أسبوع الأزياء الرجالية بلندن لعام 2014 .. الحلقة الأقوى في لعبة الموضة

في دورته الخامسة تزيد قوته ويسحب البساط من باقي العواصم العالمية، فسمعة لندن في مجال التفصيل الرجالي لا تُعلى عليه وليس أدل على هذا من «سافيل رو» وشارعها الذي يضم أسماء كبيرة ومخضرمة مثل «هنري بول ان
في دورته الخامسة تزيد قوته ويسحب البساط من باقي العواصم العالمية، فسمعة لندن في مجال التفصيل الرجالي لا تُعلى عليه وليس أدل على هذا من «سافيل رو» وشارعها الذي يضم أسماء كبيرة ومخضرمة مثل «هنري بول ان

قبل يوم واحد من انطلاق الدورة الخامسة لأسبوع الموضة الرجالي بلندن، وزعت منظمة الموضة البريطانية تقريرا نشرته مؤسسة «مينتل» هذا العام، يفيد أن صناعة الأزياء الرجالية ببريطانيا تقدر حاليا بـ 12.9 مليار جنيه إسترليني بعد أن شهدت نموا بنسبة 18 في المائة بين عامي 2008 و2013.
 
وأشار التقرير أيضا إلى أن المبيعات ارتفعت بنسبة خمسة في المائة في العام الماضي وحده، الأمر الذي يثلج الصدر ويشير إلى أن المستقبل وردي بالنسبة لقطاع ظل مغمورا وثانويا لعقود طويلة، مقارنة بقطاع الأزياء النسائية، الذي كان الدجاجة التي تبيض ذهبا لصناع الموضة.
 
تيري بيت، مدير قسم الأزياء الرجالية في «سيلفردجز» أكد أن مبيعات هذا القسم تضاعفت في العام الماضي، مشيرا إلى أنها ليست نزوة عابرة وأن النمو سيستمر.
 
كذلك الأمر بالنسبة لمحلات أخرى مثل «هارودز» فضلا عن شوارع الموضة المترامية التي تقدم تصاميم بأسعار أقل. كارولاين راش، الرئيسة التنفيذية لمنظمة الموضة، أكدت تنامي قوة القطاع الرجالي عموما، قائلة إن: «صناعة الأزياء الرجالية في بريطانيا، أصبحت قوة لا يستهان بها، فهي تنمو بوتيرة متسارعة، إنها صناعة جادة ولها تأثيرات جمة على الاقتصاد الوطني».
 
وهي بالفعل صناعة تقدر حاليا بـ26 مليار جنيه إسترليني، مقارنة بـ 21 مليار جنيه إسترليني في عام 2009، مما يجعلها قطاعا اقتصاديا لا يمكن تجاهله وعدم الاهتمام به.
 
فهو يضمن عدة وظائف، قدرها تقرير «أكسفورد إيكونوميكس» هذا العام بـ 797.000 وظيفة، فضلا عن فتحه المجال أمام عدة جنسيات لدخول مجال الإبداع.
 
ما لا يختلف عليه اثنان، وما تشير إليه أجواء لندن منذ يوم الأحد الماضي أن هذا الانتعاش أعطى «الأسبوع» دفعة قوية ليدخل المنافسة مع باقي عواصم الموضة وأيضا مع قطاع المنتجات النسائية.
 
وبالفعل قطع أشواطا كبيرة في فترة قياسية، فالأوساط المهتمة تقدر أن تصل أرباحه إلى 16.4 مليار جنيه إسترليني في ما بين عامي 2013 و2018، بنمو يقدر بـ27 في المائة. الفضل في هذا يعود إلى تغير عقلية الرجل عما كانت عليه سابقا، إضافة إلى تغير إمكاناته مما يجعله منفتحا على أي جديد يخدمه اجتماعيا أو وظيفيا أو نفسيا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأناقة تزيد من الثقة بالنفس وتحسن المزاج مثل العطور تماما. 
 
وهكذا بعد أن كان الرجل يرضى في الماضي ببدل مفصلة بالأسلوب نفسه، وبضعة قمصان بألوان كلاسيكية وإكسسوارات محسوبة يجدد بها إطلالته، أصبح يطالع تطورات الموضة وتوجهاتها بالحماس والتعطش نفسيهما لدى المرأة، ولا يتحرج من الاعتراف بذلك بصفته حقا من حقوقه.
 
