معرض لـ «كارتييه» يستعرض قوتها وفنيتها وتأثرها بنساء مميزات

قراءة في مسيرة دار الأناقة والتاريخ الفرنسية، في الأعلى التاج الذي ظهرت به كيت ميدلتون في حفل زواجها في عام 2011 صنعته دار «كارتييه» بالأساس للملكة الأم في عام 1936 ثم انتقل بعدها إلى ابنتها ملكة بريط
قراءة في مسيرة دار الأناقة والتاريخ الفرنسية، في الأعلى التاج الذي ظهرت به كيت ميدلتون في حفل زواجها في عام 2011 صنعته دار «كارتييه» بالأساس للملكة الأم في عام 1936 ثم انتقل بعدها إلى ابنتها ملكة بريط

هناك معارض تخرج منها بآلام في الظهر والساقين ناهيك بصداع في الرأس، إما بسبب الملل أو بسبب سؤال ملح لا تستطيع التخلص منه عن مدى جدواها والغرض منها. في المقابل، هناك معارض تخرج منها منتشيا، وأنت في حالة من الحلم لا تريد أن تفيق منه، مثل معرض يحتضنه لوغران باليه بباريس هذه الأيام، يتناول تاريخ دار كارتييه وأسلوبها في التصميم. معرض يحتفل بـ160 عاما من الإبهار والفخامة والبريق من خلال نحو 600 قطعة من الجواهر تشد الأنفاس وتحكي ألف قصة وقصة في الجمال والتاريخ. بطلات كل قصة سيدة متميزة ومؤثرة ربطتها بالدار علاقة حب وتقدير متبادل. 
 
المثير فيها أيضا أنها بتصاميم يمكن للدار أن تتحدى أي أحد لتحديد الفترة التي صممت فيها وهي واثقة بأنه سيعجز عن ذلك. فما صمم في بداية القرن التاسع عشر مثلا يبدو وكأنه خارج من معامل الدار الفرنسية للتو. 
 
لكن هذا لا يعني أنك ستجد في المعرض قطعا حديثة أو متوفرة في الأسواق، لأن آخر التصاميم التي يستعرضها، تعود إلى السبعينات من القرن الماضي، لسبب مهم، وهو عدم رغبتها في أن تتهم بأنها تقوم بالدعاية لنفسها. فـ«كارتييه» لا تحتاج إلى ذلك بحكم تاريخها الفني والثقافي، وبالتالي تحرص على أن يكون هذا المعرض احتفالا بإرثها وقراءة اجتماعية وفنية لكل الفترات التي مرت بها وأثرت عليها، لا أكثر ولا أقل.
 
من هذا المنطلق، يمكن القول بكل ثقة بأن المعرض، الذي يحمل عنوان «Cartier: Style & History» من بين أهم المعارض التي شهدتها أروقة «لوجران باليه» منذ فترة. فرغم أن جواهر الدار كانت موضوع ما لا يقل عن 25 معرضا في الربع الأخير من القرن وحده، إلا أنه هنا يكتسب أهمية كبيرة، كونه مقاما في باريس، وفي «لوغران باليه». فهذا الأخير يعتبر بأهمية برج إيفل، على الأقل من ناحية أنه شيد في نفس الفترة تقريبا. 
 
وبينما سبق لـ«كارتييه» أن سافرت إلى جهات متعددة من العالم، ودخلت معارض مختلفة لعرض جواهرها واستعراض فنيتها وخبرتها، من نيويورك ولندن وبراغ إلى شنغهاي، إلا أنها المرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاما، التي تنظم فيها معرضا بهذا الحجم في مسقط رأسها، باريس. 
 
أهمية المعرض تكمن أيضا في أن معظم القطع نادرة، وخصوصا أنه لم تقع عليها سوى عيون أصحابها إلى الآن، حيث يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من قرن من الزمن، بينما يعتبر بعضها الآخر ملكا لمتاحف عالمية، أو لزبائن يفضلون التكتم على مشترياتهم، استطاعت «كارتييه» الوصول إليهم واستعارتها منهم لتضيفها إلى ما يضمه أرشيفها الخاص في جنيف.
 
