المصممة «أماندا وايكلي»: مسيرة عمرها 25 عامًا .. لكنها تؤكد أن الحياة تبدأ فعلاً بعد الخمسين

أماندا وايكلي - لا أؤمن بالهزيمة .. ولا أبكي على الحليب المسكوب، وفي الصورة من تشكيلتها لخريف وشتاء 2015
أماندا وايكلي - لا أؤمن بالهزيمة .. ولا أبكي على الحليب المسكوب، وفي الصورة من تشكيلتها لخريف وشتاء 2015

من تتبع مسيرة «Amanda Wakeley» منذ بداية التسعينات من القرن الماضي إلى اليوم يعرف أنها مثل القطة بسبع أرواح، كلما تعرضت لأزمة تقوم منها أقوى من الأول، مؤكدة لنا مقولة أن «الضربة التي لا تقتل تقوي». فقد كادت تفقد دارها منذ بضع سنوات، ومع ذلك لم تقبل بالهزيمة، ونجحت في استعادتها من دون أن يتأثر اسمها أو تفقد بريقها في مخيلة كل من شهد انطلاقتها ووقع أسير أسلوبها الأنثوي الراقي.
 
هذا الشهر تحتفل بعامها الـ 25 كمصممة أزياء، لهذا لم يكن من الوارد أن تفوت هذه المناسبة ولا نقابلها وجها لوجه لتسبر أغوارها وتعرف كيف نجحت في تخطي مطبات قوية كان من الممكن أن تقضي على أعتى الرجال وترميهم في غياهب النسيان. 
 
في 18 من شارع «آلبيمارل» بمنطقة «مايفير» تم اللقاء في محلها الجديد، واختارت الطابق الأول لأنه هادئ ومريح.
 
وبالفعل، فهو يشمل غرفة مربعة واسعة تتوسطها كنبات كبيرة ومرايا طويلة تعكس الضوء، الذي يخترق النوافذ العالية، لتزيد من اتساع المكان وتعكس جمال فساتين السهرة المعلقة على شماعات. 
 
ترفع عينيك إلى السقف فتبهرك ثريا ضخمة تتلوى وكأنها ترقص حول نفسها، قالت لي المصممة بفخر، عندما رأت عينيّ قد تسمرتا عليها، إنها هي التي صممتها، وإنها أرادتها أن تأخذ شكل قطعة قماش تلتف حول نفسها.
 
وسط الغرفة توجد مدفأة لم تكن هناك حاجة لإشعالها لأن الوقت كان صيفا والطقس في الخارج مشمسا، لكن يمكن تصور حميميتها في فصل الشتاء عندما تكون نيرانها ملتهبة.
 
«أردت أن يكون المحل بمثابة بيت أماندا، يرحب بك بمجرد الدخول إليه»، هذا ما قالته المصممة وهي تؤكد أنها استمتعت بتصميم الديكور، استمتاعها بتصميم الأزياء، حيث راعت فيه خصوصية معماره الأصلي، مع إضافة لمسة حداثة تعكس أسلوبها الخاص، «فكل قطع الأثاث فيه مرنة، يمكن تغييرها وتحويلها من مكان إلى آخر لتكتسب وظيفة جديدة» حسب قولها. الغرفة التي تم فيها اللقاء، مثلا، يمكن أن تتحول إلى غرفة طعام لاستقبال الأصدقاء، مع وجود مطبخ في الطابق نفسه، أو أن تتحول إلى قاعة احتفالات أو اجتماعات وهكذا.
 
بالفعل، كل ما في المكان يضج بالأناقة والحميمية، ويعكس إلى حد كبير شخصية أماندا وايكلي الدافئة.
 
فعندما وصلت وهي تلهث إلى مكان اللقاء بعد أن تأخرت خمس دقائق فقط، فتحت ذراعيها تحتضنني وكأننا نعرف بعضنا منذ زمان، ثم اعتذرت ضاحكة وهي تنظر إلى حذائها بأن تقطع أنفاسها يعود إلى إسراعها في المشي بكعب عال خوفا من أن تتأخر عن موعدنا.
 
