تحذير طبي من الأستخدام المفرط للمضادات الحيوية

 الاستخدام العشوائي لعدة مضادات من دون دراية بوظيفة كل واحد منها قد يعطي نتائج عكسية
الاستخدام العشوائي لعدة مضادات من دون دراية بوظيفة كل واحد منها قد يعطي نتائج عكسية

تعتبر المضادات الحيوية من أنجح المركبات الصيدلانية الحيوية والتي تستخدم في معالجة الالتهابات المختلفة. ورغم اختلاف هذه المضادات عن بعضها بعضاً كيميائياً وفيزيائياً إلا أنها جميعاً تقوم بوظيفة واحدة هي القضاء على الميكروبات وبالذات البكتيريا.


ورغم المقدرة الهائلة التي تمتلكها للقضاء على البكتيريا المختلفة إلا أن الاستخدام غير المقنن أدى إلى فقد البعض منها مقدرة القيام بوظيفته على الوجه المطلوب.

لذا كان من الضروري أن نتعرف على الطرق الأساسية اللازمة التي أدت إلى فقد البعض منها المقدرة على القيام بالوظيفة المطلوبة.

يقول الدكتور محمد عبد الرحمن حلواني استشاري ومدرب معايير مكافحة العدوى بالمجلس المركزي للاعتراف بالمنشآت الصحية ورئيس قسم مكافحة العدوى بمستشفى الملك فهد بجدة، إن سوء استخدام المضادات الحيوية أدى إلى ظهور سلالات مقاومة لها داقة بذلك ناقوس الخطر بفقدان فاعليتها في يوم من الأيام.

ولقد كانت الكرويات العنقودية الذهبيةTAPHYLOCOCCUS AUREUS المقاومة لمضاد الميثيلين والمعروفة باسم MRSA)) من أوائل الميكروبات التي أظهرت القدرة على مقاومة المضادات الحيوية.

مقاومة المضادات الحيوية قد يتساءل البعض: ما هي المشكلة في مقاومة هذه البكتيريا لهذا المضاد فقط؟..
يجيب د. حلواني أن المشكلة ليست المضاد المذكور وحده، فالمضاد المذكور هو الأكثر ثباتاً من مجموعته لتأثير أنزيم البنسلينيز Penicillinase الذي تفرزه البكتيريا العنقودية المذكورة، وعند عدم مقدرة هذا المضاد على القضاء على البكتيريا نكون قد خسرنا جميع مضادات الـ BETALACTAM بل وحتى مجموعة مضادات CHEPHALOSPORINS ويبقى مضاد حيوي واحد فعال يستطيع القضاء على MRSA وهو مضاد الـ VANCOMYCIN التابع لمجموعة الـ GLYCOPEIDES .

ومع ظهور سلالات الكرويات البرازية ENTEROCOCCUS المقاومة لعقار VANCOMYCIN ازدادت مخاوف الباحثين من انتقال هذه القدرة على المقاومة من الكرويات البرازية إلى الكرويات الذهبية بطريقة وراثية بسيطة وهي انتقال الجين المسؤول والحامل لصفة المقاومة وبالتالي خسارة آخر دفاع ضد S.AUREUS .

 بالفعل ظهرت السلالات القاتلة في اليابان ثم في الولايات المتحدة كأول سلالتين لهما القدرة على مقاومة تراكيز كبيرة لهذا النوع من المضادات الحيوية.

هذا في ما يخص الميكروبات الموجبة لصبغة غرام، فماذا عن الميكروبات السالبة لصبغة الغرام؟
يقول د. حلواني، كان آخر ما ظهر منها، البكتيريا المقاومة لجميع المضادات الحيوية عدا المضاد الـ Colisten ذي الآثار الجانبية الشديدة والتي سميت باسم السوبر SUPER BUGS وهي سلالات من بكتيريا الـ PSEUDMONAS Acintobacter.

