جراحات التجميل في لبنان .. ظاهرة تمولها قروض البنوك وبالتقسيط المريح

لم يعد الخضوع للجراحة التجميلية في المجتمع اللبناني محكوما بقواعد أو أسس معينة، بل أصبح حالة شبه عامة، وضعت مَن يخرج عنها في خانة الشاذ عن القاعدة، لتسمح لمن يقوم بها بالتباهي في بعض الأحيان، بعدما كانت قبل سنوات مصدر خجل ولا يمكن الافصاح عنها بسهولة.
من الرأس حتى أخمص القدمين، كل الخيارات متوفرة، عمليات لكل أعضاء الجسم، من التكبير الى التصغير، وتغيير ملامح قد يصعب التعرف عليها، خصوصا اذا كان الشخص المعني من زبائن أحد الأطباء المشهورين في «الوسط التجميلي». لكن الآمال قد تخيب اذا وقعت الضحية في أيدي أطباء مبتدئين في المهنة غير محترفين يتقاضون أسعارا متدنية مقارنة بذوي الصيت الجيد.


الظاهرة انطلقت من الوسط الفني ووصلت الى السياسيين، لتطاول العامة على اختلاف أجناسهم وتشمل النساء من مختلف الاعمار، ووصلت أخيرا الى الشباب والرجال، وحتى الكهلة الذين يحلمون بالعودة الى مرحلة الشباب من بابها العريض، فلا يترددون في القيام بمحاولات لتجميل أنفسهم.

لا يقتصر زبائن التجميل في لبنان على أهله، اذ غدا قبلة العرب على اختلاف جنسياتهم، فهو بلد «السياحة التجميلية» المعروف بنخبة أطبائه وبانفتاح ابنائه، اضافة الى أن تكلفة عمليات التجميل تعتبر مقبولة مقارنة بدول أخرى.

تقول رلى الجمل، التي تعمل في مركز للتجميل، إن هناك عددا كبيرا من السياسيين والفنانين اللبنانيين والعرب من زبائن المركز «لكن هؤلاء يضعون شرطا وحيدا مفاده عدم تلازم موعدهم مع مواعيد آخرين، كي لا ينكشف أمرهم، لذا الفارق الوحيد بين هؤلاء وعامة الشعب، يكمن في أنهم يحرصون على سرية الموضوع، فيما لا يمانع، بل يفاخر الناس العاديون، بخضوعهم لعمليات كهذه». لا يدخل هذا النوع من العمليات ضمن تقديمات الضمان الاجتماعي اللبناني وشركات التأمين، مما يضع اللبنانيين الطامحين الى مجاراة الموضة أمام حسرة الامتثال بمن سبقهم في الطريق الى «الكمال»، لكن وأمام هذا الواقع، أتت الفرصة على طبق من ذهب، ومن حيث لا يتوقعون، والأمنيات يمكن ان تتحقق وبالتقسيط المريح. فقد عرض مصرف «فيرست ناشيونال بنك»، خدمة تتلخص في جملة «اقترض لتتجمل»، بتقديمه قروضا تسمح للفرد بالحصول على المبلغ الذي يحتاجه لإجراء عملية تجميل ويقسط المبلغ على سنتين او اكثر بحسب القيمة. يفسر جورج نصر، مدير التسويق والخدمات في «فيرست ناشيونال بنك»، سبب تقديم المصرف هذا العرض بقوله: «أتت هذه الخطوة بناء على دراسات أكدت ازدياد نسبة المهتمين بعمليات التجميل في لبنان»، مضيفا «ان الخدمة تتوزع بين الذين أصيبوا بعاهات نتيجة الحرب، أو بين أشخاص فقدوا أحد أعضائهم نتيجة مرض خبيث. اما النسبة الكبرى منهم، فهدفهم تجميلي محض لتحسين المظهر الخارجي». وكشف جورج أن الحملة لاقت استحسان اللبنانيين الذين تقبلوا الفكرة، بل أقدموا منذ اليوم الأول لإعلانها على الاستفسار عنها، ويتابع: «وافقنا في الاسبوع الأول من بدء الحملة على 10 طلبات لعمليات متنوعة، ونتلقى في اليوم الواحد حوالي 200 اتصال للاستفسار عن الموضوع، 68 في المائة من الاناث، و32 في المائة من الذكور، مما يؤكد نتائج الدراسات التي تفيد أن العنصر الذكري دخل بقوة على خط التجميل».