وهو أرشيف غني، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن «كارتييه» قررت منذ عام 1906 تصوير كل قطعة تصممها والاحتفاظ بها، الأمر الذي كانت ثمرته منجما لا ينضب يلهم مصمميها في أي وقت.
 
من بين القطع التي استعارتها، ماسة زرقاء ضخمة من متحف قطر، وتاج لافت أيضا تتدلى منه ماسات بجودة عالية للشيخة موزا. هناك أيضا تاج صنع للملكة الأم في عام 1936 قبل أن ينتقل إلى ابنتها ملكة بريطانيا الحالية، إليزابيث الثانية، التي أعارته بدورها لأختها الأميرة مارغريت في عام 1955، ثم لكايت ميدلتون في حفل زواجها في عام 2011. 
 
بتصميمه الكلاسيكي وماساته الصافية، يؤكد أنه مناسب لأي زمان وجيل. هناك أيضا بروش خاص بملكة بريطانيا، مرصع بالماس على شكل وردة تتوسطه ماسة وردية ضخمة ونادرة بصفائها ولونها، ظهرت به في عدة مناسبات، فضلا عن كثير من القطع التي تملكها عائلات مالكة أوروبية أو من روسيا القيصرية أو عائلات من المجتمع المخملي أو نجمات هوليوود.
 
وربما هذه الصور الرائعة، التي تذوب فيه الخيوط بين الماضي والحاضر، هي سبب ذلك الشعور بالانتشاء والانبهار الذي يخامرك وأنت تجول بين أروقة «لوغران باليه»، وتقرأ قصة كل قطعة وعلاقتها بالنساء المحظوظات اللواتي امتلكنها في فترة من الفترات، وكيف لم تفقد أي واحدة توهجها أو جمال تصميمها. فالجواهر، على العكس من الأزياء، تحافظ على بريقها وألوانها، لا تبهت بفعل الزمن، ولا تتأثر بصرعات الموضة الموسمية، التي يمكن أن تجعل بعض التصاميم والخامات موضة قديمة لا تناسب العصر. 
 
فرغم أن أغلبها هنا صمم منذ أكثر من قرن من الزمن، فإنها تبدو مناسبة للعصر الحالي بفضل أناقة تصاميمها وجودة أحجارها وفخامتها. أكبر مثال على هذا مجموعة من التيجان المرصعة بسخاء بأحجار الماس، تتباهى ببريقها والشخصيات التي زينت رؤوسها من القرن الماضي إلى الآن، كل تاج منها يتمتع بأسلوب خاص ومختلف يعكس الفترة التي صمم فيها. فـ«الأرت ديكو» يظهر في الأشكال الهندسية التي صيغ بها الماس والعقيق ورص بها اللؤلؤ، بينما يظهر الاهتمام الذي اجتاح العالم بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون في عام 1922، في مجموعة فرعونية لعب فيها مصممو الدار على اللونين الأزرق والأخضر من خلال أحجار الزمرد واليشم وما شابههما.
 
هناك أيضا التأثير الهندي الذي ظهر في عدة قطع من بينها سوار من البلاتين رصع بالزمرد والعقيق والماس يعود تصميمه إلى 1923، وهو تصميم استلهمه السيد كارتييه إثر رحلة قام بها إلى القارة الآسيوية. الباروك أيضا وجد طريقه إلى كثير من الإبداعات، بما فيه حقائب اليد. وغني عن القول إن المعرض يزخر بأشكال مستوحاة من الطبيعة والكائنات الحية التي تتميز بها الدار وتبدعها في كل موسم لحد الآن. 
 