بدأ أيضا يجرب تصاميم عصرية وأخرى جريئة بألوان زاهية وتصاميم مبتكرة ولافتة، رافعا شعار أنها يجب أن تلفت وتصرخ بالأناقة والتميز لتبرر أسعارها النارية.
 
وإذا كانت الأرقام المنشورة صحيحة، فإنها تعبر عن تغير الأسواق والأهواء والأذواق، وبأن الخريطة الشرائية يتحكم فيها الشباب بالدرجة الأولى.
 
فالرجل الشاب بدأ، ولأول مرة منذ عدة عقود، يعانق القطع المفصلة ويلعب بألوانها وأقمشتها للحصول على أسلوب يناسبه شخصيا، الأمر الذي أنعش سوق البدلات ورابطات العنق، بعد مجافاة طويلة لها على أساس أنها إرث قديم أكل عليه الزمان وشرب. 
 
الإكسسوارات أيضا لعبت دورها في تقريبه من الموضة وفتح الأبواب أمامه للعب بها تدريجيا، حتى يتعود عليها ويدمنها، وهو ما حصل. كانت البداية في التسعينات مع ظاهرة الرجل «الميتروسيكشوال» الذي رأى أن معانقة الموضة والاهتمام بجمال البشرة والشعر وأناقة المظهر لا تتعارض مع مفهوم الرجولة، بل العكس؛ تعززها بإظهار الجانب المبدع من شخصيته، إلا أن الأمر تطور في السنوات الأخيرة، وأصبح يعبر عن هذا الجانب من خلال أزياء تتعدى «الميتروسيكشوال» إلى أزياء في غاية الجرأة أحيانا، تكاد تكسر التابوهات والتقاليد، وأدى إلى ولادة ظاهرة جديدة هي «سبورنوسيكشييل»، أي رجل يميل إلى أزياء تجمع الاسبور بالإغراء الحسي، وهذا ما ظهر بقوة في العديد من العروض التي شهدها أسبوع لندن. أسبوع فتل عضلاته وبدأ يستعرضها بثقة، ومع ذلك لا بأس من من العودة إلى نقطة البداية، إذ لكل قصة نجاح بداية. 
 
وهي هنا من كتابة ديلان جونز، المشرف على الأسبوع ورئيس تحرير مجلة «جي كيو» عندما انتبه إلى ظاهرة ازدياد اهتمام الرجل بمظهره والأزياء عموما، والإمكانات الواسعة لخلق منبر خاص يخاطب الرجل وفي الوقت ذاته يمنح المصممين فرصة لإظهار إمكاناتهم، بدل اعتمادهم على يوم يتيم يتعلق بذيل أسبوع الموضة النسائية تعلق الغريق بقشة.
 
قبل عام 2012، كان هذا اليوم هو الفرصة الوحيدة أمام مصممي الأزياء الرجالية، الذين لا يشاركون في أسابيع ميلانو أو باريس أو نيويورك، لسبب أو لآخر، لعرض أزيائهم. 
 
على الرغم من أن وسائل الإعلام العالمية كانت تتجاهله ولا توليه أي اهتمام يذكر، باستثناء الصحافة المحلية، فإن ديلان جونز لاحظ أن هناك اهتماما أقرب إلى التحدي من قبل الشباب لكي يعرضوا إبداعاتهم، ولو أمام جمهور محدود، أيا كانت جنسيته واهتماماته، على أمل أن يطرق الحظ بابهم في يوم من الأيام.
 
طرح ديلان جونز فكرة إطلاق أسبوع موضة رجالي قائم بذاته في أحد اللقاءات مع كارولاين تشارلز ونوقشت من كل الزوايا، وبعد ستة أشهر تحقق الحلم.
 
كان ذلك منذ عامين ونصف تقريبا، ورغم أن الفكرة كانت بسيطة، فإنها كانت أيضا طموحة تحتاج إلى كثير من الجهد والدعم الخارجي. في صيف 2012، تقرر تنفيذ الفكرة، لتشهد لندن ولادة أسبوع مدته ثلاثة أيام في توقيت مختلف لا يتضارب مع أي من أسابيع الموضة الأخرى كما لا يرتبط بها.
 
منذ الموسم الأول ذاق النجاح، فقد تلقى دعما من الأمير تشارلز وكذلك من السلطات الحكومية إضافة إلى أن الظروف كانت جد مواتية له.
 
فلندن أصبحت مركزا تجاريا عالميا للمنتجات المترفة، مما جعل العديد من صناع الموضة يتهافتون على افتتاح محلات فيها.
 
