تحذيرات من خطورة انتشار سرطان الأطفال في الدول الفقيرة

يمثل سرطان الأطفال مشكلة متزايدة وشديدة الخطورة على الصحة في بلدان العالم الثالث والدول الفقيرة. وأعلنت المنظمة العالمية لسرطان الأطفال (World Child Cancer)، وكذلك منظمة الصحة العالمية، أن هناك ما يقرب من مائة ألف حالة وفاة من الأطفال تحت عمر 15 عاما سنويا جراء مرض السرطان، غالبيتهم العظمى في الدول الفقيرة، وذلك نتيجة لنقص التشخيص والعلاج المبدئي المبكر، وهو ما يمكنه إنقاذ الكثير من هؤلاء الأطفال في حالة اتباعه.
وبينما تبلغ نسب النجاة من سرطانات الأطفال نحو 80% في الدول الغنية والمتقدمة تقل هذه النسبة إلى ما دون الـ 10% في الدول الفقيرة. وتأتي هذه الطفرة الكبيرة في النسب في هذه الدول، نتيجة لنقص الرعاية الصحية والفجوة العلمية بين الدول الغنية والفقيرة. وتعمل المنظمة العالمية لسرطان الأطفال على تقليل هذه الفجوة بمحاولة تبادل هذه الدول بالخبرات العلمية والتقنية اللازمة في علاج سرطان الأطفال.

نقص الرعاية الصحية 

وقدمت نخبة من أكبر أطباء الأورام في العالم مجموعة من الدراسات حول تشخيص وعلاج أورام الأطفال في العالم الثالث نشرت في عدة مقالات في مجلة «لانسيت» (Lancet) الطبية.
والمعروف أن دول العالم الثالث تشمل ما يزيد على 90% من الأطفال المصابين بمرض السرطان في العالم، وهذه النسبة مرشحة للزيادة، وهو ما أكده دكتور أيان ماغراث من المنظمة العالمية لمكافحة مرض السرطان ببلجيكا، كما أكد المشاركون في هذه الأبحاث أن هناك الكثير من الأطفال في دول العالم الثالث مصابون بأنواع من السرطانات قابلة للعلاج تماما إذا تم اكتشافها وعلاجها مبكرا، لكن هؤلاء الأطفال لا يتلقون حتى العلاج الذي يريحهم من الآلام (palliative treatment)، وهو الأمر الذي يمكن إذا ما تغير أن ينقذ نحو 50% من وفيات الأطفال في تلك الدول.
وفي الكثير من البلدان الفقيرة يؤدي نقص الوعي والافتقار إلى الرعاية الصحية الأساسية إلى تشخيص الأطفال في حالات متقدمة من المرض، وقد يعود هذا إلى الافتقار أيضا إلى النقص في الخبرات الطبية المؤهلة، سواء على المستوى البشري من أطباء متخصصين في هذه النوعية من الأمراض (أطباء علم الأورام «Oncology»)، أو الممرضين ومقدمي الخدمة الطبية. 
وحتى في حالات تشخيص المرض لا يتم علاجه بالشكل الأمثل نظرا لارتفاع كلفة العلاج بما لا يناسب المريض في تلك الدول، وعلى سبيل المثال فإن نسبة حدوث سرطان الأطفال في أفريقيا تبلغ 12 ضعف نسبته في أوروبا.
والمشكلة أن ما يزيد على 80% من السكان في أفريقيا ليس لديهم الإمكانية للعلاج الإشعاعي أو الكيماوي وجراحات استئصال الأورام. وهناك الكثير من التوصيات بضرورة أن تهتم الحكومات بعمل برامج للتأمين الصحي لعلاج غير القادرين الذين تتخطى نسبتهم الـ60% في بعض الدول.
وأوصت منظمة الصحة العالمية بضرورة زيادة الاستثمارات في مجال الرعاية الطبية لمكافحة سرطان الأطفال في العالم الثالث سواء في مجال المعدات الطبية أو صناعة الأدوية وتدريب الكوادر الطبية المتخصصة وضرورة عمل برامج مشتركة لمكافحة المرض بين الدول المتقدمة والدول النامية وعمل توأمة بين المستشفيات وتبادل الخبرات الطبية المختلفة والتعليم الطبي المستمر، وإمكانية الاطلاع على أحدث وسائل العلاج، وتعتبر هذه الطريقة (التوأمة الطبية) من أهم طرق مكافحة السرطان في دول العالم الثالث، وهي واحدي من التوصيات الكثيرة التي حفل بها كتاب مكافحة السرطان في الدول النامية، وذلك بالإضافة إلى ضرورة وجود سجلات متخصصة لحصر عدد حالات السرطان ونسبتها مقابل عدد السكان، حيث إنها تعتبر المصدر الصحيح لتلك المعلومات، التي تفيد في تقييم الوضع في كل بلد على حدة، والإجراءات التي يجب أخذها في الاعتبار حتى يتسنى لتلك البلدان الوصول إلى المعدلات العالمية في نسب النجاة بعد السرطان (حدود 5 سنوات) والتي تصل إلى 80% في الدول المتقدمة، وهو ما يمكن تحقيقه إذا توافرت الرعاية الجيدة، حيث إن هذه النسبة لم تكن تتعدى الـ 30% في تلك الدول في ستينات من القرن الماضي.