كل هذا التنوع يفسر إلى حد ما سر بقاء دار كارتييه في الواجهة، وكيف نجحت في تجاوز التذبذبات والأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم، وتغير الخريطة الاجتماعية وموازين القوى منذ بداية القرن الماضي. فقد برهنت تصاميمها على قدرة هائلة على التأقلم مع التغيرات ومواكبة تطورات العصر، بتركيزها على الجانب الجميل من كل حقبة. 
 
وهذا ما يجعل المعرض بمثابة تأريخ لمسيرتها من ناحية، وللأحداث الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها العالم ككل من ناحية ثانية. وفي كل الحالات، تلح عليك فكرة واحدة، وأنت تجول في المعرض وتعاين قطع الجواهر التي طلبها أثرياء العالم من الدار منذ تأسيسها في عام 1847، أنه في وقت الأزمات تشتعل الرغبة في كل ما هو غال ونفيس، ويزيد إقبال هؤلاء على اقتناء كل ما هو مرصع بأحجار كريمة صافية وضخمة وكأنهم يحتمون بها من غدر الزمن.
 
وقد تكون الجواهر، الحالة الوحيدة والنادرة التي لا تشعر فيها الطبقات الأرستقراطية في أوروبا بالحرج عندما يتعلق الأمر بكل ما هو ضخم وبراق، وتتفق فيها مع مهراجات الهند وقياصرة روسيا.
 
ومع ذلك فإن المعرض لا يركز على القيمة المادية لهذه الجواهر ولا على فنيتها فحسب كما تعودنا في مثل هذه المعارض، بل يركز أيضا على الأشخاص الذين اقتنوا هذه الجواهر، ومدى تأثيرهم على الحياة الاجتماعية في الفترات التي عاشوا فيها، مما يجعل هذه القطع لا تقدر بثمن، سواء كانت لثريات من أميركا أو ملكات من أوروبا أو نجمات من هوليوود. فإلى جانب سيدات من المجتمع المخملي مثل باربرا هاتون، أو ملكات مثل إليزابيث الثانية أو الملكة ماري من رومانيا، تحتل نجمات هوليوود مكانة مهمة في سجلات الدار، من مارلين ديتريش وغلوريا سوانسون إلى إليزابيث تايلور وغرايس كيلي. 
 
فهذه الأخيرة، مثلا، صممت تاجا رصعته بالألماس والياقوت بطلب من الأمير رينييه في عام 1956، إضافة إلى خاتم زواج مرصع بماسة بزنة 10.47 قيراط، حرصت النجمة على إبرازه في آخر أفلامها «هاي سوسايتي»، وهو الفيلم الذي ودعت به عالم هوليوود، قبل أن تتوج أميرة لموناكو.
 
وطبعا لا يمكن الحديث عن الجواهر والنجمات، من دون الحديث عن إليزابيث تايلور. فقد كانت معروفة بعشقها للأحجار الكريمة وتحرص على أن تتلقى في نهاية كل فيلم تصوره هدية غالية، عبارة عن قطعة جواهر، سواء من الاستوديو أو من أحد أزواجها.
 
لهذا كان من الطبيعي أن تربطها بـ«كارتييه» علاقة قوية، تتمثل في كثير من القطع، من بينها قلادة مرصعة بالياقوت أهداها لها زوجها الثالث، مايك تود، تعمدت «كارتييه» أن تظهر جمالياتها بعرض فيلم قصير تظهر فيه النجمة بهذه القلادة وأقراط أذن من نفس المجموعة خلال إجازة على الريفييرا الفرنسية في عام 1957. 
 
هناك بالطبع قطع أخرى كثيرة لا تقل جمالا «كل واحدة منها فريدة ومميزة مثل المرأة التي تلبسها» كما يشرح أمين المعرض، باسكال لوبوه. ما يقصده أنها في غاية الأناقة والترف، والأهم أنها موجهة بالأساس لنساء مميزات كان لهن دور مهم في تصميمها، أو على الأقل في اقتراح أفكار وأشكال تجسدت في تحف فريدة من نوعها.
 