كما أنها تتمتع بسمعة تاريخية في مجال التفصيل الرجالي، وليس أدل على هذا من «سافيل رو» الذي يضم أسماء كبيرة ومخضرمة تعرف كيف تتعامل مع الطبقات المخملية والأرستقراطية، كما تتقن التعامل مع كل أنواع الأقمشة المترفة والتفصيل الراقي.
 
أما شبابها المتخرجون في معاهدها العديدة، فحدث ولا حرج، فهم يغلون بالرغبة في التميز ومصابون بمس الابتكار.
 
كل هذه العناصر كانت في صالح الأسبوع، لكن مما لا شك فيه أن الورقة الرابحة كانت إقناع دار «بيربيري»، التي تعودت على عرض خطها الرجالي في ميلانو منذ عشر سنوات، بأن تشارك في الأسبوع الجديد. مصممها الفني، كريستوفر بايلي، لم يتردد في الأمر، فقد شعر بأن الاستفادة ستعم.
 
فبدلا من أن تكون الدار مجرد اسم آخر في برنامج أسبوع ميلانو، الذي يعج بالأسماء الكبيرة، يمكن أن تكون ملكة متوجة في بلدها الأم، وهو ما كان.
 
كان اسم «بيربيري» كافيا لكي يزيد، ليس من مصداقية الأسبوع العالمية فحسب، بل أيضا من بريقه وقوة جذبه. فالدار، إلى جانب تصاميمها المبتكرة والمبدعة، قوة إعلانية لا يستهان بها، مما يعني حضور شخصيات ووسائل إعلام مهمة لتغطية الأسبوع لإرضائها أو التودد إليها.
 
كما ساعد اسمها على جذب مصممين آخرين، مثل ألكسندر ماكوين، وتوم فورد، وبول سميث، والثنائي «دولتشي آند غابانا» وغيرهم.
 
يعترف ديلان جونز بأن الأسبوع يدين بالكثير لما باتت تعنيه العاصمة من إبداع وابتكار وثقافة وأيضا مكانتها مركزا تجاريا مهما: «نحن الآن نعيش طفرة اقتصادية مهمة بفضل نمو صناعة الأزياء الرجالية من جهة، وقطاع الساعات الفخمة وشتى أنواع الفنون من جهة أخرى».
 
ويضيف: «كان مهما بالنسبة لنا أن نخلق منبرا لمصممينا الشباب، ولخياطي (سافيل رو) والأسماء الكبيرة مثل (بيربيري).. كان أيضا مهما لنا أن يجذب هذا المنبر مصممين عالميين آخرين مثل (دولتشي آند غابانا)، وتومي هيلفيغر، وتوم فورد، ممن كانت لهم رغبة في أن يجعلوا لندن بيتا لهم».
 
نقطة الجذب الأهم في لندن هي مصمموها الشباب، فهم الذين يعطونها سمعتها عاصمة للابتكار وولادة الأفكار الجديدة. هذه السنة هناك عدة أسماء لامعة، وأخرى تبشر بمستقبل واعد، نذكر منها كريستوفر شانون، الفائز بجائزة هذا العالم لأهم مصمم صاعد، ومقدارها 200.000 جنيه إسترليني ستساعده على التوسع عالميا، إلى جانب استريد آندرسون، التي تعاونت مع «توبمان» أخيرا من خلال تشكيلة «سبور» بإيحاءات من التسعينات تجلت في استعمال الألوان المعدنية، وجي دبليو آندرسون، وريتشارد نيكول، وهلم جرا.
 
إضاءات
- بحكم عمله الصحافي تدرج في عدة مناصب قبل أن يتولى رئاسة تحرير مجلة «جي.كيو» ثم أسبوع الموضة الرجالي، فإن ديلان جونز، كان يعرف منذ البداية أن الأزياء لن تكون عنصر الجذب الوحيد في الأسبوع، لهذا شجع على زيادة جرعات الإغراء، بتشجيعه بيوت الأزياء خصوصا وصناع الموضة عموما، مثل محلات «هارودز»، «سيلفريدجز»، «ماتشز» و«ليبرتي» وغيرها، بتنظيم حفلات أو فعاليات جانبية تمنحه قوة أكبر وإبهارا وتمكنه من منافسة باقي العواصم العالمية التي لها تاريخ أطول منه. 
 
