جدال طبي حول دور أشعة الشمس في الحصول على فيتامين دي

عند محاولة البحث في الأسباب الحقيقية لتفشي مشكلة صحية ما، فإن علينا أن نكون دقيقين، خاصة عند وضع اللوم على أمر ما، واعتباره سبباً في حصول تلك الحالة الصحية ووصولها إلى حد "مشكلة وبائية"، لأن تلك النتيجة سيُبنى عليها عناصر الإرشادات الطبية في كيفية الوقاية وأساليب المعالجة.


ومن الملاحظ أن القراءة الصحافية للدراسات الطبية تختلف تماماً في بعض الأحوال عن القراءة الطبية لها.

وذلك التباين في الفهم بينهما، وبالتالي في العرض، يُؤدي إلى توصيل رسالة غير التي يُريد الباحثون الطبيون توصيلها إلى الناس.

 وإلى إثارة البلبلة في دقة معلوماتهم الطبية، ما سينتج عنه حتماً ارتكاب الكثيرين أخطاء في السلوكيات الحياتية.

وقد تكون عواقب ذلك نشوء أضرار صحية، خاصة عند الحديث عن مشاكل صحية على درجة عالية من الأهمية.

مع العلم بأن الوصف بالأهمية ليس مقتصراً على ما يُهدد سلامة الحياة، بل يشمل أيضاً ما هو شائع جداً من اضطرابات صحية، باعتبار تبعات كل تداعياتها.

 وعليه، فحينما تتناقل الأوساط الطبية، وفق ما تم نشره للباحثين من بوسطن بالولايات المتحدة ضمن عدد التاسع عشر من هذا الشهر لمجلة "نيوانغلند" الطبية العالمية، بأن ثمة أكثر من مليار إنسان يُعانون من نقص فيتامين دي، فإن من العبث نُصح الناس بتعريض أجسامهم لأشعة الشمس في سبيل القضاء على هذه المشكلة، ومن العبث أيضاً وضع اللوم، في تفشي هذه الحالة العالمية، على ارتداء مجموعات من سكان بعض مناطق العالم ملابس سابغة واقية من تعريض كثير من جلد الجسم لأشعة الشمس.

بل الدقة العلمية هي في ما تُؤكد عليه المصادر الطبية بأن سبيل القضاء على هذه المشكلة الصحية هو بتناول الأطعمة المعززة بفيتامين دي، وليس بالبدء في برامج لتعريض المزيد من جلد الجسم للشمس ابتغاء الحصول على المزيد من فيتامين دي.

 والدقة العلمية أيضاً هي في تذكير الباحثين الطبيين للناس بضرورة عدم التفكير مطلقاً باللجوء إلى أشعة الشمس للحصول على فيتامين دي.

قراءات مختلفة
ولتعريف عموم الناس بدراسة الباحثين من الإمارات حول تأثيرات تناول النساء لفيتامين دي، تضمنت القراءة الصحافية لبعض وكالات الأنباء، الصادرة في 25 يونيو (حزيران) الماضي، عنوان الخبر وترجمته إلى العربية: "نساء الشرق الأوسط ربما يكون لديهن نقص فيتامين دي".

وكان نصّ ترجمة العبارات الأولى لمقدمة خبر الكاتب، غير الطبيب من نيويورك، يقول بالضبط: "في بعض من دول الشرق الأوسط وغيرها من الدول، حيث الملابس المحافظة تُقلص من التعرض لأشعة الشمس، فإن كميات عالية من جرعات فيتامين دي ربما تلزم لرفع نسبة الفيتامين بدرجة كافية لدى النساء" انتهى.

في حين أن نفس وكالة الأنباء أوردت تقريراً إخبارياً، في 29 يونيو من الشهر نفسه، بقلم أحد الأطباء من نيويورك أيضاً، حول إحدى الدراسات الطبية الصادرة في الولايات المتحدة.

ويقول عنوان الخبر نصاً: التعرض الكافي لاشعة الشمس لا يحمي من نقص فيتامين دي. وتقول ترجمة نص الخبر بدءا من أولى كلماته: "لدى كثير من الناس، يظل فيتامين دي منخفضاً، بالرغم من التعرض الكثيف لأشعة الشمس. وغالباً ما يُلام عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس في ارتفاع انتشار حالة انخفاض فيتامين دي، لكن صواب هذا غير واضح" انتهى.