أكبر دليل على هذا تأثير الممثلة المكسيكية، ماريا فيليكس، التي كانت مغرمة بالتماسيح. تقول القصة إنها أتت إلى محل «كارتييه» في شارع «دي لا باي»، الذي كان في ذلك الوقت أهم شارع موضة في العالم، ومعها تمساح حي يسبح في قنينة طالبة استنساخه لها بالأحجار الكريمة. لبت الدار طلبها وكانت النتيجة مبهرة على كل المستويات. 
 
واحدة من القطع التي حصلت عليها بروش على شكل التمساح الذي أحضرته معها، تشعر وأنت تنظر إليه متسلطنا وراء زجاج خزانة العرض بمخالبه وتقوس ظهره، بأنه يتابعك بعيونه متوثبا للحركة.
 
ويبدو أن الممثلة الغريبة الأطوار، كانت تعشق كل أنواع الزواحف وليس التماسيح فقط، الأمر الذي تؤكده قلادة ضخمة على شكل أفعى، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تحفة فنية وتقنية على حد سواء، بحرفيتها وتفاصيلها، والأهم من ذلك بمرونتها وقدرتها على الالتفاف حول العنق بسهولة. هذه القدرة على تطويع المعادن وترويضها من التقنيات التي تفخر بها الدار وتكررها في كثير من إبداعاتها إلى اليوم.
 
هناك أيضا المصممة جان توسان التي يقال إنها كانت القوة الدافعة لتصميم مجموعة «بانتير» الشهيرة. فمما يذكر أنها التحقت بدار «كارتييه» في عام 1910، وكانت تتمتع بحدة طباع لا يضاهيها سوى قوة حدسها في اختيار القطع الفريدة، مما جعل السيد لويس كارتييه يلقبها بالنمرة.
 
وسرعان ما تمخض عملها مع الدار عن ولادة مجموعة «بانتير». ونظرا للنجاح الذي قوبلت به المجموعة، زين شكل النمر بطاقات الدعوة لحضور معرض خاص بها نظم في عام 1914. 
 
وفي السنة نفسها، ولدت ساعة صمم ميناؤها على شكل نمر رصعت بالألماس والعقيق. مرت السنوات، وفي عام 1948، استعاد النمر قوته بعد أن طلبه دوق ويندسور على شكل بروش ليهديه لواليس سمبسون.
 
ولا بد هنا من التنويه بأن علاقة الدوق بالدار الفرنسية كانت مهمة للغاية أثمرت كثيرا من التعاونات والأشكال المثيرة التي كانت دائما من نصيب واليس. أكبر دليل على قوة هذه العلاقة وتأثيرها الممتد إلى اليوم أن «كارتييه» اكتسبت لقبها «صائغ الملوك، وملك الجواهر» من وصف تبرع به الدوق في إحدى المرات.
 
من جهتها، لعبت واليس سيمبسون الدور بإتقان، وكانت من النساء المميزات والمؤثرات على مسيرة الدار. فقد كانت تعشق الجواهر وتتقن التزين بها، خصوصا وأنها كانت تتمتع بذوق رفيع وأسلوب هادئ وبسيط فيما يتعلق بالأزياء، مما جعل هذه الجواهر تجد الأرضية المناسبة للبروز والتألق. 
 
واليس سيمبسون أيضا، لم تكن تؤمن بالحلول الوسطى ولا تتنازل عن الجودة والتفرد مهما كان الثمن، فمن أشهر مقولاتها أن الجواهر «عندما تكون متاحة ويسهل الحصول عليها، تفقد متعتها».
 
رأي جسدته كل القطع الخاصة بها، من البروش الذي يمثل نمرا ثلاثي الأبعاد رصع بزفير كشمير إلى بروش آخر يجسد طائر الفلامنكو وهلم جرا من الجواهر التي تؤكد ذوقها الرفيع وفي الوقت ذاته ومهارة حرفيي الدار الفرنسية في صياغة أشكال مبتكرة بأجود الأحجار.