الإعلانات التجارية بين المعلن الغربي والمستهلك المسلم الباحث عن الأكل الحلال ومستحضرات التجميل الحلال !!

قلة من شركات الإعلانات الأميركية جرأت على الوصول إلى المستهلك المسلم في الولايات المتحدة. فإما لم يروا احتمالات كبيرة للبيع لهذا القطاع أو إنهم خشوا ردة فعل سياسية. وكانت هناك بعض الأسباب العملية أيضا: الأميركيون المسلمون قدموا من عدة خلفيات عرقية بحيث أن الأمر الوحيد الذي يربط بينهم هو الدين، وهي قضية تتجنبها معظم شركات الإعلان.
غير أن الأمر بدأ في التغيير، فالشركات الاستهلاكية ومديرو إدارات الإعلان يركزون على وسائل لاستخدام الجوانب الثقافية للدين الإسلامي لبيع منتجاتهم.


وتدرس شركات المنتجات الاستهلاكية والبقالة الوسائل التي تسمح بتكييف منتجاتهم لكي تتوافق مع التعاليم الإسلامية، التي تحظر ضمن أشياء أخرى، مثل الجيلاتين ودهون الخنزير التي تستخدم في صناعة مستحضرات التجميل ومنتجات النظافة. وتبحث محلات البيع في القطاع عن تقديم مزيد من الملابس المحافظة، حتى خلال شهور الصيف، كما تخطط شركات الإعلان الرئيسية لوضع بعض الإعلانات في القنوات الفضائية التي يشاهدها المسلمون.

ويحمل التسويق للمسلمين بعض المخاطر. إلا أن مديري قطاع الإعلانات، الذين اعتادوا على تقسيم المستهلك الأميركي إلى مجاميع مختلفة، قالوا إن تجاهل هذه المجموعة ـ التي يقدر عددها بما يتراوح بين خمسة إلى ثمانية ملايين وتزيد ـ بسرعة ستصبح مثل تجاهل سوق الهسبانيين في التسعينات.

وقالت ماريان سلزمان نائبة الرئيس التنفيذية ومسؤولة التسويق في شركة JWT، وهي وكالة إعلانات كبيرة ضمن مجموعة WPP، إنها تنوي تشجيع عملاء مثل JOHNSON & JOHNSON وUNILEVER على تسويق منتجاتهم للمسلمين الأميركيين. وقالت «يضع ذلك عبءا متزايدا على شركات التسويق في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر للقول «انظروا.. نفهم ما يدور».

وتقود شركات في منطقة ديترويت، ذات الكثافة الإسلامية، هذا التغيير. فمطاعم ماكدونالد على سبيل المثل تقدم دواجن حلال ومحلات وولغرين لديها لافتات بالعربية وسط الممرات. وبدأت شركة إيكيا التي واجهت العديد من الصعاب لاجتذاب المستهلك المسلم كما كانت تأمل، تجري استطلاعات بين منازل السكان وتتحدث إلى المسلمين لمعرفة احتياجاتهم.

وينوي فرع ايكيا في المنطقة بيع ديكورات إسلامية بمناسبة شهر رمضان في فصل الخريف المقبل وتضيف اللحم الحلال إلى مطاعمها. كما تعد كتالوغات بالعربية. ومن المتوقع تقديم حجاب يحمل اسم ايكيا للعاملات المسلمات إذا رغبن في ذلك.

وهدف التسويق بين المسلمين هو بالطبع زيادة المبيعات، ولكن الإعلانات تعبر منذ فترة طويلة عن التغييرات الاجتماعية.

وقد أشارت سالزمان إلى إعلانات ظهرت في الستينات تحمل منتجات يهودية، وهو ما ساعد، كما ذكرت، على إدخال مثل هذه الجماعات ضمن وسائل الإعلان الرئيسية. كما أشارت أيضا إلى أن إعلانات من شركات مثل ماكدونالد في أوائل التسعينات، أظهرت أمهات مشغولات اعترفن بأنهن لا يطهين الطعام كل ليلة مثل أمهاتهن.

وأكدت سالزمان على أن «التسويق ساعدنا على إعادة كتابة القواعد بخصوص ما نستريح إليه». وبما أن مكتب الإحصاء لا يسأل عن الدين، فلا يوجد تقدير رسمي عن عدد المسلمين في أميركا. وتقدم بعض الجماعات الإسلامية تقديرات مرتفعة تصل إلى 10 ملايين. بينما يشير البعض الآخر إلى أن العدد لا يزيد على ثلاثة ملايين.