ما إن جلسنا حتى سألت بفضول ومن دون سابق إنذار عن أصولي، معترفة بأنها تعشق النظر إلى وجوه الناس وتخمين أصولهم والعناصر التي شكلت ملامحهم.
 
وأضافت وكأنها تعتذر عما يمكن اعتباره في العرف الاجتماعي الإنجليزي اختراقا للخصوصية: «يمكنك إرجاع السبب إلى جيناتي الوراثية، فوالدي جراح وكذلك جدي، وهذا يعني أنهما مثلي يعملان في مجال تشريح الأجسام».
 
وتابعت ضاحكة: «كل بطريقته طبعا، فأنا أقوم بما أقوم به، لأنني أحب أن أجعل جسم المرأة يبدو في أحسن حالاته وأجملها، وهو ما أعتبره من نقاط التشابه بيني وبينهما».
 
أول ما يثيرك فيها وهي تتحدث، إلى جانب حماسها، شعرها الأشقر المسترسل وطولها الفارع، إلى حد أنك تستغرب سبب ارتدائها كعبا عاليا من الأساس. وفجأة تتذكر أنها كانت في شبابها عارضة أزياء. 
 
كان ذلك لفترة قصيرة، وبدا واضحا من ردها المقتضب أنها كادت أن تنسى هذه التجربة: «لم أكن جادة أبدا في الأمر، رغم أنني لا أنكر أنني استفدت من التجربة، لأنها قدمتني إلى محيط يتنفس الجمال والأناقة، فأينما وجهت أنظاري كنت أرى أزياء رائعة تثير الخيال والرغبة فيها في آن واحد. إنها مرحلة تشبعت فيها بالكثير من الجماليات، خصوصا أنني من النوع الذي يسجل الأشياء بصريا.. أمتص الألوان والأشكال والخامات وأخزنها ثم أترجمها في ما بعد بشكل من الأشكال».
 
بزغ نجم وايكلي في بداية التسعينات من القرن الماضي، ولمست تصاميمها وترا حساسا بداخل النساء، بمن فيهن الأميرة الراحلة ديانا التي ظهرت بتايور من تصميمها باللون الأخضر الزيتوني في عام 1993. ولم يخف إعجاب النساء بتصاميمها لحد الآن، بدليل أنه انتقل إلى الجيل الحالي من النجمات والطبقات الارستقراطية، مثل دوقة كمبردج، كيت ميدلتون، التي ظهرت هي الأخرى بتصاميمها إلى جانب نجمات من كل الأعمار، نذكر منهن هيلين ميرن، وسكارليت جوهانسون، وكيت وينسليت، وغيرهن.
 
والسبب أنها لا تتبع صرعات الموضة، وتصاميمها لا تصرخ بالابتكار المجنون، بقدر ما تصرخ بالرقي الهادئ الذي لا يعترف بزمن أو عمر.
 
وتعترف المصممة بأن الفكرة التي لا تزال مترسخة في أذهان بعض النساء أن تصاميمها كلاسيكية تخاطب المرأة الناضجة أكثر، لكنهن ما إن يدخلن المحل حتى يتفاجأن بالعكس «لهذا تسعدني كثيرا رؤية أمهات يأتين مع بناتهن، وتخرج كل واحدة منهن محملة بما يناسبها. هذا رائع بالنسبة لي، لأنه يؤكد لي أنني نجحت في مهمتي».
 
الآن أكثر من أي وقت سابق، تحاول وايكلي أن تركز على هذه النقطة، وتمحو فكرة أن تصاميمها تركز على فساتين السهرة الطويلة أو الكلاسيكية فقط. فهي تريد أن تبيعنا أسلوب حياة بالكامل، لهذا وبمجرد دخول المحل تتراءى تشكيلات غنية ومتنوعة من الكشمير والقطع المنفصلة لكل المناسبات، تخاطب امرأة مترفة، لكن عملية في الوقت ذاته، وهو ما تعكسه أسعارها أيضا.
 
فـ«المنتجات الفاخرة أصبحت مستهلكة» حسب قولها،«وأغلب الناس مهتمون الآن بالكيف وليس الكم، أي أنهم لا يريدون شراء حقائب غالية اليوم، تخسر قيمتها غدا لأنها لم تعد موضة. وهذا أصبح يتطلب الحرفية والجودة في التنفيذ فضلا عن جمال التصميم، مع الكثير من التفرد بحيث يحكي المنتج قصة مثيرة ولا يكون مملا».
 