وتزداد خطورة الإصابة بأحد هذين الميكروبين عند انتقالها بين مرضى العناية المركزة ومرضى ضعاف المناعة حيث يكون علاجها شبه مستحيل.

وبما أن تلك السلالات قد ظهرت عالمياً فإن وصولها إلينا أمر شبه حتمي ومسألة وقت لا أكثر ناهيك عن انتشار سلالات مختلفة من بكتيريا الدرن المقاومة للعلاج TUBERCULOSIS MYCOBACTERIUM MULTI-DRUG RESISTANCE .

سلالات عنيدة أهم أسباب وجود السلالات المختلفة المقاومة للمضادات :
ـ عدم الخبرة الكافية من بعض الأطباء في استخدام المضادات الحيوية، خاصة الواسعة الطيف ومعرفة تأثيرها بالشكل الصحيح، خصوصاً من قبل الأطباء العاملين وأطباء الطوارئ وبشكل خاص في المستشفيات الخاصة والمناطق النائية.

ـ جهل وتجاهل الغالبية من المرضى بأهمية هذه المركبات المفيدة الضارة في نفس الوقت وعدم إكمالهم للجرعات اللازمة.

ـ قلة الخبرة في بعض المختبرات وعدم وجود الكفاءات المدربة على إخراج النتيجة الصحيحة في تعريف الميكروب وتحديد حساسيته للمضادات المختلفة.

 ويضيف د. حلواني أن الكثير من العيادات الخاصة تساهم، مع الأسف، في توزيع المضادات الحيوية بشكل شبه عشوائي من دون أي تثقيف لمستخدم هذه المركبات عن أساسيات الجرعة وكيفية الالتزام بها حتى نهاية فترة العلاج، والعكس صحيح في بعض الأحيان، فمثلا يعتقد بعض الأطباء أن عمل مزرعة للحلق ما هو إلا نوع من إضاعة الوقت، بينما قد يسر المريض بعدم طلب أي تحليل حتى لا تزيد عليه الأجرة.

ويعود ذلك إلى اعتقاد الكثير من الأطباء غير المتخصصين بأن الميكروب المسبب لالتهاب الحلق أو الجزء العلوي من الصدر هو أحد اثنين من السبحيات الحساسة للبنسلين مثل S.PNEUMNINAE أو STREPTOCOCCUS PYOGENS وبالتالي يلجأ إلى صرف أحد مشتقات البنسلين مع العلم أنه قد لوحظ عالمياً في الآونة الأخيرة ارتفاع نسبة التركيز المطلوب من مشتقات البنسلين للقضاء على الميكروبين السابقين، بل ظهور سلالات لا تستجيب اطلاقا لهذا المضاد ويرجع ذلك إلى الاستخدام غير المقنن لمجموعة البنسلين بشكل كبير وتجاري بما أنها أكثر المضادات أماناً من ناحية الأعراض الجانبية.

وقد يعود المريض عند عدم شفائه إلى الطبيب مرة أخرى والذي لا يتوانى في صرف مضاد آخر مع العلم أن المضاد السابق والذي لم يؤثر في الميكروب المسبب قد أثر ولا شك في الميكروبات الطبيعية الموجودة في الجسم NORMAL FLORA محدثاً خللاً في توزيع هذه الميكروبات في الجسم وبالتالي احتمالية اكتسابها المقاومة وبقائها في الجسم بشكلها الجديد.

