انطلاقة متفائلة لأسبوع الموضة بلندن للشتاء القادم

انطلق اسبوع الموضة للخريف والشتاء بلندن امس في اجواء ربيعية لم تشبها سوى سحابة القلق من تأثير الأزمة الاقتصادية الاميركية عليه بغياب المشترين الأميركيين.. والسبب ضعف الدولار. لكن على ما يبدو ان فرحة البريطانيين بالشمس المشرقة أكبر من خوفهم من تذبذبات الدولار وتبعاتها، هذا في الأقل ما يمكن لمسه من وجوه المصطفين في طوابير مبتسمة ومتحمِّسة.


فالكل يترقب اسبوعا حافلا بالعروض الشائقة، فمن جهة، هناك امل كبير في ان تعوض الأسواق الروسية والآسيوية السوق الأميركية، ومن جهة ثانية، مشاركة العديد من المصممين العالميين بدءاً من لويلا بارتلي إلى المخضرمة فيفيان ويستوود، التي ستشارك بعد تسع سنوات من الغياب بخطها المعروف بـ«ريد» Red، فضلا عن عدد من المصممين الأوفياء لعاصمة الفنون والابتكار، من امثال بول سميث، إيلي كيشيموتو، غاسبر كونران، أماندا وايكلي ولويز غولدين وغيرهم من الذين سيقدمون تشكيلاتهم اليوم. أما بيتي جاكسون، ماريو شواب، كريستوفر كاين، أكواسكوتم، باسو اند بروك، تود لين وأسماء اخرى، فسيكون لنا موعد معهم يوم غد.

وعن نيكول فارحي، بورا اكسو، أرمو باسي، غاريث بوغ، روكساندا إلينسيك وجايلز وغيرهم، فسيعرضون إبداعاتهم يوم الأربعاء، بينما سيكون يوم الخميس يوم لويلا بارتلي، أشيش، مارغريت هاول، جيني باكام، انطونيو آند اليسون، إيسا وفيفيان ويستوود، فيما ستعرض كل من أليغرا هيكس، غرايم بلاك، غافين دوغلاس، بيتر جانسون، وجوليان ماكدونالد ومجموعة اخرى لا تقل اهمية يوم الجمعة (آخر يوم في الاسبوع). الحماس المتفائل الملموس بالخيمة المنصوبة في متحف التاريخ الطبيعي بمنطقة «ساوث كينغستون» تعود نسبة كبيرة فيه، إلى أشعة الشمس الذهبية وتأثيرها الإيجابي على المزاج، بلا شك، لكن ايضا لحضور سارة براون، زوجة رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون، التي افتتحت الأسبوع، مما يوحي بأن بريطانيا بأجملها، شعبا وحكومة تريد إنجاح هذه الفعالية بأي شكل من الأشكال، سواء حضر الدولار ام لم يحضر.

وطبعا لن ننسى ان ازدياد اهمية اسبوع لندن في السنوات الأخيرة، يعود جزء كبير منه إلى مشاركة مصممين كبار، ولو لأغراض مكيافيلية، كون لندن مركزا تجاريا عالميا لا يستهان به، وايضا إلى إدارة ذكية اعتمدت تشجيع المصممين على الفنية التي تميز هذه العاصمة عن باقي عواصم العالم، بموازاة تنمية الحس التجاري، الذي كان يغيب عنها منذ عقد من الزمن. فمقارنة بسيطة تؤكد لنا أن الجنوح إلى الجنون كان سمتها الغالبة. ورغم ان هذه السمة اكسبتها شهرة وعززت مكانتها عالميا إلا انها لم تغنها من جوع، مما أدى بمبدعيها للهجرة إلى عواصم اخرى، مثل نيويورك وباريس. فعاصمة لا يحضر اسبوعَهَا المشترون لا تشجع ايَّ مصمم على صرف حوالي 70 ألف جنيه استرليني على عرض لا يستغرق أكثر من عشر دقائق من الزمن. كل هذا تغير، فقد تعلم مصمموها لعبة التوفيق بين الابتكار والاتجار.

