ديور يعيد كارلا بروني لأناقة زمان خللال زيارتها بريطانيا

بدا التشابه، أو بالأحرى التشبه، بين سيدة الإليزيه كارلا بروني وسيدة البيت الأبيض الراحلة جاكلين كنيدي، واضحا بمجرد ان أطلت من باب الطائرة التي أقلتها من فرنسا إلى بريطانيا. فالتايور عصري ومفصل على الجسم بياقة عالية، كذلك الاكسسوارات، بدءا من القبعة الصغيرة التي كان الهدف منها الزينة قبل كل شيء والقفازات، إلى الحقيبة السوداء.


صورة تستحضر أناقة ايام زمان، واسلوب الايقونة جاكلين بدون شك، مع فارق مهم وهو ان اناقة هذه الاخيرة كانت فطرية وطبيعية بينما كل شيء في مظهر كارلا كان مدروسا ومحسوبا. صحيح انه لا يمكن انتقاد أي شيء فيها، إلا أن عنصرا مهما كان غائبا: جرأتها المعهودة وعفويتها، إلى حد انها ذكرتنا بالراحلة ديانا في بداية خطبتها وزواجها من الأمير تشارلز، أي قبل ان تكتسب الخبرة والثقة.

وما يشفع لديانا انها كانت في ذلك الوقت صبية وجديدة على عالم البروتوكول والموضة، بينما قد تكون كارلا غريبة عن بروتوكولات القصور والملوك، لكنها ليست غريبة على خفايا الموضة واسرار الاناقة، بحكم عملها السابق وصداقاتها مع العديد من المصممين المستعدين لإسداء النصح، بل وتزويدها بكل ما تشتهي وتريد.

وهذه علاقة صحية للغاية، لأن العديد من النجمات والمصممين تألقوا بفضل صداقاتهم الثنائية، التي نذكر منها على سبيل المثال تلك التي ربطت بين أودري هيبورن وهيبار جيفنشي، وبين غريس كيلي وكريستيان ديور، وجاكي كنيدي وكوريج وغيرهم. فالمصمم عندما يعرف شخصية زبونته ومقاييس جسمها، بما فيها العيوب التي تؤرقها وتريد التمويه عليها، يمكنه ان يصمم لها ما يبرز جمالها ويشعرها بالثقة، وهنا تتحول علاقة العمل إلى صداقة قوية.

وهذا يجرنا إلى طرح السؤال هل هذه بداية تعاون جديد بين كارلا وديور، أم انها خطوة دبلوماسية محضة؟ فبالإضافة إلى ان زوجها ساركوزي تربطه علاقة طيبة بأرنو صاحب مجموعة «إل.في.إم.اتش» المالكة لديور، فإن مصمم الدار جون غاليانو بريطاني، الأمر الذي قد يفسره البعض على انه اختيار دبلوماسي ذكي، يرضي الفرنسيين والبريطانيين على حد سواء. فدار كريستيان ديور من أعرق بيوت الازياء الفرنسية، ما يعني ان كارلا الإيطالية تعلن انها عانقت ثقافة بلد زوجها، وغاليانو بريطانيا، مما قد يفسره البعض الآخر على انه تحية للبريطانيين.

ولا شك ان نجاح كارلا في تحقيق هذه المعادلة قد يحسن صورة الزوج، ويعيد إليه بعضا من شعبيته التي فقدها في المدة الأخيرة بعد أن أثار حفيظة الفرنسيين باستعراضه أسلوب حياته المترف وإعلانه لكل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياته الشخصية، بل ربما قد تظهر لهم كارلا ما غاب عن ثقافتهم منذ قرون، وهو ان هناك جانبا إيجابيا لاستعراض الأزياء الراقية والساعات الغالية وغيرها من وسائل الترف، خصوصا إذا كان بهذه الكلاسيكية العصرية ويسلط الضوء على الوجه الجميل لفرنسا. فرغم ان كارلا لم تتمتع في هذه الزيارة بكاريزما جاكلين كنيدي الفطرية، إلا انها كانت تضاهيها جمالا واناقة، وإن كان الوقت لا يزال مبكرا على القول بأنها قد تصبح في يوم من الأيام مثلها: ايقونة.