ويوضح نصر شروط الحصول على القرض بقوله: «يجب ألا يقل راتب متقدم الطلب العازب عن 600 دولار أميركي شهريا، والمتزوج عن 900 دولار، وتبدأ قيمة القرض من 3000 دولار مقسطة على 24 شهرا». ويؤكد «ان مهمة المصرف تقتصر على علاقته بالزبون الذي له حرية اختيار الطبيب المناسب، ويتحمل هو مسؤولية هذا الخيار».

ولا يوافق نصر الرأي الذي يقول إن هذا العرض سيكون سببا لتفشي ظاهرة التجميل في لبنان بشكل أوسع لأن «العديد منهم كانوا يطمحون الى الخضوع لعمليات تجميل لتحسين مظهرهم او تعديل شيء ما يشكل مشكلة نفسية بالنسبة اليهم، لكنهم كانوا يعانون ظروفا مادية تحول دون قيامهم بهذه الخطوة، فكان هذا الأمل مقتصرا على الميسورين، لذا تقديمنا هذا العرض ليس سوى تسهيل الأمر عليهم، فهم إن لم يقوموا بإجرائها اليوم، سينتظرون الى حين تحسن أوضاعهم المادية، اذاً دور هذا القرض هو تسريع الخطوة وليس أكثر».

ويعتبر نصر انه لا يمكن الحكم على موضوع التجميل سلبا، لأن هذا الأمر انساني وشخصي تختلف أولويته بين فرد وآخر، خصوصا أن المظهر الخارجي يلعب دورا مهما في حياة الانسان بشكل عام، واللبناني الذي يحب أن يبدو بأبهى حلة بشكل خاص، فليس غريبا مثلا أن فتاة باعت سيارتها كي تخضع لجراحة تجميلية وتتخلص من مشكلة كانت تسبب لها عقدة. أما الاستشارية في جراحة التجميل ميراي سميرة، فتعلق على الظاهرة بقولها: «الوضع العام غريب ولا بد من التوقف عنده، لم يعد هناك خجل أو قيود تردع الناس عن هذه الهجمة. بعد الحرب الأخيرة على لبنان، تغيرت المعايير، كما تغيرت صفات الذين يطلبون عمليات تجميل. قبل ذلك الحين كانت نسبة اللواتي تتراوح اعمارهن بين 18 و25 عاما تصل الى 80 في المائة، أما اليوم فـ 60 في المائة من الزبائن هم من الكبار الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و60، وحتى متطلبات هؤلاء اختلفت، فهي بعد أن كانت متطلبات طبيعية في هذا العمر كشد الوجه والتخلص من التجاعيد وشفط الدهون.. تحولت اليوم الى متطلبات كان على المرأة أن تطلبها في مرحلة الصبا كتجميل الأنف وتكبير الشفتين والصدر.. المهم بالنسبة إليها أن تبدو جذابة وجميلة في عيون الجنس الآخر. هناك الكثير من النساء اللواتي يأتين ويقلن لي «غيّري مظهري كما تشائين، المهم أن يكون للأحسن»، حتى من دون أن تسأل عن التكلفة». وتؤكد سميرة ارتفاع نسبة الذين يخضعون لعمليات التجميل، والدليل على ذلك أنها قد تجري في اليوم الواحد ما يزيد على 6 عمليات مختلفة، ولا تقتصر على الاناث، بل إن هناك اقبالا متزايدا من قِبل الرجال الذين يأملون العودة الى مرحلة الشباب. وتلاحظ سميرة أن الغيرة هي السبب الأساسي الذي يدفع اللبنانيات الى عمليات التجميل، بعد أن كان التماثل بالفنانات هو الدافع الأبرز. وتقول إنهن يطمحن الى استعراض أنفسهن، وفي الغالب لا يعملن، وتقتصر اهتماماتهن على النشاطات والعلاقات الاجتماعية. ولا تزيد نسبة العاملات في مراكز عالية ورصينة على 10 أو 15 في المائة، وتبقى متطلباتهن في حدود المقبول. أما الدكتور أمين نصر المتخصص في جراحة التجميل وترميم العيون، فيرى أن التجميل نتاج تطور حضاري، لذا فهو لا يوجد في مجتمع يعاني مشكلات حضارية. وهو بذلك يرى أن هذه الهجمة على عمليات التجميل طبيعية في كل مجتمع يسعى الى التطور والرقي. ويعزو ظاهرة التجميل المستشرية في المجتمع اللبناني الى حضارة هذا البلد ومجاراة أهله الذين يولون مظهرهم الخارجي الاهتمام الكافي، التطورات التي يعرفها العالم، اضافة الى وضع لبنان الجغرافي والاجتماعي الذي يستقطب المهتمين بالتجميل. كما تلعب مهارة الأطباء اللبنانيين المتخرجين في اهم الجامعات اللبنانية والعالمية، دورا مهما في هذا المجال.