وهذا ما لمسته لندن طوال الأيام الثلاثة الماضية، بدءا من المطاعم المزدحمة إلى الفنادق التي شهدت شرائح جديدة من الزبائن.
 
يمكن القول إن لندن ظلت تغلي بالنشاط والأنشطة طوال هذه الأيام، ولم تهدأ من الصباح إلى منتصف الليل.
 
في دورته الخامسة، حقق الأسبوع الحلم الذي بدأ منذ عامين ونصف العام فقط، إذ شهد أكثر من 100 عرض أزياء وحفلا وأفلاما مصورة.
 
ارتفع أيضا عدد المشترين القادمين إلى العاصمة بنسبة 30 في المائة في السنوات الأخيرة، إضافة إلى عدد وسائل الإعلام من 33 بلدا. 
 
- أسبوع نيويورك الرجالي في المقابل، لا يزال متعثرا ولم يتبلور بالشكل نفسه رغم الأحاديث الكثيرة حول توسيعه واستقلاله عن أسبوع الأزياء النسائية، لا سيما أن بعض البيوت المهمة فيه مثل «كالفن كلاين»، لا تعرض فيه وتفضل العرض في ميلانو، بينما توقف تومي هيلفيغر عن تقديم عروضه الرجالية فيها منذ موسمين تقريبا.
 
- كل موسم يشهد الأسبوع مشاركة اسم جديد تأكيدا على أهمية لندن عاصمة للموضة من جهة، ومركزا تجاريا عالميا من جهة ثانية. هذا الموسم، كانت هناك ماركات مهمة، بعضها يشارك لأول مرة، مثل جوزيف، ماهاريشي، إيد أند رافنسكورت، تيرنبل أند آسر، نيكولا كيركوود، «دي كي إن واي» DKNY، وأخيرا وليس آخرا موسكينو. جيريمي سكوت مصمم موسكينو سبق وقدم تشكيلة مثيرة للجدل في الموسم الماضي من أسبوع الأزياء النسائية، كانت تجسيدا لثقافة الشارع والـ«بوب آرت» شهدت نجاحا كبيرا في الكثير من الأوساط، رغم انتقاد البعض لها.
 
- قد تكون لندن الآن متألقة، وربما تكون قد سحبت السجاد من تحت بعض عواصم الموضة الأخرى كما يقول البعض، لكن الفضل في جذب اهتمام الرجل للموضة يعود إلى هادي سليمان، مصمم دار إيف سان لوران الحالي، الذي كان أول من جعل الأزياء الرجالية في قمة الأناقة عندما تولى تصميمها في دار ديور. 
 
- فجأة أصبح الكل يريد أن يظهر ببدلات رشيقة مفصلة على الجسم، وبدأ الكثير منهم حميات لإنقاص الوزن حتى يتمكنوا من شرائها. فهادي سليمان لم يكن رحيما بهم، وكانت تصاميمه غير مناسبة للمقاسات العادية بقدر ما كانت تحتفل بالمقاسات الصبيانية. 
 
- الفضل أيضا يعود إلى الأميركي توم براون، الذي بدأ موضة البدلات القصيرة، التي انتشرت مثل النار في الهشيم بعد ظهور أبطال السلسلة التلفزيونية «ماد مين» بها. ومنذ ذلك الحين لم تعد الموضة عملية أو كلاسيكية بقدر ما أصبح الهدف منها تغذية ذلك الإحساس بالتميز والاختلاف.
 
- ديلان جونز لم يكن الوحيد الذي انتبه إلى ظاهرة تنامي اهتمام الرجل بالموضة والمظهر، كما لم يكن الوحيد الذي استغله، فقد ظهرت عدة مجلات براقة تتوجه للجنس الخشن، إضافة إلى مواقع تسوق على الإنترنت مثل «مستربورتر» وغيرها تستهدف جيبه وفي الوقت ذاته مساعدته وتسهيل عملية التسوق له.
 
- في يناير (كانون الثاني) من عام 2013 أفادت دراسة قامت بها مؤسسة صينية (CLSA) بأن الرجل الصيني يصرف على مظهره أكثر من المرأة، بنسبة 55 في المائة مقارنة بـ45 في المائة، على الأقل فيما يتعلق بالمنتجات المترفة مثل الساعات الفخمة وغيرها. هؤلاء لا يشترون فقط ما يحتاجونه مثل أجدادهم، بل ما تهفو له أنفسهم وما يدخل المتعة إليها.