اللافت ايضا ان أوجه التشابه بينهما، لم يكن في المظهر فحسب بل ايضا في خطفهما الأضواء من زوجيها. فبريطانيا شحذت كل اسلحتها قبل الزيارة بأيام، بما في ذلك نشر صورة التقطت للعارضة السابقة منذ 15 سنة وبدت فيها عارية، كما صوبت كاميرات مجلات الاناقة عدساتها إلى كل تفاصيل إطلالتها، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان حمى وسائل الإعلام التي كانت تتابع كل تحركات جاكلين كنيدي.

فمن منا لا يتذكر زيارتها إلى فرنسا برفقة الرئيس جون كنيدي في زيارة رسمية قوبلت فيها بحفاوة كبيرة من قبل الشارع الفرنسي ووسائل الإعلام على حد سواء؟ الرئيس الأميركي تعامل مع الأمر بروح مرحة وخاطب الفرنسيين عند انتهاء الزيارة بمقولته الشهيرة: «أنا الرجل الذي رافق جاكلين كنيدي إلى باريس، واستمتعت بصحبتها كثيرا».

لا يختلف اثنان في ان ساركوزي يبدو مستمتعا بصحبة زوجته في كل الحالات، إلى حد ينسيه احيانا مكانته وما تتضمنه من مسؤوليات، ففي معظم رحلاته الرسمية يعطي الانطباع بأنه في إجازة شهر عسل وليس في مهمة دولة.

بيد ان الأمر اختلف في هذه الزيارة ربما لأن البروتوكول البريطاني يفرض طقوسه العريقة التي يصعب الخروج عليها، وهو ما انعكس على مظهر الرئيس وزوجته طوال الزيارة. الزي الذي اطلت به علينا من الطائرة لدى وصولها، كان عبارة عن معطف بخصر عال باللون الرمادي، الماركة المسجلة لدار ديور، مع حزام باللون الاسود وقبعة صغيرة تظهر منها غرتها، وحذاء من دون كعب (تصميم الباليرينا).

الهدف من الحذاء المنخفض كان واضحا، وهو ان لا تظهر اطول بكثير من زوجها، خصوصا انها تفوقه طولا ببضعة سنتميترات، مع العلم ان هذا المظهر المتكامل لم يكن سوى واحد من بين ثلاثة اختارتهما بمساعدة المصمم غاليانو نفسه، إذ يقال انها قابلته عدة مرات في الأسابيع الماضية لاختيار ما يناسب بروتوكول القصر البريطاني. فقد ظهرت خلال مأدبة الغداء، مثلا بتايور آخر باللون الرمادي، وخلال زيارتها للبرلمان ارتدت فستانا من صوف الجيرسيه ايضا بنفس اللون مع معطف أزرق، وفي المساء ارتدت فستانا من حرير الشيفون باللون الأزرق النيلي، مع حذاء باليرينا.

ورغم انه قد يحلو للبعض التركيز على ان السبب في عدم استغنائها عن الحذاء المنخفض هو طول الزوجة مقابل قصر الزوج، إلا ان موضة أحذية الباليرينا في مناسبات المساء والسهرة ليس بدعة من بنات افكار كارلا، لأن كارل لاغرفيلد، مصمم دار شانيل، كان قد اطلقها في الموسمين الماضيين، سواء في تشكيلته للأزياء الراقية أو تلك للأزياء الجاهزة، وظهرت فيها العارضات في كامل الاناقة والرشاقة، وإن كان الأمر لن يروق للمرأة التي لا تتمتع بمقاييس العارضات ولا قدهن.

لكن رغم كل هذه الاناقة التي اطلت بها كارلا، وأعادت إلى الأذهان أناقة جاكي بتايوراتها الكلاسيكية، سواء كانت من تصميم كوريج أو شانيل والبيريه المتميز بحكم جذورها الفرنسية، إلا ان ارتداء كارلا ازياء من ديور من رأسها إلى اخمص قدميها، للنهار والمساء، يطرح بعض التساؤلات، خصوصا ان موضة الازياء الموقعة بأسماء عالمية من الرأس إلى أخمص القدمين لم تعد موضة منذ سنوات، بل حتى كارلا نفسها صرحت، حسبما نشرت جريدة «ذي أوبزورفر» في شهر سبتمبر (ايلول) عام 2007، بأن هذا المظهر «ضد مفهوم الموضة وسخيف... تنسيق حقيبة يد مع حذاء وقبعة يجعلك تبدين وكأنك شجرة عيد الميلاد». التفسير الوحيد لهذا التغيير، في الرأي والمظهر، قد يكون تحسين صورة الرئيس، وإذا كانت الاناقة هي الوسيلة فإنها تبرر الغاية.