خلف الكواليس أطفال وعارضات يستعددن لعرض كارولين تشارلزكما اصبح للأسبوع ممولون أغلبهم من اصحاب المتاجر الكبيرة، مثل الملياردير فيليب غرين صاحب محلات «توب شوب» وستيوارت روز، الرئيس التنفيذي لمحلات «ماركس آند سبانسر» والرئيس التنفيذي لأسبوع لندن، وهي المهمة التي قام بها لأربع سنوات وغادرها هذا الاسبوع بشكل رسمي مناولا المشعل للرئيس التنفيذي لمحلات «يايغر»، هارولد تيلمان. وربما هذا ما يفسر مشاركة «يايغر» لأول مرة في الأسبوع بعرض ساخن أكدت من خلاله أنها دخلت عالم الموضة والأناقة العصرية من أوسع الأبواب، بعد ان عانت منذ سنوات من تراجع في ارباحها ومبيعاتها لعدم قدرتها على مواكبة متطلبات السوق وتغيراته. العرض كان رائعا غلبت عليه الفساتين والتايورات المفصلة إلى جانب الاكسسوارات المبتكرة. بول كوستيلو، كعادته منذ ست سنوات، كان أول من افتتح الاسبوع بعرض هادئ، أكد فيه ان الموضة لا تعني دائما الشطح بالخيال أو الجنون. فالفنون قد تكون عبارة عن ازياء مصممة ومحيكة على يد مخضرم يعرف زبوناته تماما ويحترمهن من دون ان يتهاون عن مواكبة الموضة وإرضاء بناتهن.

أزياؤه كانت في غاية الأناقة والبساطة، بحيث يمكن لأي واحدة ان تتخيل نفسها في واحدة منها، سواء كانت على شكل تنورة منفوخة من التويد أو فستان مفصل أو معطف مميز، مع العلم ان المعطف كان بمثابة النجم في عرضه، فقد قدمه بتصميمات متنوعة تتباين بين العسكري والمستدير والمفصل وهلم جراً بألوان غلب عليها الاسود والرمادي مع ذرات من ألوان الكرز. عرض المصممة كارولين تشارلز، كان الثاني بعد عرض كوستيلو، وقسمته المصممة، التي كانت في يوم من الأيام المفضلة لدى الأميرة الراحلة ديانا، إلى ستة أجزاء، وكأنها أجزاء من مسرحيات مختلفة، سواء من حيث ألوانها أو روحها وإيحاءاتها. كان هناك الكثير من القطع الأنيقة، بعضها بنقوش جميلة، وأخرى نسقتها مع كنزات صوفية وقبعات استحضرت حقبة الأربعينات من القرن الماضي. نقطة ضعف هذه المجموعة الأزياء المصنوعة من المخمل التي بدت «قديمة» نوعا ما.

ورغم ان عرضها لم يثر الحواس بشكل كبير، إلا ان موسيقى الجاز ومشاركة الأطفال فيه، كان لهما تأثير إيجابي، قد لا يشفعان لها بعض القطع التي لن تروق للأغلبية، إلا انهما حتما اضفيا متعة نزعت ابتسامات من وجوه غير الراضيات عما شاهدنه. «بيبا» الاسم الذي تألق في الستينات على يد مؤسسته، باربرا هولانيكي، وعاد منذ مواسم قليلة للعرض في أسبوع الموضة بلندن، شارك ايضا في اليوم الأول، لكنه من دون المصممة بيلا فرويد، لأن من أشرف على تصميم هذه التشكيلة فريق متكامل، عاد إلى الأرشيف واستقى منه افكارا تشكيلية معبأة بروح الستينات، لكن بترجمة عصرية للغاية، باستثناء بعض الاكسسوارات التي كان الهدف منها الإثارة، أولا وأخيرا، مثل القبعات العالية أو تلك المصنوعة من الكروشيه المستوحاة من تركيا القديمة أو روسيا.

