ريتشارد ميل: من يملك طائرة لن يتردد في شراء ساعة بأكثر من مليون دولار

ساعة «Richard Mille» استغرق صنعها عامين وهي ثمرة شراكة مع إيرباص «آي سي جي»، (RM 50-02 ACJ) صُنعت من التيتانيوم والألمنيوم وهي خلطة تستخدمها شركة إيرباص لتصنيع ريش التوربينات النفاثة التي يجب أن تعمل
ساعة «Richard Mille» استغرق صنعها عامين وهي ثمرة شراكة مع إيرباص «آي سي جي»، (RM 50-02 ACJ) صُنعت من التيتانيوم والألمنيوم وهي خلطة تستخدمها شركة إيرباص لتصنيع ريش التوربينات النفاثة التي يجب أن تعمل

«عالم الساعات لا يعيش بمنأى عن العالم، فهو يواكب تغيراته ومتطلباته ويترجمها بشكل أو بآخر» هذا ما قاله ريتشارد ميل وهو يقدم ساعة «ريتشارد ميل كرونوغراف توربيون أجزاء الثانية»، الجديدة. 


ساعة كما يشير اسمها هي ثمرة تعاون مع شركة الطيران الخاص «آي سي جي» ACJ، المتخصصة في صناعة الطائرات، والمتمرسة في التعامل مع أعيان القوم وأثريائهم من الذين يريدون التنقل بأسلوب يليق بهم، وأيضا في التعامل مع أصحاب الشركات الذين يهمهم أن يصل رؤساؤهم التنفيذيون إلى لقاءاتهم في بلدان أخرى وهم في أحسن حالاتهم لإنهاء اتفاقات وعقود بمبالغ ضخمة.

أزيح الستار عن الساعة الجديدة خلال صالون الساعات الفاخرة الذي شهدته جنيف في شهر يناير الماضي، وهو الشهر نفسه الذي أعلنت فيه قمة دافوس أن أثرياء العالم يزدادون ثراء وأن فقراءه يزدادون فقرا. غني عن القول إن الشريحة الأولى هي التي تتوجه لها هذه الساعة، بتقنياتها ومواصفاتها وسعرها. 

فرجل يملك طائرة خاصة بـ 18 مليون فرنك سويسري، أو أكثر لن يتردد في شراء ساعة بمليون فرنك سويسري، طالما ستكمل مظهره.

لم يُخف ريتشارد ميل شغفه بالطيران قائلا إنه عند ظهوره في بداية القرن الماضي، لم يكن أحد يتوقع إلى أي مدى سيغير حياتنا وثقافتنا.

فمع الأيام، لم يعد ترفا يقتصر على النخبة، فكل من له الرغبة في استكشاف عوالم بعيدة أصبح بإمكانه ذلك بسهولة.

«لا يمكننا أن نتجاهل تأثير الطيران على حياتنا سواء في السلم أو الحرب، لهذا كان بديهيا أن نفكر في ساعة تعكس هذا التطور من خلال خطوط هندسية وتقنيات متطورة تلبي حاجة رجل يريد منتجات فريدة من نوعها، مفصلة على مقاسه، أو بالأحرى على مقاس أسلوب حياته».

ويتابع ريتشارد ميل، بفخر وهو ينظر إلى صورة الساعة التي كانت تحتل حيزا كبيرا من الحائط في الجناح الخاص بالشركة، أن مفهوم الترف يختلف الآن عما كان عليه منذ عقود.

فالجيل الجديد أكثر انتقاء وإلماما بالموضة والمنتجات المترفة كما يعرفون تماما ما يريدونه، وهو ما وضع صناع الساعات تحديدا أمام تحديات كبيرة للحفاظ على ولائه واهتمامه. 

يقول: «منذ عشرين عاما لم يكن الغالبية يعرفون الفرق بين لويس فويتون وهيرميس، مثلا، أما اليوم فإنهم يعرفون أدق التفاصيل.

