«الطب البديل» والأطفال .. أعراضه خطيرة إذا استخدمت مع العلاج الطبي

علاجاته قد تؤدي إلى أعراض جانبية خطيرة إذا استخدمت مع العلاج الأساسي
علاجاته قد تؤدي إلى أعراض جانبية خطيرة إذا استخدمت مع العلاج الأساسي

لا شك أن عبارة الطب البديل أو التكميلي (complementary / alternative medicine) أصبحت من أكثر العبارات شيوعا في الآونة الأخيرة. وقد تكون هناك أسباب مختلفة للبحث عن بدائل عن العلاج بالشكل الطبي التقليدي المتعارف عليه له، بعضها يستند إلى حقيقة علمية هي أن معظم، وإن لم يكن كل، الأدوية أو الإجراءات الطبية المختلفة في الأغلب لا تخلو من أعراض جانبية، وهو الأمر الذي جعل معظم الناس يحاولون البحث عن بدائل أقل خطورة أو ألم وأقل تكلفة مادية.
 
الطب البديل 
يطلق مصطلح الطب البديل على أي إجراء أو عقار يتم تناوله دون وصفة طبية، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على الطب التكميلي، وهو عبارة عن استخدام أدوية أو أعشاب أو غيرها بجانب العلاج الأساسي للمريض، في تصور خاطئ لدى الكثيرين أن كل ما هو طبيعي هو بالضرورة منتج آمن طبيا، خصوصا إذا تعلق الأمر بتناول فيتامينات أو أملاح معينة دون وصفة طبية. وهذا الاعتقاد في التداوي بالأدوية أو المنتجات الطبيعية الذي بدأ استخدامه بكثرة في الأطفال يمكن أن لا يفيد الطفل، بل بالعكس، يمكن أن يحمل أعراضا جانبية قد تكون شديدة الخطورة.
 
والشيء اللافت للنظر هو أن هذه الظاهرة أصبحت لا تقتصر على مجتمعات معينة مثل الدول النامية أو الفئات الأقل تعليما، ولكن امتدت أيضا إلى المجتمعات الصناعية، وفي إحدى الإحصائيات التي أجرتها الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال في عام 2001 لاستطلاع رأي 745 من أطباء الأطفال حول الطب البديل، أوضح 87% منهم أن الآباء أو الأطفال الأكثر سنا طلبوا منهم عن الطب البديل وتحديدا عن الأعشاب.
 
ويكفي أن نعرف أن حجم الإنفاق على منتجات الطب البديل والتكميلي في الولايات المتحدة وحدها في عام 2009 وصل إلى نحو 3 مليارات دولار، وهو مبلغ يوضح مدى الاهتمام العالمي بالطب البديل.
 
علاجات مكملة 
وفي أحدث دراسة تم إجراؤها في كندا وقام بها باحثون من جامعة أوتاوا وجامعة ألبرتا بكندا، وتم نشرها في دورية طب الأطفال (journal Pediatrics)، تم الإشارة إلى أن ما يقرب من نحو 71% من الأطفال في بعض المناطق ونحو 42% في بعض مناطق الأخرى الذين يعالجون من أمراض مزمنة مختلفة في المستشفيات الكندية يتناولون أيضا علاجات مكملة أو بديلة، وأشار 20% من الآباء عن طريق استبيان تم توزيعه عليهم قبل الدخول إلى غرفة الطبيب إلى أنهم لم يخبروا الطبيب المعالج في السابق بأمر هذه العلاجات البديلة.
 
وذكرت الدراسة أنه قد يكون ذلك بسبب العلاج لفترات طويلة وعدم شفاء الحالة بشكل نهائي مما يدفع الوالدين إلى تجربة العلاج المكمل بجانب العلاج الكيميائي، ولكن المشكلة هنا تكمن في أن بعض هذه الأدوية البديلة يمكن أن يتفاعل سلبا مع المواد الكيميائية الموجودة في الأدوية التي يتناولها هؤلاء الأطفال.
 
وأوضحت الدراسة، التي تم إجراؤها على 926 عائلة وأطفالهم من المرضى، والتي شملت 10 مناطق جغرافية متفرقة من كندا، أنه على الرغم من أن كل الأطفال الذين شملتهم الدراسة جميعهم يتناولون الأدوية عن طريق وصفة طبية تصرف من الصيدليات، فإن نحو 80% من العائلات أشاروا إلى أنهم يرغبون في سماع المزيد عن العلاجات البديلة، وهو ما يدل على شيوع ثقافة التداوي بهذه الطريقة بينهم حتى في المجتمعات الصناعية الكبرى.
 
