في جنوب أفريقيا اغتصاب النساء علاج لهن؟

المكان مدينة (Cape Town) بجنوب إفريقيا، وكان من المفترض أن تكون ليلة طبيعية تخرج خلالها الفتاة (زوكيسوا جاكا) التي تبلغ العشرين من العمر مع صديقاتها لقضاء وقت ممتع، لكنها انتهت وهي مستلقية على خط للسكة الحديدية محاولة الانتحار.
 
كانت (جاكا) في البار تشرب مع أصدقائها في منطقة تبعد أقل من  كيلومتر خارج مدينة (Cape Town)، بجنوب إفريقيا عندما حاول رجل أن يطلبها لتخرج معه، لكنها ردت على طلبه بالرفض معللة ذلك بأنها فتاة سحاقية لاتواعد الرجال وقال لها أنه يفهم ذلك.
 
وأخبرها أن لديه صديقات سحاقيات وهذا شيء جيد ولا يسبب له أي مشكلة، وقالت (جاجا) أنه كان شابا لطيفا معها ووثقت به، حيث خرجا معا من البار ليذهبا إلى منزل أحد أصدقائه وهناك تحول هذا الشخص اللطيف إلى وحش قذر.
 
عندما دخلا المنزل اعترف لها أنه يكره السحاقيات مثلها وأنه سيثبت لها أنها ليست رجل كما تظن هي، لأنها من وجهة نظره كسحاقية تتعامل مع نفسها كرجل، ثم بدأ يغتصبها كرها لكونها سحاقية.
 
قالت أنها حاولت مرارا وتكرارا أن توضح له أنها ليست رجلا ولم تقل أبدا أنها كذلك، وأخبرته أنها سحاقية فقط، وكان جوابه عليها أنه سيوضح لها أنه رجل وأن لديه قوة تفوق قوتها، ثم اغتصبها أمام صديقه.
 
وصرحت (جاجا) أنها ذهبت بعد هذا الحادث المروع إلى طريق السكة الحديدية محاولة الانتحار واستلقت على القضبان وكانت تظن في تلك اللحظة أن القطار يبعد عنها مسافة 100 متر فقط، وفجأة أتى أحد الرجال وجذبها بعيدا عن القضبان حتى مر القطار وبعد ذلك اتصل بالشرطة.
 
الاغتصاب التصحيحي:
ظهرت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة كمعتقد لدى الرجال يؤمنون من خلاله أنهم عندما يغتصبون السحاقيات من النساء فإنهم يقدمون لهن العلاج والمساعدة على تصحيح إتجاههن وميولهن الجنسية.
 
ومن الصعب التعرف على امتداد المشكلة لأن الشرطة بجنوب إفريقيا لاتفصل بين هذا النوع من الاغتصاب الذين يطلق المجرمون عليه (اغتصاب تصحيحي) وبين غيره من حالات الاغتصاب.
 
لكن جماعات حقوق الإنسان تعتبر أن هذا العمل إنتهاكا للشواذ فهي تعتبرهم أناس ذوي حقوق دستورية يجب حمايتها. 
 
وتقول (Cherith Sanger)، من مركز الحماية القانونية للمرأة بمدينة (Cape Town) والتي تقدم الدعم القانوني لضحايا الاغتصاب اللاتي لا يستطعن تحمل نفقات المحاماة ما يلي:
 
"نحن نؤمن أن الاغتصاب التصحيحي هذا برهان ودليل على وجود قاعدة كبيرة من التعصب ضد فئات بعينها، ولا يتعلق الأمر بالمرأة التي تتعرض للاغتصاب فقط إنما هو نوع من العنف ضد النساء بصفة عامة، وهذا شيء غاية في السوء، بالإضافة إلى أنه اضطهاد للتوجه الجنسي لذلك هو دليل آخر لمستوى من التمييز العنصري الظالم ضد السحاقيات".
 
بالنسبة لجاجا كانت مأساة متكررة:
تحكي الفتاة جاجا أن تلك المرة لم تكن الأولى لاغتصابها، واعترفت أنها فرت هاربة من قريتها التي نشأت بها بعد تعرضها لأول اغتصاب حدث لها وهي في الخامسة عشر من العمر، حيث كانت تخشى أن تتحمل عقاب ذنب لم ترتكبه.
 
وكان الهروب بالنسبة لها أسهل من مواجهة مجتمع لايقبل السحاقيات من النساء، حيث انتقلت إلى مدينة (Khayelitsha) و تعرف بعاصمة الشواذ وتمنت أن تجد المعاملة الحسنة، لكن بدلا من ذلك واجهت مزيدا من الكراهية فلكونها سحاقية تتم معاملتها كحيوانة أو كشيء حقير ليس له قيمة.
 
وبالرغم من عدم وجود إحصائيات عن الاغتصاب التصحيحي، لكن يوجد العديد من التقارير العامة عن هذه الحوادث التي تكفي لإنذار المجتمع بها.
 
تقرير جمعية حقوق الإنسان الأمريكية عن معاملة الشواذ بجنوب أفريقيا:
سجلت جمعية حقوق الإنسان بنيويورك مؤخرا بعض المقابلات الشخصية في ستة مقاطعات من التسع الموجودة بجنوب أفريقيا وأعلنت عن المواقف الاجتماعية المأخوذة ضد أنواع معينة من الأشخاص وهم:
- اللوطيون.
 
- السحاقيات.
 
- المخنثون.
 
- المتحولون جنسيا.
 
وإمكانية تعرضهم للمعاملة القاسية خلال العقدين الماضيين، حيث يتعرضون لأنواع متعددة من الإساءة بصفة يومية والتي يمكن أن تكون إساءة لفظية، أو بدنية أو جنسية وقد تنتهي بهم إلى التعرض للقتل.
 
وأضافت الجمعية ما يلي:
"هذه مشكلة بعيدة عن الرغبة في المساواة وعدم التمييز العنصري على أساس الاتجاه الجنسي الذي يحتوي عليه دستور البلاد هناك".
 
فمعظم الضحايا المعروفين مثل (جاجا) من الفقراء ذوي البشرة السمراء، وكذلك من يقومون بالجريمة، مثيرين قضية توجه العديد من الأسئلة التي تسأل الناس كيف أن دولة هي في الأصل تكافح ضد التمييز العنصري عبر التاريخ أن تتعامل اليوم مع بعض مواطنيها بمثل هذا السلوك العنيف.
 
تقرير (سيفوكازي مثاثي) بحقوق الإنسان:
أعلن سيفوكازي مثاثي، مدير جمعية حقوق الإنسان بجنوب إفريقيا قائلا:"لم نتمكن من توصيل رسالة أن للاغتصاب ثمن، وذلك لأن مشكلة التمييز على أساس الأنوثة والذكورة مازال جزأ لا يتجزأ من المجتمع هنا".
 
أي مازال هناك حس قوي بين الرجال أنهم يملكون السلطة على النساء وأجسادهن، كما يوجد إيمان بعدم وجود عواقب لهذا العمل الشرير لأنه في الواقع لاتكون هناك عواقب.
 
وقد خمن الأنتربول أن نصف نساء جنوب أفريقيا سيتم اغتصابهن خلال حياتهن، ولكن لايتم إدراك ظاهرة الاغتصاب التصحيحي على أنها جريمة كراهية حيث تعلن جمعيات حقوق الإنسان أن القليل جدا من الضحايا هن اللاتي يبلغن ما يحدث للشرطة، لكن (جاجا) فعلت.
 
و تعتبر العديد من الدول الإفريقية أن الشذوذ شيئا غير قانوني، وفي جنوب إفريقيا هؤلاء الذين يؤتمنون بتنفيذ قوانين الدولة التي تدعوا للتسامح يقفون الآن وهم متهمون بإعادة إيذاء الضحايا.
 
ويقول (سانجر):
"عندما يتم اغتصاب امرأة بواسطة النظام فهذا بالنسبة لي جريمة كبيرة لأنه انتهاك خطير لدستورنا والالتزامات المنصوص عليها في قوانين الدولة في بنود ما تحتاج الدولة إليه لصالح المواطنين".
 
إن ما حدث مع (جاجا) عندما هاجرت من قسم شرطة إلى قسم شرطة آخر أمر غريب، وهي تحاول الوصول إلى شيء، وبعد ذلك الحصول على جواب ومن ثم حصلت على الأجوبة من ضابط التحقيق، الذي كان الثالث ممن وقعوا على حالتها منذ أن صرحت بالاعتداء في شهر ديسمبر عام 2009 وبعد ذلك وجدته في آخر الأمر في وحدة جرائم الاغتصاب بمنطقة بيلفايل، التي تبعد 30 دقيقة ركوبا من منزلها.
 
وبالرغم من الطبيعة الحساسة لحالتها، قابلها في مكتب متسع ومفتوح، وعندما تسائلت (جاجا) عن سبب فشل الشرطة في التحقيق مع صديق المعتدي عليها الذي شهد حادثة الاغتصاب، أخبرها ضابط آخر كان موجودا بالغرفة قائلا:"أنا لن آخذ تصريح من صديق المشتبه به".
 
وأضاف:
"سيقول صديق المشتبه به بصراحة أنك على علاقة مع المشتبه به أو أنه لم ير أي شيء، فالتصريحات الأكثر أهمية هنا هي التي ستصدر من صديقتك لأنها طرف محايد أو من أحد الجيران، فلا يمكن أن يرى أحد حادث اغتصابك ولا يقدم المساعدة".
 
طلبت الصحافة لقاءا مع المحقق وتم تحويلهم إلى رؤسائه، وقبل التصديق على عمل مقابلة شخصية مع وزير البوليس بجنوب أفريقيا، ناثي ميثيثوا، الذي وعد بالتحقيق.
 
يقول الصحفي:
"شعرت بالاستياء، تجاه هذه الأشياء، وهذا سبب قولي أن الناس مسؤولون بالرد على مثل هذه القضية، ولم يتم اتخاذ أي خطوة حتى الآن ضد ضباط الشرطة الذين لم يعاملوا (جاجا) بازدراء فقط لكنهم لم يقوموا بواجبهم المهني أيضا.
 
فعندما أخلوا سبيل المتهم وتركوه يذهب بدون أن يأخذوا منه تحليل (DNA)، الذي يعتبر عنصرا هاما وجوهريا لإثبات الاتهام، كانت (جاجا) هي التي أصرت علي إعادة القبض عليه.
 
وبعد تجاهل استجواب الشاهد الذي كان موجودا أثناء وقوع حادث الاغتصاب، سعت جاجا إلى إجبار الشرطة على التحدث معه، وقالت أنها جلست في السيارة أثناء استجوابه ، فعندما مال برأسه من شباك مفتوح ليخبر الشرطة ما رآه من الاعتداء، شعرت بأنه يذكرها بتجربتها المريرة  مرة أخرى.
 
إن التشريع الذي تم وضعه عام 2004 "لضحايا جنوب أفريقيا"، يضمن 7 حقوق أساسية لكل ضحية لجريمة، ومن بينهم الحق في المعاملة بعدل واحترام للكرامة والخصوصية، لكن (جاجا) أعلنت أنها لم تر تطبيق واقعي لهذه الحقوق المثالية.
 
وحتى الآن تحاول إلقاء الضوء عليها، فتقول أنهم دائما يبتعدون عن التطبيق الفعلي لها، وكان هدفها التعامل مع قضيتها من وجهة نظر مختلفة وربما إذا تم اعتقال الجاني أو تمت معاقبته فهذا سيشجع الكثير من صديقاتها اللاتي تعرضن لمثل حالتها إلى التبليغ عما حدث لهن، لأنهن فيما سبق لم يذهبن لإبلاغ الشرطة لاعتقادهن أنه لا فائدة من ذلك.
 
وبعد عامين تقريبا من الإبلاغ عن قضيتها مازالت جاجا تنتظر موعدها في المحكمة ومازال لديها أمل في تحقيق العدالة ومازالت تقاوم وتدافع عن حقها.