وبغض النظر عن الرقم، فإن العديد من المسلمين يتجمعون في مناطق من بينها مقاطعة اورانج في كاليفورنيا وهيوستن وفي ولاية جورجيا وفي شمال فيرجينيا ومدينة نيويورك ولونغ آيلاند وفي منطقة ديترويت.

وفي الشهور القليلة الماضية، أجرت شركة JWT دراسة كبيرة عن المسلمين في الولايات المتحدة وفي بريطانيا لتحديد ما إذا كانوا سيتقبلون إعلانات متخصصة. وقد شارك في الدراسة الأميركية 835 شخصا. وينفق المسلمون الأميركيون 170 مليار دولار على المنتجات الاستهلاكية، طبقا لتقديرات JWT ومن المتوقع زيادة هذا الرقم بسرعة مع زيادة عدد السكان ودخول الشباب المسلم مجال العمل.

وقالت سلزمان ان الدراسة وجدت ان المسلمين يشترون العديد من المنتجات ولكنهم يشعرون بأنهم يستثنون من الإعلانات الرئيسية. وبصفة خاصة، كما قالت، يريدون من الشركات الانتباه لإجازاتهم.

وقالت سلزمان ان JWT لم تواجه أي متاعب في إجراء استطلاعات بين المسلمين في بريطانيا، ولكنها وجدت ضرورة التوضيح قبل كل مكالمة هاتفية أنها ليست جهة حكومية. وتنوي JWT في الأسابيع القليلة القادمة الاتصال بالمديرين التنفيذيين لكل كبار عملائها مثل جيت بلو وشركة فورد للسيارات ومصرف HSBC لتشجيعهم على التسويق للمسلمين في الولايات المتحدة وبريطانيا.

وتقول طيبة تيلور، الناشرة ورئيسة تحرير مجلة «عزيزة» التي تصدر في أتلانتا، إن المعلنين ظلوا في منطقة الشرق الأوسط والشرق الأقصى على مدى عقود وبالتالي يتعاملون مسبقا مع أسواق الدولة المسلمة. أما ألماس عباسي، وهي أخصائية في العلاج بالإشعاع، فقد أكدت أنها ستكون ممتنة تجاه أي إعلانات تأخذ في الاعتبار متطلبات الجالية المسلمة.

وأضافت قائلة انه عندما يبدأ شهر رمضان وتنشر المحال إعلانات للتهنئة بهذا الشهر وتعلن أن منتجات خاصة بشهر الصيام فإن كثيرين سيحرصون على التسوق من هذه المحال.

وتقول ابنة ألماس، وهي طالبة بالسنة النهائية في معهد نيويورك للتكنولوجيا، إن الأسرة قررت منذ ثلاث سنوات عدم مشاهدة تلفزيون الكيبل بسبب الصورة النمطية السلبية عن المسلمين. وقالت أيضا إنها سئمت من إبلاغ زملاء وزميلات الدراسة بأنها لا تتفق مع آراء أسامة بن لادن. وأضافت قائلة انه ستعشر بالارتياح إذا كفت هذه القنوات عن بث الصور النمطية السلبية عن المسلمين وبث أشياء أخرى بخلاف مشاهد القتل والعنف.

لم تتضح بعض طبيعة النهج الذي يجب أن تتبعه شركات الإعلان للوصول إلى المسلمين. فالسوق تتسم بالتنوع وتشمل مجموعات أخرى مثل الأميركيين السود وأولئك المتحدرين من دول جنوب آسيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى البيض والمحافظين. يختلف الأميركيون المسلمون حول ما اذا يجب ان ترتدي النساء المسلمات الحجاب في الإعلانات التجارية.

تجدر الإشارة إلى أن شركة «نيشنوايد للخدمات المالية» كانت قد ظلت تعلن عن خدماتها للباكستانيين والهنود، وغالبية هؤلاء من المسلمين، إلا ان الشركة تفضل التركيز على الدول التي يتحدر منها هؤلاء، حسبما أشار طارق خان، نائب رئيس الشركة لشؤون تطوير السوق والتنوع.

وقال خان إن الدين لا يزال من الناحية الثقافية أمرا مهما، وأضاف قائلا إن الشركة ربما تبدأ اعتبارا من يونيو (حزيران) المقبل نشر إعلاناتها في المطبوعات التي تنشر مناسبات الزواج لدى الهندوس والمسلمين.