أسباب الطرح
وبعيداً عن التعاطي مع موضوع الملابس واختيارات الناس المتباينة لأنواعها وأشكالها، فإن المتأمل يجد في نص كلا التقريرين الإخباريين، للدراسة الإماراتية وللدراسة الأميركية التي أُجريت على سكان هاواي، عدة تناقضات في كيفية ومضمون كتابة تلك المقالات الصحافية.

وهي ما تُمثل نموذجاً لما عليه كتابة الصحافيين غير المتخصصين في الطب لأخبار الدراسات الطبية، مقارنة بكتابة متخصصين أطباء لأخبار تلك الدراسات.

ولأن موضوع التعرض لأشعة الشمس وعلاقته بفيتامين دي أو سرطان الجلد، هو موضوع طبي علمي بالدرجة الأولى، فإن علاقة الطب بالعادات أو التقاليد أو الاختيارات الشخصية في شأن الملابس، لا تكون إلا حينما يثبت أن ثمة أضراراً صحية من تنوعاتها واشكالها و"موضاتها".

وما حاول الباحثون من الولايات المتحدة معرفته، عند إجرائهم الدراسة في هاواي، هو: هل التعرض الكافي لأشعة الشمس كفيل بتأمين كمية كافية للجسم من فيتامين دي؟، باعتبار أن عدم التعرض لأشعة الشمس بكميات كافية يراه البعض بأنه السبب وراء تدني نسب فيتامين دي في أجسام الكثيرين.

وثمة ثلاثة أسباب وراء إثارة موضوع البحث عن حقيقة ضرورة التعرض للشمس لتوفير فيتامين دي للجسم، وهي:

الأول: المخاطر الصحية الثابته علمياً للتعرض لأشعة الشمس في التسبب بسرطان الجلد. وهو ما ترى الهيئات الطبية العالمية، مثل الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية، أن أولى وأهم خطوات الوقاية منه تقليل التعرض لأشعة الشمس عموماً، وتجنب التعرض لها فيما بين العاشرة صباحاً إلى الرابعة من بعد الظهر، والالتزام باستخدام كريمات الوقاية من الشمس (صن سكرين)، والحرص على ارتداء القبعات والنظارات الشمسية والملبوسات السابغة من نوعية الأقمشة التي تحجب عن الجسم وصول الأشعة ما فوق البنفسجية.

الثاني: تبني كثير من الهيئات الطبية العالمية أن على الناس عدم اللجوء إلى التعرض لأشعة الشمس في محاولاتهم لتأمين كمية كافية من فيتامين دي بالجسم.

وتحديداً، فإن الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية تتبنى هذه النصيحة الطبية صراحة من خلال الكثير من نشراتها في السنوات الاخيرة، بل وتُؤكد على أن ثمة بلبلة في المعلومات لدى الناس حول هذا الأمر.

الثالث: حينما عرّفت البحوث الطبية تلك الكمية اللازمة من تعرض جلد الإنسان إلى أشعة الشمس، لتكوين فيتامين دي، قالت كلاماً علمياً مخالفاً لما يظنه الكثيرون.

 إذْ في حين يعتقد البعض أن التعرض اللازم لأشعة الشمس يتطلب التخلى عن لبس الملبوسات السابغة للجلد، لأن ارتداءها سبب في تدني نسبة فيتامين دي لدى الكثيرين.

تقول الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية إن من الواجب ارتداء ملابس سابغة تُغطي جلد الجسم، وأن اللازم تعريضه لأشعة الشمس، لإفساح المجال للجسم لتكوين فيتامين دي، هو بضعة سنتيمترات مربعة من الجلد، ولمدة تتراوح ما بيت 3 إلى 5 دقائق في ثلاثة أيام من الاسبوع!.

