التكنولوجيا تهيمن على أسبوع لندن لربيع وصيف 2015

في أسبوع لندن لربيع وصيف 2015 "بيربيري" .. فنية تشفي من فوبيا الحشرات وتوم فورد يعود إلى ماضيه.
 
قد تكون باريس مركز الأناقة الرفيعة، ونيويورك سيدة التسويق، وميلانو عاصمة الأناقة العصرية، إلا أن لندن أثبتت هذا الموسم أنها ملكة التكنولوجيا دون منازع.
 
فقد وظفت كل تسهيلاتها وتطبيقاتها بكثافة ليخرج أسبوعها لربيع وصيف 2015 متفوقا ومكتسحا العالم من دون أن يتحرك من مكانه، "سومرست هاوس" مقره الرئيس، فقد نصبت في ساحته شاشات ضخمة يمكن من خلالها للمارة، أو من لم يتلق دعوة خاصة، متابعة ما يجري بداخل قاعة العرض أولا بأول.
 
والحقيقة أن لندن بدأت تغازل التكنولوجيا منذ عام 2010 عندما كانت أول عاصمة عالمية تبدأ ببث بعض العروض بشكل مباشر، بحجة أن يتمكن عشاق الموضة، ممن لم يستطيعوا حضور العروض لسبب أو لآخر، من متابعتها وكأنهم جزء منها.
 
ردود الفعل كانت إيجابية، فالعملية تبدو محاولة صادقة لدمقرطة الموضة، إلا أن النتيجة كانت تغيير ثقافتها بشكل جذري، فما كان في السابق نخبويا وحكرا على شريحة منتقاة من الزبونات ووسائل الإعلام، أصبح مشاعا للكل ما داموا يمتلكون حسابا على الإنترنت وتطبيقات خاصة على هواتفهم الذكية.
 
ناتالي ماسيني، الرئيسة التنفيذية للأسبوع، صرحت في كلمة الافتتاح التي ألقتها يوم انطلاق الأسبوع يوم الجمعة الماضي، بأنها تعتبر التكنولوجيا واحدة من أهم أولوياتها، وقطعت على نفسها عهدا بأن تعمل على إدخال معظم المصممين عصر الإنترنت بحيث يصبح لكل منهم موقع متكامل يعرف بأعماله ويقربه من زبائنه أينما كانوا. 
 
المستقبل بالنسبة لها، كما بالنسبة للعديد من الشركات مثل "غوغل" و"أبل"، هو زاوج التكنولوجيا بالموضة، وليس أدل على هذا من "آيفون 6" والساعة الذكية من شركة "أبل" التي جندت لها شخصيات كبيرة كانت تعمل في مجال الموضة مثل أنجيلا أهرندتس، الرئيسة التنفيذية السابقة في دار "بيربيري"، وبول دينيف، الذي كان يعمل في دار "إيف سان لوران".
 
ورغم أن لندن لا تمتلك قدرات شركة "أبل" التقنية المتطورة، فإنها تملك في المقابل ناتالي ماسيني، التي يمكن القول بأنها المرأة التي غيرت نظرتنا إلى الإنترنت وإلى ثقافة التسوق ككل، كان ذلك عندما أطلقت "نت أبورتيه"، أول موقع تسوق متخصص في المنتجات المترفة، ألهم نجاحه آخرين قلدوها وأطلقوا مواقع مماثلة، ربما لم تعرف نفس النجاح، إلا أنها أثبتت وجودها ولا تزال تنمو بسرعة. 
 
هذه القدرة على قراءة مستجدات العصر واستباقها هي ما يجعل الجميع يثق في ماسيني، وبأنها أكثر من يعرف أهمية شبكة الإنترنت في عالم المنتجات المترفة، كما تعرف عدد الناس الذين يستعملونها كوسيلة أساسية في أي شيء يتعلق بحياتهم، من شراء حقيبة يد، إلى البحث عن مطاعم أو أفضل الوجهات السياحية أو الوصول إلى أحسن العروض وغيرها. 
 
المهم أن كل المؤشرات هذا الموسم تؤكد أن لندن لم تعد تكتفي بمغازلة التكنولوجيا بل دخلت معها في شراكة، بهدف الوصول إلى أكبر عدد من عشاق الموضة واستقطاب المزيد، سواء عبر "تويتر" أو "إنستغرام" وغيرهما. 
 