وهذا ما اكتشفه حتى العاملون في محلاتنا، فهم يتفاجأون أن الزبائن يناقشونهم في أدق المواصفات والتعقيدات والوظائف.

كما أن نظرتهم إلى قيمة الترف اختلفت بشكل جذري. فبينما كانوا يعتبرون أن الترصيع بالماس هو ما يمنح الساعة قيمة كبيرة، أصبحوا يُقدرونها ويُقيمونها من ناحية التقنيات والمواد، التي كلما كانت أكثر حداثة أثارت فضولهم أكثر».

يلتقط بينوا ديفورج، الرئيس التنفيذي لشركة «آي سي جي» الخيط، وهو يشير بإصبعه إلى الساعة قائلا: «بالفعل أوافق ريتشارد الرأي بأن زبون اليوم، يتمتع بذوق رفيع ويعرف ما يريد».

ثم أدار وجهه نحو ريتشارد ميل مبتسما: «لم نكن لنوافق على شراكة من هذا النوع لو لم تكن مع شركة بحجم وسمعة ريتشارد ميل. فهي تُمثل أقصى أنواع الترف والدقة في ما يتعلق بالساعات، وهو ما نمثله نحن في عالم الطائرات الخاصة».

بدأت قصة هذا التعاون عندما زار ريتشارد مقر «آي سي جي» وأُعجب بطريقة العمل والمنتج في آن واحد، وكلما تعمق في الحديث مع بينوا ديفورج زاد إعجابه بعالم الطيران ورغبته في دمجه في ساعة يد.

يقول: «تحدثنا كثيرًا عن المشروع وناقشناه من كل الجوانب، ومع ذلك لم نأخذ قرارنا النهائي إلا بعد أن وصلتنا أولى الرسمات التي اقترحها المصمم سيلفان ماريات. ما إن وقعت عليها أعيننا حتى تحولت الفكرة إلى شغف وتأكدنا أن القواسم المشتركة بيننا أكثر مما كنا نتصور».

عندما تلقى سيلفان ماريات، وهو مصمم في شركة «آي سي جي»، العرض بأن يصمم الساعة لم يصدق نفسه، فـ «أقصى ما يتمناه أي مصمم هو أن يقوم بتصميم إما كرسي أو ساعة يد» حسب اعترافه.

لم يتردد في قبول العرض رغم التحدي بأنها ستكون باسم ريتشارد ميل، أحد أهم الأسماء في عالم الساعات الميكانيكية الفاخرة والمعقدة، ما يجعل الآمال المعقودة عليه كبيرة، ورغم أن حجم ساعة ليس هو حجم طائرة ضخمة.

لم يخيب سيلفان الآمال، حيث حافظ على رموز «ريتشارد ميل» وخطوطها الخارجية، مضيفا إليها خبرته في تصميم الطائرات الفاخرة. وجاءت النتيجة بعد عامين من العمل مبهرة تقدر بمليون فرنك سويسري. 

مبلغ كبير لكنه لا يوفي الساعة حقها حسب قول ريتشارد ميل وبينوا ديفورج وتخاطب قلب وعقل زبونهما المشترك.

رجل لا يقبل سوى بما هو فريد ومتميز بغض النظر عن الثمن، لأن الحصول على هذه المنتجات بالنسبة له تجربة ومتعة في الوقت ذاته.

فطائرة خاصة ومريحة يسافر بها إلى وجهاته لا تسهل حياته فحسب بل توفر له أيضا الوقت لكي يحضر نفسه ويرتاح قبل الوصول إلى لقاء عمل أو سهرة مع الأصدقاء. 

الأمر نفسه بالنسبة لاقتناء ساعة من ريتشارد ميل، فوظيفتها ليست قراءة الوقت بقدر ما هي أسلوب حياة، واستثمار.