* هاواي والإمارات ووفق ما تم نشره بعدد يونيو من مجلة "علم الغدد الإكلينيكي والاستقلاب"، قام الدكتور نيل بينكلي، من برنامج الأبحاث الإكلينيكة لهشاشة العظم بجامعة ويسكونسن، بمتابعة تأثير تمضية 93 شخصا لحوالي 22.4 ساعة أسبوعياً تحت أشعة الشمس من دون وضع الكريم الواقي من تلك الأشعة sunscreen (صن سكرين). مقارنة بقضاء 28.9 ساعة أسبوعياً تحت أشعة الشمس في حالة وضع صن سكرين وفي حالة عدم وضعه.

وهو ما حسب الباحثون، بناء على نوعية الملابس التي كان يتم ارتداؤها بالدرجة الأولى، أنه يعني تعريض كامل جلد الجسم للشمس ومن دون وضع صن سكرين لمدة متوسطها 11.1 ساعة أسبوعياً.

وبالرغم من أن هذا يُعتبر تعرضاً لكمية عالية من أشعة الشمس، فإن 51% من هؤلاء تبين أن لديهم نقصاً في نسبة فيتامين دي بالجسم!، وهو ما حدا بالباحثين إلى التذكير بأنه لا يُفترض أن الأشخاص الذين تتعرض أجسامهم إلى كميات عالية من أشعة الشمس، لديهم نتيجة لذلك الكمية اللازمة من فيتامين دي في أجسامهم.

من جانبهم، حاول الباحثون من العين بالإمارات العربية معرفة مقدار برنامج الجرعات اللازمة من فيتامين دي لتحسين نسبته في أجسام النساء العربيات والهنديات من سكان تلك الدولة.

وكان الباحثون، وفق ما ذكروه في مقدمة دراستهم المنشورة بعدد يونيو من المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية، قد وجدوا في دراسة سابقة لهم أن ثمة انتشارا عاليا لحالات نقص فيتامين دي.

وأن ثمة تدنيا في الالتزام بتناول العلاجات المحتوية على هذا الفيتامين بين شريحة النساء العربيات والهنديات.

وكان الهدف من الدراسة هو تحديد مدى فاعلية تناول إما جرعات يومية أو شهرية من فيتامين دي 2 من قِبل النساء المرضعات أواللواتي لم يسبق لهن الحمل.

ولاحظ الباحثون أن نسبة فيتامين دي كانت متدنية لدى النساء المشاركات في الدراسة منذ بدايتها.

 وأدى الالتزام بتناول أي من الطريقتين إلى تحسين نسبة فيتامين دي في أجسامهن، لكن هذا الالتزام بالتناول لم يتحقق إلا لدى حوالي ثلث النساء المشاركات في الدراسة.

لا لأشعة الشمس
وتحت عنوان الأوهام والحقائق حول فيتامين دي والتعرض لأشعة الشمس، تحدت الأكاديمية الأميركية وجود أي أدلة علمية تثبت أن ثمة فائدة من تعريض جلد الجسم لأشعة الشمس.

وقالت الأكاديمية إن تغطيات تقارير وسائل الإعلام ربطت بين التعرض لأشعة الشمس مباشرة ومن دون أي حماية للجلد منه، وفوائد صحية يجنيها الجسم عبر رفع نسبة فيتامين دي.

وهي أحاديث إعلامية، وصفتها الأكاديمية بأنها أثارت اللبس والتشويش بين الناس. لأنه ومنذ عقود، لا يزال أطباء الجلدية ينصحون عموم الناس باتخاذ احتياطات حماية عند التعرض لأشعة الشمس، في سبيل وقايتهم من الإصابة بسرطان الجلد.

وأكدت الاكاديمية بأن هذه النصيحة سليمة وصحيحة ويجب تطبيقها حتى اليوم بالرغم من كل الأقاويل المخالفة.

وعلقت البروفيسورة داريل ريغال، طبيبة الجلدية في المركز الطبي بجامعة نيويورك، على الأوهام التي يسوقها البعض لدفع الناس إلى التعرض المقصود لأشعة الشمس، أي ليس التعرض العارض، لتحسين فيتامين دي في الجسم، بقولها: "باعتباري طبيبة جلدية أعالج يومياً حالات نهش سرطان الجلد بالمرضى، فإن ما يُرعبني أن ثمة أحدا ممن يتمتع بقدرة عقلية على موازنة الأمور، يُمكنه أن يدعي أن التعرض المقصود لأشعة الشمس، ولأي مدة زمنية كانت، بأن له أي فائدة صحية".

