ممارسات اللوبي الأمريكي لضرب صناعة الدواء في مصر

استوقفنا خبر عابر عن تسجيل خمسة أصناف دوائية جديدة في مصر وأنها سوف تطرح في الأسواق المصرية نهاية هذا العام .. هذا الخبر كان يمكن أن يمر مرور الكرام كبقية الأخبار التي نطالعها يوميا ، ولكن ما لفت نظرنا حقا هو أن مصر تحولت إلي سوقا حرة تستخدمه الدول الأجنبية لترويج بضاعتها , وهذا بالطبع علي حساب الصناعة الوطنية والاقتصاد القومي الذي تعتبر صناعة الدواء أحد أعمدته الرئيسية  تلك الصناعة التي افتقرت إلي أدني أنواع الحماية لها في وطنها ، فبالأمس كانت البضائع والمنتجات الصينية ، واليوم الأدوية الأردنية وسبقتها إلي ذلك الأمريكية بشركاتها العملاقة.


 وإذا ما بحثنا عن طرق حماية الدواء المصري نجد من يخرج علينا بتصريحات عنترية وأن دراسات ومؤتمرات وندوات ومباحثات عقدت علي أعلي المستويات لوضع الأطر القانونية والفنية لحماية الدواء المصري، والنتيجة صفر كبير يضاف إلي بقية الأصفار التي حصلت وتحصل عليها مصر بين الحين والأخر.

 إن الصحة تاج علي رؤوس الأصحاء ولا يشعر به سوي المرضي الذين يدفعون فاتورة بيزنس تجارة الأدوية في مصر ويواجهون بمفردهم وميزانيتهم المعدمة ألاعيب شركات الدواء الأجنبية لفرض سيطرتها ومنتجاتها الدوائية في الأسواق المصرية والارتفاع الجنوني في أسعار الدواء المستورد في ظل الغياب المتعمد للدواء المصري الرخيص نسبيا.

 صناعة الدواء في مصر تواجه مأزقا شديدا بسبب الضغوط الخارجية الهائلة خاصة من اللوبي الأمريكي وجماعات الضغط الخارجية علي الصناعة المحلية من جهة وعلي الحكومة من جهة أخري.

 وذلك كله بهدف أن تظل هذه الصناعة متقوقعة غير قادرة علي النهوض واثبات الذات محليا بل والمنافسة في الأسواق العالمية .

 ضغوط أمريكية
الدكتور زكريا جاد نقيب الصيادلة كشف عن الممارسات الشديدة التي تمارسها بعض شركات الدواء الأمريكية ضد الصناعة الوطنية لتحجيمها ومنع إنتاج أدوية مصرية، لتظل الشركات الأمريكية هي المهيمنة علي سوق الدواء في مصر وتحصد المليارات من جيوب المرضي.

  كان د.  زكريا جاد قد وعد من قبل أثناء حضوره احدي المؤتمرات الطبية لمناقشة صناعة الدواء في مصر أنه سيتقدم بأوراق مهمة للنائب العام يكشف فيها عن كافة تفاصيل الضغوط الأمريكية لتحجيم صناعة الدواء المصرية.

شجاعة وزير
الدكتور عوض تاج الدين وزير الصحة المصري السابق في شجاعة يحسد عليها وفي مؤتمر طبي عقد مؤخرا أكد علي وجود ضغوط خارجية من الشركات الأمريكية علي الدواء المصري بهدف إضعاف الصناعة المحلية.

 وأشار إلي أن مصر تنفق سنويا ما لا يقل عن 5،2 مليار دولار علي صناعة الدواء  والرعاية الصحية.

 كما أكد  أن حجم الدواء المستعمل في مصر ارتفع من 6،2 مليار عام 2003 الي 7،1 مليار جنيه عام 2004 وزاد الإنتاج من 5،3 مليار الي 6،4 مليار جنيه وقابل ذلك انخفاض في الدواء المستورد من 0،9 مليار إلي 0،7 مليار جنيه.

 وزير الصحة أشار الي عدد أصناف الدواء وذكر أنها وصلت إلي 7300 صنف، وان 74 شركة تقدمت لأخذ تصاريح إنتاج وأنتجت 70 شركة بالفعل و4 شركات في طريقها للإنتاج. واعترف الوزير بأن كافة شركات الدواء في مصر حققت أرباحا طائلة بما فيها الشركات المحلية متعددة الجنسية.