ويقول رضوان جميل، مدير قسم المرطبات في شركة «يونيليفر» بباكستان، ان الشركة تنشر إعلانات للترويج لشاي ليبتون والكاسترد خلال عطلات المسلمين مع عروض للتخفيض. وأضاف جميل أن مثل هذه الخطوات ستجتذب اهتمام قطاعات واسعة من المسلمين في الولايات المتحدة دون إثارة مناقشات حول الدين. وأضاف جميل قائلا إن الأمر لا يختلف عن الإعلان لأعياد الميلاد. إذ ان الحديث هنا ليس حول المسيحيين والمسيحية وإنما حول أعياد الميلاد كمناسبة.

وأوضح ان التعامل في هذا الجانب سيكون بعناية. ويقول مسؤولون تنفيذيون في وسائل إعلام ومنظمات تعني بالمسلمين ان ثمة مخاوف حقيقية بشأن كيفية التسويق للمسلمين في عدد من الشركات الكبيرة. اما ناصر بيدون، رئيس الغرفة التجارية العربية في ديربورن بميتشيغان التي تعمل مع «آيكيا» و«وول مار» و«كومكاست» بغرض تطوير استراتيجيات للوصول الى المستهلكين المسلمين، ان الشركات الأميركية لا ترغب في المخاطرة بخسارة زبائنها المحليين.

ونظرت شركات اخرى، مثل فريتو لي وكوداك في تسويق منتجات للمسلمين. يضاف الى ان ناشري مجلات للنساء المسلمات مثل «عزيزة» وMuslim Girl Magazine، قالوا انهم نجحوا في تبديد مخاوف معلنين إزاء احتمال ان تنشر هذه المطبوعات مقالات متطرفة او سياسية.

غيرت شبكة Bridges TV بعض الجوانب المتعلقة بمبيعاتها بغرض جعل الإعلانات أكثر سهولة. وكانت الشبكة عند انطلاقها عام 2004 قد طرحت نفسها كشبكة تلفزيونية للمسلمين، إلا أنها في وقت لاحق طرحت نفسها كوسيلة «للتواصل بين الغرب والشرق»، كما يقول محمد نعمان علي، مدير الإعلانات بالشبكة. وأضاف علي قائلا ان أسماء معروفة مثل فورد ولونيستا ولينكان قد اصبحت في قائمة الشركات التي تعلن عبر الشبكة. من الناحية الأخرى، بعض شركات الإعلام التي تركز على المسلمين حثت المعلنين على تسليط الضوء على الجانب الديني.

إذ ابلغ مسؤولو شبكة «كيو تي في»، وهي شبكة ساتلايت جديدة تعنى بالقرآن، الجهات التي ترغب في الإعلان بأن التركيز على الجانب الديني هو الذي يدفع المشاهدين للحرص على المشاهدة، خصوصا عند أوقات الأذان. ويقول محمود أحمد، رئيس مؤسسة شبكة البث الرقمي ان الشركات التي تعلن في «كيو تي في» لا يجب ان تشعر بمخاوف من حدوث نتائج عكسية، ذلك ان مشاهدي «فوكس نيوز» لا يشاهدون «كيو تي في».

الإعلان في قنوات الأقمار الصناعية التي تعنى بالمسلمين والمطبوعات التي تركز على المسلمين اقل تكلفة مقارنة بوسائل الإعلام الرئيسية، كما انها اكثر فعالية بسبب محدودية عدد الشركات التي تحرص على الوصول الى جمهور المشاهدين والقراء المسلمين.

ويقول رزاق بلوش، الذي يعمل في وكالة «سبايسي بانانا» المتخصصة في الوصول الى الزبائن الذين يتحدرون من باكستان والهند، ان الشركات ربما تحرص على كسب الزبائن من خلال ضم المسلمين في بعض الإعلانات التجارية حتى في الإعلانات التي تظهر في وسائل الإعلام الرئيسية. وترى عالية فوز، وهي أميركية من اصل فلسطيني تقيم بالقرب من «آيكيا» في كانتون، انها لم تشعر بأن الإعلانات موجهة اليها كمسلمة عندما نشأت في فيرجينيا. وأضافت معلقة ان الاعلانات التجارية التي يظهر فيها مسلمون أميركيون ستجتذب انتباهها وانتباه ابنها الصبي، مؤكدة انه لا بد من ان يصبح المسلمون جزءا من الإعلان التجاري.