الإيطاليون .. تقاليدهم الجمالية أقوى من تقاليدهم الأخلاقية

قالت ماريا تيريزا بينتوري الخبيرة في التجميل وهي تشارك في ندوة فنية حول استعمال الآلات الجديدة للتجميل في ايطاليا «أتتني منذ أيام أم لفتاة لا يتعدى عمرها الثماني عشرة سنة وفاجأتني بقولها: أتدرين ماذا طلبت مني ابنتي كهدية لعيد ميلادها؟ عملية جراحية للتجميل وتكبير الثدي».


لكن رغم ما في هذا القول من نبرة استغراب إلا أن المرأة الايطالية أصبحت مهتمة بالجمال والشكل الحسن بشكل كبير، سواء كانت شابة يافعة أو عجوز وصلت أرذل العمر. ويمكن القول ان هذا بديهي، فكل شيء من حولها يدفعها للتركيز على الشكل والمظهر الحسن.

وكما تقول اريكا لاتوغا : «المرأة الايطالية تتعرض لهجوم اعلامي هذه الأيام من كافة الزوايا: الوزن المثالي، الشكل المناسب، اللباس الأنيق، الاكسسوار الملائم، وهلم جرا». فقد مضت أيام الكفاح النسائي والأزياء البسيطة والمطالبة بتكافؤ فرص العمل التي نتج عنها تحاشي الماكياج في السبعينات، وغدت الملابس الشبابية وحقائب «برادا» وفستان «فيرساتشي» والماء المعدني آخر الصيحات في عالم الموضة والاذواق والصحة وأصبحت صناعة الجمال في لائحة الأولويات في بلد اشتهر بالذوق.

المعروف عن ايطاليا منذ حقبة الرومان أن محبة الجمال (الإيستيتيك) هو علم بحد ذاته يدعو للاحترام، كما ان مبادىء الجمال المقتبسة عن الاغريق أمر يتغنى به وتنظم فيه الأشعار. وتسمع الآن بشكل متواصل الحديث عن «الجميل» (بيللو أو بيللا بالايطالية للمذكر والمؤنث) أو «القبيح» (بروتو أو بروتا) أو كما يقول عالم الاجتماع الايطالي المعاصر فرانشسكو البيروني «للايطاليين تقاليد جمالية لا تقاليد أخلاقية لذا فإنهم يحسون بالضياع اذا لم ينقذهم الشكل الحسن والذوق الجيد».

الحقيقة ان ايطاليا الحديثة أعطت للجمالية مكانا بارزا بعد انتهاء ديكتاتورية موسوليني وما رافقها من اضطهاد واحساس بالذنب وعوضت عن ذلك بالنهضة الاقتصادية حتى أن سيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء السابق كان يدعو الى زيادة الاستثمارات الاجنبية قائلا «أين يجد المستثمر مثل هذا الجمال الذي سيجده في ايطاليا».

الكل في ايطاليا مغرم بروح الشباب ولا أحد يريد الاعتراف بتقدم العمر، لذلك تشهد البلد تزايد الهوس بالنحافة والجراحة التجميلية وارتياد صالونات التجميل بين كافة الطبقات والاعمار. تقول باربارا كارنيفاليه، وهي خبيرة تجميل، انها سافرت اخيرا الى مصر وقضت أشهرا في دراسة نعومة جلد المصريات وتستغرب أن الموضة الغربية وصلت الى هناك متسائلة «لماذا تهتم السمراوات بمستحضرات التجميل الاوروبية وعندهن بشرة طبيعية ممتازة».

النجمة مونيكا بيلوتشي أكثر من يجسد الجمال الإيطالي
أما كورادو صوفيا المختص بالتقنية التجميلية فيقول «لقد تابعت الابحاث عن الطب الشرقي في كوريا، ثم درست أساليب الطب التقليدي في المكسيك، وأعتقد أن التغذية هي العنصر الأهم في ديمومة الشباب والصحة الجيدة». ويضيف «التزام نظام حمية متوازن ضروري للامعاء، فهي التي تقرر ما يمتصه الجسم وما يفرزه ويجب أن لا تحتفظ بأكثر من نسبة معينة من البكتيريا الضارة. فالأكل السريع مضر وفائدة الخضار تزول تدريجا مع الطهي، اذ يكفيها دقيقة واحدة والماء المعدني مفيد اذا كان من النوع القلوي أي نسبة ph فيه تزيد على 7 وإلا فإن الماء الجاري في الحنفية (الصنبور) في روما أفضل من الزجاجات المعبأة».