 استراتيجية ضرورية
المهندس رشيد محمد رشيد وزير الصناعة أكد أن قطاع الصناعات الدوائية في حاجة إلي استراتيجية جديدة للنهوض به من حيث الإنتاج والصادرات علي أن تضم هذه الاستراتيجية كافة العاملين في هذه الصناعة من شركات محلية وأجنبية  . وأضاف الوزير ان قطاع الصناعات الدوائية يعد من أهم القطاعات الصناعية الحيوية نظرا لارتباطه بصحة المواطن خاصة وقد شهد استهلاك الدواء في مصر تطورا كبيرا خلال الفترة الماضية نتيجة تزايد عدد السكان والوعي الصحي وتطوير برامج الرعاية الصحية‏,‏ مشيرا أن مصر لديها فرصة كبيرة لتصدير الدواء ولديها الإمكانيات البشرية والمادية التي يمكن استغلالها لكي تتبوأ المكانة اللائقة في هذا المجال لتحقيق طفرة في مجال تصدير الدواء حيث ان صادرات مصر من الدواء تبلغ‏41‏ مليون دولار وهي كمية ضئيلة مقارنة بالإمكانيات التصديرية المتاحة لصناعة الدواء‏.‏ 

 وقال رشيد أن صناعة الدواء في مصر تواجه تحديات تتمثل في المنافسة القادمة من الخارج والالتزامات المصرية في الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر وعلي رأسها اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية‏(‏ التريبس‏),‏ الي جانب ضرورة تحقيق التوازن بين احتياجات المواطن المصري من الدواء وأسعار التكلفة العالمية‏.‏

 استراتيجية وطنية
الدكتورة فينيس جودة – وزيرة البحث العلمي السابقة أكدت أن الوقت قد حان لتبني استراتيجية وطنية للارتقاء بحالة الدواء في مصر، تعتمد على الجهود السابقة والانجارات المتراكمة التي تحققت من قبل، وتخاطب البحث العلمي كوسيلة أولية لخدمة إنتاج الدواء في مصر وتغطي فيها جوانب توليد التكنولوجيا بالجهود الوطنية واستيرادها بما يحقق إنجازات محددة مطلوبة في أطر زمنية مرصودة، وبمشاركة كل الأطراف الفاعلة والتي يمكنها الإسهام ومن بينهم أبناء مصر المغتربين

عناصر ضرورية
الأستاذ الدكتور/ إبراهيم بدران – وزير الصحة الأسبق أشار إلي أن هناك حاجة لإصدار استراتيجية وطنية تهدف الي الارتقاء بحالة الدواء في مصر وتدار في إطارها كل الأنشطة اللازمة والتي تسهم بها مؤسسة البحث العلمي، بحيث تتضمن عدة عناصر أهمها :

 تبني خطة قومية للتنمية التكنولوجية في مجال الدواء واضحة المعالم والأولويات وينشأ لخدمتها ومتابعة أنشطتها مجلس خاص

 أيضا  تبني الأنشطة التي تبشر باحتمالات نجاح عالية للوصول إلى منتج دوائي مثل الأدوية التي سبق تجربتها وكذلك الأدوية المعتمدة على الموروثات الطبيعية والشعبية،   وكذا  تبني سياسات التحالفات الاستراتيجية بين الشركات العاملة في صناعة الدواء في مصر حيث أن ذلك سوف يؤدي على المدى القصير والبعيد إلى قيام صناعات دوائية متطورة. مع ضرورة تشجيع ثقافة التعاون والتنافس بين الشركات الدوائية كمدخل للاندماج بينها. 

 بالإضافة إلي  ضرورة إنشاء قاعدة بيانات شاملة لقطاع الصناعات الدوائية في مصر تتضمن معلومات شاملة عن الشركات، والمؤسسات البحثية التي أنجزت، والأنشطة البحثية، والنشر العلمي، والمركبات الجديدة، والأفراد والخامات الدوائية، والأسواق المتاحة.. الخ.

