سر العلاقة بين العظام الدامية وتحضير الأرواح

في طريق العودة إلى أعماق الغابات كانت تعيش امرأة عجوز هرمة اشتهرت باستحضار الأرواح، وكانت ذات شعر رمادي وعينين غريبتين فكانت إحدى عينيها صفراء والأخرى خضراء وأنفها ملتوي، لم تكن ذات طلة جميلة إنما بشعة الوجه.
 
امتلأ بيتها بالأعشاب والجذور وزجاجات مليئة بأدوية استحضار الأرواح، وكانت حوائط البيت مغطاة بكتب غريبة مليئة بالتعاويذ السحرية. 
 
كانت هذه المرأة تعيش بمفردها بين كل هذا وتعلم كيف تقرأ تلك التعاويذ الغريبة، فقد ورثت هذا الأمر عن جدتها التي كانت مشعوذة وعلمتها مهاراتها كجزء من التدريبات على عمل السحر.
 
وبالنسبة للأصدقاء فلم يكن لها إلا خنزير صغير قبيح المنظر يركض حول منزلها طوال اليوم، يتغذى على فضلات ونفايات مطبخها وبقايا تعاويذها التي بدأت تؤثر فيه بالفعل.
 
ففي بعض أقاويل الناس أن هذا الخنزير القبيح يمشى واقفا في بعض الأحيان مثل الإنسان، وأنه يجلس أحيانا على الشرفة ويتجاذب مع العجوز أطراف الحديث أثناء وجودها في المطبخ تطهي الطعام.
 
وكان "البعبع" هو اللقب الذي تطلقه على خنزيرها نظرا لقبح منظره الذي يشبه الخنازير الميتة، ولم يكن يعبأ بهذا الاسم إنما ظل يتبعها في كل مكان تذهب إليه ليأكل ما تبقى، حتى أنه كان ينزل معها إلى المدينة عندما تذهب إلى المركز التجاري لبيع العلاجات المنزلية التي تصنعها بنفسها.
 
اعتاد أهل المدينة رؤيتها هي وصديقها الخنزير يتجولان في المدينة، حتى أنهم تعجبوا ذات مرة عندما نزلت إلى السوق التجاري بدونه، وسألوها حينها قائلين: "أين البعبع؟" أجابت بأنها لم تراه في ذلك اليوم حتى أنها سألت إذا كانوا قد رأوه أم لا.
 
أجاب التاجر أن أحدا لم يره ذلك اليوم، وإن كانوا رأوه كانوا سيخبرونه بالتأكيد وأنه سوف يراقبه من أجلها، شكرته المرأة العجوز وطلبت منه أن يخبرها إذا رآه، وأشار الرجل بالموافقة.
 
كانت المرأة تشعر بالغيظ وهي عائدة في طريقها للمنزل، لأنها لم تكن ترغب أن يختفي صديقها البعبع خاصة في اليوم الذي يذهبان فيه معا إلى السوق، وأن التاجر الذي تبيع له العلاجات يحتفظ دائما ببعض الطعام لهذا الخنزير لذا لم يكن ليفوت فرصة مثل هذه أبدا ولم يتأخر عنه في زيارة واحدة من قبل.
 
وعندما وصلت لمنزلها قامت بمزج جرعة دواء ووضعتها في طبق مسطح، وبدأت تسأل السائل الموجود بالطبق: "أين صديقي الخنزير البعبع؟" ثم تحول السائل إلى غيام وبدأت تتكون به بعض الصور، في البداية رأت العجوز صياد وقد أوقع الخنزير في الأسر حيث يسرق الخنازير التي لا تنتمي له، ثم رأته وهو يأخذه للمذبح، وبعدها رأت خنزيرها يذبح مع باقي الخنازير ومعلق، وكانت الصورة الأخيرة التي رأتها كومة من العظام الدامية التي كانت تخص خنزيرها ذات يوم، وقد وضعت رأسه المسلوخة.
 
غضبت بشدة لموت صديقها الوحيد الذي اعتبرت موته موت لها هي، وكانت جميع المقاطعات حولها تعلم جيدا أن ذلك الخنزير صديقها وأن هذا الجزار سيدفع ثمن فعلته.
 