من الوسائل التي تستعملها الايطالية في سعيها إلى الجمال والشباب، الـ «بوتوكس» وله شعبية كبيرة لأنه علاج لا يتطلب عملية تجميل جراحية ويعطى بشكل حقن. ومنذ أن شاع أن المغنية الاميركية الايطالية الأصل مادونا تستعمله زاد الاقبال عليه في ايطاليا من قبل النساء.

البعض الآخر يفضل استخدام القهوة كعلاج، فهي منبه طبيعي وتحسن الدورة الدموية في الخلايا كما أنها مضادة للاكسدة، بل انهم يبالغون في القول بأنها تشفي من الاكزيما وتبعد شبح الشيخوخة. أحد أفخم فنادق العاصمة الايطالية «اوتيل دو روسي» يقدم لزبائنه آخر مستحضرات التجميل الفرنسية من نوع «كاريتا» لمكافحة الشيخوخة، بالاضافة الى التمارين الرياضية وبالطبع الغرف الفخمة المطلة على ساحة الشعب المشهورة (بياتزا ديل بوبولو).

وتقضي المرأة الايطالية حوالي 6 ساعات اسبوعيا في صالونات التجميل وحوالي 12 ساعة في ممارسة الالعاب الرياضية، هذا عدا ان المحلات المتخصصة ببيع مستحضرات التجميل في ازدياد مستمر. فالجميع يقبل عليها مهما كان الثمن، وإن كان يحسب للمرأة الايطالية تميزها عن غيرها بذوقها الرفيع، سواء في اختيار ملابسها حتى لو كانت من ذوات الدخل المحدود. ممثلات السينما مثل مونيكا بيلوتشي، هي المثال الذي تقتديه نساء اليوم أو تحاول الاقتراب منه، فضلا عن ممثلة شابة ناشئة مانويلا أركوري تركت بصماتها على الذوق النسائي.

أما سيدات الموضة الايطالية اللواتي ينافسن جورجيو أرماني وزملاءه الرجال فأشهرهن في الوقت الراهن هي ميوتشا برادا التي تمثل الحداثة المصفاة على عكس بعض تصميمات غوتشي التي تمتاز بالاثارة الجنسية. وقصة ميوتشا برادا تستحق الدراسة بحد ذاتها، فهذه المصممة المبدعة بدأت بتوزيع المنشورات اليسارية في السبعينات وهي ترتدي ملابس من تصميم إيف سان لوران، وبعد أن ورثت الشركة التي أسستها جدتها قبل الحرب العالمية الاولى في ميلانو أثبتت براعتها في ادارة الشركة، مما نتج عنه توسعها ونجاحها العالمي اذ ركزت جهودها على الحقائب النسائية، وكانت هذه ضربة معلم من طرفها.

وتقول مبتسمة ساحرة، رغم أنها ليست مشهورة بجمالها بل يمكن القول انها عادية جدا: «اختيار الحقيبة أسهل من اختيار الفستان لأن العمر والوزن لا اعتبار لهما».

أما دوناتيلا جيرونبيلي التي ساهمت في الماضي في نجاح دار جيني للازياء فتؤكد قائلة «الذوق في الاختيار هو المفتاح. فاللون الاحمر في اللباس له أهمية قصوى بالنسبة لي لأنه مثير ويعطي الضوء والسعادة والأنوثة. أما في ترتيب مائدة الطعام فعليك قبل أن تأكل البحث عن الزهور المناسبة».

وبعيدا عن اسواق الأزياء ومستحضرات التجميل، تعرض هذه الأيام في روما منحوتات انطونيو كانوفا (1757 - 1822) الرائعة، ويلقى المعرض الذي يجمع أعماله من مختلف المتاحف العالمية اقبالا شديدا في فيلا بورغيزي، وسيستمر حتى أوائل فبراير (شباط) من العام المقبل، ويضم تمثال بولين شقيقة نابوليون بونابرت وتمثال فينوس الهة الجمال وغيرها من المنحوتات الاساسية التي تعبر عن مقاييس الجمال والتناسق والرشاقة، التي ترى المرأة الايطالية نفسها ممثلة لتلك المقاييس والقيم منذ عهد الامبراطورية الرومانية.

صحيح اننا لن نعثر الآن على السيدات الارستقراطيات الجميلات التي وصفهن الكاتب الفرنسي الشهير ستاندال، حين زار ايطاليا في القرن التاسع عشر، لكننا سنرى المرأة الحديثة تتلقى الهامها من الطبقة النبيلة ومن مشاهير العصر الراهن وحتى زوجة البقال أو الخباز لا تحرم نفسها من زيارة الحلاق بانتظام والبحث عن الملابس الانيقة في مواسم التنزيلات، فالجمال هو الاساس الذي لا تمحوه الأيام ولا يقدر بثمن بالنسبة لها.