نظرة سريعة إلى ما في المحل والتشكيلة التي ستقدمها في أسبوع باريس هذا الأسبوع، تؤكد أن أسلوبها لا يزال يميل إلى الترف بفنيته، لكنه ليس بعيد المنال من حيث أسعاره وتصاميمه. ففي هدوئه رقي يستهدف أن يجعل المرأة تشعر بالتميز والثقة «وهذا مهم بالنسبة لي لأنني أؤمن بأنني كلما منحت زبونتي الثقة زادت جمالا وسحرا».
 
عندما نطقت بهذه الكلمات صوبت عينيها، بطريقة عفوية، باتجاه فساتين السهرة المصفوفة أمامنا، ثم قامت وأمسكت بواحد منها وهي تشير إلى التفاصيل الداخلية، مشيرة إلى أنها لا تنسى أن جمال القطعة من الداخل لا يجب أن يقل عن جمالها من الخارج «لأنها كلما كانت على المقاس وتراعي أدق التفاصيل، تنساها المرأة وتستمتع بوقتها».
 
وهذا تحديدا ما تقدره زبوناتها، فأسوأ شيء بالنسبة لأي امرأة أن تكون في مناسبة مهمة وتقضي معظم وقتها غير مرتاحة، تقاوم نزول كم من على كتفها، أو تحاول رفع ياقة «ديكولتيه» وما شابه.
 
الطريف أنه كلما تطور الحديث توارت صورة المصممة الفائقة الجمال، التي دخلت المحل لاهثة بشعرها الأشقر المسترسل، وحلت محلها صورة امرأة ذات عزيمة قوية، إلى حد أنه في لحظة تبادرت إلى ذهني صورة النجم آرنولد شوارزنيغر وهو ينطق بمقولته الشهيرة: «لقد عدت» (I am back).
 
فهي الأخرى اختفت فترة عن رادار الموضة، وعادت أقوى من الأول. الآن في جعبتها جوائز مهمة، من غرفة الموضة البريطانية ووسام «OBE» قدمه لها الأمير تشارلز في عام 2010، وهذا وحده يؤكد أن المطبات لا تقف حاجزا أمام النجاح إذا توافرت الإرادة، وقليل من الحظ.
 
عندما أطلعتها على صورة آرنولد شوارزنيغر التي كانت تجول بذهني، ضحكت قائلة: «أنا لا أؤمن بالهزيمة، ولا أنا من النوع الذي يبكي على الحليب المسكوب، فقد علمتني الحياة ألا أفتح الباب للندم، لأنه يمكن أن يمتص طاقة الإنسان، ثم إن الحياة عموما ليست سهلة، لهذا أركز على المستقبل دائما، وأتذكر دائما أهمية أن نستمتع بما بين أيدينا من نعم».
 
بيد أنها لا تنكر أنه إلى جانب مثابرتها وقوة شخصيتها، كان للحظ دور في حياتها. في عام 2009، مثلا توفقت في استرجاع أسهم دارها، بمساعدة رفيق دربها الحالي، هيو موريسون، بعد أن كانت لا تملك سوى 20 في المائة منها ولا رأي لها في ما يجري فيها.
 
اجتهدت في إعادة ترتيب أوراقها وجعلها قابلة للاستثمار، وهو ما أثمر في عام 2012. 
 
فقد حصلت بالفعل على استثمار مهم من شركة «AGC» الخليجية، بعد اقتناع مسؤوليها برؤيتها أن تجعل من الدار أسلوب حياة بالكامل بدل صورتها القديمة كدار متخصصة في فساتين السهرة فحسب، علما بأن علاقتها بمنطقة الشرق الأوسط ليست جديدة. 
 
فقد سبق لها أن تعاونت مع شركاء من المنطقة في السابق، لهذا توطدت علاقتها بزبونة المنطقة مع الوقت، إلى حد القول بأن الكثير من العناصر في محلها الجديد بـ «آلبيمارل» يستهدف هذه الزبونة، ليس في ما يتعلق بفساتين السهرة المطرزة فحسب، بل أيضا الإكسسوارات التي باتت مصنوعة من جلود التماسيح وإبزيمات وماسكات تحاكي الجواهر. 
 