حاولت العجوز ممارسة السحر الأبيض معظم الوقت مع علمها الجيد بالأسرار والسحر الأسود أيضا، حيث سحبت كتابا سريا قديما قد قامت جدتها بإعطائه لها، وفتحت آخر صفحة فيه، وقامت بإشعال العديد من الشموع ووضعتهم حول الطبق الذي يحتوي على السائل الذي ظهرت به صور صديقها وعظامه الدامية، ثم بدأت في قول ترنيمة "البعبع والعظام الدامية".
 
اختفت الأنوار القادمة من النوافذ وكأن الشمس قد انطفأ نورها مثل الشمعة، وبدأت تتصاعد السحب الداكنة مثل الألغام في المكان الذي كان يقف فيه الخنزير، ثم بدأ عواء الأرواح المظلمة يسمع الرياح التي ضربت رؤوس الأشجار، كانت تردد ترنيمة البعبع والعظام الدامية.
 
واستمرت العجوز في الغناء حتى خرجت من الطبق صاعقة فضية واندفعت خارج النافذة متجهة نحو مذبح ذلك الصياد، وعندما اصطدمت الصاعقة برأس الخنزير المذبوح مع غيرها من الرؤوس، هبطت على الأرض وتدحرجت حتى أنها لمست العظام الدامية التي كانت تسكن جسمه ذات مرة، بينما كانت عربة الصياد تبعد نحو الحافة حيث كان يعيش، نادت الترنيمة قائلة: "انهضي أيتها العظام الدامية وارقصي".
 
وفي الحال، وإذا بالعظام الدموية تجمع نفسها في الهيكل العظمي ليستقيم ويكون شكل الخنزير الذي كان يعيش مع العجوز، ثم قفزت الرأس فوق الهيكل العظمي، ثم بدأ البعبع يتجول باحثا في الغابة عن أسلحة ليستخدمها ضد الصياد الذي قتله، فوجد أسنان حادة لنمر ميت ومخالب دب كبير وذيل لحيوان الراكون الذي تحللت جثته، ووضعها فوق رأسه المسلوخة وعظامه الدامية.
 
ثم اتجه للبحث عن الصياد ثم تسلل إلى المكان حيث يضع الصياد عربته وحصانه ثم انتظره، وعاد الصياد في وقت الغسق، وكان الحصان يصهل بخوف لأنه يعلم بوجود البعبع، وحينها تسائل الصياد ما الذي يخيف حصانه ثم راح ينظر حوله ليرى عينان كبيرتان تحملق نحوه في الظلام، في البداية اعتقد الصياد أنه طفل شقي يتجول حول الزريبة، معتقدا أن الطفل يحاول إخافته.
 
وتحدث البعبع قائلا للصياد "سوف ترى قبرك"، ولم يعبأ الصياد ووضع حصانه في الكوخ، ورد على كلام البعبع قائلا: "إنك لمضحك" ورأي البعبع وهو يقترب منه ثم استمر بكلمات السخرية من البعبع بينما اضاف البعبع، قائلا "أنا هنا لأحفر لك قبرك" وكان وقع صوت البعبع الخافت خطير أوقف شعر الصياد خوفا، وجري مسرعا نحو باب حظيرته، ثم انزلق البعبع ونزل ليكون خلفه، ومع صرخات البعبع المرعبة هرع الصياد إلى منزله، لكن كانت خطوات البعبع أسرع منه، وعندما وصل الصياد منزله، وجد ظل البعبع فوقه، وإذا بالصياد يصرخ صرخته الأخيرة.
 
لم يسمع أو يرى أحد الصياد منذ تلك اللحظة، واختفى حصانه أيضا في تلك الليلة، لكن قال بعض الناس أنهم كانوا يشاهدون البعبع يتجول في الغابة بصحبة العجوز، ومنذ شهر في ليلة اكتمال القمر، كان البعبع راكبا حصان الصياد ويتجول به عبر المدينة، يرتدي ملابس الرجل فوق عظامه الدامية، حاملا أسلحته التي جمعها من الغابة حتى تكون على مرأى الجميع وهكذا تمكنت العجوز من تحضير روح خنزيرها البعبع لتنتقم له من الصياد.