وقد كان نصف عدد الأطفال الذين شملتهم الدراسة يتناولون عقارا لم يصفه الطبيب بجانب الوصفة الطبية المعتادة لمرضهم، واكتفى 5% من هؤلاء الأطفال بتناول العلاج البديل دون الرجوع إلى الوصفة الطبية على الإطلاق، وهو ما يمثل سلوكا بالغ الخطورة.
 
وأظهرت النتائج أيضا أن الآباء كان لديهم دافع قوي لإعطاء الطفل العلاج البديل في حالة عدم تحسن صحته على العلاج التقليدي، فضلا عن الخبرة الجيدة للآباء بالنسبة لهذا العلاج البديل حينما أدى إلى نتائج إيجابية عند استخدامه على أنفسهم في ظروف سابقة، وبلغت النسبة نحو 3 مرات أكثر في حالة نجاح العلاج البديل عليهم.
 
خطر تداخل العلاجات 
وأضافت الدراسة أن الآباء يرغبون في معرفة المزيد عن الطب البديل وفوائده وأضراره والجرعات الصحيحة والكيفية التي يجب أن يتم تناول هذه الأدوية من خلالها، وإذا كان من الممكن تناولها كمساعد في الأمراض المزمنة من عدمه، ولكنهم لا يجدون المصدر الذي يمكنهم من التأكد من سلامة المعلومات.
 
وأشارت الدراسة أيضا إلى أن الآثار الجانبية الناتجة من استخدام العقار الطبي التقليدي والعلاج البديل في آن واحد يمكن أن تكون شديدة الخطورة نظرا للتفاعل الكيميائي (interactions) بين المواد الفعالة الموجودة في العقار وهذه الأعشاب أو الأدوية البديلة.
 
وقد حدث هذا التفاعل في 80 حالة وكانت 19 من هذه الحالات تعتبر شديدة السلبية، ومثال على ذلك تناول الأقراص التي تحتوي على زيوت الأسماك الدهنية (أقراص الأوميغا - 3 Omega) والتي تعتبر من الدهون المفيدة للجسم، ويتناولها البعض على سبيل الوقاية، ولكن هذه الأقراص، أو أي مستحضر يحتوي على هذه المادة (الأوميغا - 3)، يمكن أن يزيد من سيولة الدم وبالتالي لا يجب أن يتناوله الأطفال الذين يتم علاجهم بأقراص تزيد من سيولة الدم (anticoagulant)، مثل عقار الهيبارين، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى حدوث نزيف.
 
ومثال آخر للاستعمال الخاطئ للأعشاب هو نبات الجينسينج (Ginseng)، وهو نبات صيني الأصل ويتم استخدامه في الكثير من الأغراض مثل تقوية المناعة واضطرابات الهضم وتحسين الأزمة الصدرية بالنسبة للمراهقين والبالغين، ويستخدم أيضا في علاج مرض نقص الانتباه وفرط النشاط في الأطفال (ADHD)، إلا أن بعض الدراسات أشارت إلى أنه يمكن أن يحدث أضرارا بالغة بالكليتين، ولذلك يجب استخدامه بحرص وإخبار طبيب الأطفال عن تناوله كعلاج مكمل.
 
بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يزيد من خطورة استعمال هذه الأدوية البديلة سواء كانت أعشابا أو غيرها، أن هذه المنتجات في الأغلب لا تحتوي على المعلومات المصاحبة لأي عقار كيميائي لدواعي الاستخدام والأعراض الجانبية وأعراض الجرعة الزائدة وغيرها من المعلومات، ويكتفي منتجو هذه الأدوية بكتابة كلمة «طبيعي» (natural).
 
ويجب أن يعرف الآباء أن طبيعة جسم الطفل تتفاعل مع العلاج بشكل يختلف عن تفاعل الشخص البالغ، والآثار الجانبية للطب البديل على الأطفال ما زالت في طور الدراسة، وأن هذه المنتجات الطبيعية، حتى وإن كانت هناك دراسات تفيد بإمكانية تناولها للبالغين، فالأمر لا ينطبق بالضرورة على الأطفال.
 
كما أن تناول أي عقار حتى ولو كان طبيعيا يجب أن يكون تحت الإشراف الطبي. وكذلك يجب على معاهد الأبحاث أن تحلل المواد الفعالة للأعشاب المختلفة وتحذر من خطورة تناول ما تراه يمثل تهديدا لصحة الطفل، كما يجب على الحكومات أن لا تقلل من آثار هذه الظاهرة وتضع التشريعات المختلفة التي تضمن صحة المريض.