فالمسألة في الأخير ليست مجرد "دمقرطة" أو خدمة دون مقابل، بل هي عملية تقوم على مبدأ "أفد وفد"، فاللافت في بطاقات الدعوة أنها بدأت تتضمن، إلى جانب توقيت العرض وعنوانه، "هاشتاغ" خاص بكل مصمم منهم، وكأنهم يحفزون الحضور على إرسال تغريدات ورسائل عبر "إنستجرام"، وكلما أكثروا منها كان ذلك في صالح المصمم.
 
لكن بعيدا عن التكنولوجيا، لم تفقد لندن ذلك الدفء العاطفي الذي ينتابك في معظم العروض ويجعلك غير قادر على لجم ابتسامة ترتسم على الوجه لعدة دقائق وكأنك مسحور فاقد القدرة على التحكم في تعابيرك، من هذه العروض لا بد أن نذكر عرضي "بيربيري برورسم" وتوم فورد.
 
"بيربيري" كانت أول دار أزياء تتبنى تقليد العرض المباشر لعروضها، ولا تزال لحد الآن تفخر بذلك، بدأ عرضها نحو الساعة الواحدة على صوت المغني الشاب جاي باي، مما أضفى على المناسبة شاعرية حركت عواطف الحضور وهم يتابعون الاقتراحات التي نسجها خيال كريستوفر بايلي.
 
في خط "بيربيري برورسم"، أكد المصمم كريستوفر بايلي، الذي يشغل أيضا منصب الرئيس التنفيذي للدار البريطانية العريقة منذ شهر مايو (أيار) الماضي خلفا لأنجيلا أهرندتس، التي التحقت بشركة "أبل"، أنه قادر على الموازنة بين الفني والتجاري.
 
لم يقدم جديدا لم نره في المواسم الماضية، ومع ذلك كانت كل قطعة تمر أمام الأعين تشد الأنفاس، وتجعل الكل يفكر في امتلاكها وفي الطريقة التي سينسقها بها، بدءا من جاكيتات الجينز المزينة بقطع من الجلد اللماع في جوانب مختلفة، وتتميز بأطوال وألوان متنوعة تناسب الكل، إلى الفساتين المصنوعة من الموسلين أو التول، مرورا بالمعاطف المنقوشة.
 
فمهارة المصمم ظهرت في قدرته على إقناعنا بأن ارتداء لوحات فنية بألوان ساطعة ورسومات واضحة ليس فقط ممكنا، بل في غاية الأناقة، سواء تعلق الأمر بشال أو فستان أو بمعطف واق من المطر، كانت الرسمات تجريدية بألوان مائية، ظهرت فيها كائنات حية مثل النحل أو اليعسوب وغيرهما بشكل رومانسي ستحبه حتى اللواتي تعانين من فوبيا الحشرات. 
 
ويبدو أن المصمم أخذها من أغلفة كتب قديمة وكبرها على قماش الغاباردين، الذي تشتهر به الدار، ليمنح التشكيلة مظهرا يمزج الشقاوة بالمرح البعيد عن التعقيدات، فالموضة هنا، بكل فنيتها الصارخة، تبقى لعبة شيقة يجب الاستمتاع بها، وعدم أخذها بجدية.
 
أما أهم اقتراحين قدمهما المصمم فهما الأسلوب الـ "سبور" المنطلق، ويشمل الدينم وباقي القطع المنفصلة التي يسهل تنسيقها مع أحذية رياضية، والأسلوب الرومانسي الذي تجسد في فساتين التول والموسلين.
 
بالنسبة للمصمم توم فورد، فقد أثبت لنا مساء يوم الاثنين الماضي أن من نسي ماضيه أو تنكر له تاه، ذكرنا عرضه بعصره الذهبي في كل من "غوتشي" و"إيف سان لوران"، مؤكدا أنه مهما حاول أن ينسى تلك الحقبة من حياته ويأخذ له طريقا جديدا ومختلفا، فإنه لا مهرب من الماضي، الذي ظهر في فساتين تقطر بالأنوثة تذكر بعهده في "غوتشي"، وتايورات مفصلة على الجسم تستحضر قدرات الراحل إيف سان لوران، علما بأنه شغل منصب المصمم الفني لهذه الدار أيضا بعد أن استحوذت عليها مجموعة "بي بي آر" التي كانت تملك "غوتشي".
 
