بسبب ظهور طبقات جديدة .. أسعار الأزياء تشتعل نارا

انفتاح أسواق جديدة .. فظهور طبقات اغتنت من البورصة ومجالات الإنترنت أنعشت كل ما هو رفيع .. والاحساس الذي يخرج به أي متابع لعروض موسم «الهوت كوتير» الباريسي الأخير، هو انها تعافت وأصبحت بألف خير. فبعد سنوات طويلة من التكهنات والتوقعات بانقراضها وبأنها ستصبح خبرا من الماضي، بدا معظم المصممين ودور الأزياء في أقصى حالات التفاؤل في بداية الشهر، كما بدت خريطة الصفوف الأمامية مختلفة عما كانت عليه في السابق. فإلى جانب وسائل الإعلام والمشترين والزبونات القديمات، كانت هناك وجوها جديدة وشابة هي من يؤثر على مبيعات هذه البيوت، وبشكل غير مباشر، على أسلوبنا في الحياة وفي الشراء. فانفتاح شهيتهن على كل ما هو غال وثمين يجعل المصممين يحاولون إرضاءهن بشتى الوسائل، مما يشعل نار الأسعار، التي لا يبدو انها ستستقر في المستقبل القريب.


الفضل في ظهور هذه الفئة «المنقذة» يعود إلى تغير المناخ الاقتصادي وظهور اسواق جديدة في الشرق وأوربا الشرقية والآسيوية، فضلا عن سيادة ثقافة «إذا كنت تمتلك ثروة كبيرة فاستعرضها وتمتع». فالملياردير يريد ان يتميز عن المليونير، والمليونير يريد ان يتميز عن الطبقات الأخرى، وليس أدل على ذلك من مقاضاة البليونير دونالد ترامب للصحافي تيموثي أوبراين من صحيفة «نيويورك تاميز» لا لسبب سوى انه وصفه بمليونير عوض ملياردير. ترجمة هذه الثقافة المتنامية تتجسد في أن كل ما هو غال وباهظ الثمن مرغوب فيه.

حقيبة «كيلي» من «هيرميس» التي مهما تغيرت الموديلات لا تزال رمزا للأناقة والفخامةلكن الظاهرة لا تشمل طبقة بعينها، فحتى الذين توارثوا الجاه والطبقات المخملية أصبحت تبحث عن التميز عما هو سائد حتى لا تتحول إلى دعايات متحركة لدور الأزياء أو نسخ مكررة عن بعضهن البعض، سواء تعلق الأمر بالمجوهرات أو الأزياء أو الاكسسوارات، التي اصبح بعضها يضاهي أسعار المجوهرات الكريمة أو اللوحات الفنية. فما اكتشفته الطبقة المخملية والمقتدرة التي تتسوق من بيوت الأزياء العالمية، أن الموضة أصبحت ديمقراطية أكثر من اللزوم. فموسم التخفيضات من جهة، والمحلات التجارية الكبيرة التي بدأت تستعين بمصممين كبار لطرح مجموعات موقعة بأسمائهم، من جهة ثانية، فتحت شهية طبقات جديدة، غير مقتدرة، على دور الأزياء هذه، مما ترتب عنه ان الكثير من التصميمات أصبحت متشابهة وفقدت خصوصيتها، وهو الأمر الذي لا يمكن ان يقبلنه، لاسيما وأن الواحدة منهن يمكن ان تحضر مناسبة تكون فيها ضيفة أخرى بنفس الزي تماما.

تقول شارلوت إليس، مديرة وكالة علاقات عامة أن هذه الطبقة تقتني مجوهرات بالملايين، ومن ثم تريد ازياء واكسسوارات بنفس القيمة والتميز، إذ ليس من المعقول ان تحضر مناسبة بطقم ماس في فستان من الملابس الجاهزة. ومن هنا كان الحل المثالي في نظر هذه الفئة، منتجات «الهوت كوتير» التي قد تكون بسعر خرافي، لكنها على الاقل تضمن التفرد كونها قطعا خاصة جدا لا تتكرر. يقول كريستوف غايو، رئيس دار جون بول غوتييه إن هؤلاء الزبائن مستعدون لدفع مبالغ كبيرة على منتجات فريدة، تكون مصممة خصيصا لهم «فهم يريدون ان تكون مفصلة على مقاسهم وتناسب أسلوب حياتهم المترف ايضا». العديد من هؤلاء شباب حققوا ثروات طائلة في مجالات الأعمال، خاصة مجالات الانترنت والبورصة.

