«مدام صالحة» .. قصة أول امرأة خاضت مجال تصميم الأزياء في لبنان

لا يختلف اثنان في لبنان حول أهمية الدور الذي لعبته «مدام صالحة» في مجال تصميم الأزياء والتطريز، إذ تعتبر أول امرأة عربية خاضت هذا المجال من بابه العريض، فلامست شهرتها تلك التي كان يتمتع بها هيبار جيفنشي وبالمان وكوكو شانيل، بل لقبت بكريستيان ديور الشرق لتصاميمها التي تميزت بطريقة تطريز راقية تعرف عنها بمجرد أن تقع عليها العين.
ولعل الفساتين التي ما زالت تحتفظ بها سيدات المجتمع والأميرات، أكبر برهان على تميزها ومكانتها، إذ كانت تعتبر فساتينها بمثابة مجوهرات نادرة الصنع لا يمكن التفريط فيها.
عملت رئيفة صالحة، أو «مدام صالحة» كما هي معروفة في لبنان، على مدى عشرين سنة متتالية، امتدت ما بين أواخر الأربعينات لغاية الستينات، في مشغل يقع وسط بيوت في شارع الشيخ بشارة الخوري قرب سينما (غومون بالاس).
خاطت فيها فساتين الأعراس والسهرات لعدد لا يستهان به من الشخصيات في لبنان والعالم العربي، نذكر منهن لمياء الصلح وأخواتها، وبنات رئيس الوزراء الراحل رياض الصلح، وكذلك لسيدات من آل رباط وسرسق والحلبي، إضافة إلى السيدة الأولى في تلك الحقبة زلفا شيمعون، زوجة رئيس الجمهورية يومها كميل شيمعون. كما صممت أزياء فنانات مثل صباح وأم كلثوم وسميرة توفيق وفيروز، حيث أشرفت بنفسها على كامل جهاز عرس هذه الأخيرة.
تميزت «مدام صالحة» بفساتينها المصنوعة من الساتان والحرير والأورغنزا والساري، كما برعت في تصميم القفاطين المغربية والعباءات العربية المزخرفة والمطرزة بخيوط الذهب والفضة أو بأحجار الستراس والخرز، وكان الراحل فرنسوا لوساج، صاحب إحدى أهم دور التطريز في أوروبا، هو الذي وصفها بجوهرة الشرق التي لا يمكن أن تفقد بريقها حتى لو رحلت من هذه الدنيا.
وبالفعل، فإن كل ما كانت تقدمه «مدام صالحة» في هذا المجال كان «هوت كوتير» منفذا باليد بشكل حرفي، مما كان يستغرق وقتا طويلا في التنفيذ، لأنها لم تكن تستعمل آلات أو ماكينات شك أو تطريز واتكلت على أناملها لتقوم بالتطريز بالقصب، الذي كانت تعتمد فيه على الشمع لتمرير الخيط فيه ليصبح طريا من دون أن ينقطع وأيضا ليسرع في العمل. وعند انتهائها تغطي التطريزات في المرحلة الأخيرة، بالشمع أيضا لتثبيتها أكثر.
ويعتبر فستان زفاف لمياء الصلح، زوجة أمير المغرب الراحل مولاي عبد الله، أحد أهم الفساتين التي خاطتها في تلك الحقبة، وقد أدرج يومها كثاني أجمل ثوب زفاف في العالم حسب ما نشرته إحدى المجلات الألمانية (كويك) مع صورة مبهرة ظهرت فيها لمياء الصلح وهي ترتديه وتجر من خلفها طرحة وصل طولها إلى 20م. 
تقول ابنة «مدام صالحة»، منى صالحة الريس، إن جميع الفساتين التي خيطتها والدتها كانت تتطلب الكثير من الدقة والتفاني، مضيفة أن وزن الفستان الواحد كان يتراوح ما بين الـ 5 والـ 10 كلغ نظرة لكمية القماش والأحجار الكريمة التي يطرز بها.
وتضيف: «لقد كانت والدتي تبحث دائما عن الأفضل والأجمل. فكانت تنتبه إلى أقل شائبة لتصحيحها، وأحيانا تأخذه بنفسها إلى صاحبته لتتأكد من أنه يناسبها على أكمل وجه».
وتصف شخصية والدتها، التي رحلت وهي في الثانية والأربعين، بأنها كانت بمثابة الأم والصديقة بالنسبة لها. من جهتها، تروي جورجيت حداد، مساعدتها في المشغل، أن «مدام صالحة» لم تكن تعرف الراحة أو النوم، فبالكاد كانت تستلقي لدقائق قليلة على المقعد الموجود في أحد صالونات المشغل حتى تقوم لتتفقد العمل. 
وتحكي جورجيت أنها في إحدى المرات وبعد انتهائها من تنفيذ جهاز زفاف لفتاة عربية، نادت ابنتها منى لتأتيها بسرعة، وعندما سألتها عن السبب قالت: «أريد أن أرى جهاز العرس هذا على ابنتي وأتمتع به، لأنه ليس في إمكاني مشاهدته على العروس نفسها».
كما تروي حفيدة «مدام صالحة»، رنا الريس، أن الإعلامية سونيا بيروتي تذكرت حادثة حصلت بينها وبين جدتها عندما اعتذرت عن حضور حفلة راقية تقام في أحد فنادق بيروت، فقدمت لها ثوبا للسهرة لترتديه في المناسبة دون أي مقابل.
وتستعد رنا لإقامة معرض خاص بأعمال جدتها قائلة: «أردت أن أكرمها على طريقتي، وتفاجأت أنني بمجرد أن أعلنت عن نيتي عبر موقع الـ (فيس بوك) الإلكتروني حتى بادرت السيدات اللاتي ما زلن يحتفظن بتصاميم جدتي بإرسالها إلي، متبرعات بتقديم أي مساعدة في حال إقامة المعرض».
وتتابع: «شجعني هذا على أن آخذ شهادات حية سبق أن قيلت في جدتي، أعرضها في مناسبة تكريمها، وأن أتنقل بهذا المعرض في مختلف بلدان أوروبا. فقد اكتشفت أن هناك زبونات ومصممين يتذكرونها هناك وأنا فخورة بذلك».
كما نوهت رنا برد فعل مصممي الأزياء في لبنان أمثال إيلي صعب وعبد محفوظ وغيرهما، الذين تحدثوا عن جدتها بإسهاب مؤكدين أنها شخصية لن تتكرر وأنهم جميعا تأثروا بأعمالها، واستفادوا من التقنية التي كانت تنتهجها في تلك التصاميم، كما أبدوا رغبتهم في تقديم أي مساعدة تتطلبها لإقامة المعرض، المنتظر أن يرى النور نهاية هذا الصيف.