السيدة زينب .. أول مولود فى بيت النبوة

ولدت السيدة زينب رضى الله عنها قبل النبوة بعشر سنوات وكان وكان صلي الله عليه وسلم يحبها كثيراً وكانت فرحته لا توصف برؤيتها. أما السيدة خديجة رضي الله عنها فقد كانت السعادة والفرحة تغمرانها عندما ترى البِشرى على وجه زوجها وهو يداعب ابنته الأولى. 
 
وكان من عادة العرب وأهل مكة عامة والأشراف منهم خاصة على إرسال صغارهم الرضع الى مرضعات من البادية يعتنين بهم وبعدما يقارب من السنتين يعيدوهم إلى ذويهم.
 
عادت السيدة زينب  إلى حضن أمها خديجة وعهدت بها إلى مربية تساعدها على رعايتها والسهر على راحة ابنتها. وترعرعت زينب في كنف والدها حتى شبّت على مكارم الأخلاق ِوالآداب والخصال الحميدة فى بيت مليء بالحب والأمن والأمان فكانت تلك الفتاة البالغة الطاهرة. 
 
 
كانت هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة رضي الله عنها تقبل على أختها بين الحين والآخر، فقد كانتا قريبتان من بعضهما، وكانت هالة تعتبر السيدة خديجة أماً وأختاً لها وكم حلمت بأن تكون زينب بنت أختها زوجة لابنها أبي العاص.
 
وعندما أرادت هالة بنت خويلد زواج أبنها أبا العاص فلم تجد بمكة من هى خيرا وأشرف من زينب فهي زينب بنت محمد أحد أشراف قريش ومكانته كانت عظيمة بينهم وأمها ذات المنزلة الرفيعة والأخلاق الكريمة أيضاً. أما زينب فلم تكن بحاجة إلى تعريف, فأخلاقها كانت من أهم ما جذب خالتها لها. وفي إحدى الأيام فاتحت هالة أختها بنوايا ابنها الذي أختار زينب بنت محمد ذو المكانة العظيمة في قريش لتكون شريكة حياته وزوجة له. 
 
سرت بهذا الخبر السيدة خديجة رضي الله عنها وهي ترى ابنتها وقد كبرت وأصبحت في سن الزواج ، أخبرت السيدة خديجة الرسول صلى الله عليه وسلم بنوايا ابن أختها أبي العاص ورغبته في التقدم لخطبة ابنته زينب رضي الله عنها فما كان من رسول الله (ص) إلا أن يرحب به ليكون زوجاً؛ وكان ذلك لأن أبا العاص يلتقي نسبه من جهة الأب مع رسول الله عند الجد الثالث، وكذلك فإن نسبه يلتقي من جهة الأم مع زينب بنت محمد عند جده خويلد بن أسد بن عبد العزى. 
 
بالإضافة إلى ذلك فإن أبا العاص على الرغم من صغر سنه فقد عرف بالخصال الكريمة والأفعال النبيلة. وعندما ذهب أبو العاص إلى رسول الله ليخطب ابنته، قال عنه الرسول : إنه نعم الصهر الكفء،وما كان من زينب إلا أن تسكت إعلاناً منها قبول ابن خالتها أبا العاص.
 
كان أبو العاص يعمل بالتجارة فيضطر في بعض الأحيان للسفر إلى بلاد الشام تاركاً زوجته عند أمه هالة بنت خويلد .
 
وشاء الله تعالى أن يكون ثمرة هذا الزواج السعيد طفلين أنجبتهما  السيدة زينب رضى الله عنها، الأول علي بن أبي العاص الذي توفي صبيا وكان رسول الله (ص) قد أردفه وراءه يوم الفتح، والثانية أمامة بنت أبي العاص التي تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة خالتها فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
 
بعد عودة أبى العاص من السفر وكان قد سمع من المشركين بأمر الدين الجديد الذي يدعو إليه محمد  دخل على زوجته فأخبرها بكل ما سمعه، وأخذ يردد أقوال المشركين في الرسول ودينه وهنا وقفت السيدة زينب رضي الله عنها موقف الصمود وأخبرت زوجها بأنها أسلمت وآمنت بكل ما جاء به محمد ودعته إلى الإسلام فلم ينطق بشيء وخرج من بيته تاركاً السيدة زينب بذهولها.
 