ساعة «جي12» توربيون طرحتها دار «شانيل» بعدد محدود للذواقات فقطوكما يعملون بجد وتفان، كذلك يستمتعون بحياتهم بنفس «الجدية والعزم»، فقد يجد بعضهم أن تنسيق حفلة خاصة يحييها جورج مايكل أو جنيفر لوبيز أو شاكيرا، أمر عادي جدا، كما ان اقتناء سيارة فيراري فارهة لم يعد بالشيء الجديد أو المتميز بالنسبة لهم، مقارنة باقتناء طائرة خاصة أو يخت فخم، لذلك ليس غريبا ان يكون كل ما هو رفيع مطلبهم، بدءا من الازياء والمجوهرات والاكسسوارات إلى اقتناء اللوحات الفنية، التي يعرف سوقها انتعاشا منقطع النظير أيضا في كل عواصم العالم. ويتوقع الخبراء ان يزيد عدد هؤلاء في المستقبل، ومعهم سينتعش سوق كل ما هو غال ونادر ومتخصص لتكبر الفجوة الطبقية مرة أخرى. فمما لاشك فيه أن الأسعار ستستمر في الارتفاع، ما دام هناك طلب، لتصبح الهوة حتى بين الفخم وفائق الفخامة ملموسة.

جولة بسيطة في المحلات هذه الأيام تؤكد أن ما كان يمكن الحصول عليه منذ بضع سنوات بـ500 دولار اصبح لا يقل عن 1000 دولار وهكذا. من هذه المنطلق لم يعد حذاء يقدر بـ350 دولارا، أو حقيبة يد بـ600 دولار او ساعة يد بـ3000 دولار تغري المرأة الانيقة، لأنها لم تعد تعتبر متميزة؛ فالزبونات الجديدات يفضلن أحذية بـ1000 دولار وما فوق، وحقائب لا تقل عن 5000 دولار، وساعات بأكثر من 10.000 دولار أي كلما كان السعر باهظا، كلما كان هذا هو عز الطلب. مصمم الأحذية النجم حاليا هو كريستيان لوبوتان، الذي تصل اسعاره إلى 1000 دولار، مما يجعلها بعيدة المنال عن الأغلبية، الامر الذي يزيد من شعبيته لدى الثريات.

«ليوباردورو» صندل من تصميم ماي لامور، مصنوع من الفرو الحقيقي وتتوسطه ليس هذا فقط فقد ظهر مصممون جدد لا يعرفهم إلا قلة من العارفين، متخصصون في تصميم احذية تحمل لقب «هوت كوتير» قد تفوق اسعارها الـ30.000 دولار، نذكر منهم على سبيل المثال المصممة ماي لامور، التي تصنع كل حذاء من الجلود الفخمة وترصعه بالأحجار الكريمة لتلك المناسبات الخاصة جدا. ويقول الخبراء ان زيادة مبيعات المنتجات الفاخرة المطرد منذ حوالي ست سنوات ليس سرا؛ فقد قدرت العام الماضي بـ 150مليار دولار، نسبة 30% منها كانت في الولايات المتحدة الأميركية. وتنامي فئة «سوبر» ثرية ايضا لم يعد سرا، لاسيما وأن عددا لا يستهان به من أصحابها يفضلون ان يعلنوها على الملأ، مثل الملياردير دونالد ترامب، وغيره كثيرون.

وإعلان هذه الفئة عن نفسها، يأخذ اشكالا عدة أهمها صرف مبالغ طائلة على مظهرها، فهي تتمتع بشهية مفتوحة على كل جديد وكل ما هو فاخر. وكالعادة، فإن الشركات ودور الأزياء والمجوهرات كلها آذان صاغية رافعة شعار «شبيك لبيك». شركة ميكيموتو اليابانية المتخصصة في اللؤلؤ، طرحت مؤخرا عقدا ذهبيا من اللؤلؤ بـ330.000 دولار، ومونبلان، باعت قلما مرصعا بالياقوت و«الزفير» والماس استغرق تنفيذه 15 شهرا بـ700.000دولار، بيع في غضون ايام من طرحه في الأسواق.