لكن رغم أشعة الشمس الذهبية، وهدوء الأزياء وجمالها، إلا ان لندن لا يمكن ان تسلم من بعض الجدل. في السنوات الماضية كان جدل العارضات النحيلات هو السحابة التي ألقت بظلالها عليها، وسرقت الاضواء من الأزياء، وهذه المرة الوضع الاقتصادي الأميركي المتذبذب كان هو محور الحديث في الصالة المخصصة لوسائل الإعلام. فعلى ما يبدو ما إن نجحت لندن في استقطاب هذه الوسائل، إلا انها لم تنجح في استقطاب المشترين الاميركيين الذين غاب العديد منهم، إن لم نقل كلهم، هذا الأسبوع. وهذا ليس غريبا باعتبار وضع الدولار الضعيف مقابل الجنيه الاسترليني، مما يجعل اسعار لندن، وبالذات اسعار ازيائها، نارية.

وحسب تقرير نشرته جريدة «الفاينانشال تايمز»، فإن مشترين من المحلات الاميركية الكبيرة، مثل «ساكس فيفث أفينيو» و«بارنيز» و«نيمان ماركوس» يفضلون باريس على لندن هذا الموسم. وإذا كان هذا صحيحا، فستكون المرة الأولى منذ عشرين عاما لن يحضر فيها احد من محلات «بارنيز» هذا الحدث. السبب الآخر، حسب ما نشرته الصحيفة على لسان رون فراش، رئيس «ساكس فيفث أفينيو» الأسعار المرتفعة أصلا، وربما غير المبررة لبعض الماركات الجديدة، الأمر الذي يستدعي ان تكون جد مميزة «إنها معركة حقيقية بالنسبة للصغار، وهو الأمر الذي ينطبق على لندن التي تضم نسبة كبيرة من هؤلاء. ففي وقت مثل وقتنا الحالي، من الصعب ان تشق طريقك.. المصممون الصغار لا يمكن أن ينجحوا للأسف».

والمقصود هنا انه عندما يطرح زي من جايلز ديكون مثلا إلى جانب زي من دار أزياء فرنسية معروفة، وبنفس السعر، فإن المستهلك سيقبل على الفرنسي بلا شك. لكن من وجهة نظر اللندنيين، فإن الأمر لا يهم كثيرا، مؤكدين ان أزمة الدولار لا يمكن ان تؤثر على لندن ومستقبلها، لأنه عندما يقفل باب يفتح باب آخر، والباب الثاني هنا هو طبقة الأثرياء الجدد من آسيا وروسيا. هيلاري ريفا، الرئيسة التنفيذية لمنظمة الموضة البريطانية أكدت هذا الامر بقولها: «صحيح ان هناك تراجعا اميركيا، لكن نجاح الأسبوع ليس بيد الأميركيين فحسب». وتوافقها أنا أورسيني، المتحدثة باسم المنظمة، القول بأن الاسواق الجديدة لها حضور قوي هذا العام «الصينيون والروسيون حاضرون من خلال رئيسات تحرير مجلات «فوغ»، وعلى صعيد المشترين هناك «كروكوس» و«يوكي ستايل» من موسكو، و«داي آند نايت» من سانت بطرسبورغ، إلى جانب حضور من جنوب كوريا واوكرانيا والشرق الاوسط».

ومما لا شك فيه ايضا ان الموضة البريطانية عموما، باتت تحظى باحترام المحلات الاوروبية، لما تعكسه تصميماتها من روح شبابية يصعب منافستها، بدليل وجود مشترين من «كوليت»، «ليكليرور» و«مايا لويزا» وغيرهم، إلى جانب مشترين من محلات «برانتون»، «غاليري لافاييت» و«بون مارشيه» واخرى من إيطاليا. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأسبوع سيشهد 57 عرضا، ومشاركة حوالي 200 مصمم ازياء واكسسوارات.