استرداد الصحة بعد السكتات الدماغية .. يتطلب إعادة تأهيل سريعة ومكثفة

بعد الاصابة بالسكتة الدماغية، يقوم الدماغ باستعادة بعض مهامه، لكن فترة النقاهة تتطلب اعادة تأهيل مبكرة ومستمرة.


وفي كل عام في الولايات المتحدة تنجو نحو 250 الف امرأة بعد اصابتهن بالسكتة الدماغية عندما يتوقف الدم فجأة عن تغذية جزء من الدماغ مما يؤدي الى وفاة الخلايا الدماغية.

لكن التشخيص السريع والعلاج المحافظ على الدماغ مثل استخدام منشط مولد البلزمين TPA Tissue Plasminogen Activator، وهو الانزيم الذي يقوم بإذابة الخثرات الدموية، او اجراء أي عمليات اخرى لإذابة هذه الخثرات، من شأنه المساعدة على حصر مقدار التلف والاعاقة الناجمة عن ذلك.

لكن الخلايا التي تموت بمقدورها ان تحرم المرأة او الرجل من من قدرتهما على الكلام او الحركة او الشعور او التفكير، او حتى التعرف على الاقرباء والاصدقاء.

ويتوجب على نحو ثلثي الناجين من السكتة الدماغية العمل لاستعادة قدراتهم، او التعلم للتعويض عن تلك القدرات التي لا يستطيعون استعادتها، عن طريق تطوير قدرات واستراتيجيات جديدة.

ويعتقد الكثير من الاشخاص ان عملية اعادة التأهيل هي أمر يأتي بعد العلاج الطبي في اعقاب الاصابة بالسكتة، الا ان هذين الأمرين يتطابقان في موعدهما الى حد بعيد.

وبمقدور عملية مكثفة لاعادة التأهيل، التي ينبغي الشروع بها في اسرع وقت ممكن في المستشفى، ان تظهر فروقا مفيدة بين استعادة المهارات الضرورية للحياة اليومية، او البقاء في اعاقة شديدة والاعتماد على الآخرين.

والاستراتيجيات المستخدمة لعقود من الزمن هي حجر الزاوية لاعادة التأهيل، لكن هناك مساعي وتقنيات جديدة شرعت تثبت نفسها ايضا. والاكثر من ذلك شرع الباحثون يدركون ان التحسن لا يزال ممكنا ايضا بعد أشهر، وربما سنوات بعد السكتة.

أجزاء الدماغ التالفة
تتوقف تأثيرات السكتة في اجزاء الدماغ التي اصابها التلف. ومثال على ذلك موت الخلايا في المخيخ (الجزء الاسفل الخلفي من الدماغ)، التي قد تؤثر في التوازن ووضع المصاب والتنسيق بين عمليات العضلات الطوعية (الارادية)، كتلك التي تحتاج اليها عمليات المشي، او التقاط شيء من الارض. اما التلف الذي يصيب "منطقة بروكا" Broca"s Area في الفص الامامي، وفي الجانب الايسر من الدماغ، فإنه يحول لدى معظم الناس من القدرة على الحديث واللفظ بوضوح حتى لو استطاع الشخص استيعاب وفهم ما يقال له او يدرك ما يريده ويرغبه بالضبط.

واذا كان هناك تلف في "منطقة ويرنيك" Wernicke"s Area (في الفص الصدغي الايسر)، فلن يكون بمقدور المصاب فهم اللغة وان كان بإمكانه لفظ بعض الكلمات بوضوح تام. وبشكل عام فإن السكتة في احد نصفي الدماغ تتداخل مع وظيفة الجانب الآخر من الجسم. ومثال على ذلك، فإن السكتة التي تصيب النصف الايمن من الدماغ قد تعوق قدرات الجانب الايسر من مجال النظر (او في كلتا العينين)، او قد تجعل من الصعب رفع الذراع اليسرى او الابتسام عن طريق الجانب الايسر من الفم.

والسكتة الدماغية وفقا لموقعها في الدماغ قد ينتج عنها احد الامور التالية، او اكثر:

ـ الشلل او الضعف في احد جانبي الجسم ويدعيان على التوالي "هيميبليغيا" Hemiplegia و"هيميباريسيس" Hemiparesis، فضلا عن التشنج (انشداد العضلات غير الارادي) المؤدي الى تيبس الساق او الكوع او الرسغ، او إطباق قبضة اليد، او صعوبة في البلع (دايسافاغيا Dysphagia)، او صعوبة في تنسيق الحركات (اتاكسيا Ataxia).