ما لا يختلف عليه اثنان أن مجرد ذكر اسم توم فورد يكسب أسبوع لندن بريقا لا يقدر بثمن، منذ أن التحق به منذ بضع سنوات، مساء يوم الاثنين الماضي رسخ هذه الفكرة، ليس بالمعنى المجازي فحسب بل أيضا من حيث التطبيق، فالتشكيلة التي اقترحها لربيع وصيف 2015 أخذتنا إلى السبعينات من القرن الماضي، وأدخلتنا النوادي الليلية و"الديسكوهات" ببريقها وإثارتها الحسية. 
 
اقتراحاته لن تناسب أسلوب كل امرأة نظرا لجرأتها الأنثوية وإغرائها المكشوف، لكن لحسن الحظ أن توم فورد يمتلك كل الأدوات اللازمة لإضفاء عنصر الإبهار عليها علاوة على التفصيل المتقن الذي يرتقي بها إلى مصاف التحف الكلاسيكية.
 
ما تجدر الإشارة إليه أن توم فورد، الذي درس تاريخ الفنون ثم العمارة قبل أن يتجه إلى تصميم الأزياء، هو من حدد معنى الأنوثة في التسعينات عندما التحق بدار "غوتشي" في عام 1990.
 
كانت الشركة حينها تمر بمرحلة حرجة ومهددة بالإفلاس، فجاء هو ليمنحها قبلة الحياة، ويتسلطن فيها إلى عام 2004، عندما تركها وبدأ خطه الخاص حاول تغيير أسلوبه، متبنيا التفصيل الدقيق على الجسم من خلال تايورات وقطع منفصلة تشي بالأنوثة لكنها أيضا تشي بالقوة بحيث تناسب امرأة عالمية واثقة من نفسها، مما أعطى الانطباع بأنه يجافي التصاميم المنسابة، على الطريقة "الغوتشية" القديمة.
 
أعادت الفتحات العالية في فساتين منسابة وظهور أجزاء مكشوفة من الجسم صور الماضي، وإن كانت الأنوثة هنا أكثر جرأة قد يراها البعض جزءا من عالم الماسوسادية السري، فقد كانت هناك إيحاءات قوية من هذا العالم تظهر في الجلد والفساتين الضيقة والتنورات القصيرة التي تظهر من تحتها جوارب النايلون المربوطة أعلى الساق، كما في الأحذية العالية جدا، التي تختفي أحيانا تحت بنطلونات واسعة من تحت تذكر بموضة "التشارلستون".
 
كانت العارضات يتمتعن بقوة لا تغفلها العين، وهن يتخايلن على المنصة الزجاجية، إلى حد أنه لم يكن ينقصهن سوى سوط أسود، لكن يبدو أن توم فورد لا يحب الترجمات الحرفية، وككل مصمم مبدع يفضل أن يترك مساحة لبعض الخيال، هذه النظرة الجريئة للأنوثة هي ما تجعله متميزا عن غيره، ومن بين قلة تؤثر على الموضة بالفعل.
 
فهو لا يأبه بإملاءات الموضة وتوجهاتها، بقدر ما يشغل نفسه بطرح فكرة يدرسها من كل الجوانب لكي تظهر في قطع تبدو وكأنها مفصلة على الجسم، أو جزء منه، بروعتها وإثارتها في الوقت ذاته، وهذه في حد ذاته معادلة صعبة لا ينجح فيها سوى الكبار والمستعدين لخض التابوهات.
 
بول سميث:
بول سميث قوة يستند إليها أسبوع لندن، وحتى الآن لم يخيب الظن فيه، فهو لا يزال يتمتع بنفس الحماس الذي كان يحركه وهو في العشرينات عندما بدأ في محل صغير لا تتعدى مساحته مترين تقريبا، كما لا يزال يبتكر ويفكر في التجديد.
 
حماسه يصيب بالعدوى حتى عندما يقدم تشكيلة بسيطة تبدو وكأنها لا تتعدى العادي، السبب أننا لا نصدق أنه يمكن ان يقدم العادي، ونتوقع منه دائما أنها يُضمن ثناياها تفصيلا أتقنه على مر السنين وأصبح يجري في دمه. 
 