 من بين العناصر الضرورية أيضا عمل خريطة صحية للشعب المصري يتم من خلالها تحديد أولويات التخطيط لمستقبل صناعة الدواء في مصر.

 وتبني تشريعات ضريبية تحفز شركات الدواء على الاستثمار في البحث العلمي الذي يخدم إنتاجها مقابل إعطاء ميزات ضريبية.

 سعر الدواء
الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء ناقش القضية من بعد أخر وهو تدهور سعر الدواء المصري المصدر للخارج حيث أشار إلي أن معظم الدول العربية تطلب الدواء المصري بنفس سعر بيعه للمواطن في مصر وان ذلك يتسبب في عرض المصري بأسعار أقل بكثير من الأدوية المنتجة بدول أخرى مما يضعه في موقع شك وريبة معتبرا أن ذلك غير صحيح.

 وطالب الدول العربية بأن تتوقف عن هذا المطلب ليصبح السعر الحقيقي للدواء بحسب سوق المنافسة.

 وأكد نقيب الأطباء أن نحو 9ر99 % من الأدوية التي يكتبها شخصيا لمرضاه هي من الأدوية المصرية لجودتها وفعاليتها مضيفا أنه شخصيا يستخدم الدواء المصري وينصح المواطنين في مصر والدول العربية باستخدامه لفاعليته ورخص ثمنه.

 تسهيلات حكومية
وأشار الدكتور جلال غراب رئيس غرفة صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية باتحاد الصناعات الي أهمية تحديث قطاع الدواء من خلال تكاتف أجهزة الحكومة الي جانب صناع الدواء خاصة في ظل توجه الحكومة الحالي بتقديم جميع التسهيلات والإجراءات التي من شأنها تطوير وتحديث الصناعة المصرية‏.‏

 دراسة وحلول
كان مركز صناعة الدواء في مصر قد أصدر مؤخرا دراسة انتقد فيها  أوضاع صناعة الدواء في مصر حيث ذكرت الدراسة أن مصر قامت بتطبيق سياسة اقتصادية دفاعية ناجحة في القطاع الدوائي لمدة تزيد علي 20 عاما ولكن لم يتم تحديث أو تطوير هذه السياسة وفقا للمتغيرات الخارجية العالمية ولا يمكن الاستمرار في تطبيق هذه السياسة الآن نظرا لتطبيق اتفاقية حقوق الملكية الفكرية أكدت الدراسة أن اعتماد الصناع العاملين في قطاع الدواء علي تلبية احتياجات السوق المحلي وإهمال التصدير أدي إلي وجود حالة من الركود منذ 5 سنوات علي الأقل وأصبح قطاع الدواء  يواجه حالة من الانحدار التدريجي لذا أصبح من الضروري وجود حاجة ملحة لوضع وتطبيق خطة مسبقة للبقاء والاستمرار، والتوصل إلي اتفاق قومي جديد حول السياسة الاقتصادية المزدوجة في القطاع الدوائي علي أن يتم تطبيقها بصورة متوازية مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية في قطاع الرعاية الصحية في مصر.

  الدراسة أشارت أيضا إلي أن قطاع الدواء ما زال يشارك بنسب ضعيفة في  نمو الاقتصاد القومي، وعدم قيام المنتجين بإنتاج عدد كبير من المنتجات المختلفة أدي إلي عدم التخصص في المنتجات الدوائية، وعدم القدرة علي المنافسة، وان النمو في حجم الصادرات يتميز بالبطء الشديد نتيجة لمؤثرات نظام الأسعار الحالي وعدم توافر طاقات إنتاجية إضافية.

 وطالبت الدراسة بتحويل قطاع الدواء من حالة الركود والانحدار إلي مرحلة جديدة تتميز بالنمو والأرباح التجارية وذلك عن طريق منح المنتجين المحليين المزيد من الثقة ووضع أهداف اقتصادية مشتركة لقطاعي الصناعات الدوائية والرعاية الصحية، وتدعيم تطبيق مزايا التكلفة التنافسية للتصنيع ووضع برامج لتطوير الإنتاج والتسويق للمنتجين المحليين من أجل تنمية القدرة التنافسية لقطاع الإنتاج.