وفي غياب اي احصاءات دقيقة يؤكد نصر ان هناك عشرات الآلاف من عمليات التجميل التي تجرى في لبنان سنويا للبنانيين وعرب.

هذا الواقع انعكس إيجابا برأي نصر، على وجه لبنان الحضاري والثقافي والاجتماعي، لكنه في الوقت عينه لا ينفي حدوث بعض الأخطاء التجميلية التي يرتكبها أطباء يرضخون لطلبات بعض الزبائن غير المعقولة. لذا يؤكد ان هدف التجميل هو تحسين المظهر وليس تغييره، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الطبيب الذي يفترض أن يوجه الزبون ويرشده، كي لا تكون النتائج بعكس الامنيات.

وفي ظل رغبة كل الفئات العمرية دخول غمار عالم التجميل، يوضح نصر أن هناك عمليات معينة لا يمكن أن تتماشى مع كل الأعمار، لذا نجد ان جراحة تجميل الانف، وهي الأكثر رواجا، تقتصر على من تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة، أي حتى يكتمل نمو العظم، فيما تبدأ عمليات التجميل التي تهدف بشكل اساسي لتحسين المظهر كالتخلص من التجاعيد وشد الوجه، قبل الوصول الى مرحلة الترهل من سن الـ 40، أما التصغير والتكبير والنفخ والشفط، فلا بد ان تبدأ أيضا بعد سن البلوغ، أي بعد اكتمال ملامح أعضاء الوجه والجسد، كتلك التي تصنف في خانة الترميم الطبي، أي ما هو ناتج عن وضع غير سليم، باستثناء بعض الحالات التي يمكن تحسينها في سن صغيرة للوصول الى الشكل الطبيعي.

ولا يوافق نصر بعض الآراء التي تصف من يخضع الى عمليات تجميل بأنه يعاني مشكلة نفسية، بل يراها مجرد مجاراة للتطور والتحسين وليس اكثر.

ويشير نصر الذي يعمل في دول عربية عدة، الى أن نسبة الرجال الذين يخضعون لعمليات تجميل في هذه الدول، تفوق نسبة الإناث، عكس ما هو حاصل في لبنان.

شيوع ظاهرة التجميل وانتشارها لم يحولا دون التكتم على الأرباح المادية التي تدر بها على الاقتصاد اللبناني بشكل عام، وعلى قطاع الاستشفاء بشكل خاص، اذ لا يمكن الحصول على أرقام دقيقة في هذا الاطار بسبب غياب أي احصاءات رسمية، رغم أن معظم المستشفيات اللبنانية تخصص جناحا لعمليات التجميل، يتولى اجراء ما لا يقل عن خمس عمليات يوميا. فلبنان يحتل المرتبة الثانية، بالنسبة الى عدد السكان، بعد البرازيل في عدد الجراحات التجميلية التي تجرى على أرضه. ويؤكد الدكتور سهيل عجيلي، المتخصص في جراحة التجميل، زيادة في عدد الجراحات التجميلية التي تجرى في لبنان منذ ثلاثين سنة الى اليوم أكثر من 20 مرة، فيما وصل عدد أطباء التجميل المسجلين في الجمعية اللبنانية لجراحة التجميل والترميم إلى 64 طبيبا، بعدما كان لا يتعدى الـ 6 أطباء في الثمانينات. لذا يرى عجيلي أن الواقع التجميلي المزدهر ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد اللبناني من نواح عدة، أولاها توافد السياح الذين لا يكتفون بإجراء عمليات التجميل، بل يفيدون القطاع السياحي من ناحية الاقامة في الفنادق والتسوق من المتاجر وغيرها من النشاطات.