ـ تغيرات احساسية مثل التنميل والخدر وآلام العضلات والعظام، او آلام مستمرة.

ـ صعوبة في فهم الاحاديث Receptive Aphasia، او التعبير عن النفس بالكلمات (حبسة التعبيرExpressive Aphasia).

ـ صعوبات في الادراك مثل الاعاقة في التفكير او الذاكرة، عدم القدرة على التركيز والانتباه لفترة طويلة، مع الشعور بالضياع وعدم القدرة على التعرف على الوجوه Prosopagnosia، او القيام بالاعمال خطوة خطوة Apraxia، او عدم ادراك او انكار المعوقات التي سببتها السكتة الدماغية Anosognosia.

ـ اضطراب او توتر عاطفي مثل التغيرات في الشخصية والمزاج والحدة في السلوك مع ثورات من الغضب، لا سيما ان 25 في المائة من الاشخاص الذين تعرضوا الى سكتة اصيبوا بنوع من الكآبة الحادة التي من شأنها اضعاف عملية اعادة التأهيل وزيادة القدرات التعرفية سوءا اذا لم تجر معالجة الوضع.

التعافي السريع المبكر
ما ان يصبح المريض مستقرا صحيا (وذلك خلال 24 الى 48 ساعة) حتى تبدأ اعادة تقدير وظائفه الجسدية. "اذ يجري تقييم قدرات الشخص وما الذي يستطيع او لا يستطيع ان يفعله، وما الذي يحتاجه ليستطيع القيام بمثل هذه الوظائف" على حد قول الدكتورة كارين فيوري، مديرة خدمات السكتات الدماغية في مستشفى ماساشوسيتس العام في بوسطن. وهذا يشمل اختبارات قوة الذراع والساق وقوة الذاكرة والاستيعاب، والقدرة على الكلام والبلع. ومثل هذا التقييم قد يقوم به طبيب او اختصاصي في الاعصاب، او معالج نفسي، أو مساعد اجتماعي، او اختصاصي في العيادات له معرفة بالسكتات الدماغية.

وتبدأ هنا ايضا خطوات بسيطة نحو اعادة التأهيل، اذ يجري تشجيع المرضى على تغيير وضعهم مرارا وهم مستلقون في الفراش، وممارسة تمارين حركية بسيطة بالنسبة الى الذراع، او الساق المتأثرة من دون مساعدة، او بمساعدة المعالج. وما ان يبدأ الانتفاخ او التورم في المخ في الزوال حتى يشرع الدم الغني بالاوكسجين مرة ثانية بالوصول مؤقتا الى الاوعية المتضررة وتروية المناطق التي يمونها عادة. وتبدأ الاليات الطبيعية بترميم الانسجة المتضررة، كما يبدأ نوع من استعادة الوضع الطبيعي في الايام او الاسابيع الاولى.

ويجري في وقت لاحق تفصيل خطط علاجية وفقا الى الاعاقات الفردية. وتشمل الاهداف الاولية الجلوس والنزول من الفراش انزلاقيا الى الكرسي، او الوقوف والسير (بمساعدة من الآخرين او من دونهم) فضلا عن القدرة على القيام بنشاطات يومية مثل ارتداء الملابس والاستحمام وتناول الطعام. اما الاهداف النهائية فقد تشمل العودة الى العمل والقيام ببعض النشاطات الترفيهية. وقد يستغرق العلاج اياما واسابيع او حتى اشهرا.

برامج إعادة التأهيل
قد تحتاج الى الأخذ بعين الاعتبار عوامل عدة لدى اختيارك برنامج اعادة التأهيل: هل يقوم هذا البرنامج بتأمين الخدمات التي تحتاجها التي تلائم قدراتك؟ هل هناك احد يستطيع مساعدتك في المنزل؟ هل وسيلة النقل مؤمنة الى مكان ممارسة هذا البرنامج ومنه؟ هل للبرنامج سمعة جيدة؟.. وتقوم لجنة اعتماد مرافق التأهيل CARF، وهي وكالة غير حكومية، بمنح شهادات اعتماد للهيئات التي تؤمن خدمات اعادة التأهيل الطبية في الولايات المتحدة وكندا واوروبا وجنوب اميركا.

