الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية .. ما علاقتها بنمو الأطفال؟

«وباء العصر التكنولوجي» يهدد المستوى الحسي والحركي والتفاعلي لهم
«وباء العصر التكنولوجي» يهدد المستوى الحسي والحركي والتفاعلي لهم

خلال السنوات الأخيرة، أصبح من الملاحظ أن استخدام الأجهزة اللوحية وأجهزة الهاتف الذكية بأنواعها لم يعد حكرا على البالغين بل شمل عددا ليس بالقليل من الأطفال على اختلاف أعمارهم، بينما لا يدرك الآباء والأمهات مدى خطورة ذلك السلوك على مستقبل أبنائهم ونموهم.
 
أنها ظاهرة حديثة يقع فيها صغار السن بتأييد من والديهم وأسرتهم. ومثال ذلك، أن يتصور القارئ المشهد الذي أصبح مألوفا في المطاعم والأماكن العامة، لوجود أسرة مكونة من 3 أطفال من فئات عمرية مختلفة مع والديهم والجميع مشغولون بأجهزتهم ولا ينظرون إلى بعضهم البعض أو يتحدثون.
 
وأضاف: «لا أعتقد أننا من الممكن أن نشكك في حقيقة أن الأطفال يقضون مع الأجهزة اللوحية أو أجهزة الهاتف الذكي الكثير من الوقت وذلك على حساب إمكانية أي تفاعل مباشر مع أشقائهم أو والديهم».
 
أطفال التكنولوجيا
الدراسات والأبحاث التي ظهرت في السنوات الأخيرة وتناولت تأثيرات الأجهزة اللوحية وأجهزة الهاتف الذكية على نمو وتطور مهارات التواصل ومهارات التفاعل الاجتماعي عند الأطفال، حيث أظهرت استطلاعات واستبيانات تم إجراؤها حديثا في 2012 في الولايات المتحدة الأميركية وكندا بواسطة مجموعة كبيرة من الباحثين ذوي الاختصاصات المختلفة ذات العلاقة بأن الأطفال تحت سن 3 سنوات يشاهدون في المتوسط ساعتين ونصف من البث التلفزيوني أو الفيديوهات (على أجهزة الهاتف الذكية أو الأجهزة اللوحية)، كما أن 25٪ من الأطفال يملكون هذه الأجهزة في غرفهم.
 
كما أظهرت النتائج بأن الأطفال من سن 3 إلى 6 سنوات يشاهدون 7 ساعات ونصف من البث التلفزيوني أو الفيديوهات على الأجهزة اللوحية وأجهزة الهاتف الذكية، وبالإضافة لذلك فقد أظهرت الدراسة أن 75 في المائة من الأطفال يملكون أحد الأجهزة في غرفهم. 
 
كما لاحظوا أن الأطفال الذين يفضلون الأجهزة اللوحية وأجهزة الهاتف الذكي 7 أضعاف الذين يفضلون أجهزة التلفزيون للمشاهدة العامة مع أفراد الأسرة.
 
وأخيرا أظهرت الإحصائيات أن 30 في المائة من الأطفال الذين سوف يلتحقون بروضات التعليم يعانون من تأخر أو مشكلة تعيقهم عن التواصل والتفاعل الاجتماعي مع أقرانهم كما أن 15 في المائة من الأطفال تم تشخيصهم بمستوى أداء ذهني أقل من المتوسط.
 
وباء حديث
في العقد الأخير، ازداد بشكل وبائي استخدام وسائل الترفيه التكنولوجية المختلفة المتمثلة في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية مما كان له الأثر في أن يعيق الكثير من النمو عند هؤلاء الأطفال على المستوى الحسي والحركي والتواصلي والتفاعلي إلى درجة جعلت من السمنة وقصور الأداء الذهني واضطرابات الانتباه وصعوبات التعلم أن تصبح من المشكلات الشائعة. 
 
