برامج صحية للتدريب على زيادة الوعي العاطفي

 ازدياد الوعي بمشاعر الآخرين بإدراك تعبيرات وجوههم يقلل فرص ارتكاب الجرائم ضدهم
ازدياد الوعي بمشاعر الآخرين بإدراك تعبيرات وجوههم يقلل فرص ارتكاب الجرائم ضدهم

رغم أن العواطف البشرية مشاعر طبيعية وغريزية يشترك فيها جميع الناس، فإن إدراكها والتأثر بها يختلف اختلافا كبيرا من شخص لآخر. وعلى سبيل المثال وعند مشاهدة مجموعة من الناس لفيلم معين يحتوي على مواقف مؤثرة، فإن درجة تفاعلهم مع المشاهد المؤثرة تختلف من مجرد المشاهدة وإلى البكاء تعاطفا مع الأبطال.
 
والبديهي أن أصحاب المشاعر الرقيقة في الأغلب لا يمكنهم ارتكاب الأعمال العنيفة والجرائم وذلك لأن لديهم إحساسا مفرطا بمشاعر الآخرين وتعبيرات الألم على الوجوه، وهو الأمر الذي يجعل من إيذاء الآخرين أمرا شديد الصعوبة وحتى في حالة ممارستهم العنف فإنه يكون أقل حدة، وأنه كلما ارتفع الوعي بمشاعر الآخرين من خلال إدراك تعبيرات الوجه كلما قلت فرص ارتكاب الجرائم.
 
تغيير المشاعر السلبية
وفي تجربة تعتبر الأولى من نوعها حاول علماء النفس استثمار هذه الفرضية ومحاولة تطبيقها بشكل عملي خاصة أنه في الكثير من التجارب النفسية السابقة ربطت بين ارتكاب الجرائم وتعبيرات الوجوه. ولاحظت الدراسات السابقة أن أولئك الذين يمارسون العنف لديهم مشاكل أو صعوبات في التعرف على تعبيرات الوجه وبشكل خاص مشاعر الخوف والحزن والألم. 
 
وفي إحدى التجارب السابقة في عام 2013 نجحت دراسة في تقليل مقدار العدوانية لدى المراهقين الذين كانوا يمارسون العنف سواء ضد الأقران أو الإخوة الأصغر عمرا من خلال برنامج يؤهل للتحكم في ردود الفعل الغاضبة وهو الأمر الذي يشير إلى إمكانية تغيير المشاعر السلبية إلى مشاعر إيجابية من خلال برنامج نفسي وعاطفي معد مسبقا.
 
وقد قامت مجموعة من أطباء النفس بجامعة كارديف Cardiff University بالمملكة المتحدة بعمل تلك الدراسة على بعض المراهقين الذين كانوا قد انخرطوا بالفعل في أعمال عنف سابقة ولديهم ميول عدوانية تجاه الآخرين وشملت الدراسة التي نشرت في مجلة بلوس وان PLOS ONE journal في شهر يوليو (تموز) من العام الجاري 50 مراهقا لا تتعدى أعمارهم 16 عاما كانوا قد ارتكبوا جرائم وأودعتهم المحكمة في مراكز لإعادة تأهيلهم. 
 
ورغم أن التجربة شملت جميع المراهقين الذين مارسوا العنف الآن مجموعة منهم تبلغ 24 أي ما يقارب النصف خضعوا لبرنامج لزيادة الوعي بالمشاعر من خلال تنمية إدراك تعبيرات الوجه.
 
ومن المعروف أن تدريب زيادة إدراك تعبيرات الوجه من الاختبارات النفسية التي يتم تدريب المرضى الذين عانوا من أمراض نفسية أو عصبية خاصة إذا كانت هناك إصابة أدت إلى تلف في أجزاء من المخ وفي المجموعتين الذين تم فصلهم (24 الذين خضعوا لتدريب الوجه والـ 26 الباقين) تم تثبيت جميع العوامل الأخرى مثل العمر ونفس معامل الذكاء ونفس الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والتاريخ الإجرامي لكي يتم ضمان سلامة النتائج بمعنى أن حتى المراهقين الذين مارسوا العنف كانوا على درجات متفاوتة من الشدة.
 
تعبيرات الوجوه
وقد تم عرض 150 صورة على الكومبيوتر تمثل تعبيرات مختلفة من الوجوه تختلف في تنوعها بين السعادة والألم والحزن والخوف وتختلف أيضا في درجة شدتها وتم الطلب من هؤلاء المراهقين أولا أن يتم التعرف على تعبير الوجه وثانيا يتم وصفه بدقة وثالثا يقوم كل مراهق بتقليد التعبير الذي يشاهده على شاشة الكومبيوتر في مرآة وضعت أمام كل منهم وقد استخدمت الدراسة مقياسا للعنف مقسما من (1 إلى 8 درجات).
 
وتعتبر درجة واحد هي مجرد كسر لقواعد المجتمع بينما تبلغ 8 جريمة القتل والمجموعة التي خضعت للتدريب (24 مراهقا) كانت سجلات العنف لديهم نحو 3.7 وانخفضت بعد البرنامج لتصبح 2.08 فقط.
 
وبعد الفترة التي تمت فيها التجربة في المركز وعودة هؤلاء المراهقين إلى خارج المركز التأهيلي لاحظ الباحثون انخفاض معدلات العودة للعنف مرة أخرى في كلا المجموعتين. 
 
ولكن لاحظوا أيضا أن المجموعة التي خضعت لاختبار تنمية المهارات العاطفية وإدراك تعبيرات الوجوه انخفضت معدلات عودتهم للجريمة بشكل عام كما حدث أيضا تغير نوعي في العودة للجريمة بمعنى أن هذه المجموعة مارست الجريمة ولكن من دون عنف أو بأقل كمية ممكنة من العنف وبشكل أقل كثيرا من المجموعة الأخرى مما يعنى أن البرنامج انعكس بالإيجاب على من اشتركوا فيه.
 
ويعتقد الباحثون أن المراهقين استفادوا كثيرا من زيادة إدراك تعبيرات الوجه لأنه جعل المراهق الذي يمارس العنف أكثر إدراكا وتفهما لمشاعر ضحيته وبالتالي يبدأ في التعاطف معه ولذلك لا يمارس العنف الجسدي تجاه الآخرين ويعتبر ذلك ضمانا للمجتمع بخلق أشخاص أسوياء حتى في حالة عودتهم للجريمة لا تعود بنفس مقدار العنف السابق حيث تلاحظ أن هؤلاء الذين عادوا للسرقة على سبيل المثال لم يمارسوا السرقة بالإكراه رغم تاريخهم الإجرامي العنيف.
 
وحذرت الدراسة من أنه لا يجب أن ينتظر المجتمع حتى يصبح المراهق مجرما ثم يتم تأهيله ولكن من الأفضل استغلال برامج مثل تنمية إدراك تعبيرات الوجه لتقليل العنف في المجتمع ومحاولة الحد من الجريمة كلما أمكن وأوصت بأن يتم التعامل بهذا البرنامج مع الفئات الأصغر عمرا بدءا من الأطفال الذين يمارسون العنف في المدارس أو المنازل وأنه يجب التعامل مع هذه الظواهر بالجدية الكافية واعتبارها مؤشرات لإمكانية أن يمارس الطفل العنف في المستقبل حينما يبلغ المراهقة أو البلوغ.