لا ينكر المصمم ان يعشق التفصيل، إذ لا ننسى أنه بدأ كمصمم للأزياء الرجالية، وهذه المرة قدم تصاميم تغلب عليها نفس الخطوط الواضحة والأفقية، حتى في الفساتين التي خاصمت الخصر تماما. فقد ترك كل قطعة، سواء كانت جاكيتا مفصلا أو فستانا مستقيما، ينسدل على الجسم بشكل مستطيل.
 
كان واضحا أنه يريد ان يقدم جديدا ومختلفا عن التايورات المفصلة التي أتحفنا بها في المواسم الماضي، جديده تجسد في فساتين بسيطة جدا من القطن والكتان، أما المختلف، فظهر في تصاميم تبدو في غاية البساطة للوهلة الأولى بنقشات مقلمة أو مطبوعة بالورود، يشفع لها انها تتكلم كل اللغات، ولا تغر بساطتها الظاهرية العارفين، فالمصمم المخضرم، سيد التفاصيل الخفية، وهي تفاصيل ظهرت هنا في ياقات توكسيدو واسعة وأهداب وشراشيب تزين أسفل قمصان طويلة، إضافة إلى فتحات جانبية، سواء في تنورات أو قمصان، يظهر من تحتها حرير شفاف مهمته ان يضفي عليها العملية والانوثة في الوقت ذاته، والأهم من هذا يجعلها تناسب أجواء الصيف والإجازات بانطلاقها وسهولتها كما تناسب أجواء العمل بأناقتها العملية.
 
أليس تامبرلي:
ما يلفت النظر في عروض أليس تامبرلي أنها في كل عرض تفاجئنا بتبني أسلوب جديد، فقد عودتنا في السابق مثلا على الإبهار وفساتين السهرة ذات التصاميم التي تحاكي الـ "هوت كوتير" بتطريزاتها السخية، أما في هذه المرة، فاختارت تقديم تشكيلة منطلقة تبدو وكأنها تتمرد على كل ما قدمته من قبل وتفككه، لكن سرعان ما تنتبه إلى أن الأساسيات موجودة، من التفصيل إلى الانتباه إلى التفاصيل الدقيقة، مرورا بالنقشات المرسومة بعناية، والتطريزات العصرية التي قد لا تعتمد على الأحجار والبريق، لكنها تؤدي الدور نفسه بتقنياتها المتوارثة من الماضي. 
 
المصممة البالغة من العمر 39 سنة، أطلقت على تشكيلتها عنوان "الآن حان وقت التطوير في دار تامبرلي"، والتطوير تجلى هنا في الانطباع باللامبالاة، وتلك الصورة الأكثر شبابية، التي كانت تخلفها كل قطعة تتخايل بها العارضات، مستمدة قوتها من الأقمشة الخفيفة والناعمة، والألوان المنعشة، فضلا عن التصاميم طبعا. 
 
الأقمشة شملت القطن والكتان والموسلين والجاكار، بينما شملت الألوان الأبيض والأحمر والوردي والأزرق، إضافة إلى رسمات تجريدية لحيوانات بحرية، وبعضها الآخر أشكال هندسية استوحتها المصممة من اللوحات اليابانية المرسومة بحبر الـ "شانغا" Shunga ink.
 
بالنسبة للتصاميم، رغم الإحساس بالانطلاق غلب التفصيل على بنطلونات واسعة بصديرات مأخوذة من خزانة الرجل، أضفت عليها المصممة نعومة باستعمال درجات ألوان فاتحة وأقمشة ناعمة، نسقتها مع جاكيتات من الحرير تتميز بتصميم سخي، من حيث ابتعادها عن الصدر.
 
أما الفساتين فجاءت منسدلة بخصور منخفضة أحيانا، لتبقى القطع المستوحاة من الكيمونو الياباني أجمل، إضافة إلى باقي التشكيلة.
 
بالنسبة للمساء، ظلت تامبرلي وفية لعنصر الإبهار، واقترحت فساتين بذيول طويلة تتطاير مع كل حركة بفضل تصميمها وخفة أقمشتها.