 وعندما عاد أبو العاص إلى بيته وجد زوجته رضي الله عنها جالسة بانتظاره فإذا به يخبرها بأن والدها محمد دعاه إلى الإسلام وترك عبادة الأصنام ودين أجداده ، فرحت زينب ظناً منها أن زوجها قد أسلم، لكنه لم يكمل ولم يبشرها بإسلامه كما ظنت فعاد الحزن ليغطي ملامح وجهها الطاهر من جديد. بالرغم من عدم إسلام أبي العاص ألا أنه أحب محمد حباً شديدا،ً ولم يشك في صدقه لحظة واحدة، وكان مما قال لزوجته السيدة زينب رضي الله عنها في أحد الأيام عندما دعته إلى الإسلام:
"والله ما أبوك عندي بمتهم، وليس أحب إليّ من أن أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد، ولكني أكره لك أن يقال: إن زوجك خذل قومه وكفر بآبائه إرضاء لامرأته".
 
كانت السيدة زينب رضي الله عنها تسمع في كل يوم عن مطاردة قريش للرسول وتعذيبه ومعه أصحابه بشتى أنواع العذاب، وهي ترى صبر والدها، وما كان منها إلا أن تدعو له بالنصر على أعدائه ونشر دعوة الإسلام في كل مكان حتى جاء اليوم الذي وصل فيه خبر هجرة محمد ومعه الصديق أبو بكر رضي الله عنه إلى يثرب ، ومطاردة رجال قريش لهما لقتلهما والقضاء على خاتم الرسل والإسلام.
 
وبعد هجرة رسول الله إلى المدينة المنورة أمر بإحضار ابنتيه فاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهن إلى دار الهجرة يثرب، أما رقية رضي الله عنها فقد هاجرت مع زوجها من قبل ولم يبق سوى زينب التي كانت في مأمن من بطش المشركين وتعذيبهم وهي في بيت زوجها الذي آمنها على دينها. 
 
فى غزوة بدر الكبرى والذى شارك فيها زوجها أبى العاص مع المشركين ضد رسول الله ووالد زوجته وجد طفليه وهى بمكة تدعو النصر لأبيها ولدين الله وإعلاء كلمة لا اله إلا الله ومحمد رسول الله.
 
كان قلبها ينفطر حزنا وخوفا على زوجها، وبعد انتصار المسلمين و خوفها على زوجها لم تكتمل تلك السعادة التي غمرتها، حتى علمت بأن زوجها لم يقتل وأنه وقع أسيراً في أيدي المسلمين .
 
وكان رسول الله قد رأى أبا العاص زوج ابنته ضمن الأسرى واستبقاه عنده بعد أن أمر الصحابة أن يستوصوا بالأسرى خيراً ولما علمت بأمر الفدية فلم تجد لديها غير قلادة كانت قد أهدتها لها أمها يوم وزفافها. فأرسلت بها لتفتدى بها زوجها.
 
بعد أن افتدت السيدة زينب زوجها الأسير عند رسول الله طلب الرسول من أبي العاص أن يخلي سبيل زوجته إليه ويجعلها تلحق بأبيها إلى دار الهجرة فرضي أبو العاص على ذلك وكانت السيدة زينب ومعها طفليها تتجهز للحاق بأبيها في دار الإسلام بعد أن أرسل الرسول زيد بن حارثة رضي الله عنه ومعه صحابي على بعد ثمانية أميال من مكة ، ليصطحبا السيدة زينب معهما إلى يثرب.
 