إن الارتباط لهذه الدرجة بالتكنولوجيا يقلل من مستويات تفاعلهم مع الآخرين سواء كانوا أطفالا أو بالغين مما يستتبع زيادة هائلة في أعداد ونسب وجود الاضطرابات السلوكية والنفسية والتي قد تتطلب التدخل الدوائي مما دفع الباحثة الرائدة في مجال الطبي النفسي والعصبي سوزان جرين فيلد في كتابها الشهير «العقل يتغير» (Mind Change) لتقديم ومناقشة الكثير من القضايا ذات العلاقة والتي يمكن أن يتناولها البحث العلمي بالدراسة في السنوات القادمة، وهو ما أتوقع أنه سوف يأخذ الكثير من اهتمامات الباحثين، فنحن نعرف أن قضاء وقت أكثر أمام شاشات هذه الأجهزة يعني فرصا أقل للأطفال للاستمتاع والمشاركة في تفاعلات تواصلية ولغوية وهو ما يحرمهم من فرص كثيرة لتنمية مهاراتهم التواصلية واللغوية على مستوى المفردات والتراكيب وتعلم قوانين التفاعل الاجتماعي مع الآخرين سواء كانوا من البالغين أو الأطفال بل وتحرمهم فكرة تعلم التواصل غير اللفظي بمستوياته الكثيرة فهما أو استخداما.
 
الطفولة الأولى
الطفولة الأولى مرحلة ذهبية للنمو السليم، إذ من المعروف للمتخصصين في علاج أمراض النطق واللغة أن الفترة العمرية بين 2 و5 سنوات تمثل الفترة الذهبية لتعلم المهارات التواصلية واللغوية المختلفة، من تعلم مفردات وصياغة أسئلة واتباع للأوامر والنطق الصحيح وتعلم قواعد التفاعل الاجتماعي مع الآخرين سواء كانوا أطفالا أو بالغين. 
 
فمثلا قد لا يحتاج الطفل في هذه المرحلة خبرة من التعامل مع كلمة معينة أكثر من مرتين حتى يصل إلى مستوى، ولكن الدراسات الحديثة أظهرت أن هذا العدد قد يرتفع إلى 6 أضعاف من ناحية عدد مرات التفاعل قبل أن يصل إلى مستوى الفهم والتذكر والاستخدام الملائم عند الأطفال الذين يستخدمون التكنولوجيا الحديثة بمعدلات أعلي.
 
إن الآباء في حاجة ماسة لتعريض الطفل لعالم اللعب الحقيقي الذي يكسبه الكثير من المهارات على كل مستويات النمو المطلوبة والقصص سواء كانت من خلال اللعب المباشر مع الأطفال سواء كان اللعب وظيفيا أو تركيبيا أو تخيليا أو قراءة الكتب المناسبة لفئتهم العمرية أو من خلال قصها شفهيا مما ينمي مهارات الحوار والتفاعل ومهارات اللعب التي تعتبر الأهم.
 
ولقد أثبت الكثير من البحوث الميدانية العلاقة القوية بين مستوى أداء اللغة الشفهية عند الأطفال وقدرتهم علي الأداء. وأخيرا نرجو ألا يفهم مما تم عرضه سابقا أننا ضد استخدام التكنولوجيا، ولكننا نرفض أن تسيطر على أطفالنا لأنها ببساطة تجعلهم صامتين وهو ما أثبتته البحوث وما لاحظه الآباء وما نواجهه نحن كأخصائيين في علاج أمراض النطق واللغة. 
 
وإنكار الدور المميز للتكنولوجيا في حياتنا وحياة أطفالنا ليس من الحكمة أو الإنصاف في شيء ولكن يجب أن نتعامل معها بشكل معتدل، وكذلك نتعامل بحذر مع الحملات التسويقية القوية للبرامج التي يروج لها دعائيا ويفترض أنها تنمي المهارات التفاعلية لأطفالنا على الأجهزة اللوحية وأجهزة الهواتف الذكية، إذ قد يكون ذلك مقبولا في بعض المهارات ولكن عندما يتعلق الأمر باللغة الشفهية ومهارات الحوار والتفاعل الاجتماعي سوف يظل التفاعل المباشر مع الطفل هو الأكثر فعالية وتأثير.
 
وكذلك فإنه من الخطأ أن نتعامل مع أطفالنا فقط في الناحية الكمية دون التعامل مع الجانب النوعي والذي يمثل المحور الأهم حيث إن المحتوى الغني الذي يقدمه الآباء والمتمثل بقدرة الآباء على تنمية المهارات التواصلية والتفاعلية لأطفالهم باستخدام أساليب فاعلة يمثل اللاعب الأهم في هذه المرحلة العمرية.