واعادة التأهيل في المنزل تقدم الفرصة لتكوين المهارات في الاماكن المألوفة، لكنها تملك ايضا سلبيات كامنة، مثل نقص المعدات المتخصصة، وفي حالات عديدة يكون البرنامج غير صارم بما فيه الكفاية. كما ان مثل هذا البرنامج لا يغطيه عادة التأمين الصحي ما لم يكن المصاب غير قادر جسديا على مغادرة المنزل. والناجون من السكتات الدماغية الذين بامكانهم تحمل ثلاث ساعات من العلاج الشديد خمسة الى ستة ايام في الاسبوع يكونون عادة افضل حالا في برامج اعادة التأهيل الخاصة بالمناطق السكنية بإشراف فريق متعدد الانظمة. ومعدل البقاء في مثل هذه المراكز يتراوح بين اسبوعين الى ثلاثة اسابيع.

وتقدم بعض البرامج التي تجري خارج المناطق السكنية خدمات شاملة اكثر نشاطا وفعالية، لكن النقل والتوقيت قد يكونان المشكلة. فالعيادات ذات المهارات الخاصة قد تقدم ايضا خدمات اعادة تأهيل. وهي تقدم عادة اربع ساعات من العلاج في الاسبوع التي تكون مناسبة اكثر بالنسبة الى الاشخاص ذوي الحالات الطبية المعقدة، او الذين يفتقرون الى قدرة التحمل بالنسبة الى البرامج المتطلبة جدا.

العلاج الجسدي والنطقي
تستفيد عمليات اعادة التأهيل من عملية الشفاء الذاتي او التلقائي التي يرجع لها الفضل في العديد من المكاسب التي تتم في الشهر الاول من الاصابة، ومنها "لدونة" الدماغ، ألا وهي قدرة الدماغ على تشكيل وصلات جديدة وتطوير مسالك عصبية جديدة، وتعزيز المسالك الحالية للتعويض عن تلك التي اصابها التلف. والفعاليات المتكررة التي عززت هذه المسالك هي اساس العلاج الطبيعي والجسدي والعملي والنطقي.

وخلال العلاج الجسدي يعمل الذين اصيبوا بالسكتات الدماغية جهدهم لاستعادة قوتهم وتوازنهم وحركاتهم المتناسقة، لا سيما الساقين والجذع. ويركز العلاج بالعمل على نشاطات محددة من الحياة اليومية مثل ارتداء الثياب، والكتابة، وإطعام الذات، وتنظيف الاسنان بالفرشاة. وعلاج النطق واللغة يؤكد على استعادة التعابير اللفظية والاستيعاب اللذين تعطلا بفعل الاضرار والتلف او الفشل الادراكي (المعرفي)، او بسبب الفشل والعضلات التي ضعفت ووهنت. واظهرت الاختبارات التي تراكمت ان الاسلوب الذي يدعى "علاج الحركة بالحث المقيد" CIMT من شأنه الاسراع في استعادة بعض انواع الحركة المفقودة.

وينطوي هذا العلاج على تقييد الذراع القوية مثلا لاتاحة المجال امام الذراع الضعيفة لكي تعمل بشكل نشاط. وكانت تجارب "تقييم علاج الحركة بالحث المقيد الشديد" EXCITE، التي نشرت في العام الماضي في مجلة الجمعية الطبية الاميركية، ان نحو 222 من المشاركين المصابين بذراع ضعيفة بسبب السكتة الدماغية تلقوا العناية العادية، في حين تلقى النصف الآخر تمارين شديدة لليد الضعيفة لمدة اسبوعين في الوقت الذي كانوا يرتدون فيه قفازا معوقا للحركة في الذراع الاخرى. واظهرت الاختبارات الفصلية خلال العام بعد العلاج ان المشتركين في برنامج CIMT كانوا قادرين على استخدام الذراع المصابة بشكل افضل في اعمال تنطوي على ادارة المفاتيح في الابواب، وتطوية المناشف، ورفع سلة محملة بالاغراض.

تقنيات متطورة
والتقنيات الحاصلة في الروبوتات وفرت خيارا آخر، فاحد الاجهزة الذي يدعى "لوكومات" Locomat هو عبارة عن مجموعة من السيقان الروبوتية التي تضع السيقان والاقدام في حركات مشي وسير في الوقت الذي يجري فيه وضع المصاب على الآلة الاوتوماتيكية السيارة للتمارين على المشي والهرولة (تريدميل) مدعوما برباط مبطن بالوسائد.

