من التأثيرات على عملية التمثيل الغذائي في الجسم، بما في ذلك تحفيز الجهاز العصبي المركزي، وهذا يمكن أن يجعل المرء أكثر يقظة ويُعطي جسمه دفعة من الطاقة. 

وبالنسبة لمعظم الناس ليس ضارًا تناول كمية من الكافيين تعادل الموجود في أربعة أكواب من القهوة، ومع ذلك يمكن أن يُؤدي الإفراط في تناول الكافيين إلى مشاكل واضطرابات صحية مثل سهولة النرفزة العصبية وعدم القدرة على النوم والصداع وتسارع نبض القلب وعدم انتظام نبض القلب وجفاف الجسم نتيجة زيادة التبول.

وبعض الناس أكثر حساسية من غيرهم لتأثيرات مادة الكافيين، وعليهم الحد من تناوله.

وتضيف رابطة القلب الأميركية أن الكافيين له الكثير من التأثيرات الأيضية Metabolic Effects، مثل تحفيز نشاط الجهاز العصبي المركزي، وتحفيز إفراز وتحرير الأحماض الدهنية الحرة من الأنسجة الدهنية، ويؤثر على الكلى في زيادة التبول وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الجفاف.

ويبقى السؤال على حد قول رابطة القلب الأميركية: هل تناول نسبة عالية من الكافيين يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب التاجية؟ وهو ما لم يثبت علميًا ولا يُوجد ما ينفي ذلك ولذا هو سؤال لا يزال قيد الدراسة للوصول إلى إجابة واضحة عنه.

ولقد أجريت الكثير من الدراسات لمعرفة ما إذا كان هناك صلة مباشرة بين الكافيين وشرب القهوة وأمراض القلب التاجية، والنتائج متضاربة، وهو ما قد يكون سببه الطريقة التي تم بها القيام بتلك الدراسات والتباس العوامل الغذائية. ومع ذلك، فإن شرب القهوة المعتدل (1 - 2 كوب يوميا) لا يبدو أنه يكون ضارًا.