* استخدام عشوائي ومن أمثلة صرف المضادات الحيوية من دون الحاجة، ما نراه لدى بعض أطباء الأطفال، فمثلاً عند دخول طفل صغير لا يزيد عمره على 4 سنوات في بعض أقسام الطوارئ مصحوباً بحرارة مرتفعة ولا يلاحظ الطبيب أي علامة من علامات الالتهابات الجهازية كالتهاب الصدر أو الأذن أو الحلق يشك بعض الأطباء في الحمى الشوكية المخية MENINGITIS بينما يفكر البعض الآخر في تسمم الدم SEPTICEMIA فيقوم الأول بسحب عينة من السائل الشوكي للطفل وصرف مضادين حيويين شديدي التأثير في جسم الطفل من ناحية الأعراض الجانبية من دون الحاجة إليهما بينما يقوم الآخر بصرف عدة مضادات قد تتجاوز الاثنين بينما لا يتعدى الأمر التهابا فيروسيا يزول تلقائيا ويحتاج فقط إلى مخفضات حرارة، وإن كان علمياً استخدام أكثر من مضاد حيوي من الوسائل الناجحة بغرض إعطاء تأثير مزدوج SYNERGIC EFFECT لقتل الميكروب، إلا أن هذا الإجراء يحتاج إلى دراسة حالة المريض أولاً من ناحية قدرته البدنية على تحمل تراكيز مختلفة من المضادات الحيوية ونعني بذلك أعضاءه مثل الكبد والكلى والمعدة.

وثانياً معرفة ميكانيكية عمل المضادات المختلفة والتي قد تدخل مجتمعة لعمل التأثير المزدوج حيث ان استخدام مضادين حيويين أو أكثر من دون التأكد من ميكانيكية تأثيرهما يؤدي إلى حدوث تأثير عكسي لأحد منهما فيثبط بذلك الآخر وهذا ما يعرف باسم ANTANGISM وبالتالي تفقد المضادات السابقة فاعليتها وتزداد نسبة السمية منها في دم المريض، والصحيح أن يكون استخدام المضادات المختلفة تحت معايير معينة ومدروسة حسب أنواع المضادات المختارة لإعطاء التأثير المزدوج منه بشكل صحيح بغرض قتل البكتيريا المسببة من جهتين مختلفتين، فاستخدام مضاد حيوي من مجموعة الــBETALACTAM مثل الـ Cefuroxime والذي يؤثر في الجدار الخلوي للخلية الميكروبية مع مضاد من مجموعة AMINOGLYYCOSIDES مثل GENTAMYCIN والذي يؤثر في التمثيل البروتيني في الخلية البكتيرية من الطرق المستخدمة عالمياً والتي أثبتت مقدرتها على زعزعة الخلية البكتيرية ومن ثم القضاء عليها.

تحذيرات من الاستخدام الجائر للمضادات الحيوية ومخاوف من انتشار سلالات من البكتيريا الفائقة المقاومة له
إلا أن الاستخدام العشوائي لعدة مضادات من دون دراية بوظيفة كل واحد منها قد يعطي نتائج عكسية وقد تزداد الحالة سوءا عندما يكون المريض أحد الخدج ويغيب عن بال الطبيب احتمال تلوث الدم بفطريات الكانديدا Candidemia فيصرف للطفل عدة مضادات قد تساعد مع الأسف الفطر المذكور على الضراوة مستغلاً عدم تأثره بالمضادات البكتيرية إضافة إلى حدوث تثبيط للميكروبات الطبيعية في الجسم مما يقلل من مقدرتها على القيام بوظيفتها وبالتالي هلاك الطفل لا سمح الله في مدة وجيزة لا تتجاوز الأيام. لذا كان من الجدير بنا أن نحاول بقدر المستطاع أن نثقف أنفسنا عن كيفية استخدام المضادات الحيوية بالشكل الصحيح.

* تقنين الاستخدام يقول د. حلواني إن وزارة الصحة قد فطنت إلى بعض النقاط المهمة في تقنين استخدام المضادات الحيوية، فمضاد الـ RIEAMPCIN الذي كان يلجأ الكثير من الأطباء إلى استخدامه كنوع من المضادات الوقائية PROPHYLAXIS قبل العمليات الجراحية مثل الزائدة أوالدوالي بغرض الحماية من تلوث الجرح قد أوقف استخدامه فردياً كمضاد وقائي وهو من الأنواع الجيدة من ناحية الامتصاص عن طريق القناة الهضمية وعضلياً أيضاً إلا إن الميكروبات قد تستطيع عمل طفرة مقاومة ضده إذا ما استخدم فردياً فيصبح بذلك عديم الفائدة وتزداد المشكلة سوءا عند انتقال صفة المقاومة هذه إلى بكتيريا السل M.TUBERCULOSIS حيث هذا المضاد يدخل ضمن مجموعات علاج الدرن، لذا إن تقنين استخدامه لمرضى الدرن فقط يعد خطوة إيجابية تستحق التقدير.

وأخيراً قد يبرع الأطباء في تخصصاتهم إلا أنهم قد يفشلون بعض الشيء في متابعة كل ما هو جديد بما يتعلق باستخدام المضادات الحيوية وقد يكون ذلك لضيق الوقت أو لكثرة الارتباطات.. لذا فإن من اللازم أن يتم تثقيف الأطباء من جميع فئاتهم على استخدام المضادات الحيوية بالشكل الصحيح كبرنامج تثقيفي داخل المستشفيات من قبل قسم التدريب وبالتعاون مع قسم مكافحة العدوى كما يجب أن لا ننسى الاستعانة بخبرة اختصاصي الجراثيم في اختيار المضاد الحيوي المناسب والتأكد من فاعليته معمليا قبل إخبار الطبيب بقدرته على التأثير في الميكروب المسبب كما يجب تثقيف الأطباء على اسس استخدام المضادات ذات التأثير الواسع ضد ميكروب معين قد يحتاج إلى بعض الخبرة والدراية، فمثلاً لا يحبذ استخدام عقار الـ IMPIENEM في علاج الالتهابات غير المعقدة والتي سببها البكتيريا السالبة الغرام خاصة وقد عزلت في مناطق مختلفة من آسيا وأوروبا سلالات جديدة من بكتيريا KLEBSIELLA المقاومة للمضاد المذكور.

وخوفاً من انتشار هذه المقاومة فإن من الأحرى الاحتفاظ به كآخر خط دفاعي ضد الميكروبات السالبة الغرام بشكل عام.

محاصرة البكتيريا المقاومة وختاماً لتفادي مشكلة انتشار السلالات المقاومة للمضادات الحيوية بشكل كبير يجب أن نذكر بعض النقاط المهمة التي يلخصها د. حلواني في ما يلي :
ـ أهمية وجود سياسة واحدة في المستشفيات، خصوصاً مستشفيات المنطقة الواحدة والتي تعرف باسم ANTBIOTIC POLICY جاهزة ومعروفة لدى جميع الأطباء وبذلك نقلل نسبة الاجتهاد والاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية حتى يكون للطبيب الفرصة للاختيار حسب الخطة الموضحة مع مراعاة حالة المريض ووضعه الصحي العام.

ـ تجنب قدر الإمكان استخدام المضادات الحيوية السطحية TOPICAL ANTBIOTICS، خاصة في الالتهابات الجلدية لأن الكمية والجرعة عادة ما تتأثران باللمس وبطريقة وضع المضاد.

ـ الاعتماد على إعطاء المضادات بالجرعات المناسبة، خاصة للأطفال وعند الحاجة فقط.

ـ في حالات التهاب العين يجب التذكير على التأكد من دخول الجرعة اللازمة من المضاد إليها حيث ان عدم حدوث ذلك يزيد من ضراوة الميكروب وقد يساعد على انتشاره وإكسابه المقدرة على المقاومة وبالتالي تكرار الالتهاب.

ـ عدم اللجوء إلى الصيدلية من دون استشارة الطبيب لصرف الدواء، خاصة في التهابات الأطفال، فمثلاً مضاد الـ CHLORAMPHENICOL مع طول الاستخدام قد يسبب مشاكل مستقبلية في نخاع العظم لدى الأطفال بينما تؤثر مركبات الـ TETRACYCLINE في نمو أسنانهم وعظامهم.

ـ إجراء المزارع إجبارياً، إلا في أضيق الظروف والاعتماد على نتائج مزارع الحساسية بدلا من صرف المضاد الحيوي عشوائيا اعتمادا على الناحية السريرية فقط.