دار «كارتييه» بدورها سجلت مبيعات كبيرة، فلأول مرة منذ عقود، يصرف الزبون الواحد حوالي مليون أو مليونين في زيارة واحدة، حسب ما صرح به فريدريك دي نارب، الرئيس التنفيذي لـ«كارتييه» بالولايات المتحدة، مشيرا إلى أن اكبر شيك دفعه زبون خلال زيارة واحدة كان في العام الماضي ويقدر بـ11 مليون دولار. «بولغاري» بدورها صرحت بأن هناك مشترين يصرفون اكثر من مليون دولار في كل جولة تسوقيه، اصبح امرا معتادا، كذلك الأمر بالنسبة لدار «لوي فيتون» التي نفذت حقائب يد محدودة العدد طرحتها مؤخرا رغم سعرها، 40.000 دولار. حتى شركة «كوتش» التي تقدر حقائبها في العادة بـ300 دولار، أصبحت تغازل هذه الشريحة، بطرحها مجموعة محدودة العدد في العام الماضي مصنوعة من جلد التماسيح بسعر 10.000 دولار. لذلك ليس غريبا ان تفتح شهية الزبائن شهية المصممين، الذين رحبوا بالظاهرة، وتباروا في طرح كل ما هو غال وثمين في مغازلة واضحة لهم.

فمصمم دار غوتشي السابق، توم فورد، افتتح محلا خاصا جدا في منطقة مانهاتن بنيويورك لا يقدم فقط المتميز للرجل، بل ايضا خدمة خاصة جدا تشمل رئيس خدم يقدم المشروبات والأكل، عند الطلب، وهي خدمة بسيطة لا تكلفه كثيرا مقارنة بأسعاره وما يجنيه من زبائنه. انعكاس هذه الظاهرة على الازياء تعني شيئا واحدا: انتعاش سوق الخياطة الرفيعة، وهو ما أكده سيدني توليدانو، رئيس دار كريستيان ديور، بعد العرض الكبير الذي شهده قصر فرساي مؤخرا واحتفلت فيه «ديور» بمرور ستين عاما على تأسيس الدار، بقوله انه سعيد ومتفائل جدا بمستقبل «الهوت كوتير» (أصبحت تشمل مجال الاكسسوارات والمجوهرات ايضا) بحجم الطلب على التشكيلة ذات الإيحاءات اليابانية التي تم عرضها في شهر يناير (كانون الثاني) السابق.

دار «شانيل» بدورها شهدت ارتفاعا كبيرا في مبيعاتها في كل من أوروبا وآسيا إلى حد دفع برونو بافلوفسي، رئيس قسم الموضة بالدار إلى القول إن الأمر يشبه عصر النهضة فيما يخص الخياطة الرفيعة: «فالزبونات الجديدات في مقتبل العمر وثريات، إذ أن أصغر واحدة منهن في الـ24 عاما، وهذا امر فريد من نوعه». كذلك الأمر بالنسبة لدار كريستيان لاكروا التي سجلت ارتفاعا ملحوظا في مبيعاتها العام الماضي بنسبة 30% تقريبا، وفالنتينو التي شهدت ارتفاعا بنسبة 30% والفضل في ذلك يعود حسب متحدثها الرسمي إلى أسواق الشرق الأوسط، التي تشكل 60% من الزبائن، هذا عدا أن المنطقة تشهد حيوية اقتصادية كبيرة وانفتاحا على كل ما هو متميز، بدليل ان دار جيفنشي توجهت مؤخرا إلى الإمارات والقاهرة هذه السنة لمواجهة كثرة الطلبات.

جورج أرماني، الذي توجه إلى مجال «الهوت كوتير» في عام 2005 فقط بخطه «بريفيه» حقق نجاحا كبيرا وأرباحا اكبر، ويحسب له انه توجه إلى هذا المجال في وقت كان فيه الكثير من بيوت الازياء تعاني من الركود. فقد انسحب آنذاك كل من إيمانويل أونغارو ودار بالمان من الساحة، لكن وصفة أرماني السحرية أنه عرف كيف يغازل سوقه بالتركيز على أزياء المساء والسهرة، المناسبة التي ترغب أية انيقة أن تتميز وتتألق فيها، إلى جانب استعماله والذي للنجمات لتسويق تصميماته.