وعندما عاد أبو العاص إلى مكة أمر زوجته باللحاق بأبيها في المدينة وأمر أخاه كنانة بن الربيع بمرافقة زوجته . قدم كنانة للسيدة زينب رضى الله عنها بعيراً تركب عليه حتى تصل إلى بطن يأجج ويكمل زيد بن حارثة الطريق إلى والدها محمد.
 
عندما علم رجال قريش بخبر خروج السيدة زينب إلى أبيها لحق بها هبار بن الأسود ومعه رجل آخر من قريش فعندما لقيها روعها برمحه فإذا هي تسقط من فوق بعيرها على صخرة جعلتها تسقط جنينها، فولى الرجال من بعد ذلك هاربين.
 
رجع كنانة بي الربيع إلى مكة ومعه زينب حتى ترتاح من الألم والمرض الذي ألم بها وبعد عدة أيام اصطحبها مرة أخرى إلى يثرب حيث استقبلها أباها استقبالاً حاراً سعيداً برؤيتها مجدداً مع طفليها علي وأمامة.
 
قبل فتح مكة وبينما كان أبو العاص عائداً في قافلة من رحلة تجارة من بلاد الشام إلى مكة حاملاُ معه أموال قريش التي أؤتمن عليها، تعرض لقافلته سرية بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه ومعه مائة وسبعين رجلا ً . تمكنت هذه السرية المبعوثة من رسول الله من الحصول على كل ما تحمله تلك السرية من مال وهرب عددٌ من رجال القافلة وكان أبو العاص واحداً منهم.
 
 وخشي أبو العاص على أموال قريش التي كان قد أؤتمن عليها، فلم يجد إلا أن يتوجه إلى المدينة ليلا ً ليستجير بالسيدة زينب رضي الله عنها أن يعيد رسول الله مال قريش التي استولوا عليها من القافلة فأجارته في طلب ذلك المال." لما خرج رسول الله (ص) إلى الصبح فكبّر وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفّة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.
 
فلما سلم رسول الله من الصلاة أقبل على الناس فقال: " أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم أنه يجير على المسلمين أدناهم "ثم انصرف رسول الله فدخل على ابنته فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له ما دام مشركاً .
 
اجتمع رسول الله مع أصحابه بأبي العاص، فاستشار صحابته أن يردوا على أبي العاص أمواله التي أخذوها من القافلة وقال لهم: " إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً ، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فأنا أحب ذلك، وإن أبيتم فهو فئ الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به. اتفق الصحابة جميعاً على إعادة المال لأبي العاص كاملا ً دون نقصان.
 
ثم رجع أبو العاص بالمال إلى مكة وأعطى كل واحد من قريش نصيبه من المال ثم قال: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم فرغت منهم وأسلمت".جمع أبو العاص أغراضه وعاد إلى يثرب قاصداً مسجد الرسول فإذا بالرسول (ص) وأصحابه يفرحون بعودته، ليكمل فرحتهم تلك بالإسلام. وبعد إسلام أبي العاص عاد الى المدينة ليفرح قلب السيدة زينب بأسلامه و أعاد الرسول (ص) زينب إليه بنكاحه الأول وقيل أنه أعيد إليها بنكاح جديد وعاشا من جديد معا ً والإسلام يجمعهما.
 
 ولم تدوم سعادة الزوجان طويلا بلم شملهما فبعد سنة واحدة أصيبت السيدة زينب بالمرض وظلت ملازمة الفراش فترة طويلة من أثر ما تعرضت له من قبل هبار بن الأسود، وهي في طريقها إلى يثرب للهجرة. 
 
ولم تستطع الأدوية أن تخفف من مرض زينب ففاضت روحها رضي الله عنها وحزن رسول الله صلي الله عليه وسلم حزناً عظيما،ً وحزن زوجها أبو العاص الذي وافته المنية بعد 4 سنوات من وفاة زينب.