يبادر بينوا ديفورج بشرح فكرته عن الاستثمار قائلا إن الاستثمار في طائرة خاصة، ليس هو الاستثمار في ساعة.

فالأول لا يكون على أساس الربح إذ إن سعرها لا يرتفع، وفي الوقت ذاته لا يشكل خسارة كبيرة، لأن صاحبها يستعملها ويستمتع بها لعقود ثم يبيعها فيما بعد لأحد الخطوط الجوية، أو يكتفي بإدخال تجديدات تقنية متطورة عليها حتى تبقى متماشية مع تطورات العصر.

أما الساعة فيزيد سعرها مع الزمن إذا كانت متميزة وبتقنيات ومواصفات عالية.

ويضيف: «في كل الحالات، أؤمن بأن أحد وظائف التقنيات المتطورة، أيا كانت، إدخال السعادة على النفس، لهذا ارتبطت تاريخيا بالطبقات المقتدرة. فعندما صنعت ساعات الحائط أول مرة منذ قرون، اعتبرت من الأدوات العلمية والفنية في الوقت ذاته، وكانت الطبقات الثرية هي التي تمتلك هذه الأدوات، والأمر نفسه انطبق فيما بعد على الكهرباء والسيارات وما شابهها من الأشياء التي أصبحت متاحة للعامة فيما بعد». 

الطريف أنه عندما التقى ريتشارد ميل وبينوا، لم يكونا يعرفان ما سينتج عن تعاونهما، سوى أنها يجب أن تكون ساعة استثنائية تشكل ثورة تقنية في عالم الساعات، وهذا يعني أن تسر العين والقلب في الوقت ذاته، وأن تحمل ملامح من عالم الطيران، وهو ما كان لهما بفضل ترجمة المصمم سيلفان ماريات.

فقد فهم هذا الأخير سريعا أنهما يريدان ساعة بمواصفات هندسية معمارية تجمع الصلابة بالقوة التقنية. 

وبالفعل تجلت القوة التقنية في الوظائف المتنوعة والحركة الميكانيكية، بينما تجسدت الصلابة في العلبة المصنوعة من التيتانيوم والألمنيوم مع قرص سيراميك ثانوييعكس الخطوط العامة لشكل إطار نافذة طائرات «آي سي جي» النموذجي، وفي عناصر أخرى مأخوذة من التصميم الداخلي للطائرات، تظهر في الجسور والصفيحة الأساسية المصنوعة من التيتانيوم والألمنيوم. 

هاتان المادتان تستخدمان أساسا في شركة إيرباص لتصنيع ريش التوربينات النفاثة، التي يُفترض فيها أن تعمل بأمان ضمن درجات الحرارة الشديدة وحقول الضغط المرتفع، ومن ثم تتطلب مادة شديدة القوة وعالية المقاومة. 

وهذه هي المرة الأولى التي تستبدل فيها «ريتشارد ميل» اللولب الأيقوني حول الحافة الخارجية للقرص بلوالب Torq set® بفتحات رؤوسها متميزة الشكل، بينمااستلهم شكل التاج الحامل للنقش الموجي الشكل على غرار شعار «آي سي جي» من المحرك النفاث.

ولم تقف الإيحاءات عند هذا الحد، بل امتدت إلى أن عددا من الأجزاء داخل الحركة طُلي بطلاء الطيران لحماية أجزاء المحرك وهيكل الساعة من التآكل والظروف البيئية.

من ناحية الشكل، فإن الساعة تتكلم عن نفسها، وتكشف عما بداخلها من تعقيدات بشفافية، مثل حركة كرونوغراف أجزاء الثانية وقفز القصور الذاتي لعقرب كرونوغراف الثواني أثناء البدء والإيقاف، مع تركيب مكونات جديدة لأجزاء الثانية مصنوعة من التيتانيوم، مما يخفض أيضا استهلاك طاقة الكرونوغراف نتيجة للحد من الاحتكاك الداخلي.