الجلابة والجينز.. زواج العصر

بعد أن كانت البنات يتأففن منها أصبحن يتفنن في اختيار تصميماتها .. إن تزاوج الأناقة المغربية بين الجينز والجلابة في آن واحد، كان أمرا مستبعدا جدا في الماضي، ولم تكن مجرد الفكرة يمكن أن تخطر على بال أي واحدة إلى حدود التسعينات. فللجلابة قداستها في الموروث الثقافي المغربي. لكن مع بداية عام 2000 اتسع أفق إبداع المصممين المغاربة الذين نهلوا من مدارس الخياطة الراقية الباريسية، وتنافسوا في ابتكار تصاميمهم لترويج غنى تراثهم حتى إلى الخارج الذي لا يبعد كثيرا منهم، وحيث توجد نسبة كبيرة من أبنائه هناك، ليقتحم الجينز أيضا مجال اللباس التقليدي الذي عرف تطورا مهما في السنوات العشر الأخيرة.


ومعروف عن الجلابة أنها اللباس الرسمي لكل المغربيات، حافظت دوما على طابعها التقليدي بالقلنسوة، أو ما يعرف بالـ«قب» في اللهجة المغربية، والتصميم الواسع بالصنعة التقليدية «صنعة المعلم»، قبل أن تطأها هي الأخرى مقصات المصممين فتجعلها تارة ضيقة وتارة أخرى على المقاس بالضبط أو قصيرة بـ«قب» واسع أو أحيانا بأكمام فضفاضة، بل استلهمت من جلباب الرجال الواسع والقصير أيضا، حسب اختلاف ثقافة المغرب شمالا وجنوبا ،لدرجة أصبحت معها جلاليب الرجال والنساء تتشابه أحيانا في الألوان والتفصيلات يميزها فقط زخارف الصنعة التقليدية التي غالبا ما تكون أخف وأهدأ بالنسبة لزي الرجال.

رفلت الجلابة في أثواب عدة وألوان باهرة وزخارف تثور عن الصنعة التقليدية، فاستعمل التطريز بكل أشكاله وألوانه الموجودة، وحل العقيق محل ضفائر الحرير وتقنية (الباتش وورك) أي الخياطة بملصقات عديدة من القماش. وأدخلت كل أثواب الموضة المستعملة في الملابس الجاهزة لتفصيل وخياطة جلابة تستجيب لكل صيحات الموضة الموجودة في العالم، إلى ان وصل الأمر إلى استغلال ثوب الجينز لتصميم جلابة أنيقة لافتة للانتباه.

وبهذا الاختراق العصري للجلابة المغربية، بدأت الشابات يقبلن أكثر على الجلابيات خاصة وقد أصبح بإمكانهن الاحتفاظ بالجينز كلباس أساسي. وعوض القميص أو الـ«تي شورت» تلبس جلابة قصيرة بتصميمات متنوعة حسب لمسة كل مصمم على حدة، بعمل فتحات على الجنبين أو في الوسط أوسع من فتحات الجلابة الاعتيادية لإبراز الجينز في لوحة فنية جديدة. وتطأ التنميقات التقليدية حتى الجينز يمكن للشابات أن يحتفظن بسروال الجينز الذي قد يخضع لبعض التنميقات بالصنعة التقليدية أو تركه على حاله حسب ذوق صاحبته. ت

قول المصممة نبيهة في هذا الصدد: البنات عادة ما يتأففن من لبس الجلابة لأنها قد لا تناسب سنهن وذوقهن وحركتهن، لكن اليوم العكس هو الحاصل، فكل الفتيات يقبلن على الجلابة المبتكرة، تجمع الجينز العادي بجلابة عصرية تخلص للصنعة التقليدية (ضفيرة التراسن، السفيفة، الراندا..) وغيرها من الزخارف المعروفة، دون أن تشكل عبئا أو حرجا للفتاة التي عادة ما تستغني على الجلابة لطابعها التقليدي وعدم استجابتها لروح الشباب. ثم لا ننسى أيضا المغاربة المهاجرين المتشبعين بثقافة الغرب فهم يريدون أن يحفظوا هويتهم لكن بنفس جديد، لذلك تجدهم متحمسين لهذا النوع من الجلابيات المبتكرة.

وعما إذا كان هذا الإقحام يضر بأصل الجلابة وروحها تجيب المصممة سميرة الحدوشي: «لا أعتقد ذلك، لأن استمرارية الزي التقليدي لحد اليوم هو لكون المصمم المغربي واكب التطور الحاصل في الأذواق، وانفتح بشكل مميز على ثقافات أخرى تتعايش معنا بحكم الاحتكاك اليومي الذي نعيشه عبر الفضائيات والأنترنت. لذا فالتفاعل مع أذواق الآخرين عامل أساسي لإقبال الشابات على الزي التقليدي الذي هو جزء من شخصية المغاربة المرنة والقابلة للانسجام مع ثقافات أخرى».

وتضيف: «لقد لا حظنا كيف أصبح القفطان يستلهم مثلا حتى من العباءة الخليجية ولباس السهرات العالمية، ولهذا السبب تحظى الأناقة المغربية بكثير من الاهتمام وسمعة عالمية». وبالرغم من أن البعض قد يرفض هذا التغيير خاصة النساء المخلصات للجلابة التقليدية، فإن تسويق موديلات الجينز أمر ناجح ويرضي أذواق الشــابــات التواقات دائما إلى التغيير والتمـــيز دون إلغـاء هويتهن الثقافية.