 وأضافت بالقول: "إن الحقيقة هي أن سرطان الجلد انتشر إلى مستويات مثيرة للقلق، وما تُؤكده الدراسات الطبية هو أن أفضل وسيلة لمنع الإصابة بهذه الأنواع من السرطان، هي تجنب التعرض لأشعة الشمس دونما اتخاذ حماية للجلد منها".

واستطردت بالقول: "وإلى أن يُوجد علم يقول لنا بخلاف هذا، فإن من المهم أن يحمي الناس أنفسهم من أشعة الشمس.

وتعريض أحدنا نفسه لأشعة الشمس في سبيل فيتامين دي ليس هو الحل. ولو كان أحد لديه اهتمام بعدم حصوله على كميات كافية من فيتامين دي، فعليه إما تناول حبوب الفيتامينات المحتوية على فيتامين دي أو تناول بضعة أكواب من الحليب المعزز بفيتامين دي يومياً".

وكان الدكتور ريموند كورنيليسون، رئيس الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية، قد قال: "في حين قد يُعتبر أن فائدة التعرض للشمس هي تكوين فيتامين دي، إلا أن الأدلة، التي تثبت أن التعرض لأشعة الشمس يتسبب بسرطان الجلد، أكثر قوة واقناعاً.

وأكد على أنه طالما تعتبر وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية أن الأشعة فوق البنفسجية عنصر متسبب بالسرطان، فإن من الخطورة تضليل الناس بالقول إن التعرض للشمس آمن ومُجد لمعالجة حالات صحية أخرى".. في إشارة منه لنقص فيتامين دي بالجسم وكل تداعياته.

أشعة الشمس .. ليست السبب الوحيد لنقص فيتامين دي
فيتامين دي أحد أنواع الفيتامينات ذات القابلية للذوبان في الدهون. ويُوجد فيتامين دي في الجسم على عدة هيئات مختلفة في مدى نشاطها الكيميائي في مجالات بناء العظم وحمايته من الضعف.

 ونقص نسبة فيتامين دي في الجسم ينتج في الواقع من أحد أربعة أسباب: الأول، عدم تناوله من الأكل.

والثاني، قلة التعرض لأشعة الشمس. والثالث، عدم قدرة الكلى أو الكبد على اتمام تفاعلات خطوات انتاج فيتامين دي. والرابع، عدم قدرة الأمعاء على امتصاص فيتامين دي. وفي حال الأطفال الرضع، عند الاقتصار في التغذية على رضاعة حليب الأم.

والأشعة فوق البنفسجية لديها قدرة لتحفيز خلايا الجلد على البدء بإحدى الخطوات الأولية في صنع فيتامين دي.

وهو ما تُكمل بقية مشوار الصناعة كل من خلايا الكبد والكلى، لكن من المهم تذكر عدة عوامل أخرى مُؤثرة بشكل بالغ في مدى وصول وقدرة الأشعة البنفسجية إلى الجلد لتحفيز صنع فيتامين دي.

 وتشمل اختلاف فصول السنة وارتفاع المنطقة الجغرافية وموقعها في البُعد عن خط الاستواء، اختلاف أوقات النهار، والغيوم، والضباب، وتلوث الهواء، وغيرها من العوامل.

 كما أن ذوي البشرة السمراء والداكنة لديهم انتشار وكمية أكبر من صبغات ميلانين في خلايا البشرة، وهي ما يُكسب الجلد لونه، لكنه أيضاً يقلل من وصول الأشعة ما فوق البنفسجية إلى الجلد لتكوين فيتامين دي.

ولأن فيتامين دي يُمتص مع الدهون، باعتباره أحد الفيتامينات ذات القدرة على الذوبان في الدهون، فإن أي حالة مرضية يصحبها تدني امتصاص الدهون قد يكون فيها نقص فيتامين دي في الجسم.

 مثل اضطرابات افراز أنزيمات البنكرياس أو التهابات مرض كرون المعوية وغيرها، كذلك الحال مع استئصال اجزاء من المعدة أو أجزاء أخرى من القناة الهضمية.