وهناك جهاز اخر الذي وافقت عليه وكالة الاغذية والعقاقير الاميركية (إف دي أيه) وهو "نظام مايومو إي 100 الروبوتي العصبي" Myomo e100 NeuroRobotic System، الذي هو عبارة عن رباط يوصل بجسم المصاب لالتقاط الاشارات الضعيفة من عضلات ذراعه والاستجابة اليها عن طريق بسط الذراع وثنيها. "انها نوع يشبه مقود السيارة الالي"، على حد قول الدكتور جويل شتاين، المسؤول الصحي الاول في مستشفى بوسطن لاعادة التأهيل. وشتاين هو المشارك الرئيسي في دراسة اولية عن هذا الجهاز نشرت في ربيع العام الحالي في المجلة الاميركية للطب الجسدي واعادة التأهيل.

وهو يوضح الاجراءات بقوله "انت تخطط للحركة ثم تقوم بتنفيذها، لكن الرباط يساعدك عليها". وعن طريق اجراء التمارين على هذا الجهاز يكون بمقدور الناجين غالبا تعلم حركات الذراع مرة اخرى وتعزيز المسالك الدماغية التي تقوم بالتحكم بهذه الحركات.

ومن الابحاث الاخرى التي تنطوي على آمال كبيرة التمارين التكرارية بالمنبهات الكهربائية والمغناطيسية الخاصة بالدماغ الرامية الى تعزيز الـ "لدونة". ووفقا الى الدراسات الاساسية للحيوانات والبشر التي تقترح ان مثل هذه الاساليب يمكنها تسريع اعادة تسليك الممرات والمجاري العصبية، تجري حاليا تجربة العديد من اجهزة تنبيه الادمغة.

إعادة تأهيل الإدراك
هناك اجماع اقل في ما يتعلق بقيمة اعادة تأهيل الادراك يتوجه الى معالجة العيوب في التفكير والتعلم والانتباه والذاكرة الناجمة عن السكتات الدماغية. وقد تشتمل عمليات التأهيل هذه على تمارين للذاكرة واجراءات لحل المسائل والعمل على حل الأحاجي والفزازير لتحسين العيوب والاعطال المرئية والحيزية. وقد تساعد ايضا على تبسيط الاجراءات الروتينية والتقليل من عدم الانتباه والتركيز. غير ان هناك القليل من الابحاث الخاصة حول فاعلية مثل هذه المساعي والاجراءات.

وهناك بعض المنبهات مثل "ميثيلفينيدايت" Methylphenidate (ريتالين Ritalin)، او "مودافينيل" Modafinil (بروفيجيل Provigil)، التي تستخدم عادة لتحسين قدرات التركيز او تخفيف الاكتئاب. وغالبا ما يجري علاج حالات الاكتئاب الناجمة عن السكتات الدماغية بمجموعة مختارة من مانعات "سيروتونين رييوبتايك" Serotonin Reuptake مثل "سيرتالاين" Sertaline (زولفوت Zoloft)، او "باراروكسيتين" Paroxetine (باكسل Paxil). والدعم الآتي من الاصدقاء وافراد العائلة الاخرين هو مهم دائما خلال التعافي من آثار السكتة الدماغية واعادة التأهيل، خاصة عندما يكون المريض مكتئبا.

والاشخاص الذين يتعافون من آثار السكتة الدماغية يحققون التقدم السريع في الاشهر الثلاثة الى الستة الاولى. وهذا احد الاسباب الضرورية للقيام بعمليات التقييم واعادة التأهيل بشكل مبكر بالنسبة الى المقربين اليك من الاهل او الاصدقاء، كما اظهرت الابحاث في الوقت ذاته ان التحسن قد يظهر خلال الاشهر وحتى السنوات التي تلي الحادث.

ويجري تقصي فائدة الخلايا الجذعية والعوامل الاخرى التي قد تساعد ايضا على اعادة بناء المناطق المعطوبة في الدماغ، لكن مثل هذه التطورات ما زالت بعيدة عنا سنوات، وان تحققت الآن العديد من اعمال التقدم الصغيرة التي تحقق الفرق الكبير في حياة الناجين من السكتات الدماغية، مثل حركات اليد الافضل تناسقا وقوة، والسير بشكل طبيعي اكثر، او الحديث بصورة افضل.