ولا تخفي وايكلي أهمية المنطقة بالنسبة لها، وتعترف بأنها بعد زيارات متعددة لها، تعرفت على ذوق المرأة العربية «فهي امرأة تفهم معنى الحرفية وتقدرها بشكل مدهش. فقد يعتقد البعض مثلا أنها تُقبل على التطريز مثلا، فقط لأنه يلمع، والحقيقة غير ذلك تماما، فهي تتمعن في طريقة تنفيذه، وتفهم ما يحكيه من قصص فنية مثيرة، لهذا تُقبل عليه».
 
ومع ذلك، لا تنوي المصممة إرضاءهن على حساب جيناتها الوراثية، بل تنوي ذلك بتوسيع الخطوط التي تقدمها، مثل إضافة خط «ذي أتولييه»، الذي تعتبره الأكثر تعقيدا من ناحية التطريز إلى حد يحاكي الـ«هوت كوتير»، لا سيما أنها اكتشفت من خلال مقابلاتها المتكررة بهن أنهن لا يتوقعن منها تغيير أسلوبها.
 
تشرح: «صحيح أن المنافسة كبيرة في السوق حاليا، خصوصا في ما يتعلق بفساتين السهرة والعرائس، لكني أؤمن بأنه على كل مصمم أن يحافظ على أسلوبه الخاص. فزبونتي، مثلا، لا تريد فستانا عليه اسمي، لكنه نسخة من إيلي صعب، مثلا، بل تريد أسلوبي، برؤيتي الخاصة».
 
لم تدرس أماندا وايكلي تصميم الأزياء، وكل ما تعلمته كان بالتجربة الميدانية. فقد كانت دائما مسحورة بالأزياء واللعب بالأقمشة، وفي فترة الصبا كانت تصمم فساتين، تصيب حينا وتخطئ حينا آخر، كما كانت تشتري قطعا تعجبها، تفككها ثم تعود لحياكتها من جديد. فالعملية حسب رأيها «كانت فطرية».
 
وأكثر ما كان يثيرها كيف تتحول قطعة قماش عادية إلى قطعة ثلاثية الأبعاد تتحرك وكأنها تتمتع بروح وكيان.
 
عندما احترفت المهنة لم يعد بوسعها اللعب لوحدها، وكان لا بد لها من التعاون مع أشخاص يمتلكون الموهبة والخبرة في الوقت ذاته، وهو ما فعلته بتعاملها مع حرفيين لهم قدرة عجيبة على إنجاز تقنية التصميم بطريقة مائلة بنسبة 45 درجة تقريبا (The Bias Cut)، وهي التقنية التي اشتهرت بها وجعلت المرأة تقبل عليها، لما يمنحه لها هذا التصميم من رشاقة وأنوثة.
 
تدافع أماندا عن هذه التقنية عندما أقول لها إنها تناسب امرأة فارعة الطول ورشيقة مثلها، قائلة بأنها قد تبدو كذلك وهي معلقة على شماعة، لكن بمجرد ارتدائها تشعر المرأة كما لو أنها فصلت على مقاسها تماما، لأنها تخفي الكثير من العيوب التي تريد التمويه عنها، وتبرز أنوثتها في المقابل ، «يمكنني القول بأنها طريقة رائعة سواء في طريقة قصها أو شكلها النهائي. أما بالنسبة لطولها فإنني أتعمده لسبب منطقي وهو أنه من السهل تقصيرها مقارنة بتطويلها في حال استدعت ذلك».
 
2015 مهم بالنسبة لها، لأن فيه تحتفل بمسيرة 25 عاما، وهو ما تعلق عليه ضاحكة، في إشارة إلى أنها تعدت الخمسين بسنوات قليلة «أنا لا أصدق أننا بلغنا الـ25، لأن ذلك يكشف الكثير، وأنا ما زلت أشعر كما لو أنني في الثلاثين من العمر».
 
ومع ذلك فهي تعرف أنه رقم مهم في حياتها يستحق أن تستمر الاحتفالات به طوال العام وهذا ما تنويه.