الحاجة إلى الإعلام الطبي .. ضرورة وقائية وعلاجية
الملاحظ أن أخبار جديد الطب والمقالات الطبية بدأت تزاحم، وبشكل لافت للنظر، أخبار ومقالات الاهتمامات التقليدية للتغطية الصحافية والإخبارية.

 وباتت المصادر الإعلامية، من صحافة وغيرها، أحد المراجع التي يتلقى منها الكثيرون ثقافتهم الصحية وفهمهم للأمراض والجديد في وسائل معالجتها.

وإن كان البعض في الوسط الإعلامي يُفسر ذلك بأنه نتيجة للملل الذي يجتاح الكثيرين من متابعة المواضيع التقليدية التي تطرقها وتغطيها وسائل الإعلام عادة، إلا أن البعض في الوسط الطبي يراه غير ذلك تماماً، إذْ يُمثل الأمر للأطباء والمتخصصين الصحيين تنبيهاً إلى ضرورة الاهتمام بالوسائل الإعلامية المقروءة أو المسموعة أو المرئية للتواصل في مجالات التثقيف الصحي.

 والتثقيف الصحي في واقع الحال غدا لدى الهيئات الطبية العالمية احدى الوسائل الوقائية والعلاجية للمشاكل الصحية.

وتبذل فيه تلك الهيئات الطبية المزيد من الاهتمام، لأنها اقتنعت اليوم، أكثر من ما مضى، أن الخدمة الطبية والصحية لن تُجدي الناس إن اقتصر تقديمها للأشخاص المرضى فقط حينما يجلسون أمام الطبيب، إما على الكرسي في العيادة أو فوق أسرة التنويم بغرف المستشفيات.

 أي أن الجهد الطبي لن يكفي إذا اكتفى العاملون في الوسط الطبي بإلقاء توجيهاتهم الطبية والصحية على المرضى فقط. لأن المعلومات المهمة في جانب الوقاية لن يتم توصيلها لعموم الناس، والأصحاء منهم على وجه الخصوص، بالشكل المطلوب آنذاك.

لهذا السبب، ولأسباب أخرى تتعلق بالدقة والأمانة في توصيل المعلومة الصحيحة، اللتين تُبنى عليهما مصداقية كل من الوسط الطبي والوسط الإعلامي، بدأت تتبدى ضرورة مشاركة المتخصصين الطبيين في إعداد تلك المواد الطبية الإعلامية بأنواعها المختلفة.

ويُمثل جانبا المعرفة والمتابعة، الأساس في نجاح الأداء الإعلامي الطبي. لأن المعرفة الصحيحة والمتابعة المستمرة للجديد، تُسهلان في توضيح معاني المعلومات الطبية لعرضها بالأسلوب الإعلامي، وتسهلان أيضاً وضع الخبر في موضعه الصحيح بين مجموعة الدراسات الحديثة حول الموضوع المطروح وبين أيضاً تلك السلسلة من أحداث ما حصل في السابق وما هو متوقع حصوله في المستقبل.

والإشكالية لدى الأوساط الطبية في أسلوب الإثارة لها أسبابها المهنية والأخلاقية، لأن الإثارة في عرض أخبار الإنجازات الطبية ليست مرفوضة بالمطلق، بل قد يلزم ذلك الاسلوب للفت النظر أحياناً.

لكن الإشكالية هي في حدود توقعات الناس منها تبعاً لدرجة إثارة العرض أو أهمية وانتشار الحالات المرضية المرتبطة بموضوع الخبر. وكثيراً ما يُثير خبر طبي، يُعنون بأنه اكتشاف جديد، الأمل في نفوس المرضى.

 ويعتقدون أنه خلاصهم من معاناتهم. بينما الحقيقة غير ذلك مطلقاً. وهو ما أدى إلى بدء البعض بالقول إن الأخبار الطبية مبالغ فيها أو إن ما تحمله من مضمون لا جدوى منه.

 والواقع خلاف ذلك. لأن الجهود الطبية يُبنى بعضها على بعض، وما يُقدمه باحثون من غرب العالم يُكمله آخرون في مناطق أخرى. أو يطرح آخرون تطبيقات له في مناطق أخرى لاختبار مدى حقيقته، أو غير ذلك من المجالات التي تُثري المعرفة البشرية عموماً بالطب.