القلق .. يلعب دور في اضطرابات الجسم

ان فهم دواعي القلق وعلاجه، غالبا ما يحسن من حالات الامراض المزمنة ونتائجها.


ومع عناوين الاخبار اليومية التي تحذرنا من الهجمات الارهابية، والاحتباس الحراري في الارض، وبطء الاقتصاد، فإننا نصاب، على الاغلب، بالقلق في هذه الايام.

وكمشاعر يومية، فان القلق ـ وهو استجابة «المجابهة او الهروب» ـ يمكنه ان يكون أمرا جيدا، يحفزنا على اتخاذ تدابير اقوى للحذر.

الا انه وعندما يشتد في ظل غياب الحاجة الى المواجهة او الهرب، فانه لا يتداخل مع مناحي حياتنا فحسب، بل وايضا مع صحة أجسامنا.

وتفترض الدلائل بان الاشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق، هم عرضة لخطر اكبر لظهور عدد من الحالات المرضية المزمنة. وتظهر لديهم اعراض حادة اكثر من غيرهم، كما يتعرضون لخطر الوفاة اكثر لدى وقوعهم بين براثن الامراض.

تشريح القلق
القلق هو ردة فعل للاجهاد او التوتر، سواء ذلك الذي يحمل ملامح نفسية او بدنية. ويعتقد ان هذا الشعور ينبعث من اللوزة amygdala، وهي منطقة في المخ تتحكم بالعديد من الاستجابات العاطفية.

وعندما تنقل المرسلات العصبية، النبضات نحو الجهاز العصبي السمبثاوي، فان معدلات دقات القلب وسرعة التنفس تزداد، وتتوتر العضلات، ويتحول تدفق الدم من الاعضاء الداخلية نحو المخ.
 
وعلى المدى القصير، فإن القلق يجعل الانسان متأهبا لمجابهة الازمة، بوضعه الجسم في حالة التأهب.
 
الا ان التأثيرات البدنية له ضارة، اذ انها تسبب الصداع الخفيف، الغثيان الاسهال، التبول المتكرر. وعندما يشتد القلق فإن نتائجه تكون ثقيلة على الصحة العقلية والبدنية.
 
القلق كحالة مرضية
رغم ان الابحاث التي تجرى على فسلجة الامراض المرتبطة بالقلق، لا تزال في مهدها، فإن هناك دلائل متزايدة تشير الى التأثير المتبادل بين المشاعر وبين الوظائف البدنية.
 
ومع ذلك، فان القلق غالبا لا يشخص بوصفه مصدرا لاضطرابات اخرى في الجسم، مثل سوء استخدام المخدرات، او الإدمان البدني، اللذين قد ينتجان عن محاولات اخماد مشاعر القلق.
 
كما ان القلق هو اضطراب يغفل الاختصاصيون عن رصده غالبا، بين أكوام من الاعراض المصاحبة لأمراض مزمنة، مثل القولون العصبي IBS او الصداع النصفي (الشقيقة).
 
وتشكل النساء ثلثي الـ 57 مليونا من البالغين الذين يعانون من اضطرابات القلق.
 
والامر المشترك بين كل هؤلاء الناس المعانين من هذه الاضطرابات، هو الخوف غير المشروع او الألم والحزن، التي تتداخل مع حياتهم اليومية.
 
ويلعب القلق ايضا دوره في اضطرابات somatoform disorders (وهي ذات منشأ نفسي) التي تتصف بظهور اعراض بدنية مثل الألم، الغثيان، الضعف، او الدوخة، من دون أي مسبب جسدي. وتشمل هذه الاضطرابات، وسواس المرض hypochondriasis، والوسواس حول وجود عيب بدني body dysmorphic disorder، واضطراب الآلام pain disorder، واضطراب conversion disorder.
 
ويعتبر القلق الآن متداخلا مع عدد من الامراض البدنية، ومنها امراض القلب، والاضطرابات في الجهاز التنفسي، والحالات المعوية.
 
وعندما يعاني الاشخاص المصابون بهذه الحالات، من القلق الذي لم يتم علاجه، فإن من الصعب علاج امراضهم، وتصبح اعراضها أسوأ، وفي بعض الاحيان فانهم يتوفون مبكرا.
 
القلق والاضطرابات المعوية
- يعاني نحو 10 الى 20 في المائة من الاميركيين من اضطرابين معويين وظيفيين هما الاكثر شيوعا:
القولون العصبي، وسوء الهضم dyspepsia.
 
وفي هذين الاضطرابين فان الاعصاب التي تنظم عملية الهضم تبدو اشد حساسية للمحفزات. ولأن هذين الاضطرابين لا يعملان على خلق تورمات مثل القرح او الاورام، فانهما لا يعتبران من الحالات التي تهدد الحياة بالخطر.
 
الا ان اعراضهما ـ آلام البطن، الانتفاخ، والاسهال او الامساك في حالة القولون العصبي، الغثيان، والتقيؤ، في سوء الهضم الوظيفي ـ قد تكون مزمنة ويصعب علاجها.
 
ولا توجد معطيات مؤكدة عن انتشار اضطرابات القلق لدى الاشخاص المعانين من اضطرابات معوية وظيفية، الا ان دراسة من نيوزيلندا اجريت سنة 2007 على اشخاص مصابين بالتهاب الجهاز الهضمي، عثرت على صلة بين القلق الشديد وبين ظهور القولون العصبي، بعد حدوث عدوى في الامعاء.
 
- اضطرابات التنفس المزمنة في مرض الربو، تنقبض القصبات الهوائية الملتهبة على شكل تقلصات، الامر الذي يقلل من تدفق الهواء نحو الرئتين.
 
وفي مرض الانسداد الرئوي المزمن COPD فان التهاب القصبات الهوائية يزداد حدة بفقدان مرونة الرئتين:
فهنا لا تزداد صعوبة وصول الهواء الى الرئتين فحسب، بل لا تستطيع الرئتان، لا الامتلاء بالهواء ولا لفظه كلية.
 
وعلى الرغم من تباين النتائج، فان اغلب الدراسات قد رصدت اعراضا للقلق بمعدلات عالية ونوبات من الذعر تحدث لدى المرضى المصابين بأمراض تنفسية مزمنة، التي تزداد اخطارها لدى النساء مقارنة بالرجال.
 
وفي عدد من الدراسات التي شملت مرضى COPD فان القلق كان يرتبط بعدد اكبر من حوادث التنويم في المستشفيات وبآلام حادة اكثر في كل مستوى من وظائف الرئة.
وحتى واذا لم يؤثر القلق على شدة المرض، فانه ادى الى التأثير على نوعية حياة المريض.
 
القلق وأمراض القلب
اضطرابات القلق، ربطت ايضا بظهور امراض القلب، وبالحوادث التي وقعت في الشرايين التاجية للاشخاص المصابين فعلا بأمراض القلب. وفي «دراسة صحة الممرضات»، وجد ان النساء اللواتي لديهن اعلى مستوى من مخاوف القلق، يتعرضن اكثر بنسبة 59 في المائة لخطر النوبة القلبية، ويتوفين بنسبة 31 في المائة اكثر بنوبة منها، مقارنة بالنساء اللواتي لديهن مستوى اقل من القلق.
 
كما اظهرت معطيات من 3300 من النساء ما بعد سن اليأس، شاركن في دراسة «مبادرة صحة النساء» ان تاريخا كاملا مليئا بنوبات الذعر ادى الى ازدياد خطر حدوث أزمة في الشرايين التاجية او سكتة دماغية، بثلاث مرات.
 
واستنتجت دراستان، الاولى اجرتها كلية هارفارد للطب مع معهد لاون لابحاث القلب والاوعية الدموية، والاخرى اجراها عدد من الكليات الطبية في كندا، ان الرجال والنساء المعانين من اضطرابات القلق، يزداد لديهم حدوث نوبة قلبية اكثر بمرتين، مقارنة بالآخرين الذين ليس لديهم اضطرابات القلق.
 
فوائد علاج القلق البدنية
الاختصاصيون الذين عالجوا بنجاح اضطرابات القلق، يتم توظيفهم الآن لأعمال تخفيف أعراض الامراض المعوية والتنفسية المزمنة. وهذه العلاجات قد تلعب دورها المهم في درء امراض القلب وعلاجها.
 
وهنا اهم المنطلقات المدروسة جيدا هنا:
ـ العلاج السلوكي ـ الادراكي Cognitive ـ behavioral therapy:
ان العنصر الادراكي يساعد الناس على التعرف على الافكار التي تولد القلق، ثم تحاشيها، اما الجانب السلوكي فيساعدهم على التعلم وذلك بالاستجابة بشكل مختلف للاوضاع المسببة للقلق.
 
وتعتمد خصائص العلاج على نوع القلق. وعلى سبيل المثال، فان المرضى الذين لديهم اضطراب القلق العام، او اضطرابات الذعر، يطلب منهم تدقيق تفاصيل حياتهم لرصد عاداتهم واعمالهم التي تولد مشاعر الخوف.
 
وقد يتم تعليمهم ايضا وسائل الاسترخاء للقضاء على القلق. اما المرضى ب ـ OCD وهو الاضطراب الذي يتسم بعملية الغسل الزائدة عن الحدّ، فقد يطلب منهم توسيخ أياديهم ثم انتظار الاختصاصي المعالج لفترة اطول: كي يتسنى لهم تنظيف انفسهم.
 
ـ العلاج الديناميكي النفسي Psychodynamic psychotherapy:
يتم تحفيز القلق عادة عند حدوث نزاع عاطفي دفين، او نتيجة تجربة مؤذية يمكن استكشافها ثم معالجتها بالعلاج النفسي. وفي اول دراسة سريرية عشوائية مراقبة، جرت فيها مقارنة العلاج بالاسترخاء relaxation therapy مع العلاج الديناميكي النفسي psychodynamic psychotherapy (وهو علاج بالمحادثة الموجهة) وجد الباحثون السريريون من جامعة كولومبيا في نيويورك ان المرضى المصابين باضطرابات الذعر الذين عولجوا بالعلاج الديناميكي النفسي، قلت لديهم بشكل محسوس الاعراض المتبقية، كما انهم أدوا وظائفهم اجتماعيا بشكل افضل، مقارنة بالآخرين الذين خضعوا للعلاج بالاسترخاء (المجلة الاميركية للامراض العصبية، فبراير 2007). واستجاب ما يقرب من ثلاثة ارباع المشاركين في مجموعة العلاج النفسي الى العلاج مقارنة بـ 39 في المائة فقط من المشاركين في مجموعة العلاج بالاسترخاء.
 
العلاج بالأدوية
على المدى الطويل فان الادوية لوحدها، هي أقل فاعلية من العلاج النفسي، كما ان الادوية قد تكون لها اعراض جانبية غير مريحة، وتتداخل مع ادوية اخرى. ومع هذا، فانها يمكن ان تقدم المساعدة عند استعمالها معا مع العلاج النفسي.
 
واكثر انواع الادوية المستخدمة شيوعا هي:
- الادوية المضادة للقلق
ادوية «البنزوديازيبن» Benzodiazepines. دواء Clonazepam (Klonopin)، ودواء alprazolam (Xanax) تم تطويرهما بهدف تخفيف القلق. وهما يؤديان عملهما بسرعة.
وعدا النعاس العابر، فان لهما اعراضا جانبية قليلة الا انه لا يوصى بتناولهما لمدى طويل، لان علامات التعود تبدو على المرضى وبذا يحتاجون الى جرعات اعلى، اما دواء (BuSpar (buspirone الجديد فيحتاج الى اسبوعين قبل ان يبدأ مفعوله، الا انه بالامكان تناوله لفترة اطول من ادوية.
 
- الادوية المضادة للكآبة
أدوية مانعات اعادة تناول السيروتونين المنتقاة selective serotonin reuptake inhibitors (SSRIs) مثل دواء sertraline (Zoloft)، اخذ يحتل موقع ادوية «البنزوديازيبن» على المدى الطويل لعلاج اضطرابات الذعر والقلق العام.وتمتلك الادوية المضادة للكآبة مزايا تخفيف الكآبة وكذلك القلق، ويعتقد انها لا تخلق الا خطرا قليلا على تعود الانسان عليها. ومع ذلك فان المرضى يفضلون احيانا ادوية «البنزوديازيبن»، لانها تؤدي مفعولها بسرعة اكثر (فالادوية المضادة للكآبة تحتاج الى اسبوعين لذلك)، كما انها لا تقود الى زيادة الوزن او مشاكل جنسية.
 
- حاصرات بيتا Beta blockers
يمكنها تخفيف القلق الحاد بتقليلها لمعدل ضربات القلب وتقليل ضغط الدم، وهي تستخدم غالبا لعلاج الخوف من الوقوف امام الجمهور، على سبيل المثال.
 
اطلب المساعدة
لا يتعالج نحو 30 في المائة من الاشخاص المعانين من القلق عبر كل حياتهم. وان كنت تعتقد انك تقع ضمن هذه الفئة .. او ان كانت لديك اضطرابات مثل القولون العصبي او الربو او الانسداد الرئوي او مرض في القلب، ولم يتم التحري عن وجود القلق لديك.. فان من المفضل ان تستشير طبيبك.
 
كما يمكنك التوجه الى الطبيب عند حدوث اعراض مستدامة من الدوخة او الأرق من دون وجود مسببات بدنية لها.
 
تذكر ان هذه الاعراض حقيقية وان بالامكان علاجها، سواء كان منشؤها العقل او البدن. وان كنت تعتقد انك اصبحت قلقا اكثر من الماضي فعليك التوجه لاستخدام وسائل الاسترخاء.