توصيات صحية 

وفي التوصيات التي أصدرتها الجمعية الدولية لطب الأورام للأطفال (International Society of Pediatric Oncology) بالنسبة للأطفال المرضى في الدول الفقيرة والتي تحاول أن توفر إمكانية لعلاج عدد أكبر من الأطفال في العالم الثالث، كان من أهم هذه التوصيات اعتبار التوقف عن العلاج بمثابة عدم تلقي العلاج من الأساس، والتشديد على ضرورة تلقي العلاج بالكامل، واعتبار توقف العلاج مشكلة طبية وليست فقط مشكلة مادية، بمعنى أن المراكز التي يتم بها علاج الأطفال لا يجب أن تلقي باللوم على أهل الطفل لعدم مقدرتهم على استكمال العلاج نظرا لتكلفته الكبيرة، ولكن يجب التنبيه على الخطورة الكبيرة لعدم تلقي العلاج بالشكل الكامل.
ورغم أن الموت جراء سرطان الأطفال يعتبر ثاني أهم سبب لوفاة الأطفال في الدول الغنية بعد الحوادث، فإن الوضع يزداد سوءا في الدول الفقيرة حيث تبلغ النسبة أربعة أخماس الأطفال المصابين بالسرطان في أفريقيا.
ويمكن تحسين هذه النتائج إذا تم الاستثمار في المجال الطبي في هذه الدول، وعلى سبيل المثال يمكن أن تتحمس شركات الأدوية لعمل المزيد من الأبحاث التي تقلل من مشكلات العلاج، خصوصا أن العلاج بالأدوية المضادة للسرطان في الأطفال يترك أعراضا جانبية شديدة تمثل عائقا للحياة اليومية للطفل وتشمل مشكلات في القلب (heart failure) والإصابة بفقدان السمع بجانب صعوبات في التعلم.
وقد تكون القضية الأكثر إلحاحا في علاج السرطان في أفريقيا بجانب علاج الأورام هي محاولة إيجاد طرق علاجية غير مكلفة لعلاج مختلف أنواع الأمراض المعدية (infectious diseases) في البلدان الفقيرة، وهناك محاولات حثيثة من منظمة الصحة العالمية وبعض المنظمات الأخرى لخفض نسبة الوفيات من تلك الأمراض بمقدار الثلثين في غضون العقد القادم مع استمرار الاهتمام بالعلاج الرئيسي بطبيعة الحال.

إمكانيات محدودة 

ولكي ندرك حجم مشكلة الإمكانيات حتى داخل الدولة الواحدة، وفي دولة لا تعتبر من الدول النامية مثل الصين وفي مدينة شنغهاي حيث يوجد مركز متخصص مجهز بأحدث التقنيات لعلاج السرطان، تم حجز 234 طفلا من مرضى سرطان الدم (الليوكيميا leukemia) في الفترة من عام 1998 وحتى عام 2003، وكان نحو 66 طفلا منهم قد اضطروا إلى الانقطاع عن العلاج نظرا لتكلفة العلاج، كما أنهم كانوا يقيمون بعيدا عن مدينة شنغهاي، بينما توفي 52 طفلا سواء من المرض أو من مضاعفات العلاج، وكان عدد الأطفال الذين استكملوا العلاج 116 طفلا فقط. وتتفاقم المشكلة أكثر في المناطق القروية والبعيدة عن المدن الكبيرة.
وقد تكون الخطوة الأولى لاستفادة المزيد من الأطفال من التقدم الطبي في علاج السرطان هي منع الانقطاع عن العلاج والحرص على أن يستكمل معظم الأطفال المصابين العلاج وكذلك السيطرة على مضاعفاته. وفي النهاية يجب أن تعتبر الدول النامية هذه المشكلة بمثابة مشكلة قومية تحتاج إلى دعم